* هوليوود الصينية استقبلت هوليوود انحسار الإقبال على صالات السينما في الصين، كما لو أن الصين هي كندا القريبة أو ضاحية لها. الأرقام الآتية من بكين تفيد أن الارتفاع في الإقبال على صالات السينما بلغ 7.3 في المائة فقط في العام الماضي في حين كان المأمول له أن يبلغ 35 في المائة علاوة على ما حققته تلك الأفلام في بكين، وشنغهاي، وهونغ كونغ وسواها. * ربما هي رد فعل صينية حيال انتخاب دونالد ترامب. وربما اختلط على المشاهدين اسما دونالد داك ودونالد ترامب. أو، الأرجح، أن الأفلام الأميركية المرسلة إلى الصين (نحو 30 فيلمًا في السنة) باتت متشابهة ومتكررة تمامًا كما هو حالها المنتشر هذه الأيام. * سينما تقوم على الأجزاء المتوالية كما لو كانت غرف فندق مرقمة، وعلى الفانتازيات السهلة التي توفر أبطالاً خارقين كلهم يطيرون في الفضاء ويجيدون الساموراي ويلعبون الجودو ويمارسون الكاراتيه أو يكفي لأحدهم أن ينظر إلى الشيء أمامه فينهار ويتكوم. * حتى الصينيين يمكن لهم أن يملوا قائمة هوليوود المحدودة هذه. وبعدما كان الأمل أن تنتقل البلاد الشاسعة من احتلال المركز الثاني بالنسبة لإيرادات الأفلام الأميركية إلى المركز الأول في القريب العاجل، تنتشر في هوليوود الآن قناعة مفادها أن هذا قد لا يحصل في الأعوام القليلة المقبلة. * طبعًا أي تبرير حالي مقبول باستثناء الاعتراف بأن «باتمان ضد سوبرمان» كان أسخف من أن يتحوّل إلى سدة النجاح حول العالم أو أن «فرقة الانتحار» ما هو سوى نسخة رديئة من «رجال إكس». القناعة المميتة لدى منتجيها ومدراء استوديوهاتها الكبيرة هي أنهم يعرفون تمامًا شغلهم. * بعض الانحسار الصيني يعود إلى علاقة متوترة بين الدولار والين لصالح الأول، مما نتج عنه تسجيل الصين ما يوازي 6 مليارات و780 مليون دولار من الإيرادات فقط. لكن هذا المبلغ يشمل كل ما تم عرضه في الصين من أفلام وليس فقط من أفلام أميركية. المثير هنا أن الإقبال على أفلام هوليوود لم يتراجع بالضرورة إذا وصل إلى حد قريب من 42 في المائة من مجمل الإيرادات. * على الأقل، الفيلم الأول في قائمة أعلى الأفلام المعروضة في الصين سنة 2016 كان صينيًا وهو «الحورية» لستيفن شو الذي جلب ما يوازي 527 مليون دولار. وهناك أربعة أفلام صينية أخرى في هذه القائمة تنتعش في المراكز 5 و6 و7 و8 بينما تحتل الأفلام الأميركية الخانات 2 (فيلم الرسوم «زوتوبيا») و3 و4 و9 و10. أحد هذه الأفلام «ووركرافت» الذي كان أنجز 38 مليون دولار فقط في أميركا، لكنه حصد 221 مليون دولار في الصين.
يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.
لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.
الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.
في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟
هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.
* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».
THE WRESTLER ★★
* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).
يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.
هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.
يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.
* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».
ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★
* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).
قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).
نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.
اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.
* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»
★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز