فيون مرشح الرئاسة الفرنسية المقبل يصف إطراء الأسد له بـ«هدية مسمومة»

قال في حوار تلفزيوني إنه لا يؤيد بقاءه في السلطة لأنه ديكتاتور ودموي

سكان محليون من تفتناز بريف إدلب يساعدون قوات الدفاع المدني (القبعات البيضاء)  في بحثهم عن ناجين تحت ركام بناء بعد غارة من الطيران الحربي على البلدة (أ.ف.ب)
سكان محليون من تفتناز بريف إدلب يساعدون قوات الدفاع المدني (القبعات البيضاء) في بحثهم عن ناجين تحت ركام بناء بعد غارة من الطيران الحربي على البلدة (أ.ف.ب)
TT

فيون مرشح الرئاسة الفرنسية المقبل يصف إطراء الأسد له بـ«هدية مسمومة»

سكان محليون من تفتناز بريف إدلب يساعدون قوات الدفاع المدني (القبعات البيضاء)  في بحثهم عن ناجين تحت ركام بناء بعد غارة من الطيران الحربي على البلدة (أ.ف.ب)
سكان محليون من تفتناز بريف إدلب يساعدون قوات الدفاع المدني (القبعات البيضاء) في بحثهم عن ناجين تحت ركام بناء بعد غارة من الطيران الحربي على البلدة (أ.ف.ب)

«إنها هدية مسمومة».. هكذا وصفت أوساط فرنسوا فيون، المرشح اليميني للانتخابات الرئاسية الفرنسية «الإطراء» الذي أسبغه الرئيس السوري بشار الأسد على توجهاته السياسية بالنسبة للوضع في سوريا ومحاربة الإرهاب كما جاء في حديث الأخير لثلاث وسائل إعلامية فرنسية رئيسية قبل ثلاثة أيام. لكن هذه المرة، لم يكتف فيون بما يقوله معاونوه أو الناطقون باسمه بشأن تفاعلات زيارة ثلاثة نواب فرنسيين على رأسهم النائب تييري مارياني إلى سوريا ولقائهم الأسد، بل حرص أمس على توضيح موقفه شخصيا ووضع النقاط على الحروف في حديث للقناة الإخبارية الفرنسية «بي إف إم».
لا يريد فيون أن يعد من داعمي الأسد أو من الداعين إلى بقائه في السلطة. والتصريحات التي جاءت على لسانه أثناء الحملة التمهيدية للفوز بترشيح حزب «الجمهوريون» للرئاسيات في الربيع القادم وقربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، جعلت الرأي العام الفرنسي يصنف فيون في خانة الواقفين في صف الأسد. من هنا قوله أمس إنه «لا يؤيد بقاء الأسد في السلطة فهو ديكتاتور لديه ماض دموي». وأضاف رئيس الحكومة السابق: «أقول فقط إن بشار الأسد يحظى بدعم قسم من الشعب وأن الدبلوماسية الفرنسية والغربية أقصتا نفسيهما من النزاع السوري برفضهما فكرة التحدث إليه». أما بشأن دخول الأسد على خط الانتخابات الفرنسية و«ترحيبه» بمواقف فيون من الوضع في سوريا وتحديدا من مسألة محاربة الإرهاب، فقد اعتبرها المرشح الرئاسي نوعا من أنواع «المراوغة». ودعا فيون الإعلام الفرنسي إلى التنبه لكي لا يكون مطية لـ«تلاعبات الأسد».
حقيقة الأمر أن التفاعلات التي أفضت إليها زيارة النواب الثلاثة إلى سوريا بسبب ثنائهم على النظام وتجاهلهم لما قام به ولمآسي الشعب دفعت اليمين واليسار على السواء لتوجيه النقد اللاذع لهم. لكن الإدانة القوية الصادرة أمس عن فيون سببها ما علق بأذهان الفرنسيين من أنه من أنصار الأسد بسبب الانتقادات التي يوجهها للدبلوماسية الفرنسية التي يقول عنها إنها أفضت إلى طريق مسدود واعتباره، قبل أسابيع قليلة أنه يتعين إعادة إقامة قناة اتصال مع النظام السوري من خلال إعادة إقامة تمثيل دبلوماسي جزئي في دمشق.
وكان الملف السوري أحد مواضع التباين بينه وبين المرشح اليميني الآخر ألان جوبيه الذي بدأ قريبا جدا من الخط الذي تسير عليه الدبلوماسية الفرنسية لجهة اعتباره أن الأسد لا يمكن أن يكون جزءا من مستقبل سوريا. لكن اليمين المتشدد الفرنسي وبعض اليمين المحافظ المنضوي تحت راية حزب «الجمهوريون» الذي ينتمي إليه اثنان من النواب الثلاثة الذين ذهبوا إلى دمشق مضافا إليهما بعض اليسار المتشدد، يرى أنه يتعين الوقوف إلى جانب النظام «لأنه ليس عدوا لفرنسا بعكس «داعش» التي أعلنت الحرب عليها». ويعد تييري مارياني رأس الحربة للتوجه المذكور يمينيا إذ أنه قاد ثلاث مجموعات نيابية إلى سوريا وفي المرات الثلاث، ذهب إلى لقاء الرئيس السوري. وتبين تصريحاته لوسائل الإعلام السورية المحلية تأييدا واضحا للنظام. وسبق له أن أثار جدلا واسعا في باريس بعد زيارة إلى شبه جزيرة القرم بعد أن ضمها الرئيس بوتين إلى روسيا في عام 2014. وذهب مارياني إلى اعتبار أن ضمها جاء شرعيا وقانونيا لأنه أعقب استفتاء عاما، يعلم الجميع أنه كان «مفبركا» على الطريقة الروسية.
ثمة أمر ثابت يركز عليه فيون كلما تناول الحرب في سوريا والحرب على الإرهاب بشكل عام، وهو حديثه عن وضع مسيحيي المشرق. وإحدى الصور النمطية التي يتم الترويج لها هي اعتبار أن نظام الأسد يحمي المسيحيين كما الأقليات الأخرى. لكن كلامه الأخير ينم عن عنف في النظرة إلى النظام السوري وفي وصفه للرئيس الأسد شخصيا، ما يعني أن الذين يراهنون على تغير سريع وجذري في السياسة الفرنسية في حال وصوله إلى الرئاسة قد يصابون بخيبة أمل كبيرة. لذا، فإن المحيطين بالمرشح اليميني كانوا قد مهدوا الطريق لما قاله فيون أمس، إذ سربوا إلى وسائل إعلامية أن النواب الثلاثة لم يحملوا أي رسالة منه إلى الأسد وأنه يرفض استقبالهم لدى عودتهم، ما يعني أنه يريد الابتعاد تماما عما يروجون له من مقولات. وحرص تييري سولير، الناطق باسم فيون على القول إن زيارة الثلاثة جاءت بـ«مبادرة شخصية» من النواب الثلاثة وإنه «لا يحبذ الدبلوماسية البرلمانية» التي تأتي لتنافس الدبلوماسية الرسمية الممثلة بوزارة الخارجية. كذلك، فإن هذه الزيارة أثارت غضب النائب برونو لو مير، المسؤول عن ملف العلاقات الدولية في فريق فيون الانتخابي والمرشح ليشغل وزارة الخارجية في حال فوزه بالرئاسة.
هكذا، أصبحت الحرب السورية مادة للجدل الداخلي، ولا شك أن الرئيس هولاند سيعود إلى تناولها مجددا صباح اليوم في الكلمة التقليدية التي سيلقيها أمام السلك الدبلوماسي الأجنبي المعتمد في باريس بمناسبة العام الجديد. لكن مشكلة باريس أنها تجد نفسها اليوم مهمشة في الملف السوري الذي انتقلت دفة إدارته إلى روسيا وتركيا إيران، فيما «الشريك» الأميركي غائب اليوم بسبب المرحلة الانتقالية بين رئيس وافد وآخر مغادر. لكن الأوساط الفرنسية تعتبر أنها ستعود إلى الملف عندما تستأنف المحادثات السورية في جنيف وعندما تنتقل إدارته مجددا إلى الأمم المتحدة.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.