2016... عام قطف إيران ثمار الاتفاق النووي إقليميًا

أبرز محطاته تصعيد التدخل في سوريا واليمن... ومهاجمة السفارة السعودية

وزير الخارجية الأميركي جون كيري التقى نظيره الإيراني جواد ظريف في فيينا قبل يوم من اجتماع وكالة الطاقة الدولية في 16 أغسطس الماضي (غيتي)
وزير الخارجية الأميركي جون كيري التقى نظيره الإيراني جواد ظريف في فيينا قبل يوم من اجتماع وكالة الطاقة الدولية في 16 أغسطس الماضي (غيتي)
TT

2016... عام قطف إيران ثمار الاتفاق النووي إقليميًا

وزير الخارجية الأميركي جون كيري التقى نظيره الإيراني جواد ظريف في فيينا قبل يوم من اجتماع وكالة الطاقة الدولية في 16 أغسطس الماضي (غيتي)
وزير الخارجية الأميركي جون كيري التقى نظيره الإيراني جواد ظريف في فيينا قبل يوم من اجتماع وكالة الطاقة الدولية في 16 أغسطس الماضي (غيتي)

يمكن القول إن عام 2016 المنصرم كان عام «استفادة» إيران من الاتفاق النووي الذي كانت قد عقدته مع الولايات المتحدة (على رأس الدول الخمسة زائد واحد) عبر توسيع تدخلاتها السياسية والحربية في العالم العربي، وبالأخص في سوريا واليمن. وكان هذا واضحًا من إحجام واشنطن عن كبح التدخلات الإيرانية لرغبتها بالمحافظة على الاتفاق الذي اعتبره الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما من أهم منجزات حكمه.
إلا أن إيران بدأت عام 2016 بمنعطف خطير في علاقاتها مع الدول العربية بعدما هاجمت جماعة من منتسبي الباسيج التابع للحرس الثوري الإيراني مقري السفارة والقنصلية السعودية في طهران ومشهد، عقب تحريض رسمي. وفي المقابل، ردّت الرياض بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وطرد السفير الإيراني. وبعدها حاول الإيرانيون الثأر من المواقف الدولية والعربية الواسعة من خلال رفض طهران شروط السعودية لدخول الحجاج الإيرانيين تمهيدًا لتسييس الحج على غرار السنوات الماضية التي شهدت توتر العلاقات بين البلدين.
وعلى الصعيد السياسي، رغم تقبيح المرشد الأعلى علي خامنئي الهجوم على السفارة والقنصلية، فإنه دافع عن المهاجمين في عدة مناسبات، ورفض وصفهم بالمتطرفين. وهو ما ترك أثره على مسار محاكمة الموقوفين بتخفيف العقوبات. ومع أن الرئيس حسن روحاني وصف الهجوم بأنه يهدد الأمن القومي، خففت التهمة إلى الإخلال بالنظم العام. وفي مايو (أيار) قال حسام الدين آشنا، مستشار الرئيس الإيراني، في حوار نشرته مجلة «إنديشه بويا» إن «دوافع طائفية» كانت وراء الهجوم على السفارة السعودية.
* فوائد الاتفاق النووي
بعد الاتفاق النووي تدفقت الوفود الأوروبية إلى طهران بحثًا عن مكاسب اقتصادية وإبرام عقود تجارية كان نصيب الفرنسيين والألمان على الورق أوفر من الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي، لكن امتناع المؤسسات المالية عن التعامل مع طهران، عرقل ما كانت حكومة روحاني تأمل في إنجازه، ناهيك بالرفض الداخلي لدخول المستثمرين، خصوصًا أن الذراع الاقتصادي للحرس الثوري يعد أبرز منافس للشركات الداخلية والدولية في الحصول على المشاريع العملاقة. في أي حال، على مدى السنة الماضية حاولت إيران عقد صفقات تجارية كبيرة منها مع شركات نفطية مثل «شل» و«توتال»، وفضلا عن شركات أخرى، وهذا بجانب صفقات تطوير أسطولها الجوي عبر حصولها على طائرات من صنع شركتي «بوينغ» و«إيرباص». غير أن معارضة وزارة الخزانة الأميركية استخدام إيران للدولار في معاملاتها التجارية، أخر البت بالصفقات.
وفي يونيو (حزيران) أعلنت مجموعة «فاتف» الدولية التي تراقب تمويل الإرهاب وغسل الأموال في أحدث تصنيف لعام 2016 إبقاء إيران على صدر القائمة السوداء بين أكثر الدول العالية المخاطر على المؤسسات المالية العالمية.
* «الانتخابات»... وتلاسن المسؤولين
من ناحية ثانية، كان من أهم الأحداث السياسية في إيران خلال 2016 دخول البلاد الانتخابات البرلمانية وانتخابات خبراء القيادة. وكانت البلاد دخلت الأجواء الانتخابية قبل شهور من موعد تنفيذها واكتسبت الانتخابات حساسية زائدة أهمها توقعات بإمكانية صعود مرشد ثالث بعد تكهنات عن تدهور صحة المرشد علي خامنئي، والحرب الكلامية التي شهدها البرلمان السابق مع حكومة روحاني بشأن إدارة البلاد وتمرير الاتفاق النووي عقب شهور من الجدل. ويذكر أنه في 20 من يناير (كانون الثاني) الماضي أعلن مجلس صيانة الدستور رفض أهلية 65 في المائة من المرشحين للانتخابات البرلمانية، وكان التيار الإصلاحي والمعتدل أعلن موافقة المجلس على 30 من مرشحيه من أصل 3 آلاف مرشح شكلوا نسبة 99 في المائة من المرفوضين. ولقد تنافس ستة آلاف و229 مرشحًا على 290 معقدًا في البرلمان.
وتزامنت انتخابات البرلمان مع انتخابات «مجلس خبراء القيادة»، وهو مجلس من رجال الدين الشيعة المنتخبين وظيفته الأساسية انتخاب المرشد الأعلى الجديد في حال عجز الحالي عن القيام بمهامه أو وفاته. وكان أهم حدث في هذه الانتخابات منع حسن الخميني، حفيد آية الله الخميني، من الترشح.
وبعد إعلان فوز قاطع للتيار المقرب من روحاني في الانتخابات البرلمانية اتجه «المعتدلون» و«الإصلاحيون» لإعلان كتلة «الأمل» البرلمانية قوامها نواب مدينة طهران الثلاثون. وفي المقابل، ظهر قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني في أروقة البرلمان قبل يومين من أداء البرلمان الجديد القسم الدستوري وكشف النواب الأصوليون عن كتلة «الولاية» برئاسة علي لاريجاني.
* فضائح بالجملة
التلاسن الذي ارتفعت حدته منذ فبراير (شباط) بين خامنئي وروحاني توسع بعد تسريب مواقع تابعة لخصوم روحاني في يوليو (تموز) وثائق حكومية تظهر تلقي كبار المسؤولين تلقي رواتب خارج إطار القانون. وجاء هذا التسريب بعدما كلف خامنئي مساعد الرئيس الأول بفتح تحقيق حول ملفات الفساد في البلد، واتهمت حكومة روحاني إدارة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد باختفاء منصات نفطية في مياه الخليج، لكن تسريب الوثائق عن رواتب المسؤولين وضع حكومة روحاني في موقف حرج.
وفي يونيو الماضي حذر المفتش الخاص بالمرشد الإيراني علي أكبر ناطق نوري من تفشي الفساد بين المسؤولين في إيران وعلى رأسهم القضاء. وأقر ناطق نوري بأن النظام الإيراني يتقهقر، و«لا يمكنه تقديم نموذج للدول الأخرى». وانتقد في نفس الوقت الإحصائيات المعلنة عن المخاطر الاجتماعية مثل الإدمان والمشردين والطلاق والفساد والرشى، قائلاً إن «أعداء النظام يستندون إليها ويوظفونها ضد النظام». وكان علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، قد حذر بدوره في فبراير خلال لقاء تلفزيوني من «انهيار المجتمع الإيراني» و«تراجع الإسلام» في البلاد.
وأدى تبادل التهم إلى تسريب وثائق في أغسطس (آب) عن ملف فساد كبير استهدف مجلس بلدية طهران وعمدة طهران اللواء محمد باقر قاليباف - أحد المنافسين المحتملين لروحاني في الانتخابات الرئاسية - . وبحسب الوثائق فإن مسؤولين كبارًا استغلوا مناصبهم للحصول على عقارات حكومية في مناطق طهران التجارية بأقل من نصف سعر السوق. وامتدت فضائح الفساد إلى صندوق تأمين المعلمين الذي طال مقربين من رئيس القضاء السابق محمود هاشمي شاهرودي، كما أن وثائق تسربت في أكتوبر (تشرين الأول) حول 63 حسابًا بنكيًا تعود إلى رئيس السلطة القضائية ويدخل كل منها سنويًا 250 مليار تومان (المليار يعادل 500 ألف دولار أميركي) وهو ما أثار جدلاً بين الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية.
وفي أغسطس أيضًا أعلنت وسائل إعلام إيرانية عن اعتقال المسؤول المالي في الفريق المفاوض النووي عبد الرسول دري أصفهاني، وبحسب مصادر إيرانية فإن أصفهاني أوقف للتحقيق لحظة مغادرته مطار الخميني رفقة وفد وزير الخارجية إلى أنقرة.
* الحرس الثوري يدمر سوريا
على صعيد آخر، في المجال العسكري، يوم 5 يناير كشف الحرس الثوري عن ثاني موقع كبير لتخزين الصواريخ الباليستية على عمق 500 متر تحت الأرض بحضور رئيس البرلمان علي لاريجاني. وكانت عودة الحرس الثوري إلى التجارب الصاروخية بين أكتوبر ونوفمبر (تشرين الثاني) أثارت مخاوف لدى حكومة روحاني قبل دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ.
في غضون ذلك دافع مسؤولون في إيران عن اختبارات الصواريخ والكشف عن المدن الصاروخية تحت الأرض، معتبرين إياه في إطار التحقق من مصداقية الأطراف الدولية في تنفيذ الاتفاق. لكن الحكومة اعتبرت الاستعراض الصاروخي ورفض قادة الحرس الثوري والتصريحات الاستفزازية حول تطوير البرنامج النووي تهديدًا لمكاسب إيران من الاتفاق النووي.
بموازاة التجارب الصاروخية واصلت القطاعات العسكرية الإيرانية تدخلها العسكري في سوريا، كما استمر تدفق توابيت قتلى الحرس الثوري الملفوفة بالعلم الإيراني، بجانب توابيت يرمز لها اللون الأخضر تحمل جثث المقاتلين التابعين للميليشيات الأفغانية (فاطميون) والباكستانية (زينبيون). وفي منتصف ديسمبر (كانون الأول) المنصرم أعلن قائد الحرس الثوري لأول مرة امتلاك إيران 200 ألف مقاتل في خمس دول عربية وإسلامية. ويذكر أنه في سياق تلك التهديدات في مارس (آذار) الماضي توعّد الناطق باسم هيئة الأركان المسلحة اللواء مسعود جزايري بإرسال قوات إلى اليمن مثلما فعلت إيران بإرسال قوات إلى سوريا.
وطوال العام الماضي واصل قادة الحرس الثوري إطلاق التصريحات التي تثبت عمق التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية. وحاولت إيران تبرير وجودها في الأرض السورية «عبر المستشارين العسكريين تجاوبًا مع طلب رسمي تقدم به نظام بشار الأسد». وفي هذا السياق، أعلن رئيس «منظمة الشهيد» الإيرانية محمد علي شهيدي محلاتي عن مقتل أكثر من ألف إيراني خلال الفترة التي شاركت فيها القوات الإيرانية في الحرب السورية.
وخلال شهري نوفمبر وديسمبر أثارت عملية نظام الأسد وائتلاف حلفاء الحرس الثوري مخاوف دولية واسعة، وسلطت الأضواء على الدور الإيراني واتهمت قوى المعارضة إيران بالوقوف وراء خرق الهدنة في حلب وتهجير سكان الأحياء الشرقية بعد قصف مكثف من الطيران الروسي.
بموازاة تدخل الحرس الثوري واستراتيجية الحسم العسكري التي اتبعها سليماني منذ إرسال إيران قوات عسكرية تحت مسمى المستشارين العسكريين حاولت إيران استثمار الأزمة السورية في تسوياتها مع الغرب. وكان خامنئي في خطاباته التي انتقد فيها الاتفاق النووي قدم دلائل كثيرة على صراع خفي بين إدارة روحاني والحرس الثوري بشأن إدارة ملف الأزمة السورية. وأصبح ذلك الخلاف جليًا بعد قرار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وضع حد لخلاف دام أشهر حول مساعده في الشؤون العربية والأفريقية أمير عبد اللهيان - المقرب من سليماني - بإعلان نهاية خدمات عبد اللهيان من منصبه وتعيين جابر حسين أنصاري الذي كان يشغل منصب المتحدث باسم الخارجية بدلا منه.
ومن بين التفاصيل الكثيرة بشأن رعاية إيران لجيش متعدد الجنسيات للقتال إلى جانب قوات النظام السوري يمكن الإشارة إلى ثلاث قضايا:
1 - الكشف عن إرسال قوات خاصة من الجيش الإيراني في بداية أبريل (نيسان) أهمها اللواء 65 المدرع نوهد، وفقًا لإعلان مساعد قائد القوات البرية في الجيش الإيراني علي آراسته.
2 - مذبحة خان طومان (بشمال سوريا) في بداية مايو. ووفق الإحصائيات الإيرانية الأولى سقط أكثر من ثمانين إيراني بين قتيل وجريح، الحرس الثوري أصدر بيانًا ودعا الإيرانيين للهدوء.
3 - في منتصف أغسطس الماضي كشفت وسائل إعلام روسية عن نشر قاذفات من طراز «توبوليف 22» و«سوخوي 34» من سلاح الجو الروسي في ثالث أكبر قاعدة تابعة للجيش الإيراني بمدينة همدان (غرب البلاد) وأكدت المصادر الروسية أنها انطلقت من هناك لقصف مواقع في إدلب ودير الزور وحلب بسوريا.
* حرب توسعية.. وقائية
في فبراير 2016 نقلت أسبوعية «خط حزب الله»، الصادرة عن مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي وأقرب وسائل الإعلام التي تنقل مباشرة وجهة نظره تجاه القضايا المتعددة، تصريحات لخامنئي دافع فيها عن التدخل العسكري الإيراني في سوريا والمناطق الأخرى. واعتبر أن قتال الحرس الثوري «أبعد سيناريو الحرب عن داخل إيران»، وقال: «لولا قتال الحرس الثوري هناك لترتب عليه القتال في كرمانشاه وهمدان والمحافظات الأخرى». في نوفمبر أرسل الحرس الثوري إلى سوريا عددًا كبيرًا من قواته وميليشيات «فاطميون» (من الأفغان نسبة 80 في المائة يحارب بدافع مادي، والآخرون يحاربون بدافع طائفي وفق شهادات بثتها وسائل إعلام أجنبية) «وزينبيون» (باكستانيون).
وفي بداية مايو الماضي اعتبر قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني قتال قواته في سوريا والعراق «مصدر الأمن والاستقرار» في إيران، وتابع أن قتلى الحرس الثوري يسقطون هناك دفاعًا عن أمن إيران.
ورغم إدانة تدخلات إيران في شؤون دول المنطقة من قبل الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة المؤتمر الإسلامي، فإن مؤشر المواقف الاستفزازية والتهديد العسكري تصاعد مع مرور الوقت في العام الماضي. وكان قائد الحرس الثوري الأسبق محسن رضائي - الذي عاد العام الماضي لارتداء البزة العسكرية بعد سنوات من الفشل في الانتخابات الرئاسية في سبتمبر (أيلول) - قال في تصريح لصحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» إن إيران ستبدأ الحرب إذا ما هاجمتها السعودية. كما قال رضائي إن بلاده لن تنوي التراجع من مواقفها في سوريا والبحرين واليمن.
* تدهور الوضع الإنساني والأزمات الاجتماعية
وثقت مصادر كثيرة، منها مركز الإحصاء الإيراني، خلال العام الماضي تدهور أوضاع المجتمع الإيراني، بما في ذلك تفشي الفقر وهجرة القرويين إلى صفيح المدن الكبيرة. ومن جانب آخر، ارتفعت حدة البطالة إلى مستويات غير مسبوقة وتحولت خلال هذا العام إلى أبرز أزمات المجتمع الإيراني. وبينما تقول حكومة روحاني إن عدد العاطلين في إيران يبلغ نحو أربعة ملايين، فإن إحصائيات مركز دراسات البرلمان تشير إلى وجود أكثر من خمسة ملايين، بل تشير إحصائيات غير رسمية إلى وجود ما يقارب سبعة ملايين عاطل عن العمل، وذلك وسط تحذيرات رسمية من ارتفاع العدد إلى 11 مليون في غضون السنوات الخمس المقبلة. يضاف إلى ذلك تفاقم التهديدات الاجتماعية مثل ظاهرة الإدمان وارتفاع الجريمة بين النساء.
من جانب آخر، حاولت الحكومة التوجه إلى مفاوضات مع الجهات الدولية لإزالة العقوبات المتعلقة بقضايا انتهاك حقوق الإنسان على غرار العقوبات المتعلقة بالنووي. وبذلت طهران جهودًا لمنع تمديد عمل المقرر الأممي الخاص بحقوق الإنسان. وكانت الخارجية الإيرانية قد هاجمت في مناسبات كثيرة التقارير الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان ومنظمات تراقب الوضع الإنساني، واعتبرت تلك التقارير «منحازة» و«مسيسة» على الرغم من استمرار رفضها السماح للمقرر الخاص بحقوق الإنسان بدخول إيران لمقابلة الضحايا وعوائل السجناء.
ولكن في المقابل، تراجعت نسبيًا خلال 2016 أرقام الإعدامات التي تجاوزت فيه إيران أرقامًا قياسية عالمية خلال السنوات الـ20 الأخيرة، ببلوغ عدد الإعدامات 1084 وفق منظمة حقوق الإنسان الإيرانية. وكان تقرير دولي قد كشف في يناير الماضي أن إيران تحتل المرتبة الأولى عالميًا في إعدام القاصرين وشملت الإحصائيات القاصرات كذلك. وفي نهاية فبراير أدلت مساعدة الرئيس الإيراني شهيندخت مولاوردي في حوار مع وكالة «مهر» الحكومية بمعلومات مثيرة للجدل حول قرية بإقليم بلوشستان، يعاني النساء والأطفال فيها من اليتم والفقر بسبب إعدام كل رجال القرية.
وفي أغسطس الماضي أعدمت إيران سرًا أكثر من 20 ناشطًا سنيًا كرديًا في سجن رجايي شهر، وفق إعلان المدعي العام الإيراني محمد علي منتظري، وأدانت أكثر من 178 منظمة دولية تلك الإعدامات بأشد العبارات وطالبت بتدخل دولي لوقف الإعدامات.
أخيرًا، ازداد القمع في إيران خلال العام المنصرم ضد الأقليات العرقية والدينية، فتصاعدت المواجهات العسكرية الصيف الماضي في مناطق كثيرة من كردستان إيران، وأعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني أهم الأحزاب الرئيسية في هذه المناطق إلى الخيار المسلح لتحقيق.
وفي الحدود الشرقية شهدت منطقة بلوشستان، أكثر مناطق إيران فقرًا، التي تعاني من تمييز طائفي وعرقي مزدوج توترًا كبيرًا بين الجماعات المسلحة المعارضة والحرس الثوري المكلف بحماية الحدود الشرقية.
وفي الأحواز ذات الغالبية العربية، واصلت مخابرات الحرس الثوري ووزارة المخابرات الإيرانية استهداف الناشطين السياسيين والمدمنين. ولم يعرف بعد عدد المعتقلين لكن إحصائيات متباينة صدرت عن منظمات حقوق أحوازية تظهر أن الاعتقالات السياسية قد طالت العشرات من العرب في تلك المناطق. وامتدت الاحتجاجات الشعبية على مشاريع نقل مياه الأنهار من الرأي العام في الأحواز إلى خلافات بين المسؤولين العرب وغير العرب.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.