انقسام في إسرائيل بعد ادانة محكمة عسكرية جنديًا قتل فلسطينيًا جريحًا

أنصار أزاريا يهددون رئيس الأركان والسلطة الفلسطينية تعتبر محاكمته صورية

الفلسطينية رجاء (وسط) تحمل ملصقًا لابنها عبد الفتاح الشريف خلال احتجاجات في الخليل بالضفة الغربية في أثناء محاكمة الجندي القاتل أزاريا (أ.ف.ب)
الفلسطينية رجاء (وسط) تحمل ملصقًا لابنها عبد الفتاح الشريف خلال احتجاجات في الخليل بالضفة الغربية في أثناء محاكمة الجندي القاتل أزاريا (أ.ف.ب)
TT

انقسام في إسرائيل بعد ادانة محكمة عسكرية جنديًا قتل فلسطينيًا جريحًا

الفلسطينية رجاء (وسط) تحمل ملصقًا لابنها عبد الفتاح الشريف خلال احتجاجات في الخليل بالضفة الغربية في أثناء محاكمة الجندي القاتل أزاريا (أ.ف.ب)
الفلسطينية رجاء (وسط) تحمل ملصقًا لابنها عبد الفتاح الشريف خلال احتجاجات في الخليل بالضفة الغربية في أثناء محاكمة الجندي القاتل أزاريا (أ.ف.ب)

قبل أن يجف الحبر عن قرار المحكمة العسكرية في تل أبيب إدانة الجندي أليئور أزاريا بقتل الشاب الفلسطيني عبد الفتاح شريف وهو جريح ملقى على الأرض، خرج قادة أحزاب اليمين الإسرائيلي يطالبون بإصدار عفو فوري عنه، بحيث لا يبقى في السجن يومًا واحدًا.
وفيما انقسم الاسرائيليون بين مؤيد ورافض لقرار المحكمة العسكرية ، أصدرت وزارة الخارجية الفلسطينية بيانًا اعتبرت فيه محاكمة الجندي «هزلية»، وطالبت بـ«محاكمة سلطة الاحتلال بأكملها»، فهي من يسعى إلى التحريض ضد الفلسطينيين، ومن يقترف عشرات الجرائم ضدهم، كما جاء في بيان السلطة التي رفضت «إدانة جندي واحد».
كانت المحكمة العسكرية في رئاسة أركان الجيش، في تل أبيب، قد أدانت الجندي أزاريا بالإجماع، أمس، بتهمة القتل المخففة، وقالت إنه لم يقل الحقيقة حين ادعى أنه خاف من أن يكون الشاب الفلسطيني قادرًا على قتل الجنود، واعتبرت إفادات الضباط الذين هبوا للدفاع عنه غير موثوقة، ومبنية على معلومات وتقديرات بعيدة عن الواقع. لذلك، قررت إدانته. كما قررت تأجيل النطق في الحكم العيني حول العقاب إلى موعد آخر.
وما إن صدر القرار، حتى هب نحو 400 شخص من مناصري أزاريا المتظاهرين أمام مقر وزارة الدفاع ورئاسة الأركان في تل أبيب، وأطلقوا صرخات الاحتجاج، وهددوا بقتل رئيس الأركان غادي آيزنكوت، قائلين: «إسحق رابين (رئيس الحكومة الذي اغتيل بسبب اتفاقات أوسلو) ينتظرك»، وأغلقوا الشارع المؤدي إلى مقر الوزارة.
المعروف أن المحاكمة تتعلق بالحادث الذي كان قد وقع في 24 مارس (آذار) 2016. ففي حينه، قدم الشاب الفلسطيني عبد الفتاح شريف إلى حاجز عسكري قرب الخليل، وطعن جنديًا إسرائيليًا بالسكين. فأطلق الجنود عليه الرصاص، وأصابوه بجراح بليغة. وبعد دقائق، قدم الجندي أزاريا، وهو برتبة شاويش، وأطلق الرصاص عليه، وأرداه قتيلاً، على الرغم من أنه كان مشلول الحركة. وقد جرى توثيق الحادث بكاميرات عدة في المنطقة. وحال انتشار الشريط، خرج قادة الجيش الإسرائيلي، وفي مقدمهم رئيس الأركان آيزنكوت، باستنكار العملية، والادعاء أن «الجندي عمل بشكل مخالف لأخلاقيات الجيش الإسرائيلي». وناصره في ذلك وزير الدفاع في حينه موشيه يعلون، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لكن عندما اعتقل الجندي، وأودع المعتقل العسكري، خرج قادة اليمين الإسرائيلي المتطرف مستنكرين الاعتقال، ومطالبين بإطلاق سراحه فورًا، باعتبار أن «من يأتي لقتل جنود إسرائيليين يجب أن يموت فورًا». ونتيجة للحملة اليمينية الواسعة، تراجع نتنياهو، واتصل بذوي الجندي، معربًا عن تعاطفه معهم.
وانقسم المجتمع الإسرائيلي والحلبة السياسية بين مؤيد لمحاكمة أزاريا يقول إنه خالف التعليمات فعلاً، وإن عدم محاكمته سيقود القادة العسكريين والسياسيين إلى قفص الاتهام، في محكمة لاهاي لجرائم الحرب الدولية، وبين معارضين للمحاكمة بدعوى أنه بطل قومي دافع عن حياة الجنود.
وفي الطرف الفلسطيني، وكذلك في الجناح اليساري الراديكالي في إسرائيل، رأوا أن الجندي هو مجرد عنصر صغير في ماكينة الحرب الإسرائيلية. فإن كان لا بد من محاكمة، فلتكن لقادة الجيش الذين أعدموا عشرات الفلسطينيين في الميدان بادعاءات غالبيتها كاذبة، حول نيتهم تنفيذ عمليات ضد إسرائيليين. وفي النهاية، انتصر الخط الذي يؤيد محاكمة الجندي، لكن النيابة العسكرية خففت الاتهام ضده، من القتل العمد إلى القتل دفاعًا عن النفس. وقد استخدم اليمين المتطرف الشبكات الاجتماعية للهجوم الشرس على قيادة الجيش، وعلى هيئة القضاء، حتى بلغ الأمر حد تهديدهما بالقتل، وجندوا ضباطًا سابقين كبارًا يشهدون على حوادث شبيهة لم تصل إلى القضاء.
وقد حسمت المحكمة قرارها، أمس، بإدانة الجندي أزاريا، والتشكيك في إفادات شهود الدفاع. وفور صدور القرار، بادر كبار القادة والمسؤولين في اليمين الإسرائيلي إلى إطلاق التعهدات بالعمل على منحه العفو، أو المساعدة في منحه العفو، أو اعتباره ضحية ما كان يجب محاكمته.
وسارع وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان الذي كان قد عارض المحاكمة منذ بدايتها (حيث كان في المعارضة)، إلى التعهد بالعمل على التخفيف عن أزاريا وعن عائلته، وطالب في الوقت نفسه بعدم إضعاف الجيش من خلال النقاشات الداخلية. وطالب ليبرمان من لم يعجبهم القرار، وهو من ضمنهم، باحترام الجهاز القضائي، وضبط النفس، لافتًا إلى أنه سيعمل على تخفيف القرار.
من جانبه، أيد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المطالبين بالعفو عن الجندي أزاريا، وكتب على صفحته على «فيسبوك»: «هذا يوم صعب ومؤلم، أولا وقبل كل شيء لإلؤور وأسرته والجنود الإسرائيليين، ولكثير من المواطنين وآباء الجنود وأنا من بينهم...أؤيد منح عفو لإلؤور أزاريا».
ودعا وزير المعارف، نفتالي بينيت، إلى منح أزاريا العفو فورًا. وبحسبه، فإن المداولات القضائية ضده كانت «ملوثة» منذ البداية. وزعم أن «التصريحات الخطيرة للمستوى السياسي، قبل بدء تحقيق الشرطة العسكرية، وغياب الجندي نفسه عن التحقيق العملي، والمرافقة الإعلامية السلبية، كل ذلك تسبب بأضرار لا علاج لها للجندي».
وقال بينيت إنه دعا إلى منح القاتل العفو قبل صدور الحكم، مثلما حصل في قضية «الباص 300»، في سنة 1984، عندما أقدم عدد من رجال المخابرات على قتل أسرى فلسطينيين كانوا قد خطفوا حافلة ركاب إسرائيلية، وألقي القبض عليهم وهم أحياء، وتمت إدانة القتلة لكنهم لم يمضوا يومًا واحدًا في السجن لأن عفوًا صدر عنهم جميعًا.
ودعا رئيس المعارضة ورئيس حزب «المعسكر الصهيوني»، إسحاق هرتسوغ، إلى احترام القرار، ولكنه اعتبر أزاريا «ضحية للوضع». وقال: «يجب عدم تجاهل أن إليئور أزاريا ضحية الوضع إلى حد ما، ولكن قرار المحكمة العسكرية يقوي الجيش، وذلك لأنه لا يمكن تجاهل ظروف الحادث الذي يعكس واقعًا غير ممكن، في منطقة مركبة يواجهها الجيش في كل يوم وفي كل ساعة».
وعبرت عضو الكنيست شيلي يحيموفيتش، من المعسكر المعارض نفسه، عن ترحيبها بقرار المحكمة، لكنها انضمت إلى اليمين الذي يطالب بإصدار عفو عنه.
وتوجهت وزيرة الثقافة والرياضة، ميري ريغيف، إلى ليبرمان تطالبه بأن يأمر رئيس أركان الجيش أن يصدر العفو عن الجندي القاتل. وبحسبها، فإن «هذه محاكمة ما كان يجب أن تبدأ (أصلاً) لأن الحديث يجري عن حدث حربي قتل فيه مخرب على يد جندي إسرائيلي، ويجب ألا يصل ذلك إلى المستوى الجنائي».
وقال عضو الكنيست يوئيل حسون، من «المعسكر الصهيوني» المعارض، إنه لم يكن هناك أي داع لمحاكمة أزاريا، وزعم أنه «كان من الواضح أن أزاريا عمل بشكل مخالف لروح الجيش الإسرائيلي. وبالتالي، كان يجب إقصاؤه من الجيش، وتجنب إيقاع ضرر بالمجتمع الإسرائيلي والجيش من مجرد محاكمته».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم