ذهب «ياقوتيا» ثروة أنهر الشمال الروسي التائهة بين ثلج الشتاء والحظر

البرلمان يدرس قانونًا يسمح بأعمال التنقيب بين الهواة و«المغامرين»

هواة يبحثون عن الذهب في واحد من أنهر ياقوتيا
هواة يبحثون عن الذهب في واحد من أنهر ياقوتيا
TT

ذهب «ياقوتيا» ثروة أنهر الشمال الروسي التائهة بين ثلج الشتاء والحظر

هواة يبحثون عن الذهب في واحد من أنهر ياقوتيا
هواة يبحثون عن الذهب في واحد من أنهر ياقوتيا

يعكف برلمانيون روس هذه الأيام على دراسة قانون يسمح بأعمال التنقيب عن الذهب بين الهواة و«المغامرين»، وذلك استجابة لرغبة أعداد كبيرة من سكان مناطق أقصى شمال وشمال شرقي روسيا، في العودة مجددا إلى مزاولة التنقيب الفردي الحر عن الذهب، العمل الذي مارسوه على مدار عقود، إلى أن أصدرت السلطات السوفياتية عام 1954 قانونا يحظر التنقيب الفردي الحر عن الذهب. ووضعت الدولة يدها على كل الثروات في تلك المنطقة، وحظرت الهواة و«المغامرين عشاق الذهب» من التنقيب في الأنهر الكثيرة جدًا هناك. وتتميز مناطق أقصى شمال وشمال شرقي روسيا، بامتداد الأقاليم والمقاطعات على مساحة واسعة جدًا من الأراضي، التي يكسوها الثلج معظم أوقات السنة، ولا يجد السكان المحليون سوى بعض الأعمال، مثل صيد الحيوانات البرية والأسماك، فضلا عن تربية بعض الحيوانات، كوسيلة للبقاء في ظل تلك الظروف السيبيرية القاسية. ومع دخول صناعات على صلة بالتنقيب عن الثروات الباطنية إلى المنطقة في السنوات الأخيرة، فإن أعدادًا كبيرة من أبناء القبائل المحلية يعانون من قلة فرص العمل، الأمر الذي أدى إلى هجرة من تلك المناطق نحو المدن الكبرى في روسيا الاتحادية.
ومعروف عن تلك المناطق أنها غنية جدًا بالأنهار التي يحتوي معظمها على الذهب، تحمله المياه من جوف الأرض، عبر الينابيع، وتنقله مع مجرى الأنهر. لذلك نشط كثيرون من السكان المحليين في التنقيب عن الذهب، فضلا عن أن ذلك العمل شكل عنصر جذب وتدفق للهواة خلال مواسم محددة من العام إلى تلك المناطق النائية، وهو ما ساهم في إنعاش حركة السياحة. ومن بين عدد كبير من جمهوريات ومقاطعات أقصى الشمال، الأعضاء في الاتحاد الروسي، هناك جمهورية ياقوتيا، التي تبلغ مساحتها 3103.2 ألف كيلومتر مربع، بينما لا يزيد عدد سكانها عن 950 ألف نسمة، وتجري عبر أراضيها مياه 700 ألف نهر، بعضها صغير والبعض الآخر كبير، تمتد عبر مسارات متعرجة، يبلغ طولها نحو مليوني كيلومتر داخل أراضي ياقوتيا. وفيها 800 ألف بحيرة مختلفة الأحجام. ومعروف عن تلك الأنهر أن معظمها غني عند المنبع وفي القاطع الأول من المجرى، بحجارة تحمل معها الذهب الخام.
بغية إنعاش الوضع الاقتصادي وتحسين الوضع الديموغرافي في تلك المناطق، اقترح قادة تلك المقاطعات والجمهوريات ومجموعة من العلماء من مدينة كراسنويارسك، السماح للمواطنين بمزاولة التنقيب الفردي عن الذهب. وقام عدد من النواب بطرح مشروع قانون بهذا الخصوص. ويقول مؤيدو القانون إن هذا الأمر سيساعد على تأمين فرص عمل للمواطنين، لا سيما في مناطق محددة، حيث يشكل التنقيب عن الذهب مصدرا وحيدا للدخل. كما أن عودة أعمال التنقيب ستسمح بالحد من هجرة المواطنين، وستؤدي إلى هجرة معاكسة، أي عودة كثيرين إلى موطنهم الأصلي، حيث سيتمكنون من كسب العيش. ويرى فيكتور فيدوروف، العضو في برلمان جمهورية ياقوتيا، أن السماح بالتنقيب الفردي عن الذهب سينعكس بصورة إيجابية على الوضع الاقتصادي - الاجتماعي في المنطقة، وسيساهم في تطوير قطاعي الأعمال المتوسط والصغير، ويخفف من مستويات البطالة. أما ألكسندر كوغايفسكي، مدير معهد المال والاقتصاد في مديرية شمال شرقي روسيا، فيقول إن السماح بالتنقيب عن الذهب للأفراد سينعش السياحة الصناعية في المنطقة، لافتًا إلى أن كثيرين سيأتون للتنقيب عن الذهب. ويدعو كوغايفسكي إلى افتتاح مؤسسات يمكن لهواة التنقيب بيع ما عثروا عليه من ذهب فيها.
ولا توجد مخاوف لدى أحد من المسؤولين بأن يؤدي إلغاء قانون عام 1954، والسماح للمواطنين بممارسة التنقيب عن الذهب، إلى ظاهرة مثل «حمى التنقيب عن الذهب»، ذلك أن مناخ المنطقة القاسي وعوامل طبيعية أخرى، منها اتساع مساحات البحث وطبيعة الغابات في سيبيريا، كلها عوامل ستحول دون تدفق الهواة والراغبين بشكل يصعب التحكم فيه، لا سيما أنه لا يمكن القيام بأعمال التنقيب الفردي دون استخدام آليات أو التفجير، إلا خلال 3 أشهر من السنة، ودون ذلك فإن برد الشتاء وتجمد الأنهر يحول دون ممارسة أي أعمال. مع هذا هناك من يحذر من أن التنقيب عن الذهب قد يؤدي إلى ظهور عصابات تقوم بشراء المعدن الثمين لتصنيعه وبيعه عبر السوق السوداء، وربما تنتشر عمليات تهريب الذهب الخام من هناك إلى الصين. إلا أن هذا كله لا يقتل الأمل لدى أبناء جمهورية ياقوتيا ومقاطعة مقدان أقصى شمال روسيا، بأن يعودوا يومًا إلى البحث عن حجارة الذهب، بعد زوال الجليد السميك ربيعًا، عن المجمعات المائية والأنهر من حولهم، التي يمكن العثور فيها على ثروة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».