قطاع التأجير مرشح لتصدر النشاط العقاري في السعودية

عقاريون يؤكدون انخفاض قيمة عروض الإيجار

قطاع التأجير في السعودية تأثر بشكل ملحوظ العام الماضي لكن التوقعات السائدة ترشحه لتصدر حركة السوق في العام الجاري («الشرق الأوسط»)
قطاع التأجير في السعودية تأثر بشكل ملحوظ العام الماضي لكن التوقعات السائدة ترشحه لتصدر حركة السوق في العام الجاري («الشرق الأوسط»)
TT

قطاع التأجير مرشح لتصدر النشاط العقاري في السعودية

قطاع التأجير في السعودية تأثر بشكل ملحوظ العام الماضي لكن التوقعات السائدة ترشحه لتصدر حركة السوق في العام الجاري («الشرق الأوسط»)
قطاع التأجير في السعودية تأثر بشكل ملحوظ العام الماضي لكن التوقعات السائدة ترشحه لتصدر حركة السوق في العام الجاري («الشرق الأوسط»)

توقع عقاريون سعوديون أن يستحوذ قطاع التأجير على حركة العام الجديد، وفقًا للنتائج التي انتهى بها عام 2016، الذي انحسرت فيه حركة البيع والشراء إلى مستويات كبيرة لأسباب مختلفة، أهمها فجوة الأسعار بين العرض والطلب، والقرارات الحكومية الرامية لاحتواء أسعار العقار، وأهمها فرض رسوم على الأراضي البيضاء، ما أوجد واقعًا جديدًا في السوق بانتظار ما ستؤول إليه الأمور عقب البدء في تحصيل الرسوم، وهو ما يراهن عليه كثيرون في تصحيح حال السوق.
وفي مسح شامل للسوق، يتضح أن قطاع التأجير تأثر بشكل ملحوظ بالإصلاحات الاقتصادية التي تجريها الحكومة، إذ إن هناك انخفاضا في عروض الإيجار السكني بعروضه كافة، ما يعني أن السوق العقارية تسير نحو انخفاض في فروعه كافة دون النظر إلى قوة نشاطه من عدمها، وهو ما يراه مراقبون انحسارًا تدريجيًا في قيم العقار بشكل عام، لتسير الأسعار نحو مناطق أقل، خصوصًا أن الأسعار زادت بنسبة تزيد على 100 في المائة خلال أقل من عقد، ما يعني ارتفاعًا كبيرًا وغير مبرر اقتصاديا.
وذكر المستثمر العقاري عبد الله السكيرين، أن الطلب على جميع الفروع العقارية يشهد تضاؤلاً ملحوظًا، وهذا ما يؤكده المؤشر العقاري لقيم وعدد الصفقات، إلا أن ذلك لم ينعكس على نشاط فرع التأجير السكني الذي يعيش نشوة كبيرة، في ظل انتظار ما ستؤول إليه الأسعار الجديدة بعد حزمة الإصلاحات الاقتصادية، خصوصًا المختصة بالعقار.
وأضاف أن هذه الحركة تدفع بالمؤشر العقاري، وتعتبر مصدرًا جيدًا لتحقيق الأرباح، ولذلك ينشط المستثمرون العقاريون في هذا المجال، لكنها لا تصل إلى أرباح البيع والشراء المتعثرين حاليًا.
ولفت السكيرين إلى أن الاهتمام باستئجار المنشأة يخضع لمقاييس مختلفة عند البحث والاستقرار، إذ يعد قرب المنشأة من الخدمات الحكومية خصوصًا المدارس، سببًا كافيًا لارتفاع قيمتها، مشيرًا إلى أن هناك حركة عقارية نشطة يشهدها قطاع تأجير الشقق خلال الفترة الحالية سيطرت على القطاعات الأخرى كافة منذ ما يزيد على عام.
وتشهد السوق العقارية السعودية في الفترة الأخيرة تكهنات متضاربة عن مستقبل القطاع العقاري، خصوصًا في ظل تصاعد الأسعار وإقرار الدولة رزمة من القرارات، إلا أن الغموض لا يزال يسيطر على المشهد العام، إذ ينتظر العاملون في القطاع العقاري عما ستكشفه الأيام المقبلة، التي انتشرت فيها أنباء مختلفة عن قرب انخفاض وشيك للأسعار، نظرًا إلى تجاوز الأسعار القدرة الشرائية لمعظم شرائح المجتمع، الأمر الذي صب في مصلحة قطاع التأجير على حساب الشراء والبيع، على أمل كبير بعودة الأسعار إلى وضعها الطبيعي.
إلى ذلك، أوضح عبد الله البواردي، الذي يدير عددًا من الاستثمارات العقارية، أن الشقة الجديدة التي تقع في الدور الأرضي هي الأكثر طلبًا والأعلى سعرًا، إذا ما قورنت بمثيلاتها، وتقل نسبة الفائدة كلما ارتفعت الأدوار إلى الأعلى، كما أن المصعد الكهربائي يعد ميزة تحقق ربحًا إضافيًا، في حين أن الشقق متوسطة العمر تأتي في المرتبة الثانية من حيث زيادة الأسعار، تليها القديمة التي لا يحرص الناس على استئجارها.
وأضاف أن هناك تخبطًا واضحًا عند تحديد قيمة الإيجار، إذ إن معظم أصحاب المنشآت يقعون في حيرة عند وضع سعر التأجير لغياب مفهوم الجدوى الاقتصادي، بدليل أن معظم ملاك المنشآت يغيرون أسعار التأجير من عام لآخر، ويتجهون إلى رفع الأسعار دون مبرر واضح.
وتعتمد شريحة كبيرة من السكان على استئجار البيوت، في ظل ارتفاع أسعار التملك، ما يعني أن مشكلة عدم تقييد الأسعار تضر بشريحة كبيرة منهم، خصوصًا أن البعض يعاني من زيادة الأسعار كل عام نتيجة غياب نظام يمنع المؤجر من ذلك، وهو الأمر الذي أوجد ارتفاعات متتالية انعكست بشكل مباشر عل ارتفاع المعيشة في السعودية، وتصدر قطاع تأجير المنازل القائمة الحكومية التي أعلن عنها مؤخرًا لأعلى مصادر التضخم.
وأكد محمد العليان، الذي يمتلك شركة العليان للاستشارات العقارية، انخفاض قيمة عروض الإيجار بضغط من حركة المؤشر العقاري والإصلاحات الاقتصادية. وتابع: «رغم تصدر الإيجار الحركة العقارية فإن ذلك لم يؤثر على زيادة القيمة»، لافتًا إلى أن نسبة الانخفاض تختلف باختلاف المنطقة والمكان، خصوصًا عروض السماسرة الذين يتسابقون في تقديم العروض العقارية لاقتناص الأرباح في ظل الاعتماد الكبير على ذلك نتيجة ضعف حركة البيع والشراء.
وتوقع أن تقود حركة التأجير في السعودية القطاع كاملاً خلال العام الحالي، وهو ما تشير إليه حركة السوق التي تنتشر فيها عروض التأجير بشكل ملحوظ، في محاولة للالتفاف على نقص الحركة التي تطغى على السوق، ما حدا ببعض الملاك إلى تحويل استثماراتهم نحو بوصلة التأجير عوضًا عن بيعها لتفادي توقفها.
يذكر أن الحكومة السعودية أقرت قرارات كثيرة من شأنها التأثير بشكل مباشر على أسعار السوق العقارية، آخرها نظام رسوم الأراضي البيضاء الذي جعل القطاع في حالة تأهب لما سيحدثه على أرض الواقع، خصوصًا أن أكثر من نصف المواطنين يعيشون في منازل مستأجرة.



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»