مطار المزة في مرمى القصف الإسرائيلي مجددًا

خبير يرجّح وجود أسلحة لـ«حزب الله» في القاعدة الجوية السورية * نظام الأسد يطالب المجتمع الدولي بالتحرك

نيران تشتعل نتيجة الغارة الإسرائيلية على مطار المزة في دمشق أول من أمس (أ.ف.ب)
نيران تشتعل نتيجة الغارة الإسرائيلية على مطار المزة في دمشق أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

مطار المزة في مرمى القصف الإسرائيلي مجددًا

نيران تشتعل نتيجة الغارة الإسرائيلية على مطار المزة في دمشق أول من أمس (أ.ف.ب)
نيران تشتعل نتيجة الغارة الإسرائيلية على مطار المزة في دمشق أول من أمس (أ.ف.ب)

وقعت سلسلة انفجارات في قاعدة المزة الجوية والعسكرية في ضاحية المزة بالعاصمة السورية دمشق ليل الخميس - الجمعة، يعتقد أنها ناجمة عن استهداف مستودعات ذخيرة، بينما تحدث «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن تفجير انتحاري وقع قرب دمشق أدى إلى سقوط ثمانية قتلى بينهم أربعة عسكريين أحدهم برتبة عقيد.
كالعادة، اتهم النظام السوري إسرائيل بقصف قاعدة المزة الجوية العسكرية، محذرا من «تداعيات هذا الاعتداء السافر»، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» عن مصدر عسكري، في حين طالبت وزارة خارجية النظام «المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن باتخاذ إجراءات فورية لمعاقبة المعتدي الإسرائيلي ومنعه من تكرار هذه الاعتداءات».
من جانب ثانٍ، وبينما أفاد «المرصد» بأن الانفجارات ناجمة عن استهداف صاروخي لمستودعات ذخيرة، ذكر مصدر عسكري سوري نظامي أن الصواريخ انطلقت من طائرة من شمال بحيرة طبرية (الجولان المحتل) و«سقطت في محيط مطار المزة ما أدى إلى نشوب حريق في المكان».
هذا، وسمعت أصداء الانفجارات في العاصمة دمشق ورأى سكان في ضواحيها الجنوبية الغربية - القريبة من المزة - عمودا كبيرا من الدخان يرتفع من المنطقة في حين أظهرت لقطات مصورة جرى تحميلها على مواقع التواصل الاجتماعي ألسنة اللهب تندلع من أجزاء من مجمّع مطار وقاعدة المزة الجوية والعسكرية. وفي حين لم يكشف بيان جيش النظام ما إذا كانت هناك إصابات فإنه تحدث عن أن الصواريخ تسببت في اشتعال حريق. وللعلم، دأبت قوات النظام في السابق على استخدام القاعدة الجوية في المطار، الذي يقع على بعد كيلومترات قليلة عن القصر الرئاسي السوري، لإطلاق صواريخ على مناطق كانت خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة في ضواحي دمشق.
وفي العاصمة اللبنانية بيروت، رجّح الخبير العسكري العميد المتقاعد خليل الحلو «أن تكون المواقع التي استهدفت في القصف على المطار مخازن ذخيرة تحتوي على أسلحة نوعية أو شحنات أسلحة معدّة لإرسالها إلى (حزب الله)، لا سيما أن هناك حركة جوية معروفة بين إيران وسوريا عبر مطار المزة». وأوضح الحلو في تصريح لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه «الحرب في سوريا (من حيث هي حرب ضد النظام) لا تعني إسرائيل بتاتًا، بل ما يعنيها هو عدم وصول الأسلحة النوعية إلى (حزب الله) في لبنان ومنع أي نشاط أو إنشاء خلايا لمحاربتها في الجولان المحتل، وهذا ما أثبتته كل الاستهدافات الإسرائيلية لمواقع سورية خلال السنوات الأخيرة». ويذكّر في هذا الإطار: «العمليات التي استهدفت ضباطا إيرانيين وقياديين في (حزب الله) في الجولان وقبل ذلك أيضا ضرب مرفأ اللاذقية، منذ نحو 3 سنوات، حيث تبين أنه كان يحوي صواريخ أرض – بحر مضادة للسفن، إضافة إلى استهداف قوافل كانت تنقل صواريخ الفاتح 110 الإيرانية، وقالت حينها إسرائيل إنها كانت ستنقل إلى (حزب الله)».
ومن ناحية ثانية رأى الخبير العسكري اللبناني أن التهديد السوري بالرد على القصف الإسرائيلي «ليس إلا كلاما لن يجد طريقه إلى التطبيق»، موضحًا «لن ترد سوريا على إسرائيل وهي تعرف أن هذا الأمر ليس من مصلحتها». ومن ثم، لفت إلى أن «ميزان القوى كان منذ قبل الحرب ولا يزال لصالح إسرائيل التي تدرك بدورها أنه لا مصلحة لديها بالتصعيد طالما أن ما يجري في سوريا لا يشكل خطرًا عليها».
في هذا السياق، سبق أن استهدفت إسرائيل مواقع عدّة في سوريا منذ بدء الأزمة، كان آخرها المطار نفسه الذي استهدف ليلا، وذلك في 7 ديسمبر (كانون الأول) حين استهدفت صواريخ أرض - أرض إسرائيلية محيط المطار وقاعدته، وفق ما أفادت وكالة «سانا» التابعة للنظام، ورجّحت بعض المعلومات أن تكون مواقع تابعة لما يسمى «حزب الله». وكانت تلك هي المرة الثانية خلال ثمانية أيام التي تضرب فيها إسرائيل مواقع بالقرب من دمشق من دون أن تتضح أهدافها تمامًا. ويذكر أنه في السابق استهدفت أيضًا إسرائيل مواقع تابعة لـ«حزب الله» اللبناني داخل سوريا. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قال النظام إن مقاتلات إسرائيلية أطلقت صاروخين على منطقة غربي دمشق بالقرب من الطريق السريع الواصل بين دمشق والعاصمة اللبنانية بيروت في هجوم انطلق من المجال الجوي اللبناني.
المعروف أن إسرائيل لا تؤكد أو تنفي، رسميًا، ضلوعها في ضرب أهداف داخل سوريا. وردا على سؤال عن استهداف مطار المزة، قالت متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي «لا نعلق على التقارير من هذا النوع». غير أن مصادر دبلوماسية تؤكد أن إسرائيل استهدفت خلال السنوات القليلة الماضية أنظمة أسلحة متقدمة بينها قذائف روسية الصنع مضادة للطائرات وقذائف إيرانية الصنع، كما أنها قصفت قاعدة لـ«الفرقة الرابعة» المدّرعة على جبل قاسيون المطل على العاصمة السورية.
وحول بعض الاستهدافات الإسرائيلية في الداخل السوري، أدت غارة جوية في سوريا في ديسمبر 2015 إلى قتل سمير القنطار، القيادي في ما يسمى «حزب الله». ورحبت إسرائيل بمقتله قائلة إنه كان يجهز لشن هجمات عليها من الأراضي السورية لكنها لم تصل إلى حد تأكيد مسؤوليتها عن مقتله. وفي وقت سابق من العام ذاته قتلت ضربة جوية إسرائيلية في سوريا ستة أعضاء مما يسمى «حزب الله» بينهم قيادي وابن القائد العسكري السابق للحزب عماد مغنية قرب مرتفعات الجولان.
أخيرًا في تقرير لوكالة «آكي» الإيطالية، أن الغارات الجوية الإسرائيلية على مطار المزة العسكري «استهدفت مباني الرادار والإشارة ومستودعات للذخيرة»، وكذلك «استراحة تابعة لشقيق رأس النظام السوري». ولفتت الوكالة إلى أن «القصف تسببت في دمار كبير بمبنيي الإشارة والرادار في المطار، كما أدى إلى دمار جزئي لمهاجع النوم المخصصة للعناصر الذين يخدمون في المطار، واستهدفت أيضًا مستودعات للذخيرة، وأكّدت سقوط عدد من القتلى والجرحى»، لم يُعرف عددهم.
وتحدثت المصادر عن استهداف مناطق أخرى بالإضافة للمطار العسكري، وقالت: إن من بينها «الاستراحة التابعة لشقيق رأس النظام العميد ماهر الأسد، الضابط المسؤول في الحرس الجمهوري»، فضلاً عن «قصف قاعدة دفاع جوي في منطقة يعفور غرب العاصمة السورية، قام الروس بتحديثها قبل أشهر عدة؛ ما أسفر عن مقتل عدد من ضباط النظام الذين كانوا بداخلها».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.