الحكومة اليمنية لـ «الشرق الأوسط»: سنصرف الرواتب حتى في مناطق الانقلاب

يمنيون يتلقون نقودًا من شركة صرافة في عدن («الشرق الأوسط»)
يمنيون يتلقون نقودًا من شركة صرافة في عدن («الشرق الأوسط»)
TT

الحكومة اليمنية لـ «الشرق الأوسط»: سنصرف الرواتب حتى في مناطق الانقلاب

يمنيون يتلقون نقودًا من شركة صرافة في عدن («الشرق الأوسط»)
يمنيون يتلقون نقودًا من شركة صرافة في عدن («الشرق الأوسط»)

أثمر ركض ثلاثة أشهر ونيف للحكومة اليمنية، بانتهاء أزمة النقص الحاد في السيولة، بعدما كان اليمن على شفى كارثة اقتصادية وشيكة تفاقم المصائب الناجمة عن العمل العسكري المتمثل بالانقلاب، وما نجم عنه من أزمات إنسانية أخرى.
وأعلن رئيس الوزراء اليمني الدكتور أحمد بن دغر أمس، عن انتهاء أزمة السيولة النقدية، وتغلب حكومته على العقبات المتعلقة بطباعة العملة، محملا ميليشيات الحوثي وصالح مسؤولية «اختلاق الأزمة». وقالت رئاسة الوزراء اليمنية لـ«الشرق الأوسط» إن العملة المطبوعة وصلت إلى البنك المركزي «وسنفي بكافة الالتزامات، وسنصرف رواتب موظفي الدولة المدنيين والعسكريين في جميع المحافظات بما فيها مناطق سيطرة الانقلابيين»، وفقا لغمدان الشريف، السكرتير الصحافي لرئاسة مجلس الوزراء اليمنية.
وتتهم الحكومة اليمنية الانقلابيين بإهدار 5 مليارات دولار (أكثر من تريليوني ريال يمني) على «المجهود الحربي» صرفت إثر تحكمهم بمجلس إدارة البنك المركزي اليمني السابق في صنعاء، ما دفع الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى إصدار قرار بنقل مقر البنك المركزي وعملياته إلى عدن في سبتمبر (أيلول) 2016، وتشكيل مجلس إدارة جديد.
وأرجعت مصادر يمنية مطلعة سرعة إنهاء أزمة السيولة إلى نتائج لقاءات مكثفة أجراها محافظ البنك المركزي اليمني منصر القعيطي، الذي عقد منذ تعيينه محافظا اجتماعات في الولايات المتحدة وروسيا وعواصم خليجية أخرى، مع مؤسسات إقليمية ودولية أهمها «صندوق النقد الدولي»، والبنك الدولي.
كما أجرى القعيطي في روسيا عدة لقاءات رجحت المصادر أنها مع شركة طباعة العملة لتوفير النقد، في خطوة أولى لإحياء الاقتصاد اليمني.
في الأثناء، غرد عبد الملك المخلافي نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية اليمني على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، قائلا إن «الحكومة اليمنية تلقى تعاونا ممتازا من كل المؤسسات المالية الدولية، وستعمل على الوفاء بالتزاماتها القانونية ودفع المرتبات وإنعاش الاقتصاد».
وأضاف المخلافي في تغريدة أخرى: «الحكومة تدعو جميع المؤسسات الإيرادية في كل المحافظات لإيصال إيراداتها إلى البنك المركزي وفروعه من أجل أن تتمكن من الوفاء بكافة الالتزامات».
ودعا رئيس الوزراء اليمني الحوثي وصالح إلى رفع اليد «عن الموارد الوطنية، وتسهيل عمل البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن، ليتمكن من تنفيذ دوره على نحو شامل في كل أنحاء البلاد، بداية بصرف المرتبات، مرورًا بإدارة الحسابات الحكومية، وانتهاءً بتوفير الأموال للمؤسسات الخدمية كالصحة والتعليم والمياه والكهرباء والنظافة»، التي قال: إنها «لن يتأتى إلا بتوحيد مركز الإيرادات والصرفيات، مركز الموازنة العامة للدولة التي عاثت الميليشيات فيها فسادًا»، طبقا لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ).
وكشف بن دغر عن صرف الحكومة اليمنية مرتبات نحو نصف مليون عسكري ومدني، وغالبية الطلبة اليمنيين الدارسين في الخارج. وقال مخاطبا الميليشيات: «لم نستثن من المرتبات والمخصصات أحدًا، بما فيهم من يأتوننا من جبهاتكم القتالية، وكنا نعرف ذلك، ولم نسأل طالبًا من أين أنت، ولم نرد مؤسسة مدنية لجأ موظفوها إلينا في مناطق سيطرتكم بعد أن أذقتموهم الجوع، إنه واجبنا، ونهج درجنا عليه وسنستمر».
وأضاف رئيس الوزراء: «أمرنا وبتوجيهات مباشرة من رئيس الجمهورية بالبدء الفوري بربط جميع مؤسسات الدولة المدنية بالبنك المركزي في كل أنحاء البلاد، ووجهنا وزارة المالية ومحافظ البنك المركزي ومركزه عدن بصرف المرتبات لجميع مرافق الدولة استنادًا إلى موازنة العام 2014، ابتداء من ديسمبر (كانون الأول) الماضي».
وكان محافظ البنك المركزي اليمني أكد في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» أن عملية إعادة إحياء البنك المركزي في عدن «عملية صعبة»، وقال: إن المؤسسة بكامل تكويناتها وتجهيزاتها الإدارية في صنعاء القابعة تحت هيمنة الحوثيين؛ التحدي يتمثل هنا «في قدرتنا خلال فترة قصيرة من تمكين البنك المركزي في عدن من تأدية وظائفه بصورة سليمة.... لا نريد أي أداء وحسب؛ بل الأداء السليم لوظائف البنك المركزي المنصوص عليها في القانون بصورة سليمة... حتى نصل إلى أداء متناغم ونعد إلى ما نصبو إليه حتى نهاية العام 2016».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.