عبد الله عبد الله رجل الساعة في أفغانستان

الطبيب المرشح بقوة لخلافة كرزاي هل يتمكن من معالجة الجرح النازف في بلاده؟

عبد الله عبد الله رجل الساعة في أفغانستان
TT

عبد الله عبد الله رجل الساعة في أفغانستان

عبد الله عبد الله رجل الساعة في أفغانستان

كان يتطلع إلى أن يمارس مهنة الطب التي درسها، ليقدم خدماته لأبناء شعبه من خلال هذه المهنة المقدسة التي ينظر إلى صاحبها في أفغانستان بعين الاحترام، خاصة في المناطق الريفية بالجنوب والشرق.. لكن الواقع الأفغاني المرير
حول مسار حياته، ليسلك طريقا آخر غير ما خطط له.
فوزير الخارجية الأفغاني الأسبق عبد الله عبد الله الذي يخوض حاليا غمار الانتخابات الرئاسية الأفغانية، قرر انتهاج السياسة في بلد يعاني من الفقر والحروب.. وهو الآن يتقدم على منافسه أشرف غني الاقتصادي السابق في البنك الدولي، حسب نتائج جزئية للانتخابات الرئاسية التي جرت في الخامس من أبريل (نيسان) شملت نصف بطاقات الاقتراع. وحسب التوقعات فإن عبد الله عبد الله الأكثر حظا لخلافة الرئيس حميد كرزاي. وكان عبد الله حل ثانيا وراء كرزاي في انتخابات سنة 2009 وسبق أن أعلن أنه سيدعو في حال فوزه إلى إجراء تعديلات دستورية تتيح تقاسم السلطة في البلاد.
شكل الموقع الجغرافي الحيوي لأفغانستان الواقعة في وسط آسيا مطمعا دائما لطموحات الدول الكبرى التي حاولت ولا تزال السيطرة عليها للتحكم على المنطقة برمتها. لكن الشعب الأفغاني ظل يعاني الفقر والبؤس طوال العقود الماضية ولم يطرأ أي تغيير في حياتهم التي تشبه حياة شعوب القرون الوسطى. وسط هذه الحالة تشكلت مفاهيم عبد الله عبد الله الذي ولد في بيت أفغاني مختلط بالانتماء العرقي حيث ينحدر والده من أسرة بشتونية من ولاية قندهار التي تعد بمثابة عاصمة القرار السياسي للجنوب الأفغاني بينما تنتمي والدته إلى الطاجيك المستقرون في ولاية بانشير أو وادي بانشير الواقع شمال شرقي العاصمة كابل الذي استعصى على جميع الغزاة الدخول إليها بسبب وعورة وديانها وجبالها وشراسة سكانها.
ولد عبد الله المعروف حاليا بين الأفغان بـ«داكتر صاحب» في الخامس من سبتمبر (أيلول) 1960 في كابل، وكان لأسرته المكونة من عرقيتين كبيرتين تتشكل منهما معظم سكان أفغانستان، تأثير كبير وإيجابي في نموه وتطور حياته الاجتماعية والسياسية لاحقا.
فالحروب الخارجية المتلاحقة التي خاضتها بلاده في مختلف المراحل وكذلك الحروب الأهلية بين الأفغان أنفسهم، حولت وجهة عبد الله المهنية إلى عالم السياسة.. وبات عنصرا حيويا في السياسة الأفغانية ورقما صعبا لا يمكن تصور ترسيم المرحلة المقبلة لأفغانستان من دون الأخذ في الاعتبار رؤيته المستقبلية لأفغانستان وما يسميها «خريطة طريق» للخروج من الأزمة. هذه الخريطة لخصها عبد الله في شعاره الانتخابي الذي خاض به منافسة الانتخابات الرئاسية لعام 2014 وهو «الإصلاحات والوحدة»، وهما الأمران الهامان بالنسبة لأفغانستان الجديدة التي تعاني من الفساد في مؤسساتها الحكومية وتوسع دائرة انتشارها بشكل غريب ومرعب جعلت من أفغانستان تتصدر الدول الأكثر فسادا بالعالم ثم الوحدة والتعايش حيث تعاني أفغانستان من الفرقة والخلافات القبلية والقومية حولتها إلى دولة متخلفة وفقيرة.
كان والد عبد الله غلام محيي الدين خان، مسؤولا حكوميا ونائبا في مجلس الشورى الأفغاني في عهد الملك الأفغاني الراحل محمد ظاهر شاه قبل أربعين عاما.
درس عبد الله في مدرسة ناديريا الثانوية بكابل حيث تخرج فيها غالبية الشخصيات السياسية، وبعد التخرج فيها التحق بجامعة كابل التي كانت تعتبر من أرقى الجامعات في المنطقة قبل أربعين سنة. واختار عبد الله كلية الطب، حيث تخصص في طب العيون وتخرج فيها عام 1983 ليتفرغ لممارسة مهنة الطب لفترة وجيزة جدا وذلك في مستشفى نور في وسط العاصمة كابل (لا يزال يحمل نفس الاسم حتى يومنا هذا).
لم يتمكن عبد الله من مواصلة عمله كغيره من المهنيين والمثقفين الأفغان بسبب الغزو السوفياتي السابق لأفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، حيث اختار طريقه للخروج من أفغانستان والالتحاق بأحزاب المجاهدين الذين كانوا يتخذون من مدينة بيشاور في شمال غربي باكستان منطلقا لتحركاتها ضد حكومة كابل المدعومة من الاتحاد السوفياتي السابق. في البداية انشغل عبد الله بمهنة ممارسة الطب في مستشفى سيد جمال الدين أفغاني وهو المثقف الأفغاني الشهير في مدينة بيشاور وكان يعالج اللاجئين الأفغان الذين تدفقوا إلى المدينة عقب اندلاع الحرب بين أحزاب المجاهدين وقوات الاتحاد السوفياتي السابق في ثمانينات القرن الماضي.
استمر عبد الله في ممارسة الطب لمدة وجيزة ورأى أن هناك جبهة أخرى لا تقل أهمية وهي بحاجة ماسة إليه, هي جبهة الجهاد والمقاومة للسوفيات. ولم يتردد في الانضمام إليها وذلك في عام 1985. وفي العام نفسه اختار عبد الله جبهة المقاومة في ولاية بانشير مسقط أخواله تحديدا في جبهة قائد تحالف شمال السابق أحمد شاه مسعود الذي اغتاله عنصران من تنظيم القاعدة تنكرا في لباس صحافيين في التاسع من سبتمبر (أيلول) أي قبل يومين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر بالولايات المتحدة عام 2001.
اضطلع عبد الله في البداية بمسؤولية الرعاية الصحية في جبهة بانشير التي استعصت على القوات الروسية وعلى مسلحي طالبان أن يدخلوا إليها حيث كان عبد الله يمضي معظم أوقاته في معالجة مئات المقاتلين الذين كانوا يسقطون جرحى في قتالهم ضد القوات الروسية والحكومية المدعومة من موسكو.
وفي الفترة نفسها شغل عبد الله منصب مستشار خاص للقائد الشمالي الراحل أحمد شاه مسعود وبات لسانه الذي يتحدث به وجسر تواصل مع العالم الخارجي الذي كان بحاجة لفتح نافذة على المقاتلين الأفغان. وبما أن عبد الله كان يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة فقد بات عنصرا مهما ومتحدثا بارعا في جبهة بانشير التي انضم تحت لوائها معظم قادة المجاهدين الميدانيين من مختلف الولايات والمناطق الأفغانية بغض النظر عن انتمائهم للأحزاب المختلفة.
وليس من المبالغة القول إنه هو الذي عرّف جبهة بانشير التي كانت من أكثر الجبهات الأفغانية المقاتلة تمسكا وانتظاما وقوة، للعالم الخارجي بفضل معرفته بالإنجليزية. وأثناء دخول أحزاب المجاهدين إلى العاصمة الأفغانية عام 1992 عقب الإطاحة بحكومة نجيب الله آخر رؤساء الحكومات الشيوعية المدعومة من موسكو الذي أعدمته طالبان فيما بعد عندما سيطرت على كابل عام 1996، عين عبد الله مديرا لمكتب وزير الدفاع الأفغاني أحمد شاه مسعود، ومتحدثا باسم وزارة الدفاع الأفغانية وكان الجهة الوحيدة التي تنقل أحداث أفغانستان إلى المجتمع الدولي عبر لقاءاته التلفزيونية والإذاعية خاصة مع إذاعة «بي بي سي» قسم اللغات المحلية الأفغانية (الباشتو والدارية) وهما اللغتان الرسميتان في أفغانستان.
وفي عام 1997 عين مساعدا لوزير الخارجية الأفغانية في الحكومة التي كان برهان الدين رباني زعيم جبهة التحالف الشمالي يترأسها خارج العاصمة كابل تحديدا في ولاية تخار، الذي تقلد فيما بعد سقوط طالبان عدة مناصب رفيعة منها رئيس مجلس السلام الأفغاني لمحاورة طالبان لكنه قتل بهجوم انتحاري في داخل منزله بعد العودة من إيران قبل ثلاث سنوات في كابل.
وفي عام 1999 عين عبد الله قائما بأعمال وزارة الخارجية الأفغانية في الحكومة نفسها. وبعد ظهور حركة طالبان عام 1996 والتي سيطرت على معظم المناطق الأفغانية بما فيها العاصمة كابل، انسحبت الحكومة الأفغانية برئاسة برهان الدين رباني إلى الشمال الأفغاني وظل عبد الله عنصرا مهما من عناصر تلك الحكومة، وبقي ملازما القائد العسكري المناوئ لحركة طالبان أحمد شاه مسعود.
كما أنه بات مصدر الأخبار الوحيد لدى الوكالات الدولية حول ما يجري في الداخل الأفغاني من قتال بين قوات التحالف الشمالي ومسلحي طالبان في مختلف جبهات القتال تركزت غالبيتها في مناطق الشمال ذات الأغلبية الطاجيكية والأوزبكية والهزارة الشيعية.
كما شارك عبد الله في عدة مؤتمرات دولية وإقليمية عقدت في عدد من العواصم الأوروبية والإقليمية. وفي دول الجوار وبمساعدة أممية لمناقشة الوضع الأفغاني والبحث في سبل الخروج من الأزمة التي كانت تقتل وتشرد المئات من الأفغانيين. وظل يردد على مسامع العالم، الخطر المقبل من جبال وكهوف أفغانستان المتمثل في حركة طالبان المتحالفة مع تنظيم القاعدة وأفكاره المتطرفة.
وكان عبد الله يركز في خطاباته على أن طالبان ليست خطرا على أفغانستان فقط وإنما هي تهديد ممنهج سيهدد العالم بأسره. وبدأ نجم عبد الله يسطع في سماء السياسية الأفغانية بعد الإطاحة بنظام طالبان عام 2001، عقب الهجوم أميركا والحلفاء على نظامها بعد أن رفضت تسليم أسامة بن لادن المتهم في عمليات تفجير برجي التجارة العالمية في الحادي عشر من سبتمبر من العام نفسه، حيث أسندت إليه حقيبة الخارجية الأفغانية في المؤتمر الذي عقد بين الفصائل الأفغانية برعاية الأمم المتحدة لملء الفراغ السياسي الذي نتج عن إسقاط حكومة طالبان.
وحافظ عبد الله على منصبه في الخارجية الأفغانية في الحكومة المؤقتة ومن ثم في الإدارة الانتقالية اللتين ترأسهما الرئيس الأفغاني المنتهية ولايته حميد كرزاي.
وكان عبد الله، من الوزراء القلائل الذين حافظوا على مناصبهم في التشكيلة الوزارية التي تمخضت عن أول انتخابات رئاسية أفغانية مباشرة شهدتها البلاد بعد رحيل نظام طالبان وذلك في عام 2004، وفي هذه الفترة يعد من الوزراء القلائل الذين نجحوا في مهماتهم وتمكنوا من وضع لبنة أولية في الوزارات التي أسندت إليهم من قبيل وضع القوانين والإصلاحات وشهدت الخارجية الأفغانية وسياساتها نقلة نوعية خاصة فيما يتعلق بعلاقات أفغانستان مع العالم الخارجي ودول الجوار وتمكنت كابل من تعزيز علاقات بينها وبين المجتمع الدولي برئاسة عبد الله الذي كان يتجول بحقيبته الدبلوماسية في عواصم الدول وهو يشرح طموحات بلاده الجديدة ويرسم خريطة سياسية جديدة في علاقات بلاده مع الجميع، ومن سوء حظ أفغانستان أن الانتماء العرقي والقبلي يلعب دورا مهما في تعيين الشخصيات على مناصب رفيعة ولم يستثن عبد الله عن هذه الظاهرة.
لذلك أُبعد عبد الله من منصبه عام 2006 ضمن تعديل وزاري قام به الرئيس حميد كرزاي. وهو قرار استقبل بكثير من الانتقادات من المجتمع المدني والأوساط السياسية، لكن عبد الله، السياسي المخضرم، بخبرته الواسعة وتجاربه الكبيرة قَبِل قرار الرئيس، مؤكدا أنه سيظل في خدمة الشعب الأفغاني سواء كان في داخل الحكومة أو خارجها لترك الديمقراطية الوليدة تأخذ مسارها الطبيعي.
ولعب عبد الله دورا مهما وبارزا في تقريب وجهات النظر بين كابل وإسلام آباد حول الحرب على ما يسمى بالإرهاب والقضايا المعلقة بين البلدين، وذلك بعد أن عين من الجانب الأفغاني رئيسا على مجلس قبلي لإجراء محادثات مع مجلس قبلي آخر تشكل في الجانب الباكستاني لمناقشة الأوضاع على جانبي الحدود والتوصل إلى رؤية واضحة لحلحلة الملفات العالقة بين البلدين المتجاورين. ولم يسترح عبد الله في الفترة بين 2006 حتى 2009 بل ظل في تواصل مستمر مع الأحزاب والتكتلات السياسية الأفغانية من خلال عقد ندوات ومؤتمرات يشرح فيها رؤيته السياسية لمستقبل بلده، ويقدم طروحات ومقترحات لتحسين الوضع السياسي والأمني.
كما أنه عزز خيوطه مع الدول الكبرى ومع الشخصيات المؤثرة فيها لجلب أنظارها إلى الأزمة الأفغانية التي يراها تتفاقم في ظل فشل الحكومة الأفغانية في بسط سيطرتها على كامل أراضيها وعدم الجدية في التعاطي مع قضية الحوار والمصالحة مع جماعة طالبان، كما أنه يتهم الدول التي لها قوات مقاتلة في أفغانستان بعدم وجود استراتيجية ورؤية واضحة للخروج من المعضلة. ومن أجل مواصلة مسيرته السياسية وتحقيق آماله وطموحاته وبرامجه التي يعتبرها إصلاحية، دخل عبد الله المسرح السياسي الأفغاني المحفوف بالمخاطر مرة أخرى عبر الترشح لخوض ثالث انتخابات رئاسية تشهدها البلاد منذ رحيل نظام طالبان وتجربة أولية في نقل السلطة عبر صناديق الاقتراع بدل البنادق، ثمانية مترشحين خاضوا الانتخابات وكان عبد الله أبرزهم لخلافة كرزاي الذي لا يحق له الترشح لولاية ثالثة وفقا للدستور الأفغاني الجديد لكن المنافسة الحقيقية كانت بين عبد الله الذي يجمع بين البشتون والطاجيك وأشرف غني أحمد زاي وزير المال الأسبق وموظف البنك الدولي السابق، وهو ينحدر من قبيلة أحمد زاي البشتونية، وتميزت الحملة الانتخابية للدكتور عبد الله بشعاره الانتخابي المتميز والكبير والطموح وهو العمل من أجل التغيير والإصلاح، ويعني بالتغيير إجراء تعديل على النظام السياسي من الرئاسي إلى النظام البرلماني وإحداث منصب رئاسة الوزراء لتوزيع السلطة والأدوار لجميع العرقيات في حكم البلد.
اتسمت حملة عبد الله بالهدوء والتنظيم وشدة التماسك وتبرع مجموعة من الشباب المثقفين بقيادة حملة الانتخابية من خلال مشاركاتهم المستمرة في مناظرات تلفزيونية وحلقات نقاش أدارتها قنوات محلية شاهدها ملايين المشاهد والناخب الأفغاني لمعرفة برامج المترشحين.
تحالف عبد الله مع الحزب الإسلامي المنشق عن الحزب الأم بقيادة قلب الدين حكمتيار الذي لا يزال يقاتل الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية من مكان مجهول حيث أخذ في بطاقته الانتخابية المهندس «محمد خان» وهو بشتوني من ولاية غزني كنائب أول له وصحب معه في البطاقة «محمد محقق» زعيم حزب الوحدة الإسلامية الشيعية الذي يعد بنك الأصوات في وسط عرقية الهزارة الساكنة وسط أفغانستان نائبا ثانيا له، هذه الخطوة الذكية جعلته يتصدر النتائج الجزئية للانتخابات الرئاسية الأفغانية التي جرت في الخامس من الشهر الحالي بحصوله على 44 في المائة بعد فرز 50 في المائة من أصوات الناخبين.
من جهته, يقول عبد الشكور واقف وهو كاتب ومحلل سياسي أفغاني إن عبد الله هو الشخصية المناسبة لقيادة المرحلة المقبلة وهي مرحلة لا شك أنها حرجة وحساسة نظرا لعدد من الاستحقاقات أهمها استعداد القوات الدولية الانسحاب من أفغانستان وترك الملف الأمني للقوات الأفغانية التي ستكون وحدها في مواجهة أخطار قد تمثلها طالبان.
وعبد الله الذي ظل في أفغانستان خلال سنوات الحروب الماضية وتجول في وديانها أدرى وأعرف من غيره في التعامل مع مثل هذه القضايا. غير أن عددا من المحللين يرون أن فوز عبد الله بمنصب الرئاسة سيدخل أفغانستان في دوامة جديدة من العنف والعنف المضاد نظرا لأن حجم التمرد المسلح يتمركز في مناطق الجنوب ذات الأغلبية البشتونية وأن عبد الله محسوب على الطاجيك ففوزه سيوسع من دائرة التمرد، يقول خليل الرحمن مجيدي, وهو أستاذ جامعي, إن أفغانستان بحاجة إلى شخصية مستقلة لم تتورط في المشكلات والأزمات لتكون مؤهلة لقيادة البلد ومحل قبول جميع أطراف الصراع.
وعبد الله، متزوج وله ثلاث بنات وابن، معروف بأنه يحب القراءة ومحب للفروسية، ويجيد اللغتين الدارية والبشتونية وهما اللغتان الرسميتان في أفغانستان. كما يجيد اللغة الإنجليزية، ويفهم اللغة العربية والفرنسية. لم يترك عبد الله منطقة في أفغانستان إلا وذهب إليها ضمن حملته الانتخابية وهو يروج لشعاره الإصلاحي.
وفي تفاصيل هذا الشعار قال في أكثر من مناسبة إنه يتطلع إلى تغيير النظام السياسي من الرئاسي المتمركز على شخص واحد إلى إعطاء مزيد من الصلاحيات للمحافظات والأقاليم، وإحداث منصب رئاسة الوزراء ومنح البرلمان صلاحيات أكثر. ويقول إن الوضع الأفغاني لن يتحسن إلا بإحداث تغييرات أساسية تبدأ من رأس السلطة. وقال في إحدى المناسبات لمناصريه «امنحوني السلطة أُعِد لكم حقوقكم». شعارات ربما لن يفهمها الأفغان في هذه المرحلة خاصة أن معظمهم لا يقرأون ولا يعرفون الكتابة. كما أنه يصعب عليهم التخلص من الانتماءات العرقية الضيقة على حساب الوطن والمواطنة.
شعار الإصلاح والتغيير الذي رفعه عبد الله لقي ترحيبا كبيرا وواسعا لدى الأوساط السياسية والطبقة الأفغانية المثقفة، تحديدا جيل الشباب والفتيات، الفئة التي على ما يبدو يئست من الأوضاع الجارية، والتي تتطلع إلى إحداث تغييرات جذرية على كيان الدولة الأفغانية، وبات عبد الله بفضل شعاراته الانتخابية مقربا جدا من جيل الشباب، الذين تطوعوا للترويج لشعاراته وحملته الانتخابية في طول البلاد وعرضها. وعلى الرغم من أن عبد الله مرشح حزب الجمعية الإسلامية الأفغانية فإنه يحظى بدعم جماعات وأحزاب سياسية كبيرة كما يحظى بدعم شريحة كبيرة من المجتمع المدني الأفغاني.
ويؤخذ على عبد الله من قبل خصومه مشاركته في الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي لكن الرجل يقول إنه كان إلى جانب قائد تحالف شمال السابق أحمد شاه مسعود كرجل مدني لا عسكري ولم ينخرط في العمل العسكري، كما يتوجس بعض من المحللين بأنه وفي حال فوزه بمنصب الرئاسية في الانتخابات الثالثة بعد الرئيس كرزاي فإن دائرة التمرد الطالباني ستتوسع حيث ستحث طالبان مقاتليها بأن تحالف الشمال سيطر مرة أخرى على الحكم، غير أن الآخرين يأملون أن يكون فوز عبد الله في حال تحقق خطوة أساسية في تثبيت دعائم الديمقراطية الوليدة في أفغانستان الجديدة بعد طالبان.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.