تعامل ملتبس لـ«داعش» مع الغطاء الديني في هجماته

ما يُقرأ من عملية رأس السنة في إسطنبول

قناصل من 21 دولة ينعون ضحايا الاعتداء الإرهابي في إسطنبول (غيتي)
قناصل من 21 دولة ينعون ضحايا الاعتداء الإرهابي في إسطنبول (غيتي)
TT

تعامل ملتبس لـ«داعش» مع الغطاء الديني في هجماته

قناصل من 21 دولة ينعون ضحايا الاعتداء الإرهابي في إسطنبول (غيتي)
قناصل من 21 دولة ينعون ضحايا الاعتداء الإرهابي في إسطنبول (غيتي)

الهجمة الإرهابية التي استهدفت مطعمًا وناديًا في مدينة إسطنبول التركية ليلة رأس السنة، وإن كانت امتدادًا لاستراتيجية داعشية تستهدف المحافل الدينية والاحتفالات، فلقد جاء اختيار بداية العام تحديدًا «رسالة إنذار» بوجود خطة مستقبلية تعرض تركيا لموجة مستمرة من الهجمات الإرهابية. وهذه الهجمات عزز مبرراتها الموقع الجغرافي لتركيا وحدودها مع سوريا والعراق، الأمر الذي سهل عبور المقاتلين المتطرفين من خلال تركيا من أجل الوصول إلى المناطق المضطربة التي تعد مقرًا للتنظيمات كـ«داعش».
لعل التوجّه التركي لمواجهة تنظيم داعش وتنفيذ حملات عسكرية في كل من العراق وسوريا كان أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى استهداف تركيا. وإذا كان التنظيم الإرهابي المتطرف قد بدأ في تنفيذ هجمات إرهابية منذ عام 2015، فإن الفترة الأخيرة تنذر بتكثيف لهذه الهجمات. وهذا، بعدما جدد البرلمان التركي في أكتوبر (تشرين الأول) 2016 تفويضه للحكومة التركية بإرسال قوات مسلحة في الخارج، تحديدًا في كل من سوريا والعراق، على أن ينتهي التمديد في نهاية أكتوبر 2017.
المعروف أن هدف أنقرة هو إقامة «منطقة أمنية» خالية من المنظمات الإرهابية، كما صرح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وضرب التنظيمات الإرهابية كـ«داعش» في عقر دارها. وبالفعل، عكف الجيش التركي على تنفيذ حملات عسكرية في سوريا تحت مسمى عملية «درع الفرات»، بينما انتشرت القوات التركية في قاعدة بعشيقة، بمحافظة نينوى في شمال العراق، لتدريب متطوعين من أجل استعادة السيطرة على مدينة الموصل المجاورة.
هذا الواقع ربما صار سببًا رئيسًا لرغبة «داعش» في تكثيف هجماته على تركيا في محاولة للضغط عليها، ولو عبر عمليات عشوائية تستخدم تقنيات متواضعة نسبيًا كمباغتة شخص مسلح مكانًا مكتظًا بالناس وإطلاق النار عليهم.
في الواقع لا يعد استهداف «داعش» في الآونة الأخيرة لتركيا تطورًا مفاجئًا، إذ إنه اجتهد في إعداد رسائل إعلامية كثيرة من خلال مواقعه الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي لإبراز عزمه على ذلك. هذه الرسائل بدأت من رأس هرم التنظيم المتطرف عبر بث تسجيل صوتي لزعيم «داعش» «أبو بكر البغدادي» في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، بعنوان «هذا ما وعدنا الله ورسوله». وفيه دعا البغدادي أتباعه إلى «غزو» تركيا ومهاجمة مصالحها. ومثل هذا الظهور الإعلامي للزعيم الداعشي كان مفاجئًا؛ إذ إنه لا يظهر إلا نادرًا. وكانت آخر رسالة صوتية له في ديسمبر (كانون الأول) 2015، وذلك للتأكيد على استمرار قوة التنظيم وعدم تأثره بالضربات الجوية التي تشنها روسيا وقوات التحالف عليه.
بناء عليه، جاء التسجيل الصوتي الأخير للبغدادي كإنذار بعزمٍ جدي على الهجمات وتحريض أعضاء التنظيم والمتعاطفين معه بطاعته والانصياع له.
* التباس داعشي لافت
ظاهريًا على الأقل، تبرز محاولة البغدادي استثارة المنتمين لـ«داعش» للمبادرة إلى مهاجمة تركيا ذات مضمون ديني صارخ في خطابه الموجه لهم، إذ قال: «أيها الموحِّدون، دخلت تركيا اليوم في دائرة عملكم ومشروع جهادك فاستعينوا بالله واغزوها، واجعلوا أمنها فزعًا، ورخاءها هلعًا، ثم أدرجوها في مناطق صراعكم الملتهبة». واستطرد زعيم «داعش» في تحريضه وحضه قائلاً: «يا أجناد الخلافة في أرض الشام، ها قد جاءكم الجندي التركي الكافر، وإن دم أحدهم كدم الكلب خسة ورداءة، فأروهم بطشكم واصلوهم بنار غضبكم وخذوا بثأر دينكم وتوحيدكم من إخوان الشياطين وقدوة المرتدين وحلفاء الملحدين».
ولكن إذا ما كان خطاب البغدادي موجّهًا إلى «أهل السنة» ومصرّحًا فيه كعادته على أن تنظيمه هو «الملجأ» الوحيد لهم، يلاحظ إشكالية لافتة والتباس غريب في تعاقب الرسائل الداعشية ما بين التقليدية التي تستخدم شعارات دينية تبرر بها أسباب إتيانها هجماتها الإرهابية، ووجود رسائل داعشية أخرى تبتعد عن الغطاء الديني لتصبح أشبه بمواجهة مباشرة بين التنظيم وتركيا. وحقًا، أشار البغدادي في خطابه الأخير إلى دور أنقرة في معركة الموصل كسبب لمهاجمة تركيا، بمطالبته مقاتلي «داعش» بأن يطلقوا «نار غضبهم» على تركيا ونقل المعركة إليها.
من جهة أخرى، قد يكون الظهور الإعلامي للبغدادي وتحريضه أتباعه نتيجة نجاحهم في تنفيذ عدد من الهجمات الإرهابية في تركيا في عام 2016، ليظهر أشبه بفارس مغوار تمكن من تحقيق انتصارات في الهجمات السابقة وسيستمر مستقبلاً. وتعد حادثة مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول، التي حدثت يوم 28 يونيو (حزيران) 2016، أبرز تلك الهجمات وتسببت يومذاك بمقتل 43 شخصًا. ثم إن تلك الهجمة تعد الأكثر نجاحًا على صعيد التنظيم؛ كونها استهدفت مطارًا لمدينة مهمة وأكثر استقطابًا للسياح، ما سهل من مهمة إثارة الرعب وضرب تركيا سياحيًا. كذلك يعد المطار رمزًا «علمانيًا» بحمله اسم مصطفى كمال أتاتورك، أحد أبرز مؤسسي تركيا العلمانية الحديثة، وبالتالي، اكتسب استهدافه إشارة رمزية إلى تهديد «داعش» لنظام تركيا السياسي.
* تشكيك في «إسلامية» تركيا
ثم كامتداد أبعد لهذا التوجه في التشكيك في «إسلامية» تركيا، جاء البث المرئي لـ«داعش» في 22 ديسمبر 2016 والصادر عن «المكتب الإعلامي التابع لولاية حلب»، في تصوير بشع لاختطاف جنديين تركيين وضعا داخل قفص حديدي، ومن ثم تم جرّهما خارجه وهما مقيدان بالسلاسل قبل إحراقهما وهما على قيد الحياة.
هنا كان التعمد واضحًا أن يتسبب المشهد بالصدمة ويبث الرعب بأسلوب استعراضي. وصاحب هذا البث البشع وصف أحد عناصر «داعش» باللغة التركية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بـ«الطاغوت»، وقوله إن التنظيم أصبح يعتبر تركيا «أرض جهاد»، محرّضًا على إحراق تركيا وتدميرها. في مثل هذا التصريح استخدام مباشر لرسالة سياسية واضحة. وهو يشير إلى نوعٍ من التخبط في رسائل التنظيم المتطرف المازجة ما بين الديني تارة والسياسي المباشر تارةً أخرى، مع استهداف واضح للمسلمين سواء مدنيين أو جنودا دون إعطاء مبررات دينية مقنعة أو تخوف من استثارة مثل هذه الأحداث غضب المسلمين.
وفي الوقت نفسه قد تكون الرسالة السياسية المباشرة رد فعل لمهاجمة تركيا «داعش» في معاقلها في سوريا والموصل، وفتحها قاعدة جوية عسكرية تتيح لقوات التحالف الدولي توجيه ضربات نحو التنظيم. وكان ملاحظًا في الفترة الأخيرة كيف كثّف تنظيم داعش من تحريضه المنتمين إليه ضد تركيا، ويظهر ذلك جليًا عبر المنشورات الإعلامية للتنظيم، والتي تستخدم اللغة التركية بالتحديد موجهة لأعضائهم الأتراك، ولتجنيد أعضاء أتراك جدد من جهة، ولتصل رسائل التهديد بوضوح إلى تركيا من جهة أخرى، من أبرز تلك المواقع الإلكترونية مثل موقع «دار الخلافة» ومجلة «قسطنطينة».
وفي الوقت الذي تعظم هذه المنشورات من أهمية فكرة «الخلافة الإسلامية» كملاذ لجميع المسلمين وحل لكل مشكلاتهم، ظهر توجه لـ«شخصنة» المواجهة، وتجريم إردوغان، وتوجيه الوعيد له ولرئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو. أيضًا يلاحظ وصف عناصر الجيش التركي بأنهم «كفار»، وبأن مؤسستهم «غير دينية» في «شرعنة» لمواجهتهم وقتلهم. وبالفعل جاء في بيان للتنظيم نشر في موقع «دار الخلافة» باللغة التركية تهديد مباشر لتركيا «عليكم أن تتراجعوا فورًا عن الحرب، وسحب أيديكم منها، فأميركا التي تثقون بها لن تنقذكم، وغدًا عندما تغزوكم الدولة الإسلامية، وتنفجر القنابل فجأة، لا تبكوا». ويستمر التهديد في ذات البيان «اليوم الذي يشعرون بفرحة لأنهم يوجهون ضربات للدولة الإسلامية، فغدًا لنرى ماذا سيقولون عندما يلتهم متفجراتهم أسود الخلافة».
الأمر اختلف بعض الشيء في بيان التنظيم إثر الهجوم على المطعم والنادي في إسطنبول مطلع العام الجديد، إذ ذكر «داعش» في بيان له استهدافه «احتفالاً شركيًا» في العام الجديد؛ ردًا على «استهداف الحكومة التركية للمسلمين»، إضافة إلى أن الهجوم جاء تلبية لنداء من زعيم التنظيم البغدادي لاستهداف تركيا. وبأنه يعد بـ«مواصلة العمليات المباركة التي تخوضها الدولة الإسلامية ضد تركيا حامية الصليب، وقد دك أحد جنود الخلافة الأبطال أحد أشهر الملاهي الليلية حيث يحتفل مسيحيون بعيدهم الشركي». وفي هذا السياق أظهر هذا البيان استخدام الغطاء الديني وإن تمازج ذلك مع التعبير عن الرغبة في الانتقام من الهجمات التركية الموجهة للتنظيم والاستجابة لتوجيهات قائد التنظيم.
* اعتبارات تجنيدية
مراقبون يرون في التمازج أعلاه وفي صميمه قلة تحمس «داعش» لتغيير لهجته الدينية للتركيز على شن مواجهة مباشرة مع تركيا بضعة أسباب، أهمها ما يلي:
1 - وجود قاعدة كبيرة للتنظيم داخل تركيا، قائمة من خلال مكاتب للتجنيد في عدد من المدن التركية كمدينة غازي عنتاب، الحدودية مع سوريا، كوّنت لها خلايا في مدن تركية كبرى كإسطنبول وإزمير.
2 - استهداف عملية التجنيد بشكل عام المناطق الريفية التركية التي يعرف سكانها بالبساطة ما يسهل من استقطابهم عبر الالتقاء بالمتعاطفين منهم وإقناعهم في أماكن تجمع قبل تجنيدهم دون تمحيص للرسائل الداعشية.
3 - وجود عدد من الجنسيات المختلفة المنتمية لـ«داعش» والمنفذة للهجمات الانتحارية، ممن قدموا من الرقة في سوريا أو من مناطق أخرى. إذ صرحت السلطات التركية بأن منفذ هجوم المطعم والنادي في إسطنبول، من أقلية الأويغور المسلمة الناطقة باللغة التركية في إقليم سنكيانغ في الصين - أو تركستان الشرقية - وإن تحفظت عن الكشف عن هويته، في حين كشف عن هوية منفذي هجوم مطار أتاتورك وهم ثلاثة من جنسيات روسية وأوزبكية وقرغيزستانية.
أخيرًا، إن ما زاد من خطورة الهجمات الإرهابية الأخيرة في تركيا يكمن في تقاطعها ما بين تنظيمات مختلفة. فتنظيم داعش ليس وحده من نفذ مثل هذه العمليات، إذ يأتي من جهة أخرى حزب العمال الكردستاني وإن كان الأخير لا يطلق تصريحات مباشرة كي ينسب العمليات لنفسه كما يفعل «داعش». وحقًا نسبت السلطات التركية الهجمة الإرهابية التي تلت هجوم ليلة رأس السنة بأربعة أيام مستهدفة إزمير (غرب تركيا) إلى حزب العمال الكردستاني المتطرف المحظور.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».