المطبخ الإسباني وتأثره بالعرب

يرتكز على الزيت والتوابل

المطبخ الإسباني وتأثره بالعرب
TT

المطبخ الإسباني وتأثره بالعرب

المطبخ الإسباني وتأثره بالعرب

يختلف المطبخ الإسباني بين منطقة وأخرى، ويخضع في معظمه للتقاليد المحلية والمناخ السائد والمحاصيل المتاحة والمراحل التاريخية التي مرّت عليه منذ العصر الروماني وحتى الحقبة العربية الأندلسية. وهي أيضًا قريبة من المغرب وتتأثر أيضًا بالمطبخ المغربي الذي لا تفصله عن إسبانيا سوى ثمانية أميال عبر مضيق جبل طارق.
ويستمد المطبخ الإسباني عناصر مكوناته من تاريخ مركب نالت فيه إسبانيا بعضًا من الغزوات والفتوحات وقامت هي أيضًا فيما بعد بكثير من الغزوات، خصوصًا للعالم الجديد والقارة اللاتينية. وبدأت الحضارة في شبه القارة الإيبيرية في القرن السابع قبل الميلاد بمجتمعات بسيطة نشأت من قبائل كانت تعيش على الصيد. وبدأت مجتمعات جنوب إسبانيا في التجارة مع سفن الفينيقيين والإغريق، واستفادوا منهم في تطوير أساليب جديدة للزراعة، والحصول على محاصيل مفيدة مثل الكروم والزيتون. ولم يضف الرومان إلى ذلك في فترة حكمهم لإسبانيا سوى زراعة الفطر الذي ما زال يزرع في أنحاء شمال إسبانيا إلى اليوم.
في العصور الوسطى كان الفتح العربي لإسبانيا عن طريق مضيق جبل طارق وقدم العرب إلى أهل إسبانيا كثيرًا من أنواع الأطعمة التي لم تكن أوروبا تعرفها ومن مصادر بعيدة وصلت إلى بلاد فارس والهند. ولذلك يعد المطبخ الأندلسي هو الأكثر ثراء بين جميع المناطق الإسبانية حيث قدم له العرب الأرز والصرغم وقصب السكر والسبانخ والباذنجان والبطيخ والليمون والخوخ والبرتقال واللوز. وما زالت الأطباق الحديثة تحمل جذور المطبخ العربي فيها.
من العوامل الأخرى التي أثَّرت على المطبخ الإسباني كان اكتشاف أميركا في عام 1492، حيث وصلت إلى إسبانيا محاصيل جديدة مثل الطماطم والخيار والبطاطس والذرة والفلفل الأخضر والبابريكا والفانيليا والكاكاو. واكتشف الإسبان صناعة الشوكولاته من الكاكاو، كما صدروا بدورهم كثيرًا من المحاصيل إلى العالم الجديد، من بينها الأرز والكروم والزيتون وكثير من الحبوب الأخرى.
ويهتم الإسبان بوجبة منتصف اليوم التي تسمى «لا كوميدا»، ويتم تناولها على مدى ساعتين يتخللهما حديث على الطاولة يستمر أحيانًا حتى الرابعة عصرًا. وفي المطاعم يتم تقديم كثير من الوجبات المتنوعة التي تنتهي بتقديم بعض الفاكهة والحلويات. أما في المنازل فيقتصر الأمر على شوربة أو سلاطة إلى جانب وجبة من اللحم أو السمك والمعكرونة أو الأرز ثم الفاكهة أو الجبن. وتقدم السلاطة الخضراء مع معظم الوجبات الإسبانية.
ومن العادات العربية التي اكتسبها الإسبان بدأ الوجبات بالخبز الذي يصاحبه زيت الزيتون والخل والجبن بدلا من الزبد. كما يدخل الأرز في أشهر وجبة إسبانية على الإطلاق وهي وجبة «باييا» المكونة من الأرز والأحياء البحرية وأحيانًا الدجاج والسجق والأرانب. ويقال إن الاسم العربي لهذه الوجبة هو «البقية» وهي جمع مكونات الطعام من اليوم السابق وطبخها معًا في صحن كبير على نار هادئة مع الأرز. وتشتهر هذه الوجبة في كثير من مناطق إسبانيا مثل الأندلس.
ويعتمد الإسبان على كثير من الخضراوات التي حضرت من أميركا بعد اكتشافها وخصوصا البطاطس والطماطم والكوسة والفلفل الأخضر. وجمعت إسبانيا بين هذه المكونات الجديدة وبين مطبخ البحر المتوسط التقليدي الذي يعتمد على زيت الزيتون والبصل والثوم والباذنجان والخرشوف والخص والفطر. وأنتجت إسبانيا بعض الوجبات الخاصة بها مثل وجبة «كوسيدا»، التي تحتوي على الخضراوات والبقول واللحوم أو الدجاج، وهي تنتشر في كل أنحاء إسبانيا. كما تنتشر أيضًا شوربة «غازباتشو» المكونة من الطماطم وبعض الخضراوات والمكونات الأخرى المطحونة، وهي شوربة تؤكل باردة.
وتشتهر إسبانيا أيضًا بالعديد من الفواكه التي تؤكل طازجة أو مجففة، ومن أشهر أنواع الفواكه في إسبانيا التين والتمر والتفاح والكروم والبرتقال والفراولة والكريز. كما يتم تناول المكسرات بأنواعها بعد تسخينها في الفرن، وهي أيضًا أدخل ضمن مكونات بعض الوجبات والحلويات.
ويعتبر المناخ الإسباني المشمس الدافئ مثاليا لنمو أشجار الزيتون والتي يتم استخراج زيت الزيتون منها، وتنتج إسبانيا أنواعًا جيدة من هذا الزيت، ويستخدم في الطبخ وفي الإضافة إلى أنواع السلاطة. ويؤكل الزيتون المحفوظ أحيانًا كفاتح شهية قبل الوجبات ويقدم في المطاعم مع الخبز وزيت الزيتون قبل تقديم الوجبة الرئيسية.
وتعتمد إسبانيا في مطبخها على المأكولات البحرية مستفيدة من أطول ساحل بحري بين دول أوروبا وأسطول بحري يجوب البحر المتوسط والمحيط الأطلسي وخليج البيسكاي للصيد على مدار الساعة. وتشتهر إسبانيا خصوصًا في المدن الساحلية بأكلات السمك الطازج الذي يؤكل مشويا أو مقليا مع الخبز والسلاطة. وتقدم المطاعم صيفا السردين مشويا على الفحم خصوصا في مدن إقليم الأندلس.
ويعتمد المطبخ الإسباني أيضًا على البقول مثل الحمص والفاصوليا البيضاء والعدس. وهي تستخدم في إعداد أطباق مختلفة من الشوربة أو البقول المطبوخة بالطماطم. وتضاف حبوب العدس إلى السلاطة أحيانا، كما تستخدم الفاصوليا الخضراء والبسلة في كثير من الأطباق من الباييا إلى أطباق الفرن.
وينتشر تناول اللحوم بأنواعها في مختلف أنحاء إسبانيا وهي تؤكل بعد إعدادها بالطرق التقليدية مثل التجفيف والتدخين والحفظ في شكل سجق بالثوم يسمى شوريتزو. ويدخل الدجاج في كثير من الوجبات التي تتكون من صلصة الطماطم والأرز أو البطاطس مع الدجاج. كما تشتهر إسبانيا بالعجة الإسبانية المصنوعة من البيض والبطاطس.
وتنتج إسبانيا كثيرًا من أنواع الجبن وهي تؤكل أحيانًا في وجبات خفيفة تسمى «تاباس» مع الخبز والزيتون وزيت الزيتون. ويفضل البعض تناول الجبن بعد الوجبات بدلاً من الحلوى أو الفواكه.
ويظهر تأثير الحقبة العربية في حكم الأندلس في التوابل التي ما زال الإسبان يستخدمونها في مطبخهم إلى اليوم، ومن أهم هذه التوابل الزعفران الذي يدخل لإكساب الأرز لونا ذهبيا ونكهة مميزة. ويستخدم الإسبان الشطة والثوم والبقدونس والفلفل والخل وعصير الليمون. وكل هذه التوابل تستخدم لتعزيز نكهة وطعم الوجبات وليس لإخفاء طبيعة طعمها، ومعظمها عربي الأصل.
ويبدأ اليوم في العادة بإفطار خفيف يتكون أحيانا من القهوة والشوروس، وهي شرائح مقلية تغمس في الشوكولاته. ولكن وجبة منتصف اليوم تتكون من ثلاثة أطباق وهي الوجبة الرئيسية في اليوم، وتبدأ في الثانية ظهرًا. ويتناول الإسبان وجبة العشاء في وقت متأخر لا يقل عن العاشرة مساء وهي وجبة كاملة تتكون من الأسماك وبعض الفاكهة. وبين الوجبات يشتهر الإسبان بتناول مزات خفيفة تسمى «تاباس».
وللإسبان وجباتهم السريعة أيضًا، ومنها الشوروس والعجة الإسبانية وساندويتشات اللحم، ولكن في السنوات الأخيرة انتشرت مطاعم الوجبات السريعة الأميركية. ولكن الوجبات السريعة لم تؤثر على انتشار المأكولات الإسبانية خصوصًا «التاباس».
من العادات الإسبانية الغريبة تناول 12 حبة من العنب في ليلة رأس السنة من أجل جلب الحظ في السنة الجديدة. ويتناول الإسبان وجبة دسمة في ليلة رأس السنة ويحتفلون حتى ساعات الصباح الأولى.

اختلاف المطبخ الإسباني باختلاف الأقاليم

> تبقى وجبات وعادات كل إقليم مختلفة عن الأقاليم الإسبانية الأخرى. وهذه لمحات عن المطبخ الإسباني في بعض المناطق الإسبانية:
< الأندلس: ينقسم المطبخ الأندلسي إلى قسمين: ريفي وساحلي، وكلاهما يعتمد على زيت الزيتون. والطبق الأندلسي الذي حقق شهرة واسعة هو طبق شوربة غازباتشو، وتتكون من شوربة طماطم يتم تناولها باردة. ويدخل الزيتون والجبن والخبز ضمن المقبلات. ويتناول أهل الأندلس كثيرًا من الأسماك المطهية بأساليب متنوعة.
< اراغون: وهي منطقة تقع عن سفوح جبال البيرانيس وتشتهر برعي الماشية، ولذلك فإن أهم أطباق مطبخ اراغون لحم الغنم المشوي الذي يقدم مملحًا بالفلفل والثوم. وتقدم الأسماك أيضًا مشوية بالزيت والثوم. وتنتج المنطقة أيضًا كثيرًا من اللحوم المحفوظة وأنواع الجبن وتدخل الخضراوات والفاكهة الطازجة التي تزرع محليًا ضمن التنوع الغذائي السائد في المنطقة.
< إقليم الباسك: ويعتمد مطبخ الباسك على اللحوم والأسماك، خصوصًا سمك الباكالاو المقلي في الزيت والثوم. وتلعب الطيور دورًا مهمًا في الوجبات، خصوصًا الإوز والدجاج. كما يعتمد مطبخ الباسك أيضًا على الحبوب بأنواعها وعلى الزيتون والتين.
< جزر الكناري: تختلف جزر الكناري عن إسبانيا في موقعها الجغرافي في المحيط الأطلسي وتجارتها التاريخية مع العالم الجديد التي جعلت منها بوتقة لمختلف أنواع الأغذية وأساليب الطبخ. وهي تعتمد على الأسماك بصفة رئيسية، كما تعد البطاطس من الأغذية السائدة في هذه الجزر. ويضم مطبخ الكناري كثيرًا من أنواع الجبن والخضراوات والفواكه. ويُسهِم موقع الجزر المداري في زراعة كثيرٍ من محاصيل المناطق الحارة مثل الموز والمانغو والأفوكادو، وجميعها تدخل ضمن النظام الغذائي المحلي. ويدخل ضمن مكونات المطبخ المحلي أيضًا صلصات من أصل برتغالي تسمى «موخو» تستخدم بنكهات مختلفة في الطبخ وتضاف إلى اللحوم. وهناك كثير من أنواع الحلويات المحلية التي لا توجد في أي منطقة أخرى في إسبانيا.



مبارزة «سوشيالية» على لقب أفضل طبق كشري في مصر

طبق الكشري المصري (شاترستوك)
طبق الكشري المصري (شاترستوك)
TT

مبارزة «سوشيالية» على لقب أفضل طبق كشري في مصر

طبق الكشري المصري (شاترستوك)
طبق الكشري المصري (شاترستوك)

يبدو أن انتشار وشهرة محلات الكشري المصرية، لدرجة افتتاح فروع لها في دول عربية، زادا حدة التنافس بينها على لقب «أفضل طبق كشري». الأمر الذي انعكس في «مبارزة سوشيالية» لـ3 من محلات الكشري المعروفة في مصر، حيث استخدم كل منها فيديوهات بخلفية أغاني مهرجانات في تحدٍّ تَصدّر «التريند» على «إكس».

ولا تظهر المؤشرات مِن أين بدأت ما سُميت «المبارزة السوشيالية»، أي المبارزة على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن فيديوهات نشرها مستخدمون على «إكس» تشير إلى شباب يرتدون زي «كشري التحرير»، وهو محل كشري له أفرع كثيرة في مصر، يقدمون أغنية تعبر عن تفردهم بـ«أفضل طبق كشري»، ليرد عليهم آخرون يرتدون زي محلات «سيد حنفي»، الذي وضع فيديو شباب «كشري التحرير» في الخلفية، ويخبرونهم بأنهم يريدون فقط الأضواء «اللقطة»، وأن الأفضل لهم الابتعاد عن المنافسة والنوم جيداً.

ونشرت مستخدمة باسم «رحومة» على «إكس» فيديو السجال بين «كشري التحرير» وكشري «سيد حنفي»، معلّقةً أن آخر شيء كانت تتخيله أن محلات الكشري «تدوس على بعض»، أي تدخل في سجال وتحدٍّ مباشر.

وعلى الصفحة نفسها، جاء تعليق من المستخدمة ذاتها: «بشرى سارة للجميع، أبو طارق ردوا يا جماعة»، بعد ذلك يظهر فيديو لشخص في خلفيته لافتة «أبو طارق»، وهو محل كشري شهير في مصر، يرد على الاثنين قائلاً في نهايته: «روحوا ناموا... بتحلموا».

ويبدو من الفيديوهات المتداولة والتعليقات عليها أن بعض هذه المبارزات يدور بين أفرع لمحلات الكشري المصرية، ولكن في الخارج.

وتتراوح أسعار طبق الكشري في مصر بين 20 جنيهاً في المناطق الشعبية، و50 جنيهاً في المناطق المتوسطة والميسورة اجتماعياً، ويختلف طعمه من محل إلى آخر حسب «الصنعة» التي يتقنها كل محل. وتقتصر مكونات طبق الكشري على الأرز والمكرونة والعدس وحمص الشام والبصل المقلي، مع إضافات مثل الصلصة والدَّقَّة.

طبق الكشري أكلة شعبية مميزة في مصر (فيسبوك)

في السياق، جاءت تعليقات تعدّ الكشري وجبة الفقراء، حيث كتبت صاحبة حساب باسم «مريم» على «إكس» أنها حاولت أن تشرح لزميلتها الأميركية في العمل ما هو الكشري، وكيف أنه بلا لحوم، فسألتها زميلتها؛ هل معنى ذلك أن معظم المصريين نباتيين؟ فردّت عليها: «بل معظمهم فقراء».

ليرد عليها متابع آخر باسم «محمد المسيري» متعجباً من ربط الكشري بالفقر، مشيراً إلى وجود محلات الكشري في كل المناطق، ويدخلها الناس من كل المستويات (الطبقات الاجتماعية)، وأن هناك فنادق 5 نجوم ومطاعم كبرى تقدم «طبق الكشري» ضمن قائمة الطعام الخاصة بها.

ونشر حساب باسم «عصمت سليم» على «إكس» صورة لعربة كشري في الشارع (يبدو أنها صورة تعود لفترة قديمة) يأكل منها مجموعة من الصبية، وعليها أسعار «5 - 3 - 2 - 1»، وكتب معلقاً على الصورة إن سعر طبق الكشري عند أغلبية الناس أهم من أسعار الذهب. وأضاف: «طبق الكشري الأكلة الشعبية في مصر كان بـ5 قروش، والآن وصل سعره إلى 50 جنيهاً (الدولار يساوي 48.25 جنيه مصري) بزيادة ألف مرة»، وردّ عليه أحد المتابعين أن هذه الأسعار كانت في السبعينات.

ويُرجع بعض المصادر أصل الكشري إلى أزمنة قديمة، في إشارة إلى كتاب «الجيبتانا» الذي يؤرخ للمصريين القدماء، وتَرد فيه وصفة «الكوشير»، ويتكون من حبوب القمح والعدس والفول والحمص والثوم والبصل بعد طهيها في أوانٍ من الفخار، وهي مكونات قريبة جداً مما يتكون منه الكشري اليوم.

وتسعى مصر إلى تسجيل الكشري ضمن التراث الإنساني اللامادي. وكانت الدكتورة نهلة إمام، مستشارة وزارة الثقافة لشؤون التراث اللامادي، قد تحدثت سابقاً عن تقديم ملف لليونيسكو لتسجيل «الكشري» كـ«أكلة مصرية»، ومن المفترض تحكيم هذا الملف في 2025.