اجتماعات أنقرة... خلافات الفصائل حالت دون حسم المشاركة في «آستانة»

المداولات في العاصمة التركية تقتصر على القياديين

مواطنون سوريون في مظاهرة بعد صلاة الجمعة في معرة النعمان ضد انتهاك قوات النظام وحلفائه الهدنة (غيتي)
مواطنون سوريون في مظاهرة بعد صلاة الجمعة في معرة النعمان ضد انتهاك قوات النظام وحلفائه الهدنة (غيتي)
TT

اجتماعات أنقرة... خلافات الفصائل حالت دون حسم المشاركة في «آستانة»

مواطنون سوريون في مظاهرة بعد صلاة الجمعة في معرة النعمان ضد انتهاك قوات النظام وحلفائه الهدنة (غيتي)
مواطنون سوريون في مظاهرة بعد صلاة الجمعة في معرة النعمان ضد انتهاك قوات النظام وحلفائه الهدنة (غيتي)

بعد إرباك وخلافات طغت على اجتماعات يومي الخميس والجمعة بين المعارضة السورية وممثلين أتراك في العاصمة التركية أنقرة، يبدو أن الأمور بدأت تتّجه إلى حل وسط، وهذا الحل يراعي مطالب الطرف السوري ويتوافق مع توجّهات تركيا التي مارست ضغوطا لحث الفصائل على الذهاب إلى مؤتمر آستانة حول سوريا، بصفتها وفدا عسكريا من دون مشاركة المعارضة السياسية بعدما باتت المباحثات تقتصر فقط على نحو 20 قياديا من الفصائل.
أولى البوادر الإيجابية أتت عبر الإعلان عن وقف لإطلاق النار في وادي بردى بمحافظة ريف دمشق، وهو الأمر الذي كانت تطالب به المعارضة، إضافة إلى هدنة شاملة في سوريا شرطا للموافقة على المشاركة في المؤتمر الذي ستستضيفه العاصمة الكازاخية آستانة. وفي حين أشارت مصادر مطلّعة لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «بدأ البحث في تشكيلة الوفد إلى آستانة، ما يعني موافقة الفصائل المبدئية على المشاركة»، توقّع المعارض سمير نشار، المطلّع على اجتماعات أنقرة، أن ينعكس الاتفاق في وادي بردى إيجابًا على المفاوضات، لا سيما أنه كان مطلبا أساسيا من قبل المعارضة، إذ قال: «قد يكون هذا الأمر نوعا من التطمينات لدفع المترددين للموافقة».
لكن في المقابل، قال القيادي المعارض عبد الرحمن الحاج لـ«الشرق الأوسط» إن قرار المشاركة في المؤتمر المقرر في العاصمة الكازاخية لم يحسم نهائيا، موضحا: «هناك خلافات حادة بين الفصائل بهذا الشأن، فهي في حين تعلن أنها لا تستطيع الذهاب في ظل عدم ضمان الوقف الشامل لإطلاق النار، فإنها تدرك في الوقت نفسه أنها غير قادرة على الرفض بسبب الضغوط التي تتعرض لها، ولا تزال بعض الفصائل الكبرى ترفض التوقيع على وثيقة القبول بالذهاب إلى المؤتمر». وبعدما كانت المفاوضات قد بدأت يوم الأربعاء، بمشاركة نحو مائة شخصية، من الفصائل المسلحة و«الهيئة العليا للمفاوضات» و«الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» و«الحكومة المؤقتة»، أشار نشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الخلافات والإرباك الذي طغى على الاجتماعات أدت إلى خروج - أمس - عدد كبير من المشاركين بحيث لم يبق أكثر من 15 أو 20 شخصا هم من قياديي الفصائل التي كانت المفاوضات شبه مقتصرة عليهم خلال الاجتماعات التي أخذت طابعا «ثنائيا» مع مسؤول تركي كبير ولم تكن مفتوحة.
وأضاف: «بات النقاش محصورا مع قياديي الفصائل الذين تعرضوا لضغوط من تركيا على أعلى المستويات للقبول بالمشاركة في المؤتمر وتسمية الوفد الذي سيمثلهم»، وأفاد نشار في الوقت عينه إلى أن «الخلاف ليس على شخصيات الوفد بل على مبدأ الذهاب إلى كازاخستان أو عدمه». ورجّح أن يكون هناك اتفاق، غير واضح المعالم، بين تركيا وروسيا، قائلا: «يبدو أن الهدف الأهم الآن هو الموافقة على المشاركة في آستانة وتشكيل الوفد». ولفت إلى أن شرط المعارضة كان إذا نجحت الهدنة الشاملة يجري الإعلان بعد عشرة أيام عن أسماء الوفد.
من جهة أخرى، في حين ذكرت بعض المعلومات أن موسكو ستدعو جهات سياسية محسوبة عليها ومقربة من النظام السوري، كمنصتي القاهرة وموسكو، أكّد قدري جميل، رئيس منصة موسكو وأمين حزب الإرادة الشعبية، لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يتلق دعوة ونقل عن الأطراف الراعية للمؤتمر تأكيدها أنه لم ولن يدعى أي طرف سياسي للمشاركة في المؤتمر المقرر يوم 23 يناير (كانون الثاني) الحالي، من أي طرف كان، وعدم تأجيل موعده المحدد، وشدد جميل على أن الهدف الأساسي والوحيد من مباحثات آستانة وقف شامل لإطلاق النار في سوريا، وسيشارك في المؤتمر فقط الفصائل التي تملك الكلمة العسكرية الفصل.
واتّهم جميل من وصفهم بـ«السياسيين المتشديين» بعرقلة مشاركة المعارضة السياسية، قائلا: «لو لم يضعوا شروطا تعجيزية لكان يمكن مشاركة كل المعارضة السياسية، لكن تعطيلهم أدى إلى اتخاذ قرار اقتصار مباحثات آستانة على الفصائل».
جدير بالذكر، أنّ المعارضة كانت قد وضعت شروطا ترتكز على ضمان وقف إطلاق نار شامل، وعدم محاولة أي طرف تغيير الخريطة العسكرية الحالية، ومنع خطط التهجير القسري، لا سيما في ريف دمشق والغوطة الشرقية، على أن يجري بعد ذلك البحث في الذهاب إلى آستانة، مع تأكيد ألا يؤدي هذا المؤتمر إلى تجاوز مفاوضات جنيف.
في هذه الأثناء، قال مصطفى سيجري، القيادي البارز في الفصائل السورية إن الجانب التركي الذي شارك ببعض اجتماعات أنقرة «ما زال على موقفه الثابت» تجاه الثورة السورية مهما كان القرار الذي ستخرج به الفصائل من الاجتماع الذي لا يزال منعقدًا. وذكر سيجري، رئيس المكتب السياسي في «لواء المعتصم» - أحد أبرز الفصائل في الشمال السوري - المشارك في عمليات «درع الفرات» التي تدعمها أنقرة، أن الاجتماعات التي تعقد في العاصمة التركية أنقرة «اجتماعات سورية داخلية مع حضور للجانب التركي بعضا منها».
وتابع سيجري، في تصريح لـ«شبكة شام» المعارضة، أنه لم يُتخذ قرار نهائي بعد، مشيرًا إلى «مشاركة معظم القوى السياسية والثورية مثل الحكومة السورية المؤقتة ممثلة برئيسها وعدد من أعضاء الائتلاف وهيئة المفاوضات وشخصيات مستقلة، بالطبع، إلى جانب الفصائل العسكرية، في الاجتماعات»، ولفت إلى أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أرسل عبر رئيس المخابرات التركية، حقان فيدان، رسالة مفادها بأن تركيا ما زالت على موقفها الثابت، وهي «معنا مهما كان قرارنا»، وفق قوله.
وفي حين لفت القيادي المعارض إلى أن قضية وادي بردى كانت تحظى باهتمام ومتابعة مباشرة من الرئيس التركي، فإنه نفى وجود أي ضغوط على المشاركين في الاجتماعات من قبل الجانب التركي، قائلا: «الأجواء جيدة يسودها النصح والاهتمام من الجانب التركي»، حسب قوله.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.