عبد الله عبد الله رجل الساعة في أفغانستان

الطبيب المرشح بقوة لخلافة كرزاي هل يتمكن من معالجة الجرح النازف في بلاده؟

عبد الله عبد الله رجل الساعة في أفغانستان
TT

عبد الله عبد الله رجل الساعة في أفغانستان

عبد الله عبد الله رجل الساعة في أفغانستان

كان يتطلع إلى أن يمارس مهنة الطب التي درسها، ليقدم خدماته لأبناء شعبه من خلال هذه المهنة المقدسة التي ينظر إلى صاحبها في أفغانستان بعين الاحترام، خاصة في المناطق الريفية بالجنوب والشرق.. لكن الواقع الأفغاني المرير
حول مسار حياته، ليسلك طريقا آخر غير ما خطط له.
فوزير الخارجية الأفغاني الأسبق عبد الله عبد الله الذي يخوض حاليا غمار الانتخابات الرئاسية الأفغانية، قرر انتهاج السياسة في بلد يعاني من الفقر والحروب.. وهو الآن يتقدم على منافسه أشرف غني الاقتصادي السابق في البنك الدولي، حسب نتائج جزئية للانتخابات الرئاسية التي جرت في الخامس من أبريل (نيسان) شملت نصف بطاقات الاقتراع. وحسب التوقعات فإن عبد الله عبد الله الأكثر حظا لخلافة الرئيس حميد كرزاي. وكان عبد الله حل ثانيا وراء كرزاي في انتخابات سنة 2009 وسبق أن أعلن أنه سيدعو في حال فوزه إلى إجراء تعديلات دستورية تتيح تقاسم السلطة في البلاد.
شكل الموقع الجغرافي الحيوي لأفغانستان الواقعة في وسط آسيا مطمعا دائما لطموحات الدول الكبرى التي حاولت ولا تزال السيطرة عليها للتحكم على المنطقة برمتها. لكن الشعب الأفغاني ظل يعاني الفقر والبؤس طوال العقود الماضية ولم يطرأ أي تغيير في حياتهم التي تشبه حياة شعوب القرون الوسطى. وسط هذه الحالة تشكلت مفاهيم عبد الله عبد الله الذي ولد في بيت أفغاني مختلط بالانتماء العرقي حيث ينحدر والده من أسرة بشتونية من ولاية قندهار التي تعد بمثابة عاصمة القرار السياسي للجنوب الأفغاني بينما تنتمي والدته إلى الطاجيك المستقرون في ولاية بانشير أو وادي بانشير الواقع شمال شرقي العاصمة كابل الذي استعصى على جميع الغزاة الدخول إليها بسبب وعورة وديانها وجبالها وشراسة سكانها.
ولد عبد الله المعروف حاليا بين الأفغان بـ«داكتر صاحب» في الخامس من سبتمبر (أيلول) 1960 في كابل، وكان لأسرته المكونة من عرقيتين كبيرتين تتشكل منهما معظم سكان أفغانستان، تأثير كبير وإيجابي في نموه وتطور حياته الاجتماعية والسياسية لاحقا.
فالحروب الخارجية المتلاحقة التي خاضتها بلاده في مختلف المراحل وكذلك الحروب الأهلية بين الأفغان أنفسهم، حولت وجهة عبد الله المهنية إلى عالم السياسة.. وبات عنصرا حيويا في السياسة الأفغانية ورقما صعبا لا يمكن تصور ترسيم المرحلة المقبلة لأفغانستان من دون الأخذ في الاعتبار رؤيته المستقبلية لأفغانستان وما يسميها «خريطة طريق» للخروج من الأزمة. هذه الخريطة لخصها عبد الله في شعاره الانتخابي الذي خاض به منافسة الانتخابات الرئاسية لعام 2014 وهو «الإصلاحات والوحدة»، وهما الأمران الهامان بالنسبة لأفغانستان الجديدة التي تعاني من الفساد في مؤسساتها الحكومية وتوسع دائرة انتشارها بشكل غريب ومرعب جعلت من أفغانستان تتصدر الدول الأكثر فسادا بالعالم ثم الوحدة والتعايش حيث تعاني أفغانستان من الفرقة والخلافات القبلية والقومية حولتها إلى دولة متخلفة وفقيرة.
كان والد عبد الله غلام محيي الدين خان، مسؤولا حكوميا ونائبا في مجلس الشورى الأفغاني في عهد الملك الأفغاني الراحل محمد ظاهر شاه قبل أربعين عاما.
درس عبد الله في مدرسة ناديريا الثانوية بكابل حيث تخرج فيها غالبية الشخصيات السياسية، وبعد التخرج فيها التحق بجامعة كابل التي كانت تعتبر من أرقى الجامعات في المنطقة قبل أربعين سنة. واختار عبد الله كلية الطب، حيث تخصص في طب العيون وتخرج فيها عام 1983 ليتفرغ لممارسة مهنة الطب لفترة وجيزة جدا وذلك في مستشفى نور في وسط العاصمة كابل (لا يزال يحمل نفس الاسم حتى يومنا هذا).
لم يتمكن عبد الله من مواصلة عمله كغيره من المهنيين والمثقفين الأفغان بسبب الغزو السوفياتي السابق لأفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، حيث اختار طريقه للخروج من أفغانستان والالتحاق بأحزاب المجاهدين الذين كانوا يتخذون من مدينة بيشاور في شمال غربي باكستان منطلقا لتحركاتها ضد حكومة كابل المدعومة من الاتحاد السوفياتي السابق. في البداية انشغل عبد الله بمهنة ممارسة الطب في مستشفى سيد جمال الدين أفغاني وهو المثقف الأفغاني الشهير في مدينة بيشاور وكان يعالج اللاجئين الأفغان الذين تدفقوا إلى المدينة عقب اندلاع الحرب بين أحزاب المجاهدين وقوات الاتحاد السوفياتي السابق في ثمانينات القرن الماضي.
استمر عبد الله في ممارسة الطب لمدة وجيزة ورأى أن هناك جبهة أخرى لا تقل أهمية وهي بحاجة ماسة إليه, هي جبهة الجهاد والمقاومة للسوفيات. ولم يتردد في الانضمام إليها وذلك في عام 1985. وفي العام نفسه اختار عبد الله جبهة المقاومة في ولاية بانشير مسقط أخواله تحديدا في جبهة قائد تحالف شمال السابق أحمد شاه مسعود الذي اغتاله عنصران من تنظيم القاعدة تنكرا في لباس صحافيين في التاسع من سبتمبر (أيلول) أي قبل يومين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر بالولايات المتحدة عام 2001.
اضطلع عبد الله في البداية بمسؤولية الرعاية الصحية في جبهة بانشير التي استعصت على القوات الروسية وعلى مسلحي طالبان أن يدخلوا إليها حيث كان عبد الله يمضي معظم أوقاته في معالجة مئات المقاتلين الذين كانوا يسقطون جرحى في قتالهم ضد القوات الروسية والحكومية المدعومة من موسكو.
وفي الفترة نفسها شغل عبد الله منصب مستشار خاص للقائد الشمالي الراحل أحمد شاه مسعود وبات لسانه الذي يتحدث به وجسر تواصل مع العالم الخارجي الذي كان بحاجة لفتح نافذة على المقاتلين الأفغان. وبما أن عبد الله كان يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة فقد بات عنصرا مهما ومتحدثا بارعا في جبهة بانشير التي انضم تحت لوائها معظم قادة المجاهدين الميدانيين من مختلف الولايات والمناطق الأفغانية بغض النظر عن انتمائهم للأحزاب المختلفة.
وليس من المبالغة القول إنه هو الذي عرّف جبهة بانشير التي كانت من أكثر الجبهات الأفغانية المقاتلة تمسكا وانتظاما وقوة، للعالم الخارجي بفضل معرفته بالإنجليزية. وأثناء دخول أحزاب المجاهدين إلى العاصمة الأفغانية عام 1992 عقب الإطاحة بحكومة نجيب الله آخر رؤساء الحكومات الشيوعية المدعومة من موسكو الذي أعدمته طالبان فيما بعد عندما سيطرت على كابل عام 1996، عين عبد الله مديرا لمكتب وزير الدفاع الأفغاني أحمد شاه مسعود، ومتحدثا باسم وزارة الدفاع الأفغانية وكان الجهة الوحيدة التي تنقل أحداث أفغانستان إلى المجتمع الدولي عبر لقاءاته التلفزيونية والإذاعية خاصة مع إذاعة «بي بي سي» قسم اللغات المحلية الأفغانية (الباشتو والدارية) وهما اللغتان الرسميتان في أفغانستان.
وفي عام 1997 عين مساعدا لوزير الخارجية الأفغانية في الحكومة التي كان برهان الدين رباني زعيم جبهة التحالف الشمالي يترأسها خارج العاصمة كابل تحديدا في ولاية تخار، الذي تقلد فيما بعد سقوط طالبان عدة مناصب رفيعة منها رئيس مجلس السلام الأفغاني لمحاورة طالبان لكنه قتل بهجوم انتحاري في داخل منزله بعد العودة من إيران قبل ثلاث سنوات في كابل.
وفي عام 1999 عين عبد الله قائما بأعمال وزارة الخارجية الأفغانية في الحكومة نفسها. وبعد ظهور حركة طالبان عام 1996 والتي سيطرت على معظم المناطق الأفغانية بما فيها العاصمة كابل، انسحبت الحكومة الأفغانية برئاسة برهان الدين رباني إلى الشمال الأفغاني وظل عبد الله عنصرا مهما من عناصر تلك الحكومة، وبقي ملازما القائد العسكري المناوئ لحركة طالبان أحمد شاه مسعود.
كما أنه بات مصدر الأخبار الوحيد لدى الوكالات الدولية حول ما يجري في الداخل الأفغاني من قتال بين قوات التحالف الشمالي ومسلحي طالبان في مختلف جبهات القتال تركزت غالبيتها في مناطق الشمال ذات الأغلبية الطاجيكية والأوزبكية والهزارة الشيعية.
كما شارك عبد الله في عدة مؤتمرات دولية وإقليمية عقدت في عدد من العواصم الأوروبية والإقليمية. وفي دول الجوار وبمساعدة أممية لمناقشة الوضع الأفغاني والبحث في سبل الخروج من الأزمة التي كانت تقتل وتشرد المئات من الأفغانيين. وظل يردد على مسامع العالم، الخطر المقبل من جبال وكهوف أفغانستان المتمثل في حركة طالبان المتحالفة مع تنظيم القاعدة وأفكاره المتطرفة.
وكان عبد الله يركز في خطاباته على أن طالبان ليست خطرا على أفغانستان فقط وإنما هي تهديد ممنهج سيهدد العالم بأسره. وبدأ نجم عبد الله يسطع في سماء السياسية الأفغانية بعد الإطاحة بنظام طالبان عام 2001، عقب الهجوم أميركا والحلفاء على نظامها بعد أن رفضت تسليم أسامة بن لادن المتهم في عمليات تفجير برجي التجارة العالمية في الحادي عشر من سبتمبر من العام نفسه، حيث أسندت إليه حقيبة الخارجية الأفغانية في المؤتمر الذي عقد بين الفصائل الأفغانية برعاية الأمم المتحدة لملء الفراغ السياسي الذي نتج عن إسقاط حكومة طالبان.
وحافظ عبد الله على منصبه في الخارجية الأفغانية في الحكومة المؤقتة ومن ثم في الإدارة الانتقالية اللتين ترأسهما الرئيس الأفغاني المنتهية ولايته حميد كرزاي.
وكان عبد الله، من الوزراء القلائل الذين حافظوا على مناصبهم في التشكيلة الوزارية التي تمخضت عن أول انتخابات رئاسية أفغانية مباشرة شهدتها البلاد بعد رحيل نظام طالبان وذلك في عام 2004، وفي هذه الفترة يعد من الوزراء القلائل الذين نجحوا في مهماتهم وتمكنوا من وضع لبنة أولية في الوزارات التي أسندت إليهم من قبيل وضع القوانين والإصلاحات وشهدت الخارجية الأفغانية وسياساتها نقلة نوعية خاصة فيما يتعلق بعلاقات أفغانستان مع العالم الخارجي ودول الجوار وتمكنت كابل من تعزيز علاقات بينها وبين المجتمع الدولي برئاسة عبد الله الذي كان يتجول بحقيبته الدبلوماسية في عواصم الدول وهو يشرح طموحات بلاده الجديدة ويرسم خريطة سياسية جديدة في علاقات بلاده مع الجميع، ومن سوء حظ أفغانستان أن الانتماء العرقي والقبلي يلعب دورا مهما في تعيين الشخصيات على مناصب رفيعة ولم يستثن عبد الله عن هذه الظاهرة.
لذلك أُبعد عبد الله من منصبه عام 2006 ضمن تعديل وزاري قام به الرئيس حميد كرزاي. وهو قرار استقبل بكثير من الانتقادات من المجتمع المدني والأوساط السياسية، لكن عبد الله، السياسي المخضرم، بخبرته الواسعة وتجاربه الكبيرة قَبِل قرار الرئيس، مؤكدا أنه سيظل في خدمة الشعب الأفغاني سواء كان في داخل الحكومة أو خارجها لترك الديمقراطية الوليدة تأخذ مسارها الطبيعي.
ولعب عبد الله دورا مهما وبارزا في تقريب وجهات النظر بين كابل وإسلام آباد حول الحرب على ما يسمى بالإرهاب والقضايا المعلقة بين البلدين، وذلك بعد أن عين من الجانب الأفغاني رئيسا على مجلس قبلي لإجراء محادثات مع مجلس قبلي آخر تشكل في الجانب الباكستاني لمناقشة الأوضاع على جانبي الحدود والتوصل إلى رؤية واضحة لحلحلة الملفات العالقة بين البلدين المتجاورين. ولم يسترح عبد الله في الفترة بين 2006 حتى 2009 بل ظل في تواصل مستمر مع الأحزاب والتكتلات السياسية الأفغانية من خلال عقد ندوات ومؤتمرات يشرح فيها رؤيته السياسية لمستقبل بلده، ويقدم طروحات ومقترحات لتحسين الوضع السياسي والأمني.
كما أنه عزز خيوطه مع الدول الكبرى ومع الشخصيات المؤثرة فيها لجلب أنظارها إلى الأزمة الأفغانية التي يراها تتفاقم في ظل فشل الحكومة الأفغانية في بسط سيطرتها على كامل أراضيها وعدم الجدية في التعاطي مع قضية الحوار والمصالحة مع جماعة طالبان، كما أنه يتهم الدول التي لها قوات مقاتلة في أفغانستان بعدم وجود استراتيجية ورؤية واضحة للخروج من المعضلة. ومن أجل مواصلة مسيرته السياسية وتحقيق آماله وطموحاته وبرامجه التي يعتبرها إصلاحية، دخل عبد الله المسرح السياسي الأفغاني المحفوف بالمخاطر مرة أخرى عبر الترشح لخوض ثالث انتخابات رئاسية تشهدها البلاد منذ رحيل نظام طالبان وتجربة أولية في نقل السلطة عبر صناديق الاقتراع بدل البنادق، ثمانية مترشحين خاضوا الانتخابات وكان عبد الله أبرزهم لخلافة كرزاي الذي لا يحق له الترشح لولاية ثالثة وفقا للدستور الأفغاني الجديد لكن المنافسة الحقيقية كانت بين عبد الله الذي يجمع بين البشتون والطاجيك وأشرف غني أحمد زاي وزير المال الأسبق وموظف البنك الدولي السابق، وهو ينحدر من قبيلة أحمد زاي البشتونية، وتميزت الحملة الانتخابية للدكتور عبد الله بشعاره الانتخابي المتميز والكبير والطموح وهو العمل من أجل التغيير والإصلاح، ويعني بالتغيير إجراء تعديل على النظام السياسي من الرئاسي إلى النظام البرلماني وإحداث منصب رئاسة الوزراء لتوزيع السلطة والأدوار لجميع العرقيات في حكم البلد.
اتسمت حملة عبد الله بالهدوء والتنظيم وشدة التماسك وتبرع مجموعة من الشباب المثقفين بقيادة حملة الانتخابية من خلال مشاركاتهم المستمرة في مناظرات تلفزيونية وحلقات نقاش أدارتها قنوات محلية شاهدها ملايين المشاهد والناخب الأفغاني لمعرفة برامج المترشحين.
تحالف عبد الله مع الحزب الإسلامي المنشق عن الحزب الأم بقيادة قلب الدين حكمتيار الذي لا يزال يقاتل الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية من مكان مجهول حيث أخذ في بطاقته الانتخابية المهندس «محمد خان» وهو بشتوني من ولاية غزني كنائب أول له وصحب معه في البطاقة «محمد محقق» زعيم حزب الوحدة الإسلامية الشيعية الذي يعد بنك الأصوات في وسط عرقية الهزارة الساكنة وسط أفغانستان نائبا ثانيا له، هذه الخطوة الذكية جعلته يتصدر النتائج الجزئية للانتخابات الرئاسية الأفغانية التي جرت في الخامس من الشهر الحالي بحصوله على 44 في المائة بعد فرز 50 في المائة من أصوات الناخبين.
من جهته, يقول عبد الشكور واقف وهو كاتب ومحلل سياسي أفغاني إن عبد الله هو الشخصية المناسبة لقيادة المرحلة المقبلة وهي مرحلة لا شك أنها حرجة وحساسة نظرا لعدد من الاستحقاقات أهمها استعداد القوات الدولية الانسحاب من أفغانستان وترك الملف الأمني للقوات الأفغانية التي ستكون وحدها في مواجهة أخطار قد تمثلها طالبان.
وعبد الله الذي ظل في أفغانستان خلال سنوات الحروب الماضية وتجول في وديانها أدرى وأعرف من غيره في التعامل مع مثل هذه القضايا. غير أن عددا من المحللين يرون أن فوز عبد الله بمنصب الرئاسة سيدخل أفغانستان في دوامة جديدة من العنف والعنف المضاد نظرا لأن حجم التمرد المسلح يتمركز في مناطق الجنوب ذات الأغلبية البشتونية وأن عبد الله محسوب على الطاجيك ففوزه سيوسع من دائرة التمرد، يقول خليل الرحمن مجيدي, وهو أستاذ جامعي, إن أفغانستان بحاجة إلى شخصية مستقلة لم تتورط في المشكلات والأزمات لتكون مؤهلة لقيادة البلد ومحل قبول جميع أطراف الصراع.
وعبد الله، متزوج وله ثلاث بنات وابن، معروف بأنه يحب القراءة ومحب للفروسية، ويجيد اللغتين الدارية والبشتونية وهما اللغتان الرسميتان في أفغانستان. كما يجيد اللغة الإنجليزية، ويفهم اللغة العربية والفرنسية. لم يترك عبد الله منطقة في أفغانستان إلا وذهب إليها ضمن حملته الانتخابية وهو يروج لشعاره الإصلاحي.
وفي تفاصيل هذا الشعار قال في أكثر من مناسبة إنه يتطلع إلى تغيير النظام السياسي من الرئاسي المتمركز على شخص واحد إلى إعطاء مزيد من الصلاحيات للمحافظات والأقاليم، وإحداث منصب رئاسة الوزراء ومنح البرلمان صلاحيات أكثر. ويقول إن الوضع الأفغاني لن يتحسن إلا بإحداث تغييرات أساسية تبدأ من رأس السلطة. وقال في إحدى المناسبات لمناصريه «امنحوني السلطة أُعِد لكم حقوقكم». شعارات ربما لن يفهمها الأفغان في هذه المرحلة خاصة أن معظمهم لا يقرأون ولا يعرفون الكتابة. كما أنه يصعب عليهم التخلص من الانتماءات العرقية الضيقة على حساب الوطن والمواطنة.
شعار الإصلاح والتغيير الذي رفعه عبد الله لقي ترحيبا كبيرا وواسعا لدى الأوساط السياسية والطبقة الأفغانية المثقفة، تحديدا جيل الشباب والفتيات، الفئة التي على ما يبدو يئست من الأوضاع الجارية، والتي تتطلع إلى إحداث تغييرات جذرية على كيان الدولة الأفغانية، وبات عبد الله بفضل شعاراته الانتخابية مقربا جدا من جيل الشباب، الذين تطوعوا للترويج لشعاراته وحملته الانتخابية في طول البلاد وعرضها. وعلى الرغم من أن عبد الله مرشح حزب الجمعية الإسلامية الأفغانية فإنه يحظى بدعم جماعات وأحزاب سياسية كبيرة كما يحظى بدعم شريحة كبيرة من المجتمع المدني الأفغاني.
ويؤخذ على عبد الله من قبل خصومه مشاركته في الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي لكن الرجل يقول إنه كان إلى جانب قائد تحالف شمال السابق أحمد شاه مسعود كرجل مدني لا عسكري ولم ينخرط في العمل العسكري، كما يتوجس بعض من المحللين بأنه وفي حال فوزه بمنصب الرئاسية في الانتخابات الثالثة بعد الرئيس كرزاي فإن دائرة التمرد الطالباني ستتوسع حيث ستحث طالبان مقاتليها بأن تحالف الشمال سيطر مرة أخرى على الحكم، غير أن الآخرين يأملون أن يكون فوز عبد الله في حال تحقق خطوة أساسية في تثبيت دعائم الديمقراطية الوليدة في أفغانستان الجديدة بعد طالبان.



جون ماهاما... «العائد» إلى الحكم في غانا يراوغ التحديات

خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً
خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً
TT

جون ماهاما... «العائد» إلى الحكم في غانا يراوغ التحديات

خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً
خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً

في أسرة سياسية بغرب أفريقيا، تفتحت عيناه للمرة الأولى، وخبر السياسة منذ نعومة أظافره، وتعلّمها إبّان دراسته وعمله أستاذاً للتاريخ، لكن مسيرته تعرّضت لهزة في منتصف عمره، حينما سلك المنفى طريقاً للنجاة. إنه جون ماهاما، الذي لم يجد في المنفى عنوانه، فعاد إلى بلده غانا بعد سنوات من التعليم، وصعد إلى السلطة خلال 28 سنة، من برلماني لوزير، فنائب رئيس ثم رئيس، وبعد مغادرته المنصب، عاد تحت ضغوط اقتصادية رئيساً لفترة ثانية. ماهاما رئيس حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي» (يسار الوسط) المعارض، فاز بانتخابات الرئاسة في 7 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، على مرشح الحزب الحاكم محمودو باووميا، ليعود إلى قصر الحكم في ولاية ثانية على رأس البلد الأفريقي الغني بالذهب والكاكاو، والذي كان تحت قيادة كوامي نكروما «رائد» الحركة الاستقلالية في «أفريقيا السمراء» عن الاستعمار الأوروبي.

وُلد جون دراماني ماهاما يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1958 في بلدة دامونغو بمنطقة بولي في النصف الشمالي من غانا، آنذاك، وهو ينتمي إلى شعب الغونجا. أما والده، إيمانويل أداما ماهاما، فكان مزارعاً ميسوراً وعضواً في البرلمان عن دائرة غرب غونجا، وشخصية مقربة من الزعيم التاريخي الاستقلالي كوامي نكروما.

جون أمضى السنوات الأولى من حياته مع والدته، أبيبا نابا، في دامونغو، قبل أن ينتقل إلى العاصمة أكرا؛ ليعيش مع والده، الذي غرس فيه شغفاً قوياً بالتعليم. وفي أكرا تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة أشيموتا الأساسية، وانتقل لاحقاً إلى مدرسة غانا الثانوية في مدينة تامالي بشمال البلاد. ثم حصل من جامعة غانا، كبرى جامعات البلاد، على درجة بكالوريوس الآداب في التاريخ عام 1981، وبعد ذلك درّس التاريخ في مدرسة غانا الثانوية. إلا أن الوضعَين السياسي والاقتصادي في غانا أجبراه على الفرار إلى نيجيريا، حيث عاد إلى والده الذي كان يعيش في المنفى.

لاحقاً، عام 1983 عاد جون إلى غانا؛ حيث التحق ببرنامج الدراسات العليا في قسم دراسات الاتصال بجامعة غانا، وتخرج عام 1986، ثم توجه إلى الاتحاد السوفياتي السابق، حيث أكمل دراساته العليا في علم النفس الاجتماعي بمعهد العلوم الاجتماعية المرموق في موسكو عام 1988. وبعد التخرج عاد إلى الوطن، حيث دخل معترك السياسة عام 1996، وانضم إلى حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي» (NDC) - حزب اليسار الرئيس في البلاد - ولاحقاً انتُخب لعضوية البرلمان الغاني نائباً عن دائرة بولي - بامبوي لمدة 4 سنوات، وأُعيد انتخابه في انتخابات عامَي 2000 و2004.

الطريق نحو الحكم

خلال هذه الفترة البرلمانية، تولّى جون ماهاما منصب نائب وزير الاتصالات في عام 1997، وشغل منصب وزير الاتصالات بين عامي 1998 و2001. وخلال مرحلة تولّيه وزارة الاتصالات، لعب ماهاما دوراً رئيساً في استقرار وتطوير قطاع الاتصالات في غانا. وصار ناطقاً باسم المعارضة البرلمانية من عام 2001 حتى 2005 قبل أن يترشح نائباً للمرشح الرئاسي جون إيفانز أتا ميلز عام 2008، ويصبح نائباً للرئيس بالفعل في عام 2009.

بعدها، في يوليو (تموز) 2012، خلف ماهاما الرئيسَ أتا ميلز، الذي توفي قبل انتخابه في ديسمبر 2012 رئيساً لولاية ثانية، وبذا دخل التاريخ بصفته أول رئيس يولد بعد إعلان استقلال غانا في 6 مارس (آذار) 1957.

إنجازات

خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة، كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً. ووفق سيرته الذاتية، عام 2012، كان رصيد غانا في «مؤشر الديمقراطية» 6.02، محتلةً المرتبة الـ78 في العالم. ولكن عام 2016 عندما ترك منصبه كان رصيد غانا 6.75، ما وضعها في المرتبة الـ54 على مستوى العالم، ما صنّفها خامس أكثر الدول ديمقراطيةً في أفريقيا.

أيضاً، كان ترتيب غانا بالنسبة للمساواة بين الرجال والنساء في المرتبة الـ71 على مستوى العالم عام 2012، إلا أنها تقدمت تحت رئاسته إلى المرتبة الـ59 عام 2016. وفي السياق ذاته، إبان رئاسة ماهاما، وصل ترتيب غانا على صعيد حرية الصحافة إلى المرتبة الـ26 عام 2016، بعدما سجل ترتيبها في 2021 المرتبة الـ41، وانخفضت معدلات البطالة من 3.6 في المائة عام 2012 إلى 2.3 في المائة عام 2016. وكذلك انخفض مؤشر التفاوت بين البشر من 31.9 في المائة عام 2012 إلى 28.8 في المائة عام 2016، كما انخفض التفاوت في التعليم من 40.9 في المائة عام 2012 إلى 34.9 في المائة عام 2016.

وحقاً، تؤكد السيرة الذاتية لجون ماهاما أن رئاسته الأولى بين من عام 2012 وعام 2016، حملت لغانا «تحوّلاً حقيقياً». إلا أنه مع ذلك خسر الانتخابات الرئاسية أمام منافسه اليميني نانا أكوفو أدو، الذي استمر في الحكم ولايتين متتاليتين، مدة كلٍ منهما 4 سنوات.

ولكن، بما أن الدستور الغاني يمنع منح الرئيس أكثر من ولايتين، قرّر الرئيس المنتهية ولايته مضطراً التنحّي جانباً وترشيح ودعم نائبه محمودو باووميا، لخوض السباق مع 11 مرشحاً آخر. غير أن ماهاما استطاع هذه المرة - من باب زعامته للمعارضة على مدار سنوات - استغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، ومنها ارتفاع الأسعار والتضخم والبطالة، ليهزم مرشح الحزب الحاكم وينتصر... بعد محاولتين سابقتين باءتا بالفشل.

وهكذا، يوم 9 ديسمبر الماضي، أعلنت مفوضية الانتخابات في غانا، فوز جون ماهاما في الانتخابات الرئاسية، إذ حصل على 56 في المائة من الأصوات، مقارنة بمرشح الحزب الحاكم ونائب الرئيس محمودو باووميا، الذي حصل على 41 في المائة. وأظهرت النتائج أن نسبة المشارَكة في الانتخابات بلغت 60.9 في المائة، انخفاضاً من 79 في المائة في انتخابات 2020.

دور الاضطراب الاقتصادي

لقد أنهت العودة الساحقة لجون ماهاما 8 سنوات في السلطة للحزب الوطني الجديد تمثلت بعهد الرئيس السابق نانا أكوفو أدو، الذي اتسمت ولايته الأخيرة بأسوأ اضطراب اقتصادي عرفته غانا منذ سنوات، وبخطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي وسط تخلفها عن سداد ديونها. وبالفعل، أقرَّ باووميا بالهزيمة في الانتخابات - الرئاسية والتشريعية - وأعلن خلال مؤتمر صحافي، قبل الإعلان الرسمي للنتيجة، أن شعب غانا صوَّت من أجل التغيير، وهو يحترم قراره.

تعهدات غانية

هنا تجدر الإشارة إلى أن الرئيس ماهاما كان قد تعهد في أثناء حملته الانتخابية، «بإعادة ضبط» أوضاع البلاد على مختلف الأصعدة. وقال في خطاب له إن النتائج تحمل «لحظة أمل ووحدة»، لافتاً إلى أن الانتقال من إدارة إلى أخرى يخلق انطباعاً بوجود فراغ في السلطة. ثم ذكر أنه تلقى تقارير عن وقوع هجمات على مكاتب ومنشآت حكومية. وأردف: «مع أنه ليس من الواضح مَن يقف وراء هذه الهجمات، فإنني أدينها بكل وضوح. ولا بد أن تتوقف هذه الأعمال على الفور». وتابع: «بما أن السلطة في الدولة لا تزال في أيدي الإدارة الحالية، فإنني أدعو الرئيس الحالي والأجهزة الأمنية إلى التحرك بشكل حاسم للحد من أعمال الفوضى المستمرة».

ومن ثم، كشف الرئيس المنتخب، في منشور عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس»، عن أنه زار الرئيس السابق بناءً على دعوته لبدء عملية الانتقال للسلطة.

تحديات جمة

أخيراً، مع عودة جون ماهاما للرئاسة، تُسلط الأضواء على تحديات ولايته التي كانت تحاط بأزمات أبرزها في قطاع الكهرباء والانقطاعات المتكررة للتيار حينذاك. وفعلاً يتوقع كثيرون أن تنتظره معارك سياسية مع تمسكه بتشريع يحمل قيوداً بشأن التنقيب الأهلي عن الذهب بطريقة غير قانونية، والتوقّف الفوري عن منح أي تراخيص جديدة للمنقّبين، في بلد يصنف أكبر منتج للذهب في أفريقيا، ما يثير مخاوف إثر اعتماد قطاعات واسعة من السكان على ذلك النشاط.واقتصادياً، وعد «بإعادة ضبط» غانا، وإطلاق انتعاش اقتصادي، وإعادة التفاوض على أجزاء من اتفاق صندوق النقد الدولي الذي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار. وللعلم، ضم خطاب الفوز، وعداً من ماهاما بإجراء تعديلات وإجراءات «صارمة» لإعادة غانا إلى المسار الصحيح.