أولويات الجنرال ماتيس: إيران ثم إيران ثم إيران

اختاره ترامب وزيرا للدفاع والبيت الأبيض رفض اقتراحه بضرب طهران في 2011

الجنرال جيمس ماتيس في الكونغرس الأميركي الأربعاء الماضي (أ.ب)
الجنرال جيمس ماتيس في الكونغرس الأميركي الأربعاء الماضي (أ.ب)
TT

أولويات الجنرال ماتيس: إيران ثم إيران ثم إيران

الجنرال جيمس ماتيس في الكونغرس الأميركي الأربعاء الماضي (أ.ب)
الجنرال جيمس ماتيس في الكونغرس الأميركي الأربعاء الماضي (أ.ب)

كانت الصواريخ التي أرسلتها إيران تنهمر بكثافة فوق رؤوس الجنرال جيمس ماتيس وجنوده طوال فصلي الربيع والصيف عام 2011. ولقي ستة جنود أميركيين حتفهم جراء القصف المتواصل شرق بغداد بداية شهر يونيو (حزيران) من ذلك العام. وبعد أسابيع قليلة، قتل ثلاثة جنود آخرين جراء قصف مماثل، ليرتفع عدد القتلى خلال شهر واحد إلى 15 قتيلاً. كان ذلك الشهر الأسوأ للقوات الأميركية في العراق خلال عامين، وتعهدت الميليشيات التي تدعمها إيران بشن المزيد من الهجمات الصاروخية وإراقة المزيد من الدماء.
وشدد الجنرال ماتيس، القائد الأعلى للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، آنذاك أن يرسل رسالة واضحة لطهران لكي تتوقف عن ممارساتها. وبحسب مسؤول أميركي رفيع سابق، حضر جلسة وجد فيها السفير الأميركي وقائد القوات الأميركية في العراق اللذان أيدا ماتيس في طرحه، كان المقترح هو الرد على إيران في عقر دارها.
وكان من ضمن المقترحات، توجيه ضربة جوية أميركية في منتصف الليل لمحطة كهرباء أو لمصفاة نفط إيرانية، وفق المسؤولين اللذين طلبا عدم ذكر اسميهما. وأفاد أحد المسؤولين بأن ماتيس أبلغ واشنطن بقوله: «علينا أن نجعلهم يدركون أن لدينا صواريخ كذلك». سرعان ما وصلت مقترحات ماتيس البيت الأبيض، الذي تبنى وجهة نظر مختلفة إزاء كبح جماح إيران لكي تتوقف عن ممارساتها العدوانية.
فبالنسبة للرئيس باراك أوباما، لن يؤدي ضرب إيران إلا إلى تفاقم الأوضاع وتوسيع نطاق الصراع الذي وعد بإنهائه، فيما رأى آخرون في البيت الأبيض أن مقترحات ماتيس تحمل في طياتها بوادر حرب جديدة في الشرق الأوسط.
عكست معركة الرد على الخسائر التي تكبدتها القوات الأميركية صيف عام 2011 الانقسام الكبير الذي نشأ بين الرئيس أوباما وكبار قادة قواته في الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي استشعر فيه البيت الأبيض مخاطر مغامرة القيام بعمل عسكري، كان ماتيس يمثل الصوت الآتي من الميدان والمصمم على رد فعل قوي.
وفي السياق نفسه، قال ليون بانيتا، وزير الدفاع في تلك الفترة: «كان هناك بالبيت الأبيض من يرون أن مقترحات ماتيس تمثل مغامرة. لكن بالنسبة لي، كنت أرى أن أيًا من تلك المقترحات كانت بالنضج الكافي، أو أنها تستحق أن ينظر الرئيس فيها ليتخذ قرارًا بشأنها». في النهاية، لم يرق مقترح ماتيس وأسلوبه العدواني للبيت الأبيض ولا للرئيس.
والآن سيلعب ماتيس دورًا مختلفًا بعدما أصبح اختيار دونالد ترامب لوزارة الدفاع، إذ إنه سيتولى قيادة قوة قوامها نحو 1.3 مليون جندي موزعة على أكثر من 150 دولة. وسيخدم ماتيس رئيسًا سبق وأن شكك في حيادية وكالات الاستخبارات الأميركية، ودعم أحيانًا أطرافًا لطالما كانت تعتب خصوما، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فترامب رئيس يميل دومًا لغير المتوقع، ويفضل ذلك على النقاش المتأني، ويميل للقوة أكثر من الدبلوماسية.
طبيعة خلاف ماتيس مع إدارة أوباما، وتحديدًا إزاء إيران، تعطي مؤشرًا على الأسلوب الذي سيقود به الجنرال البحري المتقاعد أكبر قوة عسكرية في العالم، والنصيحة التي سيسديها لترامب في الأوقات الحساسة عند لقائهما بغرفة الاجتماعات بالبيت الأبيض. فالنقاشات الحامية عام 2011 بشأن طريقة التعامل مع مسألة الصواريخ الإيرانية استمرت لأسابيع.
وفي هذا الصدد، قال مسؤول سابق بالبنتاغون شارك في النقاشات إنه «كان هناك قلق بشأن حجم رد الفعل وتأثيره، وما إذا كان الإيرانيون سيصعدون الموقف. هل تستطيع فعليًا تحديد المسؤولين عن ذلك بدلاً من توجيه اتهامات عشوائية؟ ما ستفعله لن يكون أكثر من محاولة وخز، هل يمكنك أن تفعل ما هو أكبر من الوخز من دون أن تتسبب في نشوب صراع؟» في النهاية، سمح لماتيس بالتصرف داخل العراق ضد قادة الميليشيات الذين تقودهم إيران.
وبرزت إيران خلال أغلب فترات رئاسة أوباما، كإحدى أكبر مشكلات السياسة الخارجية الأميركية وأكثرها اشتعالاً. ومن أهم أوجه هذا التحدي، كان أسلوب إدارة إسرائيل بوصفها أقرب الحلفاء بالمنطقة، بل والاعتداء الذي تستطيع القيام به بمفردها ضد إيران.
كان القادة الإسرائيليون يرسلون رسائل مختلطة إلى إدارة أوباما وكبار مستشاريه عن رغبتهم في منع إيران من تطوير سلاح نووي. وأبلغ وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك نظراءه بالبنتاغون عن خطط سرية لشن هجمات، على غرار عمليات القوات الخاصة (الكوماندوز) على أكثر المواقع الإيرانية تحصينًا، فيما أبلغ جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، الموساد، الأميركيين سرًا بأن إسرائيل لن يمكنها اتخاذ إجراء أحادي ضد إيران، مما وضع البيت الأبيض في حيرة إزاء تصديق أي من الرأيين.
فعمل ماتيس بالقيادة المركزية كان الاستعداد في حال أشعلت إسرائيل حربا، وإعطاء إشارة للإيرانيين بأن العواقب ستكون وخيمة عليهم حال قرروا توسيع نطاق الصراع مع الولايات المتحدة. حمل ماتيس تلك المسؤولية على عاتقه بجدية، وأحيانًا بجدية أكبر من تلك التي تعامل بها البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية مع الأمر، بحسب مسؤولين حاليين وسابقين.
فبعد تعيين ماتيس قائدًا للقوات الأميركية بالشرق الأوسط مباشرة في أغسطس (آب) 2010، وعندما طلب منه أوباما توضيح مهامه وأولوياته في الشرق الأوسط، أجاب: «الأولوية الأولى إيران، والثانية إيران، والثالثة إيران»، وفق مسؤول رفيع حضر اللقاء. أثار تركيز الجنرال على أمر واحد فقط أعصاب بعض القادة المدنيين الذين قالوا إنه من الواجب عليه توسع نظرته لتشمل تهديدات أخرى. فأسلوب ماتيس وتباهيه دوما بسلاح البحرية الذي ينتمي إليه، غالبًا ما ضرب الوتر الخطأ في البيت الأبيض الذي كان يركز على الدبلوماسية، وهو الأمر الذي لم يتوافر بوضوح لدى كبار المسؤولين ذوي الخلفية والخبرات العسكرية. غير أن ماتيس ومساعديه كانوا يمثلون الصوت العالي في أي خطة عسكرية أميركية بشأن إيران.
وكانت استعدادات ماتيس لصراع محتمل تثير بعض المسؤولين الأميركيين، الذين دعاهم لحضور اجتماع بمقر القيادة المركزية في أحد بلدان الشرق الأوسط عام 2011 ليسمع وجهات نظرهم بشأن أسلوب رد إيران المحتمل ضد حلفاء الولايات المتحدة، ومنشآتها الحيوية. وبحسب سفير حضر اللقاء، شعر بعض الدبلوماسيين بأن ماتيس بدا وكأنه يصف سيناريو «الحرب العالمية الثالثة».
في بعض الأحيان، كان الجيش الأميركي يجري تدريبات بهدف إرسال رسائل للحرس الثوري الإيراني للإيحاء بجدية الولايات المتحدة. وكان يحدث أحيانًا خلال وبعد هذه المناورات أن ترصد وكالات التجسس الأميركية رد الفعل الإيراني، وأحيانًا لم يكن الإيرانيون ينتبهون للإشارة المقصودة، وكان الأميركيون يفهمون أن إيران لم تلتقط إشارتهم ومقصدهم. وفي مرات أخرى، كان الإيرانيون يظهرون رد فعل لممارسات أميركية رغم أن الأميركيون لم يقصدوا شيئًا من ورائها.
وفي هذا الصدد، قال مسؤول كبير بالبنتاغون إن «ضباب وغيوم الحرب كانت كبيرة». فوسط هذا الجو المليء بالتوتر، بدأ ماتيس في الضغط للحصول على صلاحيات لضرب الإيرانيين بقوة في حال ظهرت بوادر التحول للحرب على إيران. وكان من المحتمل أن تبدأ أول بوادر الحرب الإيرانية مع الولايات المتحدة أو إسرائيل بإلقاء إيران لألغام بحرية في مضيق هرمز، لخنق إمدادات النفط بالشرق الأوسط.
طالب ماتيس الموافقة على ضرب الزوارق الإيرانية السريعة بمجرد أن يصل لمسامع الاستخبارات الأميركية معلومات مؤكدة عن شروع إيران في وضع الألغام بالمضيق. فوفق تفكيره، الزوارق الإيرانية ستكون الهدف الأسهل عندما تكون في موانئها، وأن ضربة كهذه سوف تتسبب في شلل قدرات إيران العسكرية قبل أن تتحرك من مكانها. غير أن البيت الأبيض شعر بقلق من أن معلومات استخباراتية مغلوطة أو أن تقييمًا متسرعًا قد يشعل حربًا مع إيران من دون داعٍ. وبحسب بانيتا: «مفهوم أننا في حال قررنا خوض حرب بمضيق هرمز، يجب أن يكون للرئيس دور».
اختتم ليون بانيتا كلامه قائلاً إن القرار الأخير الذي أعقب نقاشات ساخنة نهاية عام 2011 وبداية عام 2012 كان يتجه لتبني حل وسط، بأن يتخطى أوباما البيت الأبيض بإجراءاته الحذرة والمتثاقلة، ويقرر هو بنفسه ما إذا كان سيتخذ قرارًا على وجه السرعة بشأن ضرب الزوارق الإيرانية، إذا احتاج الأمر ذلك.

خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
TT

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، اليوم (الجمعة)، أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً على مقربة منها.

وأضافت السفينة أنها لا تزال في حالة تأهب قصوى وأن القوارب غادرت الموقع.

وأفاد ربان السفينة بأن الطاقم بخير، وأنها تواصل رحلتها إلى ميناء التوقف التالي.

وتشن جماعة الحوثي في اليمن هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر تقول إنها مرتبطة بإسرائيل، وذلك منذ اندلاع الحرب في غزة بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل. وقالت الجماعة إن هجماتها للتضامن مع الفلسطينيين.


بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بعض المقترحات في خطة أميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، غير مقبولة للكرملين، مشيراً في تصريحات نُشرت اليوم (الخميس) إلى أن الطريق لا يزال طويلاً أمام أي اتفاق، لكنه شدد على ضرورة «التعاون» مع واشنطن لإنجاح مساعيها بدلاً من «عرقلتها».

وقال بوتين في التصريحات: «هذه مهمّة معقّدة وصعبة أخذها الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب على عاتقه».

وأضاف أن «تحقيق توافق بين أطراف متنافسة ليس بالمهمة بالسهلة، لكن الرئيس ترمب يحاول حقاً، باعتقادي، القيام بذلك»، متابعاً: «أعتقد أن علينا التعاون مع هذه المساعي بدلاً من عرقلتها».

وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أقوى دفعة دبلوماسية لوقف القتال منذ شنت روسيا الغزو الشامل على جارتها قبل نحو أربع سنوات. ولكن الجهود اصطدمت مجدداً بمطالب يصعب تنفيذها، خاصة بشأن ما إذا كان يجب على أوكرانيا التخلي عن الأراضي لروسيا، وكيف يمكن أن تبقى أوكرانيا في مأمن من أي عدوان مستقبلي من جانب موسكو.

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي في الوقت الذي يلتقي فيه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جاريد كوشنر، بكبير المفاوضين الأوكرانيين رستم أوميروف، اليوم، في ميامي لإجراء مزيد من المحادثات، بحسب مسؤول أميركي بارز اشترط عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل له التعليق علانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيات روسية سياسية واقتصادية يحضرون محادثات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قصر مجلس الشيوخ بالكرملين في موسكو بروسيا يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

محادثات «ضرورية»

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن محادثاته التي استمرت خمس ساعات، الثلاثاء، في الكرملين مع ويتكوف وكوشنر كانت «ضرورية» و«مفيدة»، ولكنها كانت أيضاً «عملاً صعباً» في ظل بعض المقترحات التي لم يقبلها الكرملين، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وتحدث بوتين لقناة «إنديا توداي تي في» قبل زيارته لنيودلهي، اليوم. وبينما لم تُبث المقابلة بأكملها بعد، اقتبست وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان «تاس» و«ريا نوفوستي» بعض تصريحات بوتين.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول في المقابلة، إن محادثات الثلاثاء في الكرملين تحتّم على الجانبين «الاطلاع على كل نقطة» من مقترح السلام الأميركي «وهذا هو السبب في استغراق الأمر مدة طويلة للغاية».

وأضاف بوتين: «كان هذا حواراً ضرورياً وملموساً»، وكانت هناك بنود، موسكو مستعدة لمناقشتها، في حين «لا يمكننا الموافقة» على بنود أخرى.

ورفض بوتين الإسهاب بشأن ما الذي يمكن أن تقبله أو ترفضه روسيا، ولم يقدّم أي من المسؤولين الآخرين المشاركين تفاصيل عن المحادثات.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول: «أعتقد أنه من المبكر للغاية؛ لأنها يمكن أن تعرقل ببساطة نظام العمل» لجهود السلام.


القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
TT

القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، زيارة رسمية إلى الهند تستغرق يومين. وتعد واحدة من الزيارات الخارجية النادرة له منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022. ومثلما حظيت زيارته إلى الصين قبل ثلاثة أشهر، وقبلها إلى كوريا الشمالية العام الماضي، بأهمية كبرى في إطار رسم ملامح استراتيجية الكرملين في السياسة الخارجية، تُشكل الزيارة الحالية لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين، خصوصاً على خلفية الضغوط الأميركية المتزايدة على الهند لتقليص تعاونها مع موسكو.

وفي أول زيارة له إلى العاصمة الهندية منذ أربع سنوات، يرافق بوتين وزير الدفاع أندريه بيلووسوف، ووفد واسع النطاق من قطاعي الأعمال، والصناعة. ومن أبرز الوجوه المرافقة لبوتين رئيسا شركتي الطاقة «روسنفت» و«غازبروم» اللتين تخضعان لعقوبات غربية، إلى جانب مسؤولي المجمع الصناعي العسكري، ومؤسسة «روس أبورون أكسبورت» المسؤولة عن الصادرات العسكرية. بالإضافة إلى رؤساء القطاع المصرفي الروسي الذي يخضع بدوره لعقوبات غربية. وتعكس تشكيلة الوفد المرافق أولويات أجندة الطرفين، وطبيعة النقاشات التي تم التحضير لها في موسكو، ونيودلهي.

برنامج حافل

على مدار يومي القمة، سيبحث الطرفان التعاون في مجالات الدفاع، والطاقة النووية، والهيدروكربونات، والفضاء، والتكنولوجيا، والتجارة.

تُشكل زيارة بوتين لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين (أ.ف.ب)

واستبق الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف الزيارة بإشارة إلى أن بوتين سوف يناقش مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي «القضايا الدولية، والإقليمية»، مشدداً على اهتمام الكرملين بتطوير التعاون الثنائي، وفتح مجالات جديدة للتعاون، وأشار إلى موقف واشنطن السلبي تجاه الزيارة، وتلويحها بمضاعفة التعريفات الجمركية في حال استمرت نيودلهي في تعزيز تعاونها مع موسكو، وخصوصاً في مجال الطاقة، موضحاً أنه «لا ينبغي أن تخضع العلاقات التجارية بين موسكو ونيودلهي لتأثير دول ثالثة»، وأعرب عن قناعته بأن «مسألة التعريفات الجمركية الأميركية تظل قضية ثنائية بين الولايات المتحدة والهند». ووصف بيسكوف الإجراءات المفروضة على قطاع النفط الروسي بأنها غير قانونية، مؤكداً أن روسيا تبذل كافة الجهود الممكنة لضمان استمرار تجارة الطاقة، وتدفقها دون انقطاع رغم التحديات. وأشار إلى أن الزيارة ستشهد توقيع حزمة مهمة من الوثائق الثنائية، دون الإفصاح عن تفاصيل محددة.

تعزيز التعاون في مجال الطاقة

قبل زيارة بوتين، أجرى مسؤولون من الجانبين محادثات في مجالات واسعة من الدفاع، إلى الشحن، والزراعة، وفي أغسطس (آب) الماضي، اتفق الطرفان على بدء محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بقيادة روسيا.

وكرست هذه الخطوات مسار تعزيز العلاقة رغم بروز بعض المخاوف لدى مسؤولين في الهند أعربوا عن قلق من أن أي صفقات طاقة ودفاع جديدة مع روسيا قد تُثير رد فعل من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ضاعف الرسوم الجمركية إلى 50 في المائة في أغسطس على السلع الهندية، عقاباً على مشتريات نيودلهي من النفط الخام الروسي.

بوتين يتحدّث خلال مؤتمر في موسكو يوم 3 ديسمبر (رويترز)

ويُشكّل ملف تعزيز التعاون في مجال الطاقة إحدى أولويات الكرملين، الذي أكد أن الهند سوف تواصل الحصول على معاملة تفضيلية.

زادت واردات النفط الروسية على مدار سنوات اتفاقية التجارة الحرة بنسبة 600 في المائة، مما جعل الهند المشتري الرئيس لصادرات النفط الروسية (38 في المائة). كما تشتري الهند الأسمدة، والزيوت النباتية، والفحم، والمعادن.

تُنقل هذه الشحنات عبر الممر البحري الشرقي الذي افتُتح مؤخراً بين فلاديفوستوك وميناء تشيناي الهندي، وهو طريق بطول 10300 كيلومتر يربط بين موانٍ استراتيجية في المحيطين الهادئ والهندي. كما يعمل ممر النقل بين الشمال والجنوب فإن هذا الممر يتيح الاستقلال عن اللوجستيات الغربية، والتسويات بالعملات الوطنية تجاوزاً للعقوبات الغربية بنسبة تصل إلى 90 في المائة. وأكد الطرفان مجدداً هدفهما المتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 (من 67 مليار دولار حالياً). وتطلب الهند دعماً لصادراتها إلى روسيا، لا سيما في مجالات الأدوية، والهندسة، والمنتجات الزراعية، ولتوفير فرص عمل للعمال الهنود المهاجرين، ويأتي ذلك تقديراً لإنجازات الهند في الالتفاف على العقوبات الغربية، خصوصاً في مجال تجارة النفط.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضران اجتماعاً على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند - أوزبكستان يوم 16 سبتمبر 2022 (رويترز)

في المقابل، تسعى موسكو إلى الحصول على مساعدة الهند للحصول على قطع غيار، ومعدات تقنية لأصولها النفطية، حيث عرقلت العقوبات الوصول إلى الموردين الرئيسين.

ووفقاً لمصدر حكومي في الهند، فإن نيودلهي تسعى على الأرجح إلى استعادة حصة 20 في المائة لشركة التنقيب عن الغاز الحكومية في مشروع «سخالين-1» في أقصى شرق روسيا.

وتسعى موسكو أيضاً إلى تطوير تعاملها في القطاع المالي والمصرفي مع الهند، وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، بأنه ستتم خلال الزيارة مناقشة إمكانية إطلاق نظام الدفع الروسي «مير» في الهند، والذي من شأنه أن يُسهم في زيادة السياحة الروسية. ووفقاً له، فقد طُرحت هذه المسألة سابقاً خلال اجتماع بوتين مع وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار. وستُناقش الآن على أعلى مستوى في نيودلهي.

الصفقات العسكرية

ورغم الضغوط الأميركية، لا تخطط الهند لتجميد علاقاتها الدفاعية مع موسكو، لأنها تحتاج إلى دعم مستمر للعديد من الأنظمة الروسية التي تشغّلها.

وقال مسؤولان هنديان مطلعان على الأمر لـ«رويترز» إن طائرات «سوخوي-30» الروسية تشكل غالبية أسراب المقاتلات الهندية البالغ عددها 29 سرباً، وعرضت موسكو مقاتلتها الأكثر تطوراً «سوخوي-57» والتي من المرجح أن تكون جزءاً من المحادثات.

بوتين يلتقي المتطوعين المشاركين في جائزة #WeAreTogether الدولية في مركز التجارة العالمي في موسكو يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ولم تتخذ الهند قراراً بعد بشأن النسخة المحدثة من «سوخوي»، لكن الكرملين أعلن أن هذا الموضوع سيكون مطروحاً للنقاش. ومن المرجح أن تناقش نيودلهي شراء المزيد من وحدات نظام الدفاع الجوي «إس-400» وفق تصريحات لوزير الدفاع الهندي راجيش كومار سينغ، الأسبوع الماضي. وتمتلك الهند الآن ثلاث وحدات، مع انتظار تسليم وحدتين إضافيتين بموجب صفقة عام 2018.

لكن الحديث عن تعاون دفاعي لا يقتصر على بيع الأسلحة، والمعدات، إذ قطعت موسكو ونيودلهي شوطاً مهماً لتوطين صناعات دفاعية في الهند لتصبح أبرز شريك عسكري لروسيا. وأفاد ديمتري شوغاييف مدير الهيئة الروسية للتعاون العسكري التقني بأن القمة الحالية سوف تبحث مشاريع عسكرية تقنية جديدة، وتوسيع العقود القائمة بين البلدين.

وتشير مصادر إلى أنه يمكن توطين إنتاج ما يقرب من نصف نظام «إس-400» في إطار سياسة نقل التكنولوجيا التي توليها الهند أولوية قصوى. وفي حال تم الاتفاق على شراء طائرات «سوخوي-57» المقاتلة، فسينتقل طيارو القوات الجوية الهندية بسهولة إلى الطائرات الروسية من الجيل الجديد، مع تأكيد أن شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة المملوكة للدولة قادرة على صيانة الترسانة الروسية.

وأفادت تقارير بأن اتفاقيات قيد التطوير -أو وُقِّعت بالفعل- لإنتاج مشترك لنظام الدفاع الجوي «بانتسير»، واحتمال شراء الهند لنظام رادار الإنذار المبكر «فورونيج»، الذي يتجاوز مداه 6000 كيلومتر.

وأكد شوغاييف أن العلاقات العسكرية التقنية بين روسيا والهند تشهد تطوراً ملحوظاً رغم التحديات الدولية الراهنة، مشيراً إلى أنه لم يغلق أي مشروع عسكري تقني خلال عام 2025.

بوتين خلال تقديمه جائزة #WeAreTogether الدولية في موسكو، يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووفقاً للمسؤول الروسي ينتظر أن ينصب الاهتمام بشكل أساسي على الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والتعاون في تقنيات الطائرات المسيرة، والمساعدة في بناء سفن جديدة في أحواض بناء السفن الهندية. وأضاف: «تبدو آفاق الصادرات العسكرية إلى الهند في عام 2026 إيجابية للغاية، وأعتقد أن حجمها في العام المقبل سيتجاوز مستوى عام 2025»، مؤكداً أنه تم حل المشكلات المتعلقة بالجوانب اللوجستية، وتوريد المكونات للمشاريع المشتركة، بما في ذلك صيانة المعدات الموردة سابقاً.

وأشار شوغاييف إلى أن روسيا تسعى إلى تعاون عسكري تقني واسع النطاق مع الهند في مجال التقنيات الجديدة، حيث تتزايد حصة المشاريع المشتركة، والتقنيات التكنولوجية المتقدمة عاماً بعد عام.

وتنفذ روسيا والهند حالياً عشرات المشاريع العسكرية التقنية واسعة النطاق، ومن أهمها إنتاج الهند المرخص لطائرات «سوخوي-30»، ومحركات الطائرات، ودبابات «تي-90 إس»، والتعاون في إطار مشروع «براهموس» المشترك للصواريخ، وتحديث المعدات العسكرية التي سبق توريدها، والعمل المشترك في مجال تكنولوجيا الدفاع.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» في كازان شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وأشارت مصادر إلى أن الطرفين يُعدّان «بيانات مهمة» ستحدد التوجهات الرئيسة للمرحلة المقبلة من شراكتهما. ومن المتوقع أن تُمهّد الاتفاقيات الجديدة للتعاون العسكري الصناعي الطريق لمرحلة جديدة من التعاون الدفاعي بين البلدين، ما يتيح للهند الوصول إلى أحدث تقنيات التخفي، والدفاع الصاروخي. وتتوقع المصادر أن يُعزز هذا مكانة الهند في المنطقة الآسيوية.

من المتوقع توقيع عقود عسكرية لتوريد وإنتاج أنظمة دفاع جوي من الجيل الجديد، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي إس-500. وقد لاقى نظام إس-400 الروسي استحساناً من الجيش الهندي خلال عملية سيندور، حيث أُشير إلى سرعة نشره في أقل من خمس دقائق لتكون ميزة كبيرة. ويُعتبر دمج نظام إس-400 في نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات الهندي على طول الحدود مع الصين وباكستان تعزيزاً أمنياً.

توازن بين الهند والصين

وتواجه موسكو -التي طورت علاقاتها مع الصين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وغدت بكين حليفاً رئيساً لها- تحدياً جدياً في إقامة توازن دقيق في العلاقة مع البلدين الخصمين.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وأكد الكرملين أن موسكو تنطلق من أهمية المحافظة على علاقات مع «الشركاء التقليديين»، مشيراً إلى «تقدير خاص لاستعداد نيودلهي للمساهمة في البحث عن تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا».

وفي إشارة مهمة، قال الناطق الرئاسي الروسي: «نحن مستعدون لتطوير علاقاتنا مع الهند في جميع المجالات الممكنة، إلى الحد الذي تكون فيه الهند مستعدة لذلك»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن روسيا «تواصل تطوير علاقاتها مع الهند، والصين».

وتابع: «نحن نحترم العلاقات الثنائية بين الهند والصين، وليس لدينا شك في أن أقدم دولتين، الدولتين الأكثر حكمة في هذا العالم، ستكونان حكيمتين بما يكفي لتسوية جميع المشكلات من أجل الحفاظ على الاستقرار العالمي».

تحدي الضغوط الأميركية

رأت تعليقات في وسائل إعلام حكومية روسية عشية الزيارة أن نيودلهي سارت خطوات لتحدي الضغوط الأميركية المفروضة عليها بسبب علاقاتها مع موسكو. ومن ذلك، ألغت الهند مناقشات اتفاقية التجارة الهندية-الأميركية، وقالت الصحافة الروسية إن تلك الاتفاقية «تراجعت أهميتها الاستراتيجية مقارنة بالنتائج المتوقعة بعد زيارة بوتين». وزادت أن «الهند ردت عملياً على الهجوم على سيادتها».

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

كانت الحكومة الأميركية حملت نيودلهي مسؤولية تعزيز الجيش الروسي في أوكرانيا، واصفةً تصرفات الهند لاستيراد النفط الروسي بأنها «مزعزعة للاستقرار». ووصف الرئيس دونالد ترمب الهند بأنها «مغسلة للكرملين»، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المائة على الواردات الهندية إذا واصلت نيودلهي هذا المسار.

بدوره عارض الاتحاد الأوروبي مشاركة الهند في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، بحجة أن صداقة نيودلهي مع موسكو تُشكل عقبة أمام تعميق التعاون الاستراتيجي مع أوروبا.

ورأت التعليقات الروسية أن «الهجوم السافر على السيادة الهندية من قبل الغرب فقد أثره. لقد اتُخذ القرار: التعاون مع روسيا أهم للهند منه مع الغرب، كما يتضح من زيارة بوتين. وقد اكتسبت روسيا والهند خبرة واسعة في العمل معاً ضمن مجموعة (بريكس)، ومنظمة شنغهاي للتعاون».