عمليات وتصفيات بارزة

عمليات وتصفيات بارزة
TT

عمليات وتصفيات بارزة

عمليات وتصفيات بارزة

في كل سنة يجتمع في ديوان رئيس الدولة، كل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس «الموساد» الحالي وكل من بقي على قيد الحياة من رؤساء الجهاز السابقين، لكي يوزّعوا شهادات التقدير والاستحقاق لمجموعة من العاملين في «الموساد»؛ تقديرا على عملياتهم. وفي سنوات عدة يقام احتفال كهذا مرتين في السنة. وهناك جملة تتردد في كل احتفال: «أنتم تقومون بأعمال جبارة بعضها سيُعرَف بعد زمن طويل وغالبيتها لن تُعرَف إلى الأبد».
وكما هو معروف، فإن «الموساد» قلما ينسب إلى نفسه عمليات عينية، وقلما يعترف بما ينسب إليه من عمليات. ومع ذلك، فإن الأدبيات السياسية والعالمية ملأى بالقصص عن هذه العمليات، التي تعتبر الهوية الحقيقية لهذا الجهاز، بنجاحاته وإخفاقاته على السواء. وللعلم، نجاحاته كثيرة وإخفاقاته أيضًا كثيرة. وكلها تصب في خانة «الحرب القذرة»، التي يروح ضحيتها الكثير من الأبرياء. ومن أبرز هذه العمليات، التي تم نسبها إلى «الموساد»:
* عملية «بيرن»: اكتشف «الموساد» أن ضابطًا إسرائيليًا كبيرًا يدعى ألكسندر يسرائيل يتجسّس لصالح مصر، فخطفوه من إحدى دول غرب أوروبا عام 1954 وخدروه وطاروا به إلى إسرائيل. وخلال الرحلة توفي الرجل فألقوا بجثته في البحر الأبيض المتوسط أثناء الطيران.
* «خطاب خروشوف»: عام 1956 وصلت أوجها الخلافات داخل روسيا وألقى الرئيس نيكيتا خروشوف خطابًا سريًا عدّد فيه جرائم الرئيس السابق جوزيف ستالين. وكان «الموساد» الإسرائيلي هو الذي حصل على هذا الخطاب وسلمه للولايات المتحدة وهكذا عرفت التغييرات في نسق الحكم بموسكو.
* «عملية مراكش»: في السنوات 1956 – 1964 تمكن «الموساد» من تهجير يهود المغرب.
* أدولف آيخمان: ضمن مهمات «الموساد» كان تصيد كبار الضباط النازيين الألمان، الذين اختفت آثارهم بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصا أولئك الذين كان لهم دور مباشر في محرقة اليهود. أحد هؤلاء، أدولف آيخمان، تمكن من الهرب إلى الأرجنتين والعيش فيها تحت اسم مستعار، لكن عام 1960 اقتفى «الموساد» آثاره وخطفه ونقله إلى إسرائيل، حيث حوكم وأعدم شنقًا.
* الصواريخ المصرية: في شهر يوليو (تموز) 1962، نشر نبأ عن تجارب لصنع الصواريخ في مصر. وشوهد بعض من هذه الصواريخ في استعراض عسكري بشوارع القاهرة في ذكرى ثورة 23 يوليو. وقال المصريون يومها إن مدى هذه الصواريخ يصل إلى جنوبي بيروت. ولقد فحص «الموساد» الأمر فتيقن من صحة المعلومات. وكانت النتيجة أن أحد المهندسين الألمان اختفى من القاهرة، ووصلت مغلفات ملغومة إلى عدد آخر. وجرى اعتقال اثنين من عملاء «الموساد» هما يوصف بن غال وأوتو يوكليك في سويسرا وحوكما بتهمة هذه العملية. وتبين لاحقا أن مصر لم تنتج صواريخ باليستية كهذه. وعام 1965 أقدم «الموساد» على اغتيال ضابط نازي من لاتفيا كان قد هرب إلى الأوروغواي.
* «عملية الجوهرة»: هذا هو الاسم الذي أطلقه «الموساد» على العملية التي تمكن فيها عام 1966 من تجنيد طيار عراقي اسمه منير روفا إلى صفوفه، فهرب الطيار بطائرة «ميغ 21» روسية الصنع إلى إسرائيل. وهكذا تعرفت إسرائيل والولايات المتحدة إلى أهم أسرار هذه الطائرة؛ ما ساعدها لاحقًا في حرب 1967.
* «غضب الله»: عام 1970. قرّرت الحكومة الإسرائيلية، يومذاك، برئاسة غولدا مائير تصفية جميع المسلحين الفلسطينيين المسؤولين عن تنفيذ عملية اغتيال الرياضيين الإسرائيليين في أولمبياد ميونيخ. وأطلق على العملية اسم «غضب الله». واستطاع «الموساد» اغتيال قادة التنظيم واحدًا تلوَ الآخر، بوسائل مختلفة كتفجير هاتف، أو تفجير سريري في فندق، أو إطلاق نار من مسافة قريبة، باستثناء علي حسن سلامة «أبو حسن»، رئيس المجموعة الفلسطينية، الذي استطاع الإفلات من عملات اغتيال عدة. وفي يوليو من عام 1973 قتَل «الموساد» أحمد بوشيكي عن طريق الخطأ، وهو مواطن نرويجي من أصول مغربية اشتبه عن طريق الخطأ بأنه سلامة، في مدينة ليلهامر النرويجية. وقدّمت إسرائيل تعويضًا بمئات آلاف الشواقل لزوجة بوشيكي. وفقط في عام 1979 وصلت ملاحقة سلامة إلى نهاية الطريق عندما انفجرت به سيارته الملغومة في لبنان. ونشر لاحقا أنه تم تجنيد مواطنة بريطانية تدعى أريكا تشايمبرز من قبل «الموساد» واستأجرت منزلاً مقابلا لمنزل سلامة في بيروت، وهي التي قامت بتفجير القنبلة بواسطة جهاز تحكم عن بُعد.
* «ربيع الشباب»: عام 1973 نفذ «الموساد» بالاشتراك مع وحدة الأركان العامة والكوماندوز البحري 13 عملية في قلب بيروت؛ إذ وصلت الوحدة الإسرائيلية إلى شواطئ بيروت بواسطة قوارب، وهناك انتظرهم رجال «الموساد» الذين أقلّوهم بسيارات مستأجرة في يوم سابق. وكان نصف المهاجمين الإسرائيليين متنكّرين بأزياء نساء، ومشوا معانقين، كمجموعة من الأزواج العشاق. وقال إيهود باراك، الذي كان رئيس سرية هيئة الأركان العامة في تلك الفترة، إنه كان متنكّرًا بزي امرأة سمراء. وهو الذي أصبح رئيسا لأركان ووزيرا للدفاع ثم رئيسا للحكومة. كما اشترك في العملية يوناثان نتنياهو، أخو رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو (الذي قتل بعد مرور ثلاث سنوات في عملية تهريب الرهائن الإسرائيليين في عنتيبي بأوغندا) كما شارك أمنون ليبكين شاحاك، الذي أصبح فيما بعد رئيس أركان الجيش. وفي هجمات في مواقع عدة مختلفة من المدينة، اغتيل نحو مائة رجل من حركتي «فتح» والجبهة الشعبية، إضافة إلى ثلاثة من كبار مسؤولي «فتح» هم: يوسف النجار «أبو يوسف» وكمال ناصر وكمال عدوان.
* عام 1978، تمكن «الموساد» من اغتيال الدكتور وديع حداد، القائد البارز في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في ألمانيا الشرقية بواسطة السم.
* عام 1986. أقدم الموساد على خطف مردخاي فعنونو، العامل في مفاعل ديمونا النووية، الذي كان قد نشر أسرارا عن السلاح النووي. ولقد أغري بواسطة عميلة «الموساد» ساندي، التي أقامت معه قصة حب مخادعة. وجرى نقله من إيطاليا وهو مخدّر. ولقد حوكم وسجن، وهو اليوم ممنوع من السفر ويعيش في القدس العربية.
* عام 1988: اغتيال القائد الفلسطيني خليل الوزير «أبو جهاد» بعملية عسكرية ضخمة، دخلت فيها قوات إسرائيلية كبيرة من «الموساد» والكوماندوز العسكري إلى تونس العاصمة عبر البحر. وقاد العملية موشيه يعلون، وزير الدفاع السابق ورئيس أركان الجيش الأسبق، عندما كان قائدا لوحدة الكوماندوز، وأشرف عليها عبر سفينة في البحر رئيس الأركان يومذاك إيهود باراك.
* عام 1992، حاول عملاء «الموساد» اغتيال نائب وزير الدفاع الإيراني مجيد عباسفور في فينا، ففشلوا. ووقع اثنان منهم في حادث طرق فانكشف أمرهما واعتقلا.
* عام 1997 اغتيال قائد «الجهاد الإسلامي» الدكتور فتحي الشقاقي في مالطة.
* خالد مشعل: في السنة نفسها، فشل «الموساد» في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، بقرار من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. كان ذلك في العاصمة الأردنية عمان. وقد أقدم ضباط «الموساد» على اعتراض طريق مشعل ورش أحدهم غازا ساما من نوع فنتانيل على أذن مشعل، الذي كان من المفترض أن يقتله في غضون ساعات. ولكن العملية تورطت، فقد تم القبض على القاتلَيْن بواسطة الشرطة الأردنية.
* عام 1998، اغتيل المهندس الكندي جيرالد بول، الذي ساعد العراق على تطوير مدفع حديث ذي إمكانيات تدميرية ذات مدى بعيد.
* عام 2010، اغتيل محمود المبحوح في دبي، وهو مسؤول مشتريات الأسلحة في حماس.
* في 16 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اغتيل التونسي محمد الزواري، مهندس الطائرات بلا طيار، وذلك بعدما اتضح أنه اخترع غواصة غير مأهولة لصالح حماس.
وهناك عمليات كثيرة أخرى نسبت إلى «الموساد» لكن تنفيذها تم بواسطة أجهزة أخرى مثل الجيش و«الشاباك».



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.