فيتنام تتمزق في صراع بين التنمية والبيئة

أحد أسرع اقتصادات آسيا نموًا يواجه الكثير من المخاوف

فيتنام تتمزق في صراع بين التنمية والبيئة
TT

فيتنام تتمزق في صراع بين التنمية والبيئة

فيتنام تتمزق في صراع بين التنمية والبيئة

في غضون شهور قليلة، أصبحت ماي ثي بونغ محاصرة وسط كارثة مالية، بعد أن كانت مواطنة صاعدة من أبناء الطبقة المتوسطة العليا التي بدأت تترعرع في فيتنام.
فقد أدى حادث صناعي وقع في أبريل (نيسان) الماضي، إلى وقوع أسوأ كارثة بيئية في فيتنام منذ إعادة توحيد البلاد عام 1975، الذي تضررت بسببه أعمال ماي ذات الـ36 عاما، والتي كانت من تجار الجملة في مجال المأكولات البحرية على أرصفة الموانئ الواقعة بالقرب من إحدى مناطق الصيد الأكثر ازدحاما في فيتنام.
وقالت ماي: «قبل حادث فورموسا، كنا أكبر العاملين في مجال المأكولات البحرية في منطقة كي أنه»، وذلك في إشارة إلى مصنع «فورموسا ها تينه» للحديد والصلب الذي تمتلكه تايوان، والمسؤول عن المشكلات التي تواجهها ماي، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.
وأضافت بونغ، التي أصبح 30 من العاملين السابقين لديها عاطلين عن العمل: «أريد تغيير مجال عملنا، ولكن لا نعلم ما المجال الذي يمكننا أن نعمل فيه؟».
وعلي الرغم من أن اقتصاد فيتنام من بين أسرع الاقتصاديات نموا في آسيا، فإن الحادث الصناعي الذي وقع العام الماضي أثار مخاوف من أن فيتنام تضحي بالبيئة في مقابل المصالح التجارية.
وقال نغوين كوانغ إيه، الاقتصادي والناقد البارز للدولة الشيوعية ذات الحزب الواحد، والذي كان يشغل منصب مدير معهد التنمية المستقرة في هانوي: إن «الحكومة تجيد فقط الكلام، لكنها تخفق في اتخاذ إجراءات مفيدة لحماية البيئة». وأضاف: «يعتقدون أنه في المرحلة الأولى للتنمية، عندما تكون الدولة ما زالت فقيرة، يتعين عليهم التضحية بالبيئة»، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.
ويشار إلى أن الكارثة البيئية أصبحت أكبر مصدر إزعاج للنظام في هانوي عام 2016 عندما بدأت أطنان من السمك النافق الظهور على الشواطئ.
وخلص تحقيق حكومي استمر شهرين إلى أن شركة «فورموسا» كانت المسؤولة، وأنها سربت مادتي فينيل والسيانيد الكيماويتين للمحيط. ومع ذلك، اندلعت احتجاجات عامة محدودة في مدن فيتنام في مايو (أيار) الماضي متهمة الحكومة بالتواطؤ.
وقد تصاعد الموقف بصورة أكبر عندما بدا أن ممثل شركة «فورموسا» يلمح بصورة قاسية إلى أن الشركة مذنبة، وذلك عندما قال بصورة علنية إنه كان على فيتنام الاختيار ما بين «صيد السمك والروبيان؛ وبناء مصنع حديد وصلب حديث».
وتمثل رد المتظاهرين في هانوي ومدينة هو شي مينه على ذلك برفع لافتات كتب عليها «أنا أختار السمك».
وقد أثرت الكارثة أيضا على الاقتصاد الوطني، فقد وصل إجمالي الناتج المحلي إلى 5.9 في المائة فقط خلال أول تسعة أشهر من عام 2016، مقارنة بمستوى 6.5 في المائة خلال الفترة نفسها من عام 2015، وذلك بحسب الإحصاءات الحكومية.
وأرجع نجوين بيك لام، المدير العام لمكتب الإحصاءات العامة، انخفاض إجمالي الناتج المحلي بصورة كبيرة إلى تدمير مناطق الصيد بسبب تسريب «فورموسا».. كما تراجعت أيضا السياحة المحلية. وقال بوي خوان ثاب، مدير إدارة ها تينه للسياحة: إن السياحة في المنطقة المتضررة انخفضت بنسبة 50 في المائة خلال العام الماضي، فيما تعد أكبر نسبة انخفاض يتم تسجيلها خلال أعوام عدة.
وقال نجوين دوي ثينه، الباحث في معهد التكنولوجيا الحيوية والغذاء في فيتنام: إن دعوات لتجنب المأكولات البحرية مقبولة تماما، على الرغم من ضررها على الاقتصاد.
وأضاف أن «العناصر السامة من السمك ستتراكم تدريجيا في الجسم، وتسبب ضررا على الصحة على المدى البعيد»، موضحا أن السمك سيكون آمنا فقط بعدما تؤدي التيارات البحرية دورها لتخفيف حدة المياه الملوثة بصورة طبيعية.
وقال تران دينه نام، المدير التنفيذي لمصنع لمعالجة الحبار، الواقع بالقرب من مصنع فورموسا، إن شركته التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، تدمرت تماما، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.
وكان تران في إندونيسيا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي؛ ليس لإتمام صفقات تصدير، مثلما يفعل عادة في رحلاته الخارجية، لكن كان يسعى لاستيراد سمك لكي يفي بطلبات زبائنه ومعظمهم من اليابان.
وقال تران إنه سيكون محظوظا إذا وصلت إيراداته إلى 2 مليون دولار، مقارنة بنحو 5 ملايين دولار التي سجلها في عام 2015.
وأضاف تران: «إذا استمر هذا الموقف حتى نهاية هذا العام، سيتعين علينا إغلاق المصنع»، مشيرا بأسى إلى مصير العاملين الـ350 لديه. متابعا إن «فيتنام تعرضت للخداع».
وقال شريك بشركة هانوي القانونية البارزة: إن «المشكلة ليست الافتقار للإطار القانوني، ولكن المشكلة في تطبيقه».
وأضاف نجوين تين لاب، الشريك التنفيذي بشركة «إن إتش غوانج وشركاه»: «نحن لدينا تقريبا كل جزء من القانون والقواعد في موضعه، فيما يتعلق بالحماية البيئية». وأضاف: «مع ذلك، بما أن أي نظام قانوني يجمع ما بين التشريع وتطبيق القانون، وبصفتي محاميا، يتعين عليّ أن أقول إن تطبيق القانون ضعيف للغاية».
وأوضح أن المشكلة الكبرى هي أن النظام القانوني الفيتنامي يفتقر إلى الموارد اللازمة للتعامل مع الآلاف من شكاوى المواطنين بشأن كارثة بيئية واحدة.
وقال: «ماذا سيحدث إذا ما قدم الآلاف من الضحايا شكواهم في وقت واحد لمحكمة جزئية واحدة بها عادة خمس إلى عشر قضاة؟».
وهذا أساسا ما حدث في سبتمبر (أيلول) الماضي في ها تيه؛ فقد رفضت المحكمة 506 دعاوى قضائية، قائلة إن الصيادين لم يوثقوا خسائرهم المادية بصورة صحيحة. وقد قضت محكمة في أحد القضايا بتغريم «فورموسا» 400 مليون دولار. وقالت بونغ، التي تزعم أنها خسرت مليار دونغ فيتنامي (نحو 44 ألف دولار)، إنها لم تتلق أي تعويض.



الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.