أنقرة تحدد هوية منفذ هجوم «رينا» وتضبط هاتفه

القبض على 40 مشتبهًا بهم والفاعل لا يزال طليقاً

أتراك يترحمون على أرواح ضحايا الاعتداء الإرهابي على «رينا» في إسطنبول (أ.ف.ب)
أتراك يترحمون على أرواح ضحايا الاعتداء الإرهابي على «رينا» في إسطنبول (أ.ف.ب)
TT

أنقرة تحدد هوية منفذ هجوم «رينا» وتضبط هاتفه

أتراك يترحمون على أرواح ضحايا الاعتداء الإرهابي على «رينا» في إسطنبول (أ.ف.ب)
أتراك يترحمون على أرواح ضحايا الاعتداء الإرهابي على «رينا» في إسطنبول (أ.ف.ب)

وسّعت سلطات الأمن التركية حملتها الأمنية في إطار التحقيقات الجارية في الهجوم المسلح على نادي «رينا» في إسطنبول، الذي أوقع 39 قتيلا و65 مصابا، غالبيتهم من العرب والأجانب خلال الساعات الأولى من العام الجديد. وفيما أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو تحديد هوية منفذ الهجوم، أوقفت قوات الأمن في إزمير (شمال غربي تركيا) 40 شخصا، بينهم 20 طفلا و11 امرأة لصلتهم المحتملة بمنفذ الهجوم. في حين ذكرت وسائل إعلام قريبة من الحكومة أن سلطات الأمن وأجهزة الاستخبارات تُطارد «آسيويا جديدا» لم يُعرف عنه سوى كنيته، ويدعى «أبو محمد الخراساني». كما أجمعت هذه المصادر الصحافية على أن الإرهابي يتحرك بحرية استنادًا إلى دعم قوي من شبكة مرتبطة بتنظيم داعش.
وبحسب مصادر أمنية تركية، فإن معظم من ألقي القبض عليهم أتوا من تركستان الشرقية (إقليم تشينجيانج في الصين) وقيرغيزستان، فيما تحدثت وسائل إعلام عن عدد من السوريين بين الموقوفين، ولم تصدر تأكيدات بذلك من الأمن التركي.
وذكرت وكالة «دوغان» التركية للأنباء أن الشرطة كانت أوقفت صباح أمس الأربعاء 27 شخصا في حي بوجا في إزمير، وهم ثلاث عائلات انتقلوا إلى الحي منذ 15 يوما قادمين من قونية في وسط تركيا، لافتة إلى أن قوات الأمن داهمت كثيرا من العناوين في قونية لكنها لم تعثر عليهم. وأظهرت لقطات مصورة بعض المقبوض عليهم وهم يخرجون من مبنى سكني برفقة رجال الشرطة وينقلون إلى سيارات. وكانت مصادر التحقيقات ذكرت أن المنفذ المحتمل لهجوم رأس السنة كان يقيم في قونية منذ 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وانتقل إلى إسطنبول قبل الهجوم. وجاءت هذه الاعتقالات عقب توقيف عشرات المشتبه بهم الثلاثاء، بينهم أجنبيان قبض عليهما في مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في لقاء مع وكالة أنباء «الأناضول»، أمس، إنه تم التأكد من هوية الإرهابي منفذ الهجوم على النادي في إسطنبول، أثناء الاحتفال باستقبال العام الجديد.
لكن لم تكشف السلطات حتى الآن عن اسم منفذ هجوم رأس السنة والذي لا يزال هاربا لم يتم القبض عليه. وبعد تأكيد جاويش أوغلو أن السلطات تعرفت تمامًا على هوية الإرهابي الهارب، ذكرت صحيفة «يني شفق» القريبة من الحكومة التركية أن سلطات الأمن وأجهزة الاستخبارات تُطارد «آسيويًا جديدًا» لم يُعرف عنه سوى كنيته، وهي «أبو محمد الخراساني»، وتعتقد أنه الشخص الذي نفذ الهجوم على نادي «رينا».
وقالت الصحيفة إن المشتبه به استقر مع زوجته وولديه في إسطنبول قبل أن يُرسل عائلته إلى منطقة قونية التركية لإبعادها عن الهجوم، مستفيدًا من شبكة كبيرة من داعمي «داعش» والإرهاب في تركيا، لتأمين تنقلاته وتحركاته.
أما صحيفة «حرييت»، فقالت إن منفذ الهجوم الإرهابي، الذي تبناه تنظيم داعش الاثنين، يتحرك بحرية مدعومًا بشبكة ترتبط بزعيم «داعش» في تركيا، يوسف هوجا، أحد أكبر منظري التيارات الإرهابية في تركيا شهرة وتأثيرًا. وأفادت «يني شفق» أن السلطات التركية قطعت خطوات جديدة على طريق التضييق على المطلوب واعتقاله، ذلك أن القاتل الذي تنقل على متن سيارة أجرة إلى النادي، محملاً بكيسين، أخفى سلاحه في الأول ووضع بعض أغراضه الشخصية في الثاني، ونسي أو فقد كيسه الثاني الذي وضعت الشرطة يدها عليه، وعثرت داخله على بعض الوثائق وعلى هاتفه الجوال. وكانت صحيفة «حرييت» ذكرت أن منفذ الاعتداء يتحدر من إحدى دول آسيا الوسطى.
وتعتقد السلطات التركية أن المهاجم كان مقاتلا في صفوف تنظيم داعش في سوريا، حيث تدرب بشكل جيد على استخدام السلاح، كما نقلت وسائل الإعلام التركية. ويعتبر المحققون أن المهاجم قد يكون مرتبطا بالخلية التي سبق أن نفذت ثلاثة اعتداءات انتحارية متزامنة في يونيو (حزيران) الماضي في مطار أتاتورك بإسطنبول، مما أدى إلى مقتل 47 شخصا، في هجوم نسب إلى تنظيم داعش، بحسب ما نقلت «حرييت».
في السياق ذاته، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أمس إن «ربط الاختلافات في أنماط الحياة بالهجوم الذي استهدف النادي في إسطنبول هو محاولة متعمدة لشق صف الشعب التركي»، وأن الدولة لم تتدخل أبدا في الطريقة التي يعيش بها الناس.
وأضاف إردوغان أمام اجتماع لعمد القرى والأحياء بالقصر الرئاسي في أنقرة أنه «لا معنى لمحاولة تحميل الاختلافات في أنماط الحياة مسؤولية هجوم أورتاكوي. لا يخضع نمط حياة أي فرد لتهديد ممنهج في تركيا. لن نسمح بذلك أبدا».
وكانت هيئة الشؤون الدينية التركية خصصت خطبة الجمعة في 30 ديسمبر (كانون الأول)، لاحتفالات رأس السنة واعتبرت أنها لا تتوافق مع القيم الإسلامية، وهو ما أثار انتقادات من بعض قطاعات المجتمع التركي. لكن رئيس الهيئة، محمد جورماز، أدان الهجوم مؤكدا أن الإرهاب ملعون بكل أشكاله وأيا كان المكان الذي يستهدفه.
في سياق متصل، أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في جلسة للبرلمان التركي أن بلاده أحبطت 339 هجوما للتنظيمات الإرهابية في تركيا خلال عام 2016. وفصل أنه تم إحباط 339 عملية إرهابية: «من بينها 313 عملية لمسلحين أكراد و22 لـ(داعش)، و4 لمنظمات يسارية متطرفة، وتم ضبط 247 قنبلة، و61 سيارة مفخخة، و23 انتحاريا مشتبها بهم، كما تم القبض على 42 إرهابيا». كما لفت إلى أنه تم إحباط 80 عملية كبيرة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وأن نسبة الانضمام إلى حزب العمال الكردستاني الذي سبق أن أعلن مسؤوليته عن كثير من الهجمات انخفضت من 3 آلاف و572 شخصا في 2015 إلى 559 شخصا في 2016.
وشدد صويلو على مواصلة العمليات ضد عناصر «داعش» الذين يسعون لزعزعة استقرار البلاد. وفيما يتعلق بالمقاتلين الأجانب، أوضح الوزير التركي أنه «تم حظر دخول 52 ألفا و72 شخصا ينحدرون من 145 دولة إلى تركيا، كما تم رحيل 4 آلاف و19 شخصا من 98 دولة مختلفة».
إلى ذلك، وافق البرلمان التركي، ليل الثلاثاء - الأربعاء، على تمديد حالة الطوارئ في البلاد لثلاثة أشهر إضافية اعتبارا من التاسع عشر من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي.
وكانت رئاسة البرلمان التركي تسلمت مذكرة من الحكومة الثلاثاء تتضمن طلب مجلس الوزراء تمديد حالة الطوارئ في البلاد ثلاثة أشهر إضافية، وهو التمديد الثاني لحالة الطوارئ التي أعلنت في العشرين من يوليو (تموز) الماضي عقب محاولة انقلابية فاشلة من جانب عناصر في الجيش التركي في منتصف يوليو.
وكان البرلمان وافق على مذكرة مجلس الوزراء، بتمديد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر إضافية، اعتبارًا من التاسع عشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟