عبد الله عبد الله رجل الساعة في أفغانستان

الطبيب المرشح بقوة لخلافة كرزاي هل يتمكن من معالجة الجرح النازف في بلاده؟

عبد الله عبد الله رجل الساعة في أفغانستان
TT

عبد الله عبد الله رجل الساعة في أفغانستان

عبد الله عبد الله رجل الساعة في أفغانستان

كان يتطلع إلى أن يمارس مهنة الطب التي درسها، ليقدم خدماته لأبناء شعبه من خلال هذه المهنة المقدسة التي ينظر إلى صاحبها في أفغانستان بعين الاحترام، خاصة في المناطق الريفية بالجنوب والشرق.. لكن الواقع الأفغاني المرير
حول مسار حياته، ليسلك طريقا آخر غير ما خطط له.
فوزير الخارجية الأفغاني الأسبق عبد الله عبد الله الذي يخوض حاليا غمار الانتخابات الرئاسية الأفغانية، قرر انتهاج السياسة في بلد يعاني من الفقر والحروب.. وهو الآن يتقدم على منافسه أشرف غني الاقتصادي السابق في البنك الدولي، حسب نتائج جزئية للانتخابات الرئاسية التي جرت في الخامس من أبريل (نيسان) شملت نصف بطاقات الاقتراع. وحسب التوقعات فإن عبد الله عبد الله الأكثر حظا لخلافة الرئيس حميد كرزاي. وكان عبد الله حل ثانيا وراء كرزاي في انتخابات سنة 2009 وسبق أن أعلن أنه سيدعو في حال فوزه إلى إجراء تعديلات دستورية تتيح تقاسم السلطة في البلاد.
شكل الموقع الجغرافي الحيوي لأفغانستان الواقعة في وسط آسيا مطمعا دائما لطموحات الدول الكبرى التي حاولت ولا تزال السيطرة عليها للتحكم على المنطقة برمتها. لكن الشعب الأفغاني ظل يعاني الفقر والبؤس طوال العقود الماضية ولم يطرأ أي تغيير في حياتهم التي تشبه حياة شعوب القرون الوسطى. وسط هذه الحالة تشكلت مفاهيم عبد الله عبد الله الذي ولد في بيت أفغاني مختلط بالانتماء العرقي حيث ينحدر والده من أسرة بشتونية من ولاية قندهار التي تعد بمثابة عاصمة القرار السياسي للجنوب الأفغاني بينما تنتمي والدته إلى الطاجيك المستقرون في ولاية بانشير أو وادي بانشير الواقع شمال شرقي العاصمة كابل الذي استعصى على جميع الغزاة الدخول إليها بسبب وعورة وديانها وجبالها وشراسة سكانها.
ولد عبد الله المعروف حاليا بين الأفغان بـ«داكتر صاحب» في الخامس من سبتمبر (أيلول) 1960 في كابل، وكان لأسرته المكونة من عرقيتين كبيرتين تتشكل منهما معظم سكان أفغانستان، تأثير كبير وإيجابي في نموه وتطور حياته الاجتماعية والسياسية لاحقا.
فالحروب الخارجية المتلاحقة التي خاضتها بلاده في مختلف المراحل وكذلك الحروب الأهلية بين الأفغان أنفسهم، حولت وجهة عبد الله المهنية إلى عالم السياسة.. وبات عنصرا حيويا في السياسة الأفغانية ورقما صعبا لا يمكن تصور ترسيم المرحلة المقبلة لأفغانستان من دون الأخذ في الاعتبار رؤيته المستقبلية لأفغانستان وما يسميها «خريطة طريق» للخروج من الأزمة. هذه الخريطة لخصها عبد الله في شعاره الانتخابي الذي خاض به منافسة الانتخابات الرئاسية لعام 2014 وهو «الإصلاحات والوحدة»، وهما الأمران الهامان بالنسبة لأفغانستان الجديدة التي تعاني من الفساد في مؤسساتها الحكومية وتوسع دائرة انتشارها بشكل غريب ومرعب جعلت من أفغانستان تتصدر الدول الأكثر فسادا بالعالم ثم الوحدة والتعايش حيث تعاني أفغانستان من الفرقة والخلافات القبلية والقومية حولتها إلى دولة متخلفة وفقيرة.
كان والد عبد الله غلام محيي الدين خان، مسؤولا حكوميا ونائبا في مجلس الشورى الأفغاني في عهد الملك الأفغاني الراحل محمد ظاهر شاه قبل أربعين عاما.
درس عبد الله في مدرسة ناديريا الثانوية بكابل حيث تخرج فيها غالبية الشخصيات السياسية، وبعد التخرج فيها التحق بجامعة كابل التي كانت تعتبر من أرقى الجامعات في المنطقة قبل أربعين سنة. واختار عبد الله كلية الطب، حيث تخصص في طب العيون وتخرج فيها عام 1983 ليتفرغ لممارسة مهنة الطب لفترة وجيزة جدا وذلك في مستشفى نور في وسط العاصمة كابل (لا يزال يحمل نفس الاسم حتى يومنا هذا).
لم يتمكن عبد الله من مواصلة عمله كغيره من المهنيين والمثقفين الأفغان بسبب الغزو السوفياتي السابق لأفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، حيث اختار طريقه للخروج من أفغانستان والالتحاق بأحزاب المجاهدين الذين كانوا يتخذون من مدينة بيشاور في شمال غربي باكستان منطلقا لتحركاتها ضد حكومة كابل المدعومة من الاتحاد السوفياتي السابق. في البداية انشغل عبد الله بمهنة ممارسة الطب في مستشفى سيد جمال الدين أفغاني وهو المثقف الأفغاني الشهير في مدينة بيشاور وكان يعالج اللاجئين الأفغان الذين تدفقوا إلى المدينة عقب اندلاع الحرب بين أحزاب المجاهدين وقوات الاتحاد السوفياتي السابق في ثمانينات القرن الماضي.
استمر عبد الله في ممارسة الطب لمدة وجيزة ورأى أن هناك جبهة أخرى لا تقل أهمية وهي بحاجة ماسة إليه, هي جبهة الجهاد والمقاومة للسوفيات. ولم يتردد في الانضمام إليها وذلك في عام 1985. وفي العام نفسه اختار عبد الله جبهة المقاومة في ولاية بانشير مسقط أخواله تحديدا في جبهة قائد تحالف شمال السابق أحمد شاه مسعود الذي اغتاله عنصران من تنظيم القاعدة تنكرا في لباس صحافيين في التاسع من سبتمبر (أيلول) أي قبل يومين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر بالولايات المتحدة عام 2001.
اضطلع عبد الله في البداية بمسؤولية الرعاية الصحية في جبهة بانشير التي استعصت على القوات الروسية وعلى مسلحي طالبان أن يدخلوا إليها حيث كان عبد الله يمضي معظم أوقاته في معالجة مئات المقاتلين الذين كانوا يسقطون جرحى في قتالهم ضد القوات الروسية والحكومية المدعومة من موسكو.
وفي الفترة نفسها شغل عبد الله منصب مستشار خاص للقائد الشمالي الراحل أحمد شاه مسعود وبات لسانه الذي يتحدث به وجسر تواصل مع العالم الخارجي الذي كان بحاجة لفتح نافذة على المقاتلين الأفغان. وبما أن عبد الله كان يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة فقد بات عنصرا مهما ومتحدثا بارعا في جبهة بانشير التي انضم تحت لوائها معظم قادة المجاهدين الميدانيين من مختلف الولايات والمناطق الأفغانية بغض النظر عن انتمائهم للأحزاب المختلفة.
وليس من المبالغة القول إنه هو الذي عرّف جبهة بانشير التي كانت من أكثر الجبهات الأفغانية المقاتلة تمسكا وانتظاما وقوة، للعالم الخارجي بفضل معرفته بالإنجليزية. وأثناء دخول أحزاب المجاهدين إلى العاصمة الأفغانية عام 1992 عقب الإطاحة بحكومة نجيب الله آخر رؤساء الحكومات الشيوعية المدعومة من موسكو الذي أعدمته طالبان فيما بعد عندما سيطرت على كابل عام 1996، عين عبد الله مديرا لمكتب وزير الدفاع الأفغاني أحمد شاه مسعود، ومتحدثا باسم وزارة الدفاع الأفغانية وكان الجهة الوحيدة التي تنقل أحداث أفغانستان إلى المجتمع الدولي عبر لقاءاته التلفزيونية والإذاعية خاصة مع إذاعة «بي بي سي» قسم اللغات المحلية الأفغانية (الباشتو والدارية) وهما اللغتان الرسميتان في أفغانستان.
وفي عام 1997 عين مساعدا لوزير الخارجية الأفغانية في الحكومة التي كان برهان الدين رباني زعيم جبهة التحالف الشمالي يترأسها خارج العاصمة كابل تحديدا في ولاية تخار، الذي تقلد فيما بعد سقوط طالبان عدة مناصب رفيعة منها رئيس مجلس السلام الأفغاني لمحاورة طالبان لكنه قتل بهجوم انتحاري في داخل منزله بعد العودة من إيران قبل ثلاث سنوات في كابل.
وفي عام 1999 عين عبد الله قائما بأعمال وزارة الخارجية الأفغانية في الحكومة نفسها. وبعد ظهور حركة طالبان عام 1996 والتي سيطرت على معظم المناطق الأفغانية بما فيها العاصمة كابل، انسحبت الحكومة الأفغانية برئاسة برهان الدين رباني إلى الشمال الأفغاني وظل عبد الله عنصرا مهما من عناصر تلك الحكومة، وبقي ملازما القائد العسكري المناوئ لحركة طالبان أحمد شاه مسعود.
كما أنه بات مصدر الأخبار الوحيد لدى الوكالات الدولية حول ما يجري في الداخل الأفغاني من قتال بين قوات التحالف الشمالي ومسلحي طالبان في مختلف جبهات القتال تركزت غالبيتها في مناطق الشمال ذات الأغلبية الطاجيكية والأوزبكية والهزارة الشيعية.
كما شارك عبد الله في عدة مؤتمرات دولية وإقليمية عقدت في عدد من العواصم الأوروبية والإقليمية. وفي دول الجوار وبمساعدة أممية لمناقشة الوضع الأفغاني والبحث في سبل الخروج من الأزمة التي كانت تقتل وتشرد المئات من الأفغانيين. وظل يردد على مسامع العالم، الخطر المقبل من جبال وكهوف أفغانستان المتمثل في حركة طالبان المتحالفة مع تنظيم القاعدة وأفكاره المتطرفة.
وكان عبد الله يركز في خطاباته على أن طالبان ليست خطرا على أفغانستان فقط وإنما هي تهديد ممنهج سيهدد العالم بأسره. وبدأ نجم عبد الله يسطع في سماء السياسية الأفغانية بعد الإطاحة بنظام طالبان عام 2001، عقب الهجوم أميركا والحلفاء على نظامها بعد أن رفضت تسليم أسامة بن لادن المتهم في عمليات تفجير برجي التجارة العالمية في الحادي عشر من سبتمبر من العام نفسه، حيث أسندت إليه حقيبة الخارجية الأفغانية في المؤتمر الذي عقد بين الفصائل الأفغانية برعاية الأمم المتحدة لملء الفراغ السياسي الذي نتج عن إسقاط حكومة طالبان.
وحافظ عبد الله على منصبه في الخارجية الأفغانية في الحكومة المؤقتة ومن ثم في الإدارة الانتقالية اللتين ترأسهما الرئيس الأفغاني المنتهية ولايته حميد كرزاي.
وكان عبد الله، من الوزراء القلائل الذين حافظوا على مناصبهم في التشكيلة الوزارية التي تمخضت عن أول انتخابات رئاسية أفغانية مباشرة شهدتها البلاد بعد رحيل نظام طالبان وذلك في عام 2004، وفي هذه الفترة يعد من الوزراء القلائل الذين نجحوا في مهماتهم وتمكنوا من وضع لبنة أولية في الوزارات التي أسندت إليهم من قبيل وضع القوانين والإصلاحات وشهدت الخارجية الأفغانية وسياساتها نقلة نوعية خاصة فيما يتعلق بعلاقات أفغانستان مع العالم الخارجي ودول الجوار وتمكنت كابل من تعزيز علاقات بينها وبين المجتمع الدولي برئاسة عبد الله الذي كان يتجول بحقيبته الدبلوماسية في عواصم الدول وهو يشرح طموحات بلاده الجديدة ويرسم خريطة سياسية جديدة في علاقات بلاده مع الجميع، ومن سوء حظ أفغانستان أن الانتماء العرقي والقبلي يلعب دورا مهما في تعيين الشخصيات على مناصب رفيعة ولم يستثن عبد الله عن هذه الظاهرة.
لذلك أُبعد عبد الله من منصبه عام 2006 ضمن تعديل وزاري قام به الرئيس حميد كرزاي. وهو قرار استقبل بكثير من الانتقادات من المجتمع المدني والأوساط السياسية، لكن عبد الله، السياسي المخضرم، بخبرته الواسعة وتجاربه الكبيرة قَبِل قرار الرئيس، مؤكدا أنه سيظل في خدمة الشعب الأفغاني سواء كان في داخل الحكومة أو خارجها لترك الديمقراطية الوليدة تأخذ مسارها الطبيعي.
ولعب عبد الله دورا مهما وبارزا في تقريب وجهات النظر بين كابل وإسلام آباد حول الحرب على ما يسمى بالإرهاب والقضايا المعلقة بين البلدين، وذلك بعد أن عين من الجانب الأفغاني رئيسا على مجلس قبلي لإجراء محادثات مع مجلس قبلي آخر تشكل في الجانب الباكستاني لمناقشة الأوضاع على جانبي الحدود والتوصل إلى رؤية واضحة لحلحلة الملفات العالقة بين البلدين المتجاورين. ولم يسترح عبد الله في الفترة بين 2006 حتى 2009 بل ظل في تواصل مستمر مع الأحزاب والتكتلات السياسية الأفغانية من خلال عقد ندوات ومؤتمرات يشرح فيها رؤيته السياسية لمستقبل بلده، ويقدم طروحات ومقترحات لتحسين الوضع السياسي والأمني.
كما أنه عزز خيوطه مع الدول الكبرى ومع الشخصيات المؤثرة فيها لجلب أنظارها إلى الأزمة الأفغانية التي يراها تتفاقم في ظل فشل الحكومة الأفغانية في بسط سيطرتها على كامل أراضيها وعدم الجدية في التعاطي مع قضية الحوار والمصالحة مع جماعة طالبان، كما أنه يتهم الدول التي لها قوات مقاتلة في أفغانستان بعدم وجود استراتيجية ورؤية واضحة للخروج من المعضلة. ومن أجل مواصلة مسيرته السياسية وتحقيق آماله وطموحاته وبرامجه التي يعتبرها إصلاحية، دخل عبد الله المسرح السياسي الأفغاني المحفوف بالمخاطر مرة أخرى عبر الترشح لخوض ثالث انتخابات رئاسية تشهدها البلاد منذ رحيل نظام طالبان وتجربة أولية في نقل السلطة عبر صناديق الاقتراع بدل البنادق، ثمانية مترشحين خاضوا الانتخابات وكان عبد الله أبرزهم لخلافة كرزاي الذي لا يحق له الترشح لولاية ثالثة وفقا للدستور الأفغاني الجديد لكن المنافسة الحقيقية كانت بين عبد الله الذي يجمع بين البشتون والطاجيك وأشرف غني أحمد زاي وزير المال الأسبق وموظف البنك الدولي السابق، وهو ينحدر من قبيلة أحمد زاي البشتونية، وتميزت الحملة الانتخابية للدكتور عبد الله بشعاره الانتخابي المتميز والكبير والطموح وهو العمل من أجل التغيير والإصلاح، ويعني بالتغيير إجراء تعديل على النظام السياسي من الرئاسي إلى النظام البرلماني وإحداث منصب رئاسة الوزراء لتوزيع السلطة والأدوار لجميع العرقيات في حكم البلد.
اتسمت حملة عبد الله بالهدوء والتنظيم وشدة التماسك وتبرع مجموعة من الشباب المثقفين بقيادة حملة الانتخابية من خلال مشاركاتهم المستمرة في مناظرات تلفزيونية وحلقات نقاش أدارتها قنوات محلية شاهدها ملايين المشاهد والناخب الأفغاني لمعرفة برامج المترشحين.
تحالف عبد الله مع الحزب الإسلامي المنشق عن الحزب الأم بقيادة قلب الدين حكمتيار الذي لا يزال يقاتل الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية من مكان مجهول حيث أخذ في بطاقته الانتخابية المهندس «محمد خان» وهو بشتوني من ولاية غزني كنائب أول له وصحب معه في البطاقة «محمد محقق» زعيم حزب الوحدة الإسلامية الشيعية الذي يعد بنك الأصوات في وسط عرقية الهزارة الساكنة وسط أفغانستان نائبا ثانيا له، هذه الخطوة الذكية جعلته يتصدر النتائج الجزئية للانتخابات الرئاسية الأفغانية التي جرت في الخامس من الشهر الحالي بحصوله على 44 في المائة بعد فرز 50 في المائة من أصوات الناخبين.
من جهته, يقول عبد الشكور واقف وهو كاتب ومحلل سياسي أفغاني إن عبد الله هو الشخصية المناسبة لقيادة المرحلة المقبلة وهي مرحلة لا شك أنها حرجة وحساسة نظرا لعدد من الاستحقاقات أهمها استعداد القوات الدولية الانسحاب من أفغانستان وترك الملف الأمني للقوات الأفغانية التي ستكون وحدها في مواجهة أخطار قد تمثلها طالبان.
وعبد الله الذي ظل في أفغانستان خلال سنوات الحروب الماضية وتجول في وديانها أدرى وأعرف من غيره في التعامل مع مثل هذه القضايا. غير أن عددا من المحللين يرون أن فوز عبد الله بمنصب الرئاسة سيدخل أفغانستان في دوامة جديدة من العنف والعنف المضاد نظرا لأن حجم التمرد المسلح يتمركز في مناطق الجنوب ذات الأغلبية البشتونية وأن عبد الله محسوب على الطاجيك ففوزه سيوسع من دائرة التمرد، يقول خليل الرحمن مجيدي, وهو أستاذ جامعي, إن أفغانستان بحاجة إلى شخصية مستقلة لم تتورط في المشكلات والأزمات لتكون مؤهلة لقيادة البلد ومحل قبول جميع أطراف الصراع.
وعبد الله، متزوج وله ثلاث بنات وابن، معروف بأنه يحب القراءة ومحب للفروسية، ويجيد اللغتين الدارية والبشتونية وهما اللغتان الرسميتان في أفغانستان. كما يجيد اللغة الإنجليزية، ويفهم اللغة العربية والفرنسية. لم يترك عبد الله منطقة في أفغانستان إلا وذهب إليها ضمن حملته الانتخابية وهو يروج لشعاره الإصلاحي.
وفي تفاصيل هذا الشعار قال في أكثر من مناسبة إنه يتطلع إلى تغيير النظام السياسي من الرئاسي المتمركز على شخص واحد إلى إعطاء مزيد من الصلاحيات للمحافظات والأقاليم، وإحداث منصب رئاسة الوزراء ومنح البرلمان صلاحيات أكثر. ويقول إن الوضع الأفغاني لن يتحسن إلا بإحداث تغييرات أساسية تبدأ من رأس السلطة. وقال في إحدى المناسبات لمناصريه «امنحوني السلطة أُعِد لكم حقوقكم». شعارات ربما لن يفهمها الأفغان في هذه المرحلة خاصة أن معظمهم لا يقرأون ولا يعرفون الكتابة. كما أنه يصعب عليهم التخلص من الانتماءات العرقية الضيقة على حساب الوطن والمواطنة.
شعار الإصلاح والتغيير الذي رفعه عبد الله لقي ترحيبا كبيرا وواسعا لدى الأوساط السياسية والطبقة الأفغانية المثقفة، تحديدا جيل الشباب والفتيات، الفئة التي على ما يبدو يئست من الأوضاع الجارية، والتي تتطلع إلى إحداث تغييرات جذرية على كيان الدولة الأفغانية، وبات عبد الله بفضل شعاراته الانتخابية مقربا جدا من جيل الشباب، الذين تطوعوا للترويج لشعاراته وحملته الانتخابية في طول البلاد وعرضها. وعلى الرغم من أن عبد الله مرشح حزب الجمعية الإسلامية الأفغانية فإنه يحظى بدعم جماعات وأحزاب سياسية كبيرة كما يحظى بدعم شريحة كبيرة من المجتمع المدني الأفغاني.
ويؤخذ على عبد الله من قبل خصومه مشاركته في الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي لكن الرجل يقول إنه كان إلى جانب قائد تحالف شمال السابق أحمد شاه مسعود كرجل مدني لا عسكري ولم ينخرط في العمل العسكري، كما يتوجس بعض من المحللين بأنه وفي حال فوزه بمنصب الرئاسية في الانتخابات الثالثة بعد الرئيس كرزاي فإن دائرة التمرد الطالباني ستتوسع حيث ستحث طالبان مقاتليها بأن تحالف الشمال سيطر مرة أخرى على الحكم، غير أن الآخرين يأملون أن يكون فوز عبد الله في حال تحقق خطوة أساسية في تثبيت دعائم الديمقراطية الوليدة في أفغانستان الجديدة بعد طالبان.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.