أولويات الجنرال ماتيس: إيران ثم إيران ثم إيران

اختاره ترامب وزيرا للدفاع والبيت الأبيض رفض اقتراحه بضرب طهران في 2011

الجنرال جيمس ماتيس في الكونغرس الأميركي الأربعاء الماضي (أ.ب)
الجنرال جيمس ماتيس في الكونغرس الأميركي الأربعاء الماضي (أ.ب)
TT

أولويات الجنرال ماتيس: إيران ثم إيران ثم إيران

الجنرال جيمس ماتيس في الكونغرس الأميركي الأربعاء الماضي (أ.ب)
الجنرال جيمس ماتيس في الكونغرس الأميركي الأربعاء الماضي (أ.ب)

كانت الصواريخ التي أرسلتها إيران تنهمر بكثافة فوق رؤوس الجنرال جيمس ماتيس وجنوده طوال فصلي الربيع والصيف عام 2011. ولقي ستة جنود أميركيين حتفهم جراء القصف المتواصل شرق بغداد بداية شهر يونيو (حزيران) من ذلك العام. وبعد أسابيع قليلة، قتل ثلاثة جنود آخرين جراء قصف مماثل، ليرتفع عدد القتلى خلال شهر واحد إلى 15 قتيلاً. كان ذلك الشهر الأسوأ للقوات الأميركية في العراق خلال عامين، وتعهدت الميليشيات التي تدعمها إيران بشن المزيد من الهجمات الصاروخية وإراقة المزيد من الدماء.
وشدد الجنرال ماتيس، القائد الأعلى للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، آنذاك أن يرسل رسالة واضحة لطهران لكي تتوقف عن ممارساتها. وبحسب مسؤول أميركي رفيع سابق، حضر جلسة وجد فيها السفير الأميركي وقائد القوات الأميركية في العراق اللذان أيدا ماتيس في طرحه، كان المقترح هو الرد على إيران في عقر دارها.
وكان من ضمن المقترحات، توجيه ضربة جوية أميركية في منتصف الليل لمحطة كهرباء أو لمصفاة نفط إيرانية، وفق المسؤولين اللذين طلبا عدم ذكر اسميهما. وأفاد أحد المسؤولين بأن ماتيس أبلغ واشنطن بقوله: «علينا أن نجعلهم يدركون أن لدينا صواريخ كذلك». سرعان ما وصلت مقترحات ماتيس البيت الأبيض، الذي تبنى وجهة نظر مختلفة إزاء كبح جماح إيران لكي تتوقف عن ممارساتها العدوانية.
فبالنسبة للرئيس باراك أوباما، لن يؤدي ضرب إيران إلا إلى تفاقم الأوضاع وتوسيع نطاق الصراع الذي وعد بإنهائه، فيما رأى آخرون في البيت الأبيض أن مقترحات ماتيس تحمل في طياتها بوادر حرب جديدة في الشرق الأوسط.
عكست معركة الرد على الخسائر التي تكبدتها القوات الأميركية صيف عام 2011 الانقسام الكبير الذي نشأ بين الرئيس أوباما وكبار قادة قواته في الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي استشعر فيه البيت الأبيض مخاطر مغامرة القيام بعمل عسكري، كان ماتيس يمثل الصوت الآتي من الميدان والمصمم على رد فعل قوي.
وفي السياق نفسه، قال ليون بانيتا، وزير الدفاع في تلك الفترة: «كان هناك بالبيت الأبيض من يرون أن مقترحات ماتيس تمثل مغامرة. لكن بالنسبة لي، كنت أرى أن أيًا من تلك المقترحات كانت بالنضج الكافي، أو أنها تستحق أن ينظر الرئيس فيها ليتخذ قرارًا بشأنها». في النهاية، لم يرق مقترح ماتيس وأسلوبه العدواني للبيت الأبيض ولا للرئيس.
والآن سيلعب ماتيس دورًا مختلفًا بعدما أصبح اختيار دونالد ترامب لوزارة الدفاع، إذ إنه سيتولى قيادة قوة قوامها نحو 1.3 مليون جندي موزعة على أكثر من 150 دولة. وسيخدم ماتيس رئيسًا سبق وأن شكك في حيادية وكالات الاستخبارات الأميركية، ودعم أحيانًا أطرافًا لطالما كانت تعتب خصوما، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فترامب رئيس يميل دومًا لغير المتوقع، ويفضل ذلك على النقاش المتأني، ويميل للقوة أكثر من الدبلوماسية.
طبيعة خلاف ماتيس مع إدارة أوباما، وتحديدًا إزاء إيران، تعطي مؤشرًا على الأسلوب الذي سيقود به الجنرال البحري المتقاعد أكبر قوة عسكرية في العالم، والنصيحة التي سيسديها لترامب في الأوقات الحساسة عند لقائهما بغرفة الاجتماعات بالبيت الأبيض. فالنقاشات الحامية عام 2011 بشأن طريقة التعامل مع مسألة الصواريخ الإيرانية استمرت لأسابيع.
وفي هذا الصدد، قال مسؤول سابق بالبنتاغون شارك في النقاشات إنه «كان هناك قلق بشأن حجم رد الفعل وتأثيره، وما إذا كان الإيرانيون سيصعدون الموقف. هل تستطيع فعليًا تحديد المسؤولين عن ذلك بدلاً من توجيه اتهامات عشوائية؟ ما ستفعله لن يكون أكثر من محاولة وخز، هل يمكنك أن تفعل ما هو أكبر من الوخز من دون أن تتسبب في نشوب صراع؟» في النهاية، سمح لماتيس بالتصرف داخل العراق ضد قادة الميليشيات الذين تقودهم إيران.
وبرزت إيران خلال أغلب فترات رئاسة أوباما، كإحدى أكبر مشكلات السياسة الخارجية الأميركية وأكثرها اشتعالاً. ومن أهم أوجه هذا التحدي، كان أسلوب إدارة إسرائيل بوصفها أقرب الحلفاء بالمنطقة، بل والاعتداء الذي تستطيع القيام به بمفردها ضد إيران.
كان القادة الإسرائيليون يرسلون رسائل مختلطة إلى إدارة أوباما وكبار مستشاريه عن رغبتهم في منع إيران من تطوير سلاح نووي. وأبلغ وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك نظراءه بالبنتاغون عن خطط سرية لشن هجمات، على غرار عمليات القوات الخاصة (الكوماندوز) على أكثر المواقع الإيرانية تحصينًا، فيما أبلغ جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، الموساد، الأميركيين سرًا بأن إسرائيل لن يمكنها اتخاذ إجراء أحادي ضد إيران، مما وضع البيت الأبيض في حيرة إزاء تصديق أي من الرأيين.
فعمل ماتيس بالقيادة المركزية كان الاستعداد في حال أشعلت إسرائيل حربا، وإعطاء إشارة للإيرانيين بأن العواقب ستكون وخيمة عليهم حال قرروا توسيع نطاق الصراع مع الولايات المتحدة. حمل ماتيس تلك المسؤولية على عاتقه بجدية، وأحيانًا بجدية أكبر من تلك التي تعامل بها البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية مع الأمر، بحسب مسؤولين حاليين وسابقين.
فبعد تعيين ماتيس قائدًا للقوات الأميركية بالشرق الأوسط مباشرة في أغسطس (آب) 2010، وعندما طلب منه أوباما توضيح مهامه وأولوياته في الشرق الأوسط، أجاب: «الأولوية الأولى إيران، والثانية إيران، والثالثة إيران»، وفق مسؤول رفيع حضر اللقاء. أثار تركيز الجنرال على أمر واحد فقط أعصاب بعض القادة المدنيين الذين قالوا إنه من الواجب عليه توسع نظرته لتشمل تهديدات أخرى. فأسلوب ماتيس وتباهيه دوما بسلاح البحرية الذي ينتمي إليه، غالبًا ما ضرب الوتر الخطأ في البيت الأبيض الذي كان يركز على الدبلوماسية، وهو الأمر الذي لم يتوافر بوضوح لدى كبار المسؤولين ذوي الخلفية والخبرات العسكرية. غير أن ماتيس ومساعديه كانوا يمثلون الصوت العالي في أي خطة عسكرية أميركية بشأن إيران.
وكانت استعدادات ماتيس لصراع محتمل تثير بعض المسؤولين الأميركيين، الذين دعاهم لحضور اجتماع بمقر القيادة المركزية في أحد بلدان الشرق الأوسط عام 2011 ليسمع وجهات نظرهم بشأن أسلوب رد إيران المحتمل ضد حلفاء الولايات المتحدة، ومنشآتها الحيوية. وبحسب سفير حضر اللقاء، شعر بعض الدبلوماسيين بأن ماتيس بدا وكأنه يصف سيناريو «الحرب العالمية الثالثة».
في بعض الأحيان، كان الجيش الأميركي يجري تدريبات بهدف إرسال رسائل للحرس الثوري الإيراني للإيحاء بجدية الولايات المتحدة. وكان يحدث أحيانًا خلال وبعد هذه المناورات أن ترصد وكالات التجسس الأميركية رد الفعل الإيراني، وأحيانًا لم يكن الإيرانيون ينتبهون للإشارة المقصودة، وكان الأميركيون يفهمون أن إيران لم تلتقط إشارتهم ومقصدهم. وفي مرات أخرى، كان الإيرانيون يظهرون رد فعل لممارسات أميركية رغم أن الأميركيون لم يقصدوا شيئًا من ورائها.
وفي هذا الصدد، قال مسؤول كبير بالبنتاغون إن «ضباب وغيوم الحرب كانت كبيرة». فوسط هذا الجو المليء بالتوتر، بدأ ماتيس في الضغط للحصول على صلاحيات لضرب الإيرانيين بقوة في حال ظهرت بوادر التحول للحرب على إيران. وكان من المحتمل أن تبدأ أول بوادر الحرب الإيرانية مع الولايات المتحدة أو إسرائيل بإلقاء إيران لألغام بحرية في مضيق هرمز، لخنق إمدادات النفط بالشرق الأوسط.
طالب ماتيس الموافقة على ضرب الزوارق الإيرانية السريعة بمجرد أن يصل لمسامع الاستخبارات الأميركية معلومات مؤكدة عن شروع إيران في وضع الألغام بالمضيق. فوفق تفكيره، الزوارق الإيرانية ستكون الهدف الأسهل عندما تكون في موانئها، وأن ضربة كهذه سوف تتسبب في شلل قدرات إيران العسكرية قبل أن تتحرك من مكانها. غير أن البيت الأبيض شعر بقلق من أن معلومات استخباراتية مغلوطة أو أن تقييمًا متسرعًا قد يشعل حربًا مع إيران من دون داعٍ. وبحسب بانيتا: «مفهوم أننا في حال قررنا خوض حرب بمضيق هرمز، يجب أن يكون للرئيس دور».
اختتم ليون بانيتا كلامه قائلاً إن القرار الأخير الذي أعقب نقاشات ساخنة نهاية عام 2011 وبداية عام 2012 كان يتجه لتبني حل وسط، بأن يتخطى أوباما البيت الأبيض بإجراءاته الحذرة والمتثاقلة، ويقرر هو بنفسه ما إذا كان سيتخذ قرارًا على وجه السرعة بشأن ضرب الزوارق الإيرانية، إذا احتاج الأمر ذلك.

خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
TT

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

وفي مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية الأسبوعية، نشرتها اليوم الجمعة، قالت ميركل إن ترمب «تحد للعالم، خاصة للتعددية».

وقالت: «في الحقيقة، الذي ينتظرنا الآن ليس سهلا»، لأن «أقوى اقتصاد في العالم يقف خلف هذا الرئيس»، حيث إن الدولار عملة مهيمنة، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وعملت ميركل مع أربعة رؤساء أميركيين عندما كانت تشغل منصب مستشار ألمانيا. وكانت في السلطة طوال ولاية ترمب الأولى، والتي كانت بسهولة أكثر فترة متوترة للعلاقات الألمانية الأمريكية خلال 16 عاما، قضتها في المنصب، والتي انتهت أواخر 2021.

وتذكرت ميركل لحظة «غريبة» عندما التقت ترمب للمرة الأولى، في البيت الأبيض خلال شهر مارس (آذار) 2017، وردد المصورون: «مصافحة»، وسألت ميركل ترمب بهدوء: «هل تريد أن نتصافح؟» ولكنه لم يرد وكان ينظر إلى الأمام وهو مشبك اليدين.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل يحضران حلقة نقاشية في اليوم الثاني من قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا... 8 يوليو 2017 (أ.ف.ب)

ونقلت المجلة عن ميركل القول: «حاولت إقناعه بالمصافحة بناء على طلب من المصورين لأنني اعتقدت أنه ربما لم يلحظ أنهم يريدون التقاط مثل تلك الصورة... بالطبع، رفضه كان محسوبا».

ولكن الاثنان تصافحا في لقاءات أخرى خلال الزيارة.

ولدى سؤالها ما الذي يجب أن يعرفه أي مستشار ألماني بشأن التعامل مع ترمب، قالت ميركل إنه كان فضوليا للغاية وأراد معرفة التفاصيل، «ولكن فقط لقراءتها وإيجاد الحجج التي تقويه وتضعف الآخرين».

وأضافت: «كلما كان هناك أشخاص في الغرفة، زاد دافعه في أن يكون الفائز... لا يمكنك الدردشة معه. كان كل اجتماع بمثابة منافسة: أنت أو أنا».

وقالت ميركل إنها «حزينة» لفوز ترمب على كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني). وقالت: «لقد كانت خيبة أمل لي بالفعل لعدم فوز هيلاري كلينتون في 2016. كنت سأفضل نتيجة مختلفة».