أزمة الكهرباء في غزة تتحول إلى مواجهات في الشوارع

حماس تستخدم الرصاص والضرب لتفريق المظاهرات وترد بإحراق صور عباس والحمد الله مع توسع تبادل للاتهامات

فلسطينيون يتظاهرون في مخيم جباليا شمال غزة احتجاجا على أزمة الكهرباي التي يعيشها القطاع (أ ب)
فلسطينيون يتظاهرون في مخيم جباليا شمال غزة احتجاجا على أزمة الكهرباي التي يعيشها القطاع (أ ب)
TT

أزمة الكهرباء في غزة تتحول إلى مواجهات في الشوارع

فلسطينيون يتظاهرون في مخيم جباليا شمال غزة احتجاجا على أزمة الكهرباي التي يعيشها القطاع (أ ب)
فلسطينيون يتظاهرون في مخيم جباليا شمال غزة احتجاجا على أزمة الكهرباي التي يعيشها القطاع (أ ب)

دخلت أزمة الكهرباء في قطاع غزة مرحلة جديدة، مع تفجر مواجهات بين متظاهرين غاضبين والقوات الأمنية التابعة لحماس، التي استخدمت الرصاص واعتدت بالضرب واعتقلت متظاهرين، في أسوأ مواجهات بين الحركة ومواطنين بشأن الكهرباء منذ سيطرت الحركة على قطاع غزة عام 2007.
وتحولت الأزمة الحالية إلى مناسبة للحرب الكلامية كذلك بين الحركة الإسلامية والسلطة الفلسطينية، ومع فصائل أخرى رفضت المعالجة الأمنية التي قامت بها حماس للأزمة الشعبية المتفاقمة.
وواجهت الحركة متظاهرين خرجوا بالمئات من مخيم جباليا في وقت متأخر الخميس، بإطلاق رصاص واعتداء بالهراوات طال كذلك صحافيين، وفرقت المسيرات التي نادت «بدنا كهرب (كهرباء)» بالقوة، قبل أن تشن اعتقالات طالت أكثر من 35 ناشطا بحسب مصادر محلية.
وأكدت مصادر محلية أن مقنعين يستقلون سيارات رباعية الدفع من نوع «فورد» ولا تحمل أي لوحات تسجيل نفذوا عمليات الاعتقال والمداهمات التي تركزت غالبيتها في وسط وشمال القطاع.
واستهدفت الاعتقالات قيادات في حركة فتح، بنيهم الناطق باسم الحركة فايز أبو عيطة، الذي أفرج عنه لاحقا، وفي الجبهتين الشعبية والديمقراطية والحراك الشبابي السلمي، ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت الوكالة الفلسطينية الرسمية إن حماس تستغل عددا كبيرا من الأطفال والمراهقين وتكلفهم بجمع المعلومات ورصد النشطاء من خلال التنقل عبر الدراجات الهوائية، وعلى الأقدام.
ولاقى استخدام حماس للقوة غضبا كبيرا في الشارع الفلسطيني على المستوى الرسمي والشعبي ومن الأمم المتحدة كذلك.
وطالبت الأمم المتحدة بحق التظاهر والتجمع السلمي في غزة، داعية كل الأطراف المعنية إلى حل جذري لازمة الكهرباء التي تعصف في القطاع في هذا الشتاء.
وقال المبعوث الأممي للأمين العام للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية نيكولاي ميلادنوف في تصريح صحافي إنه يتابع «بقلق شديد التوترات الحادثة في قطاع غزة بعد أن ترك الناس بلا كهرباء التي تأتي لعدة ساعات في اليوم فقط في شتاء بارد».
وطالب ميلادنوف بضمان حرية التظاهر السلمي والتجمع وحرية التعبير في غزة، داعيا في الوقت ذاته كل الأطراف إلى إيجاد حل سريع وعاجل لمشكلة الكهرباء.
كما طالبت حركة فتح، حركة حماس بضرورة الوقف الفوري والتام لكل ممارساتها التي وصفتها بـ«الانتقامية» ضد كوادرها وأنصارها بغزة، قائلة إنها تتابع «ما يدور هناك من قمع وإطلاق نار من قبل أفراد أمن حماس الذي فض احتجاجات سلمية بطرق تُدلل على فقدانها لسيطرتها على أنفسهم وفقدانهم للاتزان والعقل والمنطق، أمام مجموعات شبابية وشعبية خرجت لترفض الواقع الإنساني المهين، الذي يعاني منه كل أهلنا وخاصة قطع التيار الكهربائي وما تسبب به من ويلات وأزمات عصفت بالحياة بغزة».
وأكدت فتح على حق التظاهر السلمي، وحرية التعبير المكفولة في كل المواثيق الدولية والإنسانية.
وقالت الجبهة الشعبية إنها تنظر بخطورة لما تقوم به الأجهزة الأمنية في قطاع غزة من ملاحقة واعتقال ومداهمة لبيوت الفلسطينيين بما في ذلك كوادر الجبهة. وأكدت الجبهة «أن هذا المدخل الأمني لن يعالج الأزمة بل سيفاقمها، وسوف يوسع من دائرة ردود الأفعال الغاضبة، والوصول لأوضاع أكثر تعقيدًا والتي من الممكن أن تخرج عن السيطرة».
كما رفضت حركة الجهاد الإسلامي طريقة حماس وقالت إن «المظاهرة التي خرجت في مخيم جباليا يجب أن تستوقفنا جميعا فهي تحمل إشارات مهمة».
وتابعت: «لا يمكن معالجة غضب الناس بالتدخل الأمني».
وقالت الجهاد «كل مواطن فلسطيني أينما وجد يستحق من المسؤولين تقبيل رأسه فلقد تحمل ولا يزال الأعباء الكبيرة ويدفع أيضا ثمن أخطاء كثيرة وفشل وسوء تخطيط وعجز».
وانتقل الغضب إلى صفحات التواصل الاجتماعي مع تداول كبير لفيديوهات من المظاهرات التي كان يهتف فيها الشبان «بدنا كهرب بدنا كهرب»، و«يا ضحايا الانقسام قولوا للحكام أهل غزة مش عبيد».
ويعاني قطاع غزة الذي يعيش فيه مليونا نسمة، منذ 10 سنوات، من أزمة كهرباء حادة، لكنها تطورت هذه الشتاء إلى الحد الذي أصبح معه الغزيون ينعمون بها 3 ساعات في اليوم فقط.
ويحتاج القطاع إلى نحو 400 ميغاواط من الكهرباء، لا يتوفر منها إلا 212 ميغاواط، تقدم «إسرائيل» منها 120 ميغاواط، ومصر 32 ميغاواط وشركة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة 60 ميغاواط.
وتقول حماس إن السلطة تتحمل مسؤولية الأزمة، وتقول السلطة إن حماس تسرق الكهرباء والناس في غزة ولا تكترث لهم.
وأمس أخرجت حماس المئات من عناصرها في مظاهرة مضادة، وأحرقت صور الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء رامي الحمد الله.
وقال مشير المصري القيادي في حركة حماس: «اليوم نخرج بكل غضب في وجه الخيانة وتآمر السلطة والحكومة ومحاربة المقاومة ومعاداة شعبها وحصارها لغزة، جئنا لنقول نحمّل المسؤولة للرئيس عباس ورئيس الوزراء عن معاناة شعبنا وحصاره وخاصة بأزمة الكهرباء».
وقال المصري «السلطة تأخذ ضرائب من غزة 120 مليون دولار منها 70 مليونا لصالح موظفيها وتضع في جيبها 50 مليون دولار، كما أنها تأخذ على كل لتر وقود صناعي لمحطة التوليد نحو دولار كضرائب».
وترفض الحكومة الفلسطينية هذه الأرقام.
وأوضح وزير المالية شكري بشارة أن مجموع تكلفة الطاقة التي تؤمنها الحكومة لقطاع غزة يبلغ 270 مليون دولار.
وهذا المبلغ يشكل أكثر من 30 في المائة من عجز الموازنة. وأضاف في بيان أن «الحكومة تدفع ثمن الكهرباء من إسرائيل نحو 15 مليون دولار شهريا».
وتابع أنها «تدفع ثمن الكلفة الإنتاجية والتشغيلية لمولد الطاقة أي نحو 28 مليون دولار سنويا وثمن الكهرباء من مصر التي يتم خصمها من مخصصات الحكومة لدى جامعة الدول العربية وتبلغ 23 مليون دولار سنويا».
كما تتحمل الحكومة «مسؤولية تأمين سيولة وتمويل الوقود لمحطة توليد كهرباء غزة بإعفائها من الضرائب».
وأكد بشارة أن الحكومة «تسدد كامل تكلفة التطوير والصيانة لشبكة الكهرباء في قطاع غزة التي تم إنجازها عام 2016 بما يقارب 25 مليون دولار».
وتقول الحكومة الفلسطينية «إن إصرار حركة حماس على السيطرة على شركة توزيع الكهرباء وسلطة الطاقة والموارد الطبيعية في القطاع (...) حال دون تهيئة المناخ لتنفيذ المشاريع الاستراتيجية لزيادة كميات الطاقة لقطاع غزة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.