تعامل ملتبس لـ«داعش» مع الغطاء الديني في هجماته

ما يُقرأ من عملية رأس السنة في إسطنبول

قناصل من 21 دولة ينعون ضحايا الاعتداء الإرهابي في إسطنبول (غيتي)
قناصل من 21 دولة ينعون ضحايا الاعتداء الإرهابي في إسطنبول (غيتي)
TT

تعامل ملتبس لـ«داعش» مع الغطاء الديني في هجماته

قناصل من 21 دولة ينعون ضحايا الاعتداء الإرهابي في إسطنبول (غيتي)
قناصل من 21 دولة ينعون ضحايا الاعتداء الإرهابي في إسطنبول (غيتي)

الهجمة الإرهابية التي استهدفت مطعمًا وناديًا في مدينة إسطنبول التركية ليلة رأس السنة، وإن كانت امتدادًا لاستراتيجية داعشية تستهدف المحافل الدينية والاحتفالات، فلقد جاء اختيار بداية العام تحديدًا «رسالة إنذار» بوجود خطة مستقبلية تعرض تركيا لموجة مستمرة من الهجمات الإرهابية. وهذه الهجمات عزز مبرراتها الموقع الجغرافي لتركيا وحدودها مع سوريا والعراق، الأمر الذي سهل عبور المقاتلين المتطرفين من خلال تركيا من أجل الوصول إلى المناطق المضطربة التي تعد مقرًا للتنظيمات كـ«داعش».
لعل التوجّه التركي لمواجهة تنظيم داعش وتنفيذ حملات عسكرية في كل من العراق وسوريا كان أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى استهداف تركيا. وإذا كان التنظيم الإرهابي المتطرف قد بدأ في تنفيذ هجمات إرهابية منذ عام 2015، فإن الفترة الأخيرة تنذر بتكثيف لهذه الهجمات. وهذا، بعدما جدد البرلمان التركي في أكتوبر (تشرين الأول) 2016 تفويضه للحكومة التركية بإرسال قوات مسلحة في الخارج، تحديدًا في كل من سوريا والعراق، على أن ينتهي التمديد في نهاية أكتوبر 2017.
المعروف أن هدف أنقرة هو إقامة «منطقة أمنية» خالية من المنظمات الإرهابية، كما صرح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وضرب التنظيمات الإرهابية كـ«داعش» في عقر دارها. وبالفعل، عكف الجيش التركي على تنفيذ حملات عسكرية في سوريا تحت مسمى عملية «درع الفرات»، بينما انتشرت القوات التركية في قاعدة بعشيقة، بمحافظة نينوى في شمال العراق، لتدريب متطوعين من أجل استعادة السيطرة على مدينة الموصل المجاورة.
هذا الواقع ربما صار سببًا رئيسًا لرغبة «داعش» في تكثيف هجماته على تركيا في محاولة للضغط عليها، ولو عبر عمليات عشوائية تستخدم تقنيات متواضعة نسبيًا كمباغتة شخص مسلح مكانًا مكتظًا بالناس وإطلاق النار عليهم.
في الواقع لا يعد استهداف «داعش» في الآونة الأخيرة لتركيا تطورًا مفاجئًا، إذ إنه اجتهد في إعداد رسائل إعلامية كثيرة من خلال مواقعه الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي لإبراز عزمه على ذلك. هذه الرسائل بدأت من رأس هرم التنظيم المتطرف عبر بث تسجيل صوتي لزعيم «داعش» «أبو بكر البغدادي» في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، بعنوان «هذا ما وعدنا الله ورسوله». وفيه دعا البغدادي أتباعه إلى «غزو» تركيا ومهاجمة مصالحها. ومثل هذا الظهور الإعلامي للزعيم الداعشي كان مفاجئًا؛ إذ إنه لا يظهر إلا نادرًا. وكانت آخر رسالة صوتية له في ديسمبر (كانون الأول) 2015، وذلك للتأكيد على استمرار قوة التنظيم وعدم تأثره بالضربات الجوية التي تشنها روسيا وقوات التحالف عليه.
بناء عليه، جاء التسجيل الصوتي الأخير للبغدادي كإنذار بعزمٍ جدي على الهجمات وتحريض أعضاء التنظيم والمتعاطفين معه بطاعته والانصياع له.
* التباس داعشي لافت
ظاهريًا على الأقل، تبرز محاولة البغدادي استثارة المنتمين لـ«داعش» للمبادرة إلى مهاجمة تركيا ذات مضمون ديني صارخ في خطابه الموجه لهم، إذ قال: «أيها الموحِّدون، دخلت تركيا اليوم في دائرة عملكم ومشروع جهادك فاستعينوا بالله واغزوها، واجعلوا أمنها فزعًا، ورخاءها هلعًا، ثم أدرجوها في مناطق صراعكم الملتهبة». واستطرد زعيم «داعش» في تحريضه وحضه قائلاً: «يا أجناد الخلافة في أرض الشام، ها قد جاءكم الجندي التركي الكافر، وإن دم أحدهم كدم الكلب خسة ورداءة، فأروهم بطشكم واصلوهم بنار غضبكم وخذوا بثأر دينكم وتوحيدكم من إخوان الشياطين وقدوة المرتدين وحلفاء الملحدين».
ولكن إذا ما كان خطاب البغدادي موجّهًا إلى «أهل السنة» ومصرّحًا فيه كعادته على أن تنظيمه هو «الملجأ» الوحيد لهم، يلاحظ إشكالية لافتة والتباس غريب في تعاقب الرسائل الداعشية ما بين التقليدية التي تستخدم شعارات دينية تبرر بها أسباب إتيانها هجماتها الإرهابية، ووجود رسائل داعشية أخرى تبتعد عن الغطاء الديني لتصبح أشبه بمواجهة مباشرة بين التنظيم وتركيا. وحقًا، أشار البغدادي في خطابه الأخير إلى دور أنقرة في معركة الموصل كسبب لمهاجمة تركيا، بمطالبته مقاتلي «داعش» بأن يطلقوا «نار غضبهم» على تركيا ونقل المعركة إليها.
من جهة أخرى، قد يكون الظهور الإعلامي للبغدادي وتحريضه أتباعه نتيجة نجاحهم في تنفيذ عدد من الهجمات الإرهابية في تركيا في عام 2016، ليظهر أشبه بفارس مغوار تمكن من تحقيق انتصارات في الهجمات السابقة وسيستمر مستقبلاً. وتعد حادثة مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول، التي حدثت يوم 28 يونيو (حزيران) 2016، أبرز تلك الهجمات وتسببت يومذاك بمقتل 43 شخصًا. ثم إن تلك الهجمة تعد الأكثر نجاحًا على صعيد التنظيم؛ كونها استهدفت مطارًا لمدينة مهمة وأكثر استقطابًا للسياح، ما سهل من مهمة إثارة الرعب وضرب تركيا سياحيًا. كذلك يعد المطار رمزًا «علمانيًا» بحمله اسم مصطفى كمال أتاتورك، أحد أبرز مؤسسي تركيا العلمانية الحديثة، وبالتالي، اكتسب استهدافه إشارة رمزية إلى تهديد «داعش» لنظام تركيا السياسي.
* تشكيك في «إسلامية» تركيا
ثم كامتداد أبعد لهذا التوجه في التشكيك في «إسلامية» تركيا، جاء البث المرئي لـ«داعش» في 22 ديسمبر 2016 والصادر عن «المكتب الإعلامي التابع لولاية حلب»، في تصوير بشع لاختطاف جنديين تركيين وضعا داخل قفص حديدي، ومن ثم تم جرّهما خارجه وهما مقيدان بالسلاسل قبل إحراقهما وهما على قيد الحياة.
هنا كان التعمد واضحًا أن يتسبب المشهد بالصدمة ويبث الرعب بأسلوب استعراضي. وصاحب هذا البث البشع وصف أحد عناصر «داعش» باللغة التركية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بـ«الطاغوت»، وقوله إن التنظيم أصبح يعتبر تركيا «أرض جهاد»، محرّضًا على إحراق تركيا وتدميرها. في مثل هذا التصريح استخدام مباشر لرسالة سياسية واضحة. وهو يشير إلى نوعٍ من التخبط في رسائل التنظيم المتطرف المازجة ما بين الديني تارة والسياسي المباشر تارةً أخرى، مع استهداف واضح للمسلمين سواء مدنيين أو جنودا دون إعطاء مبررات دينية مقنعة أو تخوف من استثارة مثل هذه الأحداث غضب المسلمين.
وفي الوقت نفسه قد تكون الرسالة السياسية المباشرة رد فعل لمهاجمة تركيا «داعش» في معاقلها في سوريا والموصل، وفتحها قاعدة جوية عسكرية تتيح لقوات التحالف الدولي توجيه ضربات نحو التنظيم. وكان ملاحظًا في الفترة الأخيرة كيف كثّف تنظيم داعش من تحريضه المنتمين إليه ضد تركيا، ويظهر ذلك جليًا عبر المنشورات الإعلامية للتنظيم، والتي تستخدم اللغة التركية بالتحديد موجهة لأعضائهم الأتراك، ولتجنيد أعضاء أتراك جدد من جهة، ولتصل رسائل التهديد بوضوح إلى تركيا من جهة أخرى، من أبرز تلك المواقع الإلكترونية مثل موقع «دار الخلافة» ومجلة «قسطنطينة».
وفي الوقت الذي تعظم هذه المنشورات من أهمية فكرة «الخلافة الإسلامية» كملاذ لجميع المسلمين وحل لكل مشكلاتهم، ظهر توجه لـ«شخصنة» المواجهة، وتجريم إردوغان، وتوجيه الوعيد له ولرئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو. أيضًا يلاحظ وصف عناصر الجيش التركي بأنهم «كفار»، وبأن مؤسستهم «غير دينية» في «شرعنة» لمواجهتهم وقتلهم. وبالفعل جاء في بيان للتنظيم نشر في موقع «دار الخلافة» باللغة التركية تهديد مباشر لتركيا «عليكم أن تتراجعوا فورًا عن الحرب، وسحب أيديكم منها، فأميركا التي تثقون بها لن تنقذكم، وغدًا عندما تغزوكم الدولة الإسلامية، وتنفجر القنابل فجأة، لا تبكوا». ويستمر التهديد في ذات البيان «اليوم الذي يشعرون بفرحة لأنهم يوجهون ضربات للدولة الإسلامية، فغدًا لنرى ماذا سيقولون عندما يلتهم متفجراتهم أسود الخلافة».
الأمر اختلف بعض الشيء في بيان التنظيم إثر الهجوم على المطعم والنادي في إسطنبول مطلع العام الجديد، إذ ذكر «داعش» في بيان له استهدافه «احتفالاً شركيًا» في العام الجديد؛ ردًا على «استهداف الحكومة التركية للمسلمين»، إضافة إلى أن الهجوم جاء تلبية لنداء من زعيم التنظيم البغدادي لاستهداف تركيا. وبأنه يعد بـ«مواصلة العمليات المباركة التي تخوضها الدولة الإسلامية ضد تركيا حامية الصليب، وقد دك أحد جنود الخلافة الأبطال أحد أشهر الملاهي الليلية حيث يحتفل مسيحيون بعيدهم الشركي». وفي هذا السياق أظهر هذا البيان استخدام الغطاء الديني وإن تمازج ذلك مع التعبير عن الرغبة في الانتقام من الهجمات التركية الموجهة للتنظيم والاستجابة لتوجيهات قائد التنظيم.
* اعتبارات تجنيدية
مراقبون يرون في التمازج أعلاه وفي صميمه قلة تحمس «داعش» لتغيير لهجته الدينية للتركيز على شن مواجهة مباشرة مع تركيا بضعة أسباب، أهمها ما يلي:
1 - وجود قاعدة كبيرة للتنظيم داخل تركيا، قائمة من خلال مكاتب للتجنيد في عدد من المدن التركية كمدينة غازي عنتاب، الحدودية مع سوريا، كوّنت لها خلايا في مدن تركية كبرى كإسطنبول وإزمير.
2 - استهداف عملية التجنيد بشكل عام المناطق الريفية التركية التي يعرف سكانها بالبساطة ما يسهل من استقطابهم عبر الالتقاء بالمتعاطفين منهم وإقناعهم في أماكن تجمع قبل تجنيدهم دون تمحيص للرسائل الداعشية.
3 - وجود عدد من الجنسيات المختلفة المنتمية لـ«داعش» والمنفذة للهجمات الانتحارية، ممن قدموا من الرقة في سوريا أو من مناطق أخرى. إذ صرحت السلطات التركية بأن منفذ هجوم المطعم والنادي في إسطنبول، من أقلية الأويغور المسلمة الناطقة باللغة التركية في إقليم سنكيانغ في الصين - أو تركستان الشرقية - وإن تحفظت عن الكشف عن هويته، في حين كشف عن هوية منفذي هجوم مطار أتاتورك وهم ثلاثة من جنسيات روسية وأوزبكية وقرغيزستانية.
أخيرًا، إن ما زاد من خطورة الهجمات الإرهابية الأخيرة في تركيا يكمن في تقاطعها ما بين تنظيمات مختلفة. فتنظيم داعش ليس وحده من نفذ مثل هذه العمليات، إذ يأتي من جهة أخرى حزب العمال الكردستاني وإن كان الأخير لا يطلق تصريحات مباشرة كي ينسب العمليات لنفسه كما يفعل «داعش». وحقًا نسبت السلطات التركية الهجمة الإرهابية التي تلت هجوم ليلة رأس السنة بأربعة أيام مستهدفة إزمير (غرب تركيا) إلى حزب العمال الكردستاني المتطرف المحظور.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.