«داعش».. تشعل حرب المياه في العراق

استولت على «سدة الفلوجة».. وتصوب أنظارها إلى سد الموصل

«داعش».. تشعل حرب المياه في العراق
TT

«داعش».. تشعل حرب المياه في العراق

«داعش».. تشعل حرب المياه في العراق

شكل استيلاء «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف اختصارا باسم «داعش»، على مدينة الفلوجة خلال الأيام الماضية، مفاجأة ربما غير متوقعة في سياق الحرب بينه وبين الحكومة العراقية. فبالإضافة إلى البعد المعنوي لمثل هذا الأمر، فإنه وضع حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في زاوية حرجة، لا سيما أن التنظيم أعلن الفلوجة إمارة إسلامية.
وفي الوقت الذي تستمر فيه الحرب بين «داعش» ومن تحالف معها من ثوار العشائر والمجلس العسكري من جهة، والأجهزة الأمنية الحكومية ومن يقف معها من أبناء العشائر سواء على مستوى قوات «الصحوة» أو «مجالس الإنقاذ» و«أبناء العراق»، دون أن يتحقق حسم عسكري واضح لأحد الطرفين، فإن مفاجأة «داعش» التي لم يتوقعها أحد هي الإعلان عن قيام مسلحيها بقطع مياه نهر الفرات بعد سيطرتهم على «سدة الفلوجة».
هذا التطور المفاجئ في سياق المواجهة العسكرية جعل مسار الحرب يتخذ أكثر أبعاده خطورة، لا سيما البعد الطائفي، خصوصا أن التحكم في السدة سيؤدي إلى شح كبير في المياه بمحافظات الوسط والجنوب ذات الأغلبية الشيعية.
ولم تتضح على نحو واضح استراتيجية «داعش» وراء غلق وفتح السدة بين فترة وأخرى، مما أدى بالفعل إلى غمر مناطق كثيرة غربي بغداد وصولا إلى حزامها فضلا عن القرى والنواحي المحيطة بالفلوجة.
ومن الأخبار التي تواترت أن المسلحين المنتمين إلى «داعش» بدأوا يصوبون نظرهم إلى سد الموصل الواقع على نهر دجلة، وهو أكبر سدود العراق. وفي حال إغلاق هذا السد، فإن المياه ستحجب عن محافظات عديدة تقع على النهر، من أهمها العاصمة بغداد، فضلا عن تكريت وواسط والعمارة جنوبا.
وإذا كانت الخطوة من الناحية التكتيكية ضد «داعش» لأن هذا الأمر من شأنه أن يوحد المواقف السياسية والاجتماعية ضدها، إلا أنها تراهن استراتيجيا على مسألتين مهمتين؛ الأولى إثارة العنف والصراع الطائفي بين السنة والشيعة باعتبار أن «داعش» محسوبة على السنة، والثانية إظهار ضعف الحكومة العراقية وعجزها عن فرض سيطرتها وسيادتها حتى على المياه التي هي جزء لا يتجزأ من سيادة أي دولة.
ولعل من أكثر المفارقات على صعيد حرب المياه التي أشعلتها «داعش»، هو أن الحكومة العراقية وجدت نفسها أمام معركة مياه جديدة تضاف إلى سابقتها مع دول الجوار. فقد فشلت الحكومات المتعاقبة في بغداد في التوصل إلى اتفاق بشأن تقاسم المياه منذ تأسيس الدولة العراقية حتى الآن، مع دول الجوار، وهو ما جعلها تقع تحت الضغط التركي تارة، والإيراني تارة أخرى. لكنها اليوم تقع تحت ضغط داخلي جديد غير مسبوق عندما وجدت نفسها تخوض «حرب مياه» من طراز مختلف تماما، فلأول مرة ربما في العالم كله تخوض دولة حرب مياه مع مسلحين تمكنوا من السيطرة على بعض مصادر المياه.
هذا التحول في الحرب يتزامن مع انتخابات مصيرية على الأبواب، مما يجعل الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات.. فتكتيك «داعش» الجديد يقوم، بالإضافة إلى استخدامها المياه عامل ضغط على الحكومة العراقية بما في ذلك تشتيت الجهد العسكري، على توسيع رقعة انتشارها الجغرافي لتشمل بابل جنوبا وديالى وكركوك وصلاح الدين شمالا. كما أن هذا التنظيم الذي ولد من رحم «القاعدة» وتمرد عليه، لم يكتف بالدفاع عن «الإمارة» التي شكلها بالفلوجة، بل بات يهدد مناطق حزام بغداد، وهو ما حمل الحكومة العراقية على غلق سجن أبو غريب غربي العاصمة خشية هجوم مسلح عليه يؤدي إلى إطلاق سراح ما تبقى من نزلائه الخطرين بعد أن نجح التنظيم في يوليو (تموز) الماضي في تهريب أكثر من 600 سجين من بينهم «أمراء» في تنظيم القاعدة من ذلك السجن.
وبينما بدأت «داعش» تقترب من بغداد، حيث غمرت المياه مناطق قريبة من العاصمة، فإن احتمال سيطرتها على سد الموصل بات أحد الاحتمالات الواردة، وهو ما يمكن أن يعرض تكريت وسامراء ومدنا أخرى تمتد إلى بغداد إلى مخاطر جمة. وبقدر ما تعكس هذه التطورات مدى القدرات والخبرات العسكرية التي يتمتع بها هذا التنظيم، فإنه من وجهة نظر بعض داعمي الحكومة العراقية من زعماء الصحوات الجديدة، يبدو مختلفا إلى حد كبير.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور فارس إبراهيم، الأستاذ في جامعة الأنبار وعضو المجلس التأسيسي لـ«أبناء العراق»، لـ«الشرق الأوسط» إن «المشكلة لا تكمن في قدرات التنظيم بقدر ما تكمن في عدم وجود جدية لدى الحكومة في التعامل مع هذا الملف بطريقة حازمة». ويؤيد إبراهيم «عمليات عسكرية واسعة النطاق في الفلوجة وغيرها، لأن هذا هو الدواء الوحيد القادر على لجم هؤلاء»، بينما الحكومة العراقية، وعلى لسان القيادي في ائتلاف دولة القانون عدنان السراج، ترى أنها «أخذت على عاتقها المضي من خلال مسارين؛ الأول هو العمليات العسكرية التي أدت حتى الآن إلى تحرير الرمادي مع محاصرة الفلوجة. والثاني هو إبقاء الباب مفتوحا أمام الحلول السلمية بما في ذلك إعطاء فرصة لشيوخ العشائر لإيجاد حل سلمي لتجنب إسالة المزيد من الدماء». لكن الأمر بالنسبة لـ«داعش» يختلف. فبعد أن بدأت تتحكم في سدة الفلوجة، فإن الماء اختلط بالدم فنتج عن الاثنين لون ثالث أكثر قتامة.

* قصة «داعش»
* خلال السنة الأولى من مظاهرات الأنبار، التي امتدت إلى المحافظات الغربية ذات الأغلبية السنية كلها (صلاح الدين، وديالى، وكركوك، ونينوى) كان أحد أبرز الهتافات التي لفتت الأنظار وجرى تسويقها بوصفها دليل إدانة للمتظاهرين هو ذلك الهتاف الذي ردده القيادي في تنظيم القاعدة، شاكر وهيب: «نحن تنظيم اسمه (القاعدة).. نقطع الرأس ونقيم الحدود».
في هذا الهتاف جرى اختزال القصة كلها، ومنح رئيس الوزراء نوري المالكي نفسه أحقية وصف المظاهرات بأنها «نتنة» مرة، و«فقاعة» مرة أخرى. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل جرى اختزال وجود «القاعدة» وتنظيماتها بالأنبار في ساحة الاعتصام على الطريق الدولي السريع الرابط بين العراق وكل من الأردن وسوريا.
خلال معظم شهور السنة الأولى للمظاهرات (2013) لم تكن «داعش» قد ظهرت إلى الوجود، بل كانت التسمية الشائعة هي «القاعدة» ورمزها في ساحات الاعتصام شاكر وهيب صاحب الهتاف الشهير الذي بقيت قناة «العراقية»، وهي التلفزيون الرسمي، تردده في نشرات الأخبار بوصفه دليل إدانة للمتظاهرين ولساحات المظاهرات بدعوى أنها اختطفت من قبل تنظيم القاعدة. لكن تطورات الأوضاع في سوريا وتداعياتها خلقت أوضاعا مرتبكة في العراق حتى ظهر تنظيم «داعش» ليختزل عبارة «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وما هي إلا أشهر حتى بدأ التنسيق بين التنظيمين في كل من سوريا والعراق يؤتي أكله على صعيد التدريب والتجهيز والدعم والإسناد، وتساعد في ذلك الحدود شبه المفتوحة بين البلدين مع غياب الرؤية الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب طبقا لما يقوله لـ«الشرق الأوسط» الخبير الأمني ورئيس «المركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية» الدكتور معتز محيي عبد الرحمن. ومن تجليات غياب هذه الرؤية إصرار الحكومة على رفع خيام الاعتصام من منطلق أن الحكومة حققت مطالب المتظاهرين المشروعة، ما عدا تلك التي تحتاج إلى تشريعات من قبل البرلمان، وهي حجة لا تقنع المتظاهرين لسببين؛ الأول هو أن المتظاهر غير معني بالتفريق بين الحكومة والبرلمان لأنه يشعر أن مطالبه موجهة إلى السلطة المسؤولة سواء كانت حكومة أم برلمانا. والثاني هو أن من يريد استغلال ذلك يجد فرصته سانحة في خلط الأوراق، وهو ما حصل عندما أصرت الحكومة على رفع الخيام على أساس أن هناك نحو 35 قياديا في تنظيم القاعدة متحصنون داخلها. وتزامن هذا الأمر مع بدء عملية عسكرية في «وادي حوران» غرب الرمادي كانت القوات العراقية قد حققت نجاحات فيها، مع عملية رفع الخيام التي سرعان ما فتحت باب المجهول أمام الجميع، إضافة إلى أن التطورات التي تلت ذلك فاجأت الجميع.

* من الصحراء إلى قلب المدن
* الحرب انتقلت فجأة من وادي حوران إلى قلب مدينة الرمادي، في حين نجح المسلحون في الاستيلاء بالكامل على مدينة الفلوجة التي حظيت خلال عقد واحد من الزمن بأكبر قدر من الاهتمام العالمي بدءا بمعركتيها الأولى والثانية مع الأميركيين، وحتى الحرب الأخيرة التي تدور رحاها على أرضها بين «داعش» والحكومة.
وبعد أربعة أشهر من غموض الرؤيا، يقول الدكتور عبد الرحمن إن «الغموض لا يزال سيد الموقف؛ إذ لا يوجد ناطق عسكري رسمي يوضح سير العمليات وما انتهت إليه، بل ما نلاحظه هو أن هناك تهويلا إعلاميا في قنوات فضائية معينة، بينما ما يحتاج إليه المواطن هو توضيح الحقائق والتداعيات الخاصة بهذه المعركة».
وبشأن الحجة التي ساقتها الحكومة لرفع الخيام الذي أدى إلى كل هذه التداعيات التي وصلت أخيرا إلى استخدام المياه في الحرب، يقول عبد الرحمن إن «العمليات لم تسفر مثلا حتى الآن عن إلقاء القبض على رموز قيادات (القاعدة) ممن وزعت صورهم، والمعلومات تشير إلى أنهم تسربوا إلى مناطق أخرى؛ لأن (القاعدة) لا تتخذ معسكرات ثابتة وإنما تتنقل كأشباح، وهو ما يحتاج إلى حشد مجتمعي صحيح وتفادي التشكيك في هذا أو ذاك، وكذلك تجنب نقل المعركة إلى ساحات أخرى حتى لا تصبح ذريعة للبعض للتشكيك المضاد».
في السياق نفسه، وجزءا من التداعيات التي ترتبت على عملية نقل المعركة من وادي حوران إلى قلب المدن، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي شوان محمد طه في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه «في حين يوجد إرهاب في العراق، وهو ما يتطلب تكاتف الجميع للقضاء عليه، فإن ما نلاحظه للأسف هو أن هناك عملية ترويج سياسي له». وأضاف طه أن «العمليات التي تقوم بها القوات المسلحة ضد الإرهابيين يجب أن تدعم من قبل الجميع، لكن الإرهاب و(داعش) ليسا موجودين في صحراء الأنبار فقط، وإنما هناك مناطق كان يجب التحرك عليها منذ زمن طويل، وبالتالي، فإن الإجراءات تأخرت كثيرا». ودعا طه إلى «عدم خلط الأوراق بين ما هو سياسي وما هو أمني حتى في إطار ما بات يصرح به بعض أعضاء البرلمان بشأن نوع من التقسيم المجتمعي بين من يؤيد أو يعارض، وهو أمر غير صحيح».
وبشأن المعلومات حول دخول عناصر إرهابية إلى ساحة اعتصام الرمادي، مركز محافظة الأنبار، قال طه إن «هذا الأمر لو صح فإن الحكومة تتحمل مسؤوليته بسبب عدم تنفيذ المطالب المشروعة طوال عام كامل، مما أدى إلى حصول تداعيات على صعيد ساحات الاعتصام، وهو ما جعل الإرهابيين يتوغلون فيها واتخاذها ملاذا آمنا لهم».

* صحوات قديمة وأخرى جديدة
* جاء استيلاء «داعش» على الفلوجة ليشكل مفاجأة ربما غير متوقعة في سياق الحرب بينها وبين الحكومة العراقية؛ فبالإضافة إلى البعد المعنوي لمثل هذا الأمر، فإنه وضع حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في زاوية حرجة، لا سيما أن التنظيم أعلن الفلوجة إمارة إسلامية. وظهر الشيخ أحمد أبو ريشة الذي كان طوال عام كامل أحد أبرز خصوم المالكي خلال قيادته مع شخصيات سياسية وعشائرية أخرى المظاهرات، ظهر ليقول إن تنظيم «داعش» أصدر عملة له. وجاء التحول لدى أبو ريشة إلى جانب المالكي بعد أن اضطر المالكي إلى محاباته لإعادة «الصحوات» القديمة التي كان قد شكلها أخوه الراحل عبد الستار أبو ريشة عام 2006 والتي كان لها بمساعدة الأميركيين على عهد الجنرال ديفيد بترايوس، الدور الأبرز في إقصاء وطرد تنظيم القاعدة من مدن محافظة الأنبار. وكان المالكي قد شكل صحوات بديلة لصحوات أبو ريشة أواخر عام 2013 بزعامة الشيخ وسام الحردان بعد انضمام أبو ريشة إلى المظاهرات مع كل من وزير المالية السابق رافع العيساوي والشيخ علي حاتم السليمان الذي يقود الآن تنظيم «ثوار العشائر»، وهو أحد الفصائل التي تقاتل القوات المسلحة العراقية، والنائب أحمد العلواني الذي اعتقل من قبل قوات «سوات» التي تعد من أشد الأجهزة العسكرية موالاة للمالكي.
وبين الصحوات القديمة، التي كان لأبو ريشة الدور الأبرز فيها، وصحوات الحردان ومجلس أبناء العراق بزعامة الشيخ محمد الهايس شقيق الشيخ حميد الهايس رئيس مجلس إنقاذ الأنبار، جرى مسار المواجهة في الأنبار بطرق بدت غير واضحة المعالم أدت فيما أدت إليه إلى نوع من الانقسام العشائري، وهو ما راهنت عليه الحكومة في إضعاف شوكة «القاعدة» التي أصبح اسمها الرسمي الآن «داعش».
ومع «داعش» تغير التكتيك والاستراتيجية معا، وهو أخطر ما يمكن حسابه في مجرى الحرب الذي لم يجد له صدى واضحا في الخطط والأساليب العسكرية المتبعة. وفي هذا السياق، يقول الدكتور عبد الرحمن إن «هناك مسائل أساسية لا بد من حسابها في المعارك، وهي المعلومات الاستخباراتية والتدريب والتجهيز، وهي كلها مما ينقص قواتنا المسلحة، وهو ما يجعل زمام المبادرة بأيدي المسلحين والإرهابيين إلى حد كبير، بالإضافة إلى غياب مبدأ الثواب والعقاب لمن يقوم بعمله من جهة، ويقصر من جهة أخرى». ويلفت عبد الرحمن النظر إلى مسألة مهمة هي أنه «في الوقت الذي يعمد فيه المسلحون إلى تغيير تكتيكاتهم هنا وهناك، نجد أن هناك ثباتا في الخطط لدى الأجهزة الأمنية مهما كانت الصدمات التي تتعرض لها، لا سيما على صعيد العمليات النوعية التي تقوم بها الجماعات المسلحة بين الحين والآخر».
وفي سياق تبديل الخطط والأساليب، فإن الشيخ رافع عبد الكريم الفهداوي، وهو أحد الشيوخ النافذين في محافظة الأنبار، الذي انضم إلى الحكومة لمقاتلة «داعش»، يقول لـ«الشرق الأوسط»، ردا على سؤال بشأن قدرة العشائر في الرمادي عامي 2006 و2007 على طرد تنظيم القاعدة من مدن المحافظة وعجزها الآن على الرغم من دخول الجيش العراقي في حالة حرب ضروس مع التنظيم، قال إن «في المسألة جانبين مهمين؛ الأول يتعلق بالخطط والأساليب العسكرية التي لسنا معنيين بالحكم عليها، لكننا، ومن ملاحظاتنا البسيطة، نجد أن هناك خللا وقصورا في هذا الجانب، وهو ما استغلته التنظيمات الإرهابية إلى حد كبير. والثاني أن التكتيك الذي يتبعه تنظيم (داعش) اليوم يعمد إلى محاولة كسب السكان والاختفاء بينهم بطرق معينة، بالإضافة إلى استغلالهم معاناة الناس جراء عدم قيام الحكومة بتنفيذ المطالب المشروعة لهم، وهو ما يعني أنهم تمكنوا من استثمار المظاهرات لصالحهم بطريقة مبتكرة جدا، الأمر الذي جعل الفرز صعبا بين من هو إرهابي ينتمي إلى (داعش)، ومن هو من ثوار العشائر أو جهة أخرى تريد أن تسوق خطابا مفاده أنها ليست مع تنظيم القاعدة».

* مفاجأة المياه
* وفي الوقت الذي تستمر فيه الحرب بين «داعش» والأجهزة الأمنية الحكومية، دون أن يتحقق حسم عسكري واضح لأحد الطرفين، فإن المفاجأة التي لم يتوقعها أحد هي الإعلان عن قيام مسلحي «داعش» بقطع مياه نهر الفرات بعد سيطرتهم على «سدة الفلوجة». هذا التطور المفاجئ في سياق المواجهة العسكرية جعل مسار الحرب يتخذ أكثر أبعاده خطورة، لا سيما البعد الطائفي، خصوصا أن التحكم في السدة يؤدي إلى شح كبير في المياه بمحافظات الوسط والجنوب ذات الأغلبية الشيعية. وبالفعل، فقد ارتفعت أصوات عديدة بهذا الاتجاه إلى الحد الذي جرى فيه إطلاق تسميات «معسكر يزيد» و«معسكر الحسين» في إحالة تاريخية إلى وقائع معركة وقعت عام 61 للهجرة. لكن غلق السدة، أدى، من بين ما أدى إليه، إلى غرق المناطق الغربية ذات الأغلبية السنية. ولم تتضح على نحو واضح استراتيجية «داعش» من غلق وفتح السدة بين فترة وأخرى، سوى أنها كشفت من وجهة نظر الخبراء والمتخصصين هشاشة أخرى لدى السلطات العراقية ليس على مستوى الأمن فقط، وإنما على مستوى لا يقل خطورة، وهو الضعف والتراخي الخطير في توفير الحماية المطلوبة للسدود والنواظم المنتشرة في العراق على نهري دجلة والفرات.
* السدود والنواظم في العراق
* على مدى عقود طويلة بقي التهديد المائي الأكبر بالنسبة للعراق هو إقدام تركيا على إقامة السدود على نهري دجلة والفرات وبالذات مشروع «غاب» الشهير على نهر الفرات الذي سيؤدي إلى خسارة العراق نحو 40 في المائة من أراضيه الزراعية. فبحسب تقديرات الخبراء والمختصين، فإن الحاجة الحقيقية للعراق من نهر الفرات لا تقل عن 500م3/ثا، في حين أن ما يحصل عليه حاليا لا يتعدى الـ200م3/ثا. أما المشروع التركي الآخر، وهو سد «أليسو» على نهر دجلة، فسيهبط بحصة العراق من النهر إلى 7.9 مليار متر مكعب سنويا، علما بأن منسوب المياه الفعلي عند الحدود 20.93 مليار متر مكعب!! ومع أن العراق خلال عهود الحكم الملكية والجمهورية أقام العديد من السدود والنواظم وعددها «25» سدا وناظما في عموم العراق، أبرزها الثرثار والموصل والحبانية وحديثة والورار والفلوجة وسد العظيم والكوت وبادوش ودربنديخان ودوكان وديالى وحمرين، فإن الخبراء والمختصين يشددون على أهمية البدء في إنشاء سدود ونواظم جديدة؛ إذ إن القسم الأعظم منها شُيد ضمن خطة مشاريع مجلس الإعمار في عقد الخمسينات من القرن الماضي. وإذا كان الكلام في الماضي ينصب على أهمية السدود والنواظم بالنسبة للزراعة والصناعة وتوليد الطاقة الكهربائية، فإن التكتيكات الأخيرة لتنظيم «داعش» حولت الاهتمام إلى كيفية حماية هذه المنشآت بطريقة تجعل من الصعب التحكم فيها من أي جهة كانت عدا الدولة.



خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)
TT

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار والطروحات «التخريبية» التي حملها برنامجه وباشر بتطبيقها منذ توليه المنصب في مثل هذه الأيام من العام الفائت. حالة لم يتح لها الوقت الكافي بعد كي تفجّر كل «مواهبها» ومفاجآتها التي لا يوفّر ميلي مناسبة ليتوعّد بها، خاصة بعد نيله «بركة» مثاله الأعلى، دونالد ترمب، الذي يستعد للعودة قريباً إلى البيت الأبيض.

في مقابلة أجرتها معه مجلة «الإيكونوميست» نهاية الشهر الماضي، قال ميلي إنه يشعر بازدراء لا نهاية له تجاه الدولة، مؤكداً أنه سيفعل كل ما بوسعه للقضاء على تدخل الدولة في شؤون المواطنين وتنظيم حياتهم «لأن ذلك يشكّل أسرع الطرق إلى الاشتراكية». لكن اللافت أن «الإيكونوميست»، الموصوفة برصانتها، تعتبر أن ما يقوم به هذا «المخرّب الأكبر» - كما يحلو له أن يطلق على نفسه – يجب أن يكون قدوة للولايات المتحدة وحكومتها الجديدة التي يبدو أنها مستعدة لتحذو حذو الرئيس الأرجنتيني وتكليف هذه المهمة إلى الملياردير إيلون ماسك.

تدلّ كل المؤشرات على أن الهدف الأساسي من وصول ميلي إلى الحكم، أواخر العام الفائت، هو «تدمير» الدولة من الداخل. ألغى 13 وزارة، وسرّح ما يزيد على ثلاثين ألفاً من الموظفين العموميين، وخفّض بنسب وصلت إلى 74% مخصصات الرواتب التقاعدية والتعليم والصحة والعلوم والثقافة والتنمية الاجتماعية. وعلى هذه الخلفية، سارعت أسواق المال للاحتفاء بالفائض المالي وتراجع التضخم الذي ليس سوى ثمرة واحدة من أكبر الجراحات المالية في التاريخ. لكن الوجه الآخر لهذه العملة البرّاقة كان انضمام 5 ملايين أرجنتيني إلى قافلة الفقراء الذين يعيش معظمهم على المعونة الغذائية في واحد من أغنى البلدان الزراعية والغذائية في العالم، وانكماشا اقتصاديا... من غير أن تتراجع شعبية ميلي الذي يفاخر بأنه الرئيس الأوسع شعبية على وجه الكرة الأرضية.

لا يكفّ ميلي عن مخاطبة مواطنيه عبر وسائط التواصل التي لعبت دوراً أساسياً في وصوله إلى الرئاسة، ويقول إن «القوى السماوية» التي تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى».

رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر (أ.ب)

لا يعترف الرئيس الأرجنتيني بالتغيّر المناخي، ولا بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو بالعدالة الاجتماعية، وينكر الذاكرة التاريخية لأنظمة الاستبداد التي تعاقبت على بلاده، ويعتبر أن كل ذلك ليس سوى بدع يسارية يتوعّد بالقضاء عليها في «حرب ثقافية» يتبّلها بكل أنواع الشتائم التي توقد الحماسة في صفوف أنصاره وتزرع الحيرة في أوساط المعارضة المشتتة.

الأغرب في كل ذلك هو أن ميلي لا تؤيده سوى أقلية في مجلسي الشيوخ والنواب، فضلاً عن أن جميع حكّام الولايات الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، ليسوا من حزبه «الحرية تتقدم». كما أنه اضطر للإبقاء على العديد من كبار موظفي الحكومة اليسارية السابقة في مناصبهم لعدم وجود كوادر مؤهلة كافية في حزبه. لكن رغم هذا العجر الهائل، تمكّن ميلي من إقرار حزمة قوانين يعتبرها أساسية لمشروع تفكيك الدولة ورفع القيود عن العجلة الاقتصادية، من غير أن يتضّح بعد إذا كانت هذه السنة الأولى من ولايته مدخلاً لإحكام سيطرته على الدولة، أو هي تمهيد لهيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي.

يعتمد ميلي على التأييد الشعبي الواسع الذي ما زال يلقاه، وعلى حاجة حكّام الولايات لموارد الدولة، وبشكل خاص على الحلف التشريعي الذي أقامه مع اليمين المعتدل ممثلاً بالحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية الأسبق ماوريسيو ماكري. ومنذ نزوله المعترك السياسي، بعد أن كان ينشر أفكاره وطروحاته عبر البرامج التلفزيونية التي كان يقدمها، استمد شعبيته وقوته ضد ما يسميه «السلالة»، أي الطبقة السياسية التقليدية. أما الاتفاقات أو الائتلافات التي سعى إليها، فهي لم تكن سوى تكتيكية، ولم يفاوض على برنامجه مع الأحزاب أو القوى التي تحالف معها، بل بقي تحالفه الأساسي مع القاعدة الشعبية التي ما زالت تدعمه، والتي يرجّح أن تكون هي أيضاً نقطة ضعفه الرئيسية التي ستؤدي إلى سقوطه عندما تتوقف عن دعمه بعد أن تفقد الأمل الضئيل الذي ما زال يحدوها في أن تتحسن الأوضاع المعيشية.

وصفة ميلي تحقق نتائجها

يقول المقربون من ميلي إن سر استمرار شعبيته التي توقع كثيرون أنها إلى زوال سريع، هو أنه ينفّذ كل الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية، فيما بدأ بعض منتقديه يعترفون بأن «وصفته» تحقق النتائج التي وعد بها.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة انشقاق بعض رموز الحزب البيروني واصطفافهم إلى جانب ميلي، مثل العضو البارز في مجلس الشيوخ كارلوس باغوتو، وهو قريب من الرئيس الأسبق كارلوس منعم. وقال باغوتو: «إن ميلي هو الشخص الذي تحتاجه الأرجنتين للتخلص من الموجة الشعبوية الاشتراكية التي حكمتها طيلة العقدين المنصرمين... كنا في حال من التحلل الاجتماعي الذي بلغ مستويات يصعب تصورها. وبعد أن أصبحت الدولة تتدخل في جميع مسالك الحياة، عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لشريحة واسعة من المواطنين، وبعد أن أخفقت جميع المحاولات لضبط التضخم الهائل، أدركت الطبقات المتواضعة أن الخلاص لا يمكن أن يأتي من غير تضحيات... وكان ميلي».

"يقول ميلي إن «القوى السماوية» تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى»."

خدمة مصالح رجال الأعمال

لكن قراءة المعارضة للمشهد الاجتماعي تختلف كلياً، إذ يرى وزير الداخلية السابق إدواردو دي بيدرو المقرّب من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، أن ميلي قضى على حقوق وخدمات أساسية، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بينما خدم، في المقابل، مصالح رجال الأعمال والمراكز المالية. ويضيف: «إن قرارات مثل قطع الأدوية عن مرضى السرطان في المراحل الأخيرة، أو الكف عن توفير التغطية العلاجية للمتقاعدين، أو إقفال المطاعم الشعبية التي كانت تؤمن وجبات أساسية لحوالي 19% من السكان يعيشون على المعونة الغذائية، هي دليل ساطع على قسوة هذه الحكومة وعدم إحساسها».

يردّ ميلي على هذه الانتقادات بوصفها من أفعال الشيوعيين المناهضين للحرية، ويكرر أنه يقود «أفضل حكومة في التاريخ»، مقتنعاً بأنه مكلّف مهمة سماوية، ويقترح حرباً نضالية عالمية تحت راية «اليمين الدولي» من أجل القضاء نهائياً على اليسار، يجوز فيها استخدام كل الوسائل، بما في ذلك العنف. كما أكّد مؤخراً في أحد المهرجانات السياسية: «لست في وارد اللياقة أو الوفاق. لن أتراجع أبداً، وسأواصل السير نحو النار، لأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع. لسنا ملزمين بتبرير أفعالنا، وإذا فعلنا فسوف يعتبرون ذلك من باب الضعف. كلما تعرضنا لضربة من خصومنا، سنردّ الواحدة بثلاث».

تكيف وبراغماتية

الهجوم الدائم هو العلامة الفارقة في أسلوب الرئيس الأرجنتيني، لكن ميلي أظهر قدرة لافتة على التكيّف والبراغماتية التفاوضية كلّما وجد نفسه بحاجة إلى أصوات المعارضة، في مجلسي الشيوخ والنواب وبين حكام الولايات، خاصة عندما طرح «قانون الأساسات» الذي يتضمّن مئات المواد التي تعتبرها الحكومة ضرورية لتنفيذ برنامجها. يفعل ذلك وهو يدرك جيداً أن الأحزاب التقليدية فقدت شعبيتها، وهي في حال من الانهيار السريع الذي يمكن لحزبه أن يستفيد منه في الانتخابات العامة المرحلية في خريف العام المقبل ليقلب المعادلة البرلمانية الحالية التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام مشروعه «التخريبي».

ستكون انتخابات العام المقبل حاسمة بالنسبة لميلي ليقلب المعادلة البرلمانية ويضمن الأغلبية التي تحرره من التفاوض مع المعارضة كلما أقدم على خطوة اشتراعية لتنفيذ برنامجه، خاصة أن التأييد الشعبي ليس مضموناً في المدى الطويل.

ويخشى معاونوه من أن جنوحه الشديد نحو التعصب والصدام العنيف مع خصومه السياسيين قد يبعده عن تحقيق هدفه الأساسي الذي كان وراء فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تتخبط فيها البلاد منذ عقود. وينصحه المقربون بعدم التمادي في «الحروب الثقافية» مع حلفائه الغربيين الذين حصرهم منذ اليوم الأول بالولايات المتحدة وإسرائيل والدول «الحرة»، وسمّى الاشتراكيين واليساريين خصومه إلى الأبد.

لكن رغم خطابه الناري والتهديدي الذي لا يخلو أبداً من الألفاظ البذيئة، والذي بدأ مستشاروه يواجهون صعوبة في تبريره بالقول إن هذا هو أسلوبه والناس تعرف ذلك، بدأ ميلي يعطي مؤشرات على أنه ليس غريباً كلياً عن البراغماتية والواقعية. وهو اعترف قبل أيام أنه تعلّم الكثير في السياسة خلال هذه السنة الأولى من ولايته. وقال إنه لم يعد لديه أعداء سياسيون في الأرجنتين، بل خصوم يريدون الخير للبلاد. وبعد أن كان صرّح مراراً خلال الحملة الانتخابية بأن الصين هي في معسكر الأعداء وبأنه لن يتعامل مع «القتلة»، قال مؤخراً: «إن الصين شريك رائع لا يطلب شيئاً سوى التبادل التجاري الهادئ» وإن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان وصفه غير مرة بأنه «يساري فاسد»، لن يصبح صديقه، لكن مسؤوليته الدستورية تقتضي منه التعامل معه.

الأرقام الاقتصادية في نهاية العام الأول من ولاية ميلي تظهر أن الشركات الكبرى في قطاع المحروقات، وكبار المستثمرين في أسواق المال والمصارف، هم الذين حققوا أرباحاً استثنائية خلال هذه السنة، وأن الجائزة الكبرى كانت من نصيب المتهربين من دفع الضرائب الذين استفادوا من خطة «التبييض» التي وضعها، بما يزيد على 20 مليار دولار، أي نصف القرض الذي حصلت عليه الأرجنتين منذ سنوات من صندوق النقد الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي التام وما زالت حتى اليوم عاجزة عن سداده أو حتى عن جدولته. أما في الجهة المقابلة فكان المتقاعدون والموظفون العموميون وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هم الأكثر تضرراً من النموذج الذي خفّض الإنفاق العام وألغى القيود على الواردات بهدف احتواء التضخم الجامح الذي يقضّ مضاجع ملايين الأسر منذ سنوات، فضلاً عن الفقراء (19% من السكان حسب الإحصاء الأخير) الذين حُرموا فجأة من المعونة الغذائية التي كانت تقدمها الدولة.

أرباح الشركات الكبرى في قطاع الطاقة بلغت أرقاماً قياسية هذا العام بفضل زيادة الإنتاج وتحرير الأسعار والتدابير الضريبية والجمركية والقانونية التي أعلنها ميلي الذي يريد لهذا القطاع أن يكون المحرك الأساسي لاقتصاد الأرجنتين في العقود الثلاثة المقبلة، انطلاقاً من منطقة «باتاغونيا» الشاسعة في أقصى الجنوب التي تختزن، بحسب تقديرات، ثاني أكبر احتياطي من الغاز ورابع احتياطي من النفط في العالم. وفي نهاية الشهر الماضي كانت أسعار أسهم شركة النفط الرسمية قد ارتفعت بنسبة 140% عن العام الفائت، فيما ارتفعت أسعار أسهم الشركات الخاصة 75%.

تمديد الإنفاق

في موازاة ذلك قرر ميلي تجميد الإنفاق على المشاريع العامة، بينما كان الاستهلاك يتراجع إلى أدنى مستوياته والصناعة الأرجنتينية تعاني على جبهات ثلاث: انخفاض المبيعات، وتدفق السلع المستوردة بأسعار تصعب منافستها، وتراجع الصادرات بسبب ارتفاع سعر البيزو مقابل الدولار الأميركي. إلى جانب ذلك، سحب ميلي جميع إجراءات الدعم التي كانت اتخذتها الحكومات السابقة لمساعدة الطبقات الفقيرة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار النقل العام بنسبة 1000% وفواتير الغاز والكهرباء والتأمين الطبي والتعليم الخاص بنسب تزيد على 500%. وكانت الأشهر الستة الأولى من ولاية ميلي هي الأكثر صعوبة، إذ تزامنت مع نسبة تضخم قاربت 30% شهرياً بحيث تجاوزت نسبة المصنفين فقراء بين السكان 53%.

ستكون الأشهر الأولى من العام الثاني لولاية ميلي، حاسمة في تقدير عدد من المراقبين، لأنها ستبيّن مدى صمود شعبيته أمام انهيار الخدمات الأساسية والمساعدات التي تعيش نسبة عالية من السكان عليها، فيما يصرّ هو على رهانه بأن الفشل الذريع الذي تتخبط فيه القوى السياسية الأرجنتينية منذ عقود سيكون الخزان الذي سيغرف منه لترسيخ شعبيته حتى نهاية الولاية.