رفع العقوبات عن السودان جاء بعد موافقة ترامب ومحادثات لشهور

رفع العقوبات عن السودان جاء بعد موافقة ترامب ومحادثات لشهور
TT

رفع العقوبات عن السودان جاء بعد موافقة ترامب ومحادثات لشهور

رفع العقوبات عن السودان جاء بعد موافقة ترامب ومحادثات لشهور

قال وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، اليوم السبت، إن قرار إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما المبدئي بتخفيف العقوبات عن السودان، اتُخذ بموافقة تامة من إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وبعد اجتماعات سرية استمرت شهورا.
وكانت الولايات المتحدة قد قالت، يوم الجمعة، إنها سترفع حظرا تجاريا فُرض قبل 20 عاما على السودان، لتلغي بذلك تجميدا للأصول، وتزيل عقوبات مالية، ردًا على تعاون الخرطوم في محاربة تنظيم داعش المتطرف وجماعات أخرى.
وستؤجّل هذه الخطوة 180 يومًا، لتحديد ما إذا كان السودان سيتحرك بشكل أكبر لتحسين سجله في مجال حقوق الإنسان ويحل صراعات سياسية وعسكرية، بما في ذلك في دارفور.
ويضع هذا التأجيل القرار النهائي في يد ترامب ووزير خارجيته، الذي من المرجح أن يكون ريكس تيلرسون، وهو مسؤول تنفيذي نفطي سابق.
وقال غندور، في مؤتمر صحافي، إن التخفيف المحتمل للعقوبات جاء نتيجة اجتماعات سرية استمرت 6 أشهر في الخرطوم، بشأن قضايا تراوحت بين محاربة «جيش الرب للمقاومة» للسلام في جنوب السودان، والمناطق التي تشهد حربًا في السودان، مثل دارفور.
وقال مدير المخابرات السودانية، إنه التقى مع جون برينان مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية مرتين، لبحث التعاون بشأن مكافحة الإرهاب والتطرف.
ووصف غندور القرار بأنه بداية تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة، والذي سيجذب الاستثمارات الأجنبية.
وفي السياق ذاته، أعلن مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني، محمد عطا المولى، السبت، أن التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب قائم منذ ما قبل عام 2000.
وقال عطا المولى: «ننسق ونتعاون مع الولايات المتحدة منذ ما قبل عام 2000 في مجال مكافحة الإرهاب» مضيفا: «نفعل ذلك لأننا جزء من هذا العالم، ونتأثر بما يحدث في دول الجوار، مثل ليبيا، وحتى بما يجري في سوريا».
وشهدت العلاقات بين واشنطن والخرطوم تحسنا في السنوات الأخيرة، حيث التقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري نظيره السوداني مرتين، في حين زار المبعوث الأميركي للسودان وجنوب السودان دونالد بوث مرارا الخرطوم.
وقال المسؤول الأمني السوداني، إن الخرطوم أعربت في يوليو (تموز) 2015 عن استيائها من إبقاء السودان على اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، رغم التعاون القائم بين البلدين، إلا أنه لم يكشف مجالات التعاون بين البلدين في هذا المجال، مكتفيا بالقول إن الخرطوم تلقت «مساعدات فنية» من الولايات المتحدة.
وقال إن السلطات السودانية، تعبيرا عن استيائها من عدم رفع اسم السودان عن لائحة الدول الراعية للإرهاب، قامت بـ«وقف التدريب وامتنعت عن تلقي المساعدات الفنية التي كانوا يقدموها لنا».
وأكد عطا المولى أنه التقى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» مرتين، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2015، مشددا على أن الخرطوم مستعدة «لتحمل أعباء مكافحة الإرهاب».



«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
TT

«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)

لم تغب «موائد الرحمن» عن الشارع المصري في رمضان، رغم تأثرها بارتفاع الأسعار؛ لتقل الوجبات في البعض، وتُقتصد مكونات بعضها، لكنها تظل صامدة ملبية حاجة الآلاف من قاصديها، ممن ينتظرون الشهر الكريم، لتخفيف الأعباء عنهم مع ارتفاع مستويات التضخم.

وتسجل مصر نسبة عالية من التضخم على أساس سنوي، بلغت في يناير (كانون الثاني) الماضي 22.6 في المائة، في وقت يتجاوز الفقراء نسبة الـ30 في المائة، وفق البنك الدولي في مايو (أيار) الماضي.

ورغم المخاوف التي سبقت شهر رمضان هذا العام من أن تؤثر ارتفاعات الأسعار أو جهود الإغاثة الموجهة إلى غزة، على حجم «موائد الرحمن» بشكلها التقليدي، أو في تطوراتها بأشكال أخرى مثل مبادرات «الإطعام المغلف»، فإن الأيام الأولى من الشهر أثبتت العكس، مع انتشار الموائد؛ جوار المساجد حيناً، وداخل سرادقات على جنبات الطرق أحياناً أخرى، أو حتى أمام المحال التجارية.

نائب محافظ القاهرة يتفقد أعمال إقامة مائدة رحمن بحي مصر القديمة (محافظة القاهرة)

لا يتعجب النائب في مجلس النواب (البرلمان)، نادر مصطفى صادق، من استمرار مظاهر التكافل والدعم في مصر رغم الضغوط الاقتصادية التي طالت الجميع، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «النزعة التكافلية تتزايد لدى المصريين وقت الأزمات، فضلاً عن أن الشعب المصري قادر على التكيف مع أصعب الظروف».

وتعاني مصر أزمة اقتصادية ممتدة منذ سنوات مع نقص العملة الصعبة، ما أجبر الحكومة على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض عامي 2016 و2023.

وتتنوع أشكال «موائد الرحمن»، فخلاف التقليدية التي يجلس مرتادوها في حلقات على مائدة، يوجد ما هو أبسط، مثل المائدة التي يقيمها رفاعي رمضان (40 عاماً) القادم من الأقصر (جنوب مصر) لإقامة المائدة، وفيها يجلس مرتادوها القرفصاء على «حصيرة»، يتناولون إفطارهم، وأمامهم مسجد الحسين وسط القاهرة.

يقول رمضان لـ«الشرق الأوسط» إن عائلته اعتادت إقامة هذه المائدة منذ كان طفلاً، ورغم أن الأسعار ترتفع طوال الوقت، وأصبحت «التكلفة مرهقة»، لكنهم أصروا على مواصلة العادة، ولو بالقليل، وتكاتفت الأسرة وأبناء قريته وكل من يرغب في المساعدة لإقامتها.

استطاع رمضان، وهو يعمل معلماً، في أول أيام الشهر من تقديم «لحم وخضروات وأرز»، مشيراً إلى أن الوجبة تختلف وفق الميزانية المتاحة لديهم كل يوم.

«مائدة رحمن» يجري تجهيزها في محافظة قنا (أخبار قفط المنيا - فيسبوك)

وعلى خلاف المرونة التي يبديها رمضان في شكل الوجبة المقدمة، تكيفاً منه مع الأسعار وإمكانياتهم، تتمسك عائلة «الدخاخني» في منطقة الأميرية (تبعد نحو 15 كيلومتراً عن ميدان التحرير) بتقديم نوعية الطعام نفسها، والتي لا بد أن تضم «لحماً أو فراخاً أو كفتة» مشوية، ويعدها طباخون محترفون، حسب محمد الدخاخني (30 عاماً) وهو صاحب شركة استيراد، ويتشارك مع أشقائه في التكفل بالمائدة، التي «أصبحت تتكلف أضعاف ما كانت تتكلفه سابقاً».

يلاحظ رجل الأعمال الشاب أن «أسراً كاملة تقصد مائدتهم مؤخراً» قائلاً: «بدأ هذا الإقبال منذ العام الماضي، وظلت هذه الأسر تقصد المائدة يومياً طوال شهر رمضان».

توقع أن يستمر الأمر على المنوال ذاته هذا العام، حسب مؤشر «الإقبال الكبير» الذي لاحظه في الأيام الأولى من الشهر. و«تمتد مائدتهم الرمضانية لنحو 300 متر، وتسع نحو ألف شخص، بتكلفة تتجاوز الـ100 ألف جنيه في اليوم الواحد» على حد قوله.

ويُشترط لإقامة «مائدة رحمن» في القاهرة «تقديم طلب إلى الحي التابع لموقع المائدة، ليقوم بدراسة الموقع ومدى ملاءمته لإقامة المائدة، على أن يتم البت في الطلب خلال 72 ساعة، ودون أي رسوم» حسب بيان لمحافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر، في 19 فبراير (شباط) الماضي. ويشيد النائب نادر مصطفى بالتيسيرات الرسمية لإقامة الموائد، مشيراً إلى أنه «لم يرصد أي شكوى عن وجود عراقيل، بل على العكس».

وجبة إفطار مغلفة يجري توزيعها على المحتاجين في أول يوم من رمضان (الشرق الأوسط)

وترى أستاذة علم الاجتماع الدكتورة هالة منصور، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الموائد الرمضانية تعكس خصوصية للمجتمع المصري القائم على «التكافل»، لافتة إلى تطورها لأشكال أخرى سواء في «وجبات إطعام تذهب إلى المحتاج، ويستطيع استخدام الفائض منها مرة أخرى عكس المائدة، أو من خلال شنط رمضان التي تضم مواد تموينية يستطيع إعداد أكثر من وجبة منها خلال الشهر».

ولم تنجُ الأشكال المتطورة من المائدة هي الأخرى من تأثير الأسعار. كانت الأربعينية مي موسى، تعد نحو 50 وجبة إفطار يومياً في رمضان الأعوام الماضية وتوزعها على محتاجين في المناطق القريبة من سكنها في منطقة المرج (شرق العاصمة)، لكن «هذا العام ومع ارتفاع الأسعار لا أستطيع إعداد أكثر من 10 وجبات» وفق قولها.

تعتمد مي التي تعمل في مجال «المونتاج»، على أصدقاء وجيران وأقارب في المساهمة معها بتكلفة الوجبات، مشيرة إلى الصعوبة التي تواجهها في تدبير الوجبات مع «ارتفاع أسعار كل شيء تقريباً» ومع هذا «تمسكنا بالحفاظ على العادة نفسها حتى لو بعدد أقل للوجبات، أو استخدام الفراخ بدل اللحوم».

ويبلغ متوسط سعر الوجبة التي تعدها 80 جنيهاً (الدولار 50.58 جنيه). ويتراوح سعر كيلو اللحم في مصر بين 300 جنيه إلى 470 جنيهاً وفقاً لنوعها، فيما يبلغ متوسط كيلو الفراخ 100 جنيه.

وأشاد النائب في البرلمان نادر مصطفى بأساليب الإطعام المختلفة الموجودة في مصر، وأحدثها «كوبون يستطيع من يملكه أن يستبدل قيمته من محال معينة، ليشتري به ما يشاء».

ومع الإعجاب بالتطوير، ترى أستاذة علم الاجتماع أهمية الموائد التقليدية التي قد تكون الأنسب لعابري السبيل، أو من يقيم وحيداً دون أسرة، خصوصاً فيما تظهره من مظهر اجتماعي، وما تعكسه من أجواء رمضانية خاصة، مستبعدة فكرة «الوصم» بالفقر عند التناول من الموائد، التي تظهر بأشكال عديدة.

وتفرض الموائد نفسها منذ سنوات كمظهر احتفائي إلى جانب مظهرها التكافلي، مع ترسيخ تقليد لإقامة موائد طويلة ممتدة لأهالي مناطق بعينها مثل «مائدة المطرية» الشهيرة، والتي يشارك في الإفطار فيها سياسيون ومسؤولون حكوميون.