رئيس الحكومة المغربية: ما زلت أنتظر رد أخنوش... ولا أتعامل بالبيانات

ابن كيران يشبه قصته معه بحكاية «بائع الجمل»

عبد الإله ابن كيران خلال انعقاد «اللقاء الوطني الثاني لرؤساء البلديات» التابع لحزبه في منتجع المعمورة بشمال الرباط (الشرق الأوسط)
عبد الإله ابن كيران خلال انعقاد «اللقاء الوطني الثاني لرؤساء البلديات» التابع لحزبه في منتجع المعمورة بشمال الرباط (الشرق الأوسط)
TT

رئيس الحكومة المغربية: ما زلت أنتظر رد أخنوش... ولا أتعامل بالبيانات

عبد الإله ابن كيران خلال انعقاد «اللقاء الوطني الثاني لرؤساء البلديات» التابع لحزبه في منتجع المعمورة بشمال الرباط (الشرق الأوسط)
عبد الإله ابن كيران خلال انعقاد «اللقاء الوطني الثاني لرؤساء البلديات» التابع لحزبه في منتجع المعمورة بشمال الرباط (الشرق الأوسط)

قال عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية المعين، إنه ما زال ينتظر رد عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، على عرضه الذي قدمه له الثلاثاء الماضي بخصوص تشكيل الحكومة. وأضاف ابن كيران في تصريح صحافي قبيل انعقاد «اللقاء الوطني الثاني لرؤساء البلديات» التابع لحزبه في منتجع المعمورة (شمال الرباط)، إن أخنوش طلب مهلة يومين حتى يرد على اقتراحه، موضحا أنه انتظره الخميس والجمعة وأمس، بيد أن أخنوش لم يأت إليه. واعتبر ابن كيران أن الأمر ربما تطلب من أخنوش وقتا أكثر.
وعاد ابن كيران إلى موضوع تشكيل الحكومة في سياق الكلمة التي ألقاها خلال لقاء رؤساء البلديات، مشيرا إلى أن أخنوش طلب منه في البداية التخلي عن حليفه «حزب الاستقلال»، والآن بعد أن ذهب «الاستقلال» عاد أخنوش ليطلب منه انضمام حزب آخر إلى التحالف الحكومي، في إشارة إلى الاتحاد الدستوري. وقال ابن كيران «اسمحوا لي، لم أسأل أخنوش عما يريد أن يدخل أو يخرج من الحكومة، لكني سألته هو إن كان يريد الدخول. أما الباقي فتلك أشغالي أنا. وإذا كان هناك حزب لديه مشكلة معي فليأتِ إلي أنا».
ولاقى عرض ابن كيران انتقادات شديدة من حزبي الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الغاضبين بسبب استثنائهما من المشاركة في الحكومة المقبلة، وقرار ابن كيران حصر المشاركة فيها على الأحزاب الأربعة التي كانت مشاركة في تحالف الغالبية السابق من دون غيرها، وهي العدالة والتنمية، والتجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والتقدم والاشتراكية.
وانتقد الحزبان المعارضان اقتراح ابن كيران ضعف عدد الأصوات، التي تتوافر عليها الأحزاب الأربعة التي اختارها رئيس الحكومة في مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، مشيرين إلى أن المغرب يحتاج في هذه المرحلة إلى حكومة قوية تتوافر على غالبية مريحة.
ودعا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في بيان صادر عن مكتبه السياسي، أول من أمس، إلى فتح مشاورات بين الأحزاب المعنية بالمشاركة في الحكومة، بهدف «تصحيح مسار مسلسل تشكيل الحكومة»، فيما دافع الاتحاد الدستوري عن موقعه باعتبار تحالفه مع حزب التجمع الوطني للأحرار وتشكيله وإياه فريقا نيابيا موحدا.
وتجدر الإشارة إلى أن حزب الاتحاد الدستوري حصل في الانتخابات التشريعية الأخيرة على 19 مقعدا، وهو عدد لا يؤهله لتشكيل فريق نيابي مستقل؛ إذ يشترط قانون مجلس النواب التوفر على 20 مقعدا من أجل تشكيل فريق نيابي. وفي تفاعل مع بيانات الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي أعلن أخنوش مساء أول من أمس استجابته للرغبة، التي عبر عنها الاتحاد الاشتراكي في فتح مشاورات بين الأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة. وجاء في بيان أخنوش، أنه «بعد التطورات الأخيرة التي عرفتها مشاورات تشكيل التحالف الحكومي، التي تلاها تجاوب من مختلف الأطراف السياسية. فقد تابعنا باهتمام بيان حزب الاتحاد الدستوري بشأن المباحثات، وكذلك نداء حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ورغبته بلقاء الأطراف السياسية الأخرى. وبناء على هذه الرغبة فستلتقي قيادات هذه الأحزاب لتباحث هذه المستجدات ولتبادل الآراء وتعميق النقاش حول مسار تشكيل التحالف الحكومي المقبل. ومن هذا المنطلق نجدد دعوتنا لتشكيل أغلبية حكومية قوية تكون عند مستوى تطلعات المغاربة قيادة وشعبا، وتحقق الآمال والتطلعات المعقودة عليها إن شاء الله».
وفي تعليقه على بيان أخنوش، قال ابن كيران في تصريح صحافي صباح أمس «أنا لا أتعامل مع البيانات، أنتظر أن يأتيني أخنوش بالجواب». وفي سياق كلمته الافتتاحية في لقاء رؤساء البلديات، شبه ابن كيران قصته مع أخنوش بقصة بائع الجمل، مشيرا إلى أن شخصا التقى شخصا آخر يسوق جملا فسأله عن غرضه منه. فأجاب صاحب الجمل إنه يقوده للسوق من أجل بيعه، فطلب منه الشخص الآخر أن يجلس الجمل ثم طلب أن يوقفه مرات عدة، وفي النهاية سأله كم سنطلب مقابلا له.
وفي تعليقه على غضب الاتحاد الاشتراكي من استثنائه من المشاركة في الحكومة، أشار ابن كيران إلى أن باب المشاركة في الحكومة كان «مشرعا أمامه لمدة ثلاثة أشهر، لكن أمينه العام لم يعلن أبدا أنه يريد المشاركة. وفجأة جاء يجري يريد الدخول». وشبه ابن كيران أمين عام الاتحاد الاشتراكي بالذي ينتظر أن تنخفض الأسعار قبل ركوب سفينة الحج، فإذا بالسفينة امتلأت وأغلقت أبوابها. وقال ابن كيران موجها كلامه لأمين عام الاتحاد الاشتراكي «سيأتي يوم أخبرك لماذا رفضت مشاركتك. عندما نكون في الحكومة سأشرح لك». وأضاف موجها كلامه لأعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي أنه يحترمهم، وليست لديه أي مشكلة معهم قائلا: «ارجعوا لكل تدخلاتي، فلم يسبق لي ذكر حزبكم بسوء».
وطلب ابن كيران من أعضاء حزبه تجنب الشغب والملاسنات على شبكات التواصل الاجتماعي. ووجه تهديدا صريحا لعبد العزيز أفتاتي، القيادي في حزب العدالة والتنمية، محذرا إياه من الاستمرار في هجومه غير المحسوب على السياسيين، مشيرا على الخصوص إلى تدوينته الأخيرة التي انتقد فيها عزيز أخنوش. وقال ابن كيران عن أخنوش إنه «رجل طيب وابن ناس»، وأنه اشتغل معه طوال خمس سنوات في الحكومة الماضية بكامل الانسجام، ولم يختلف معه سوى مرة واحدة حدث خلالها سوء تفاهم. وقال ابن كيران لأفتاتي «لقد أتعبتني»، ملوحا باتخاذ تدابير تأديبية ضده، وشبه موقفه بمن يتقدم لشخص من أجل خطبة ابنته بينما يقوم أبناؤه برشق منزله. وأضاف ابن كيران أن تدوينات بعض أعضاء الحزب تكلفه ثمنا باهظا، وقال إن ما يتخوف منه ليس أن يضطر إلى إعادة المفاتيح للملك معلنا فشله في تشكيل الحكومة، وإنما أن يضطر إلى مغادرة الحزب بطريقة غير مرضية.
وقال ابن كيران لأعضاء حزبه إنه لا يريد أن يضطر إلى اتخاذ قرار يحرمهم من حرية التعبير ومن التدوينات، غير أن عليهم التزام الأدب وقواعد التعامل التي وضعها الحزب، مشيرا إلى أن الحرية تقابلها المسؤولية. وطلب منهم استشارة أجهزة الحزب قبل أي مبادرة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.