نزاع «البوركيني» في فرنسا

قرار المنع أحدث انشقاقا داخل صفوف الحكومة بين مؤيد ومعارض ومتحفظ

فرنسية ترتدي لباس البحر (البوركيني) على شاطئ مدينة نيس الفرنسية في 26 أغسطس 2016 (غيتي)
فرنسية ترتدي لباس البحر (البوركيني) على شاطئ مدينة نيس الفرنسية في 26 أغسطس 2016 (غيتي)
TT

نزاع «البوركيني» في فرنسا

فرنسية ترتدي لباس البحر (البوركيني) على شاطئ مدينة نيس الفرنسية في 26 أغسطس 2016 (غيتي)
فرنسية ترتدي لباس البحر (البوركيني) على شاطئ مدينة نيس الفرنسية في 26 أغسطس 2016 (غيتي)

ككل صيف، تفرغ مدن الداخل الفرنسية من سكانها خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وتمتلئ المدن الساحلية بروادها أكانت تلك المطلة على المتوسط جنوب البلاد أم التي تتنشق هواء المحيط الأطلسي غربًا وشمالاً.
لكن صيف العام المنصرم كان مختلفًا ليس بحرارته التي لم تشذ عن المعدل العام بل بأجوائه الاجتماعية والسياسية الساخنة. فأول الشهرين شهد في منتصفه مقتلة مدينة نيس اللازوردية التي حولت احتفالات العيد الوطني إلى مناحة كبرى حين حصدت يد الإرهاب العشرات وجرحت المئات. ومجددًا، اجتاح مصطلح «الإرهاب الإسلامي» مع ما يحمله من صور نمطية تنمو في أجواء مشابهة حول الفراق بين الإسلام والقيم الغربية من حرية وديمقراطية وحداثة الطبقة السياسية والوسائل الإعلامية، وعادت الأجواء لتصبح خانقة كما في خريف عام 2015 بعد ما عرفته باريس من أعمال إرهابية واسعة النطاق.
في ظل هذه الأجواء، برز مصطلح جديد في اللغة الفرنسية هو كلمة «البوركيني» التي هي حصيلة دمج اسمين: «البرقع» من جهة و«البيكيني» - وهو لباس السباحة النسائي الخفيف - من جهة أخرى. وسارع المعلقون إلى وصفه بـ«لباس البحر الإسلامي» للمرأة لأنه يغطي كامل جسمها من أخمص القدمين وحتى أعلى الرأس ولا يترك سوى وجهها مكشوفًا.

من أستراليا إلى فرنسا
والحقيقة أن «البوركيني» ليس اختراعًا فرنسيًا، بل جاء إلى نساء هذه البلاد من أستراليا، وصاحبته مهاجرة لبنانية اسمها عاهدة زيناتي تقصدت قبل 12 سنة أن توفر للمرأة المسلمة فرصة الاستفادة من البحر والمسابح، مع مراعاة بعض العادات ومنها عدم التعري الجزئي في الأماكن العامة.
أما الأمر الآخر، فهو أن «البوركيني» لم يقم بغزو الشواطئ الفرنسية دفعة واحدة. ذلك أن أول «ظهور» له في المسابح العامة يعود لعام 2009. وفي عام 2011 بدأ اللغط يدور حوله محليًا إلا أنه قوي في ألمانيا وبلجيكا في عامي 2014 و2015 لينفجر الجدل في فرنسا الصيف الفائت على نطاق واسع ولأشهر طويلة، بحيث أن المراقب أخذ يعتبر أن «البوركيني» تحول إلى أولوية الأولويات للمواطن الفرنسي وشغله الشاغل.
لا يذهبن أحد للاعتقاد أن نساء «البوركيني» احتللن مئات الشواطئ الفرنسية وطردن جميلات البحر لابسات «البيكيني». ذلك أن جل ما «خدش» أنظار المستحمين والمستجمين «بضع» عشرات من النساء اللواتي اخترن «البوركيني» كحل وسط للتمتع بمياه البحر وشطآنه وشمسه. لكن رغم ذلك، استثار «البوركيني» ردة فعل عنيفة لأنه جاء في الوقت «الخطأ» وفي ظل أجواء معادية لكل ما يرمز للتشدد الإسلامي. فاليمين المتطرف اعتبره «غزوًا» إسلاميًا يكمل ما بدأ سابقًا مع الحجاب والنقاب والبرقع. وآخرون رأوا فيه رفضًا للقيم الفرنسية وأسلوب العيش. ومنهم من ذهب إلى اعتباره إذلالاً للمرأة التي عليها أن تلبس «البوركيني» لإخفاء جسدها، بينما الرجل يصول ويجول على الشاطئ من غير رقيب أو حسيب.

قرارات بلدية
إزاء هذه الظاهرة «الدخيلة»، كانت ردة الفعل الفرنسية بداية مع انطلاق قرارات إدارية من رؤساء مجموعة صغيرة من بلديات الشاطئ المتوسطي الفرنسي أولها بلدية منتجع فيلنوف لوبيه المتوسطية. وفي نص القرار البلدية المذكورة جاء أنه يمنع كل لباس «يدل على انتماء ديني مغالى فيه» من غير ذكر «البوركيني». لكن الغرض المقصود كان واضحًا. بالمقابل، بررت بلديات أخرى بأسباب «صحية» أو أمنية يفرضها تكاثر العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا. وفي أي حال، فإن المزاج الفرنسي العام جاء رافضًا لتكاثر ظاهرة «البوركيني» التي رأى فيها افتئاتًا على عادات المجتمع الفرنسي. وتطور الجدل بعدما دخل السياسيون ومنهم على سبيل المثال رئيس الجمهورية السابق نيكولا ساركوزي على الخط عبر تأييدهم لقرارات البلديات. ولم يقتصر ذلك على اليمين، بل إن رئيس الحكومة اليساري الاشتراكي عبر عن تأييده لهذه القرارات، مما أحدث انشقاقا داخل صفوف الحكومة بين مؤيد ومعارض ومتحفظ. وكانت النتيجة أن عددًا من البلديات تخلى عن تردده وعمد إلى اقتفاء أثر «السباقين» مانعًا بدوره ارتداء «البوركيني» على شواطئه ومنها بلديات لمدن شهيرة مثل مدينة «كان» التي تستضيف سنويا في شهر مايو (أيار) مهرجان السينما الدولي ومدينة «نيس» لؤلؤة الشاطئ اللازوردي وتضاف إليها عشرات المدن المتوسطية وأخرى واقعة على الشاطئ الأطلسي.
كان مقدرًا لقرارات المنع أن تتوسع ككرة الثلج المتدحرجة وأن تتسبب بحرب «البوركيني» و«البكيني»، خصوصا بعد أن أخذت الشرطة البلدية في تطبيق قرارات المنع عبر الطلب من السيدات اللائي يرتدين «البوركيني»، إما خلعه أو مغادرة الشاطئ. لكن ما أثار سخط جمهور واسع في فرنسا وخارجها منظر أربعة من رجال الشرطة يحيطون بسيدة مستلقية على الشاطئ بلباس «البوركيني» كأنها ارتكبت جرمًا كبيرًا أو أنها إرهابية خطيرة وهم يحررون بحقها محضر مخالفة. ولقد كان لهذه الحادثة التي استفزت مشاعر كثيرين في فرنسا وخارجها، على الأرجح، تأثير كبير على محكمة «مجلس الدولة» التي استجابت لدعوة تقدمت بها جمعيات مناهضة للتمييز العنصري ومدافعة عن الإسلام والمسلمين وحقوق الإنسان. وقد عمدت المحكمة إلى إلغاء قرار المنع الصادر عن بلدية فيلنوف لوبيه، مما اعتبر سابقة قانونية يحتذى بها في أماكن أخرى. واستغلت الجمعيات المشار إليها حكم مجلس الدولة لتقديم دعاوى ضد بلديات أخرى. وشيئًا فشيئًا، خمد الجدل ومع انتهاء الفرصة الصيفية تلاشى نهائيًا.
ما كانت حرب «البوركيني» لتندلع لولا وجود عاملين: الأول، الإرهاب، والثاني اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والتشريعية وسعي كثير من السياسيين إلى استغلال الشعور المتزايد المعادي للمسلمين في الدعاية السياسية واجتذاب الناخبين. وإن هدأت هذه الحرب اليوم فلا شيء يضمن عدم اشتعالها مجددًا الصيف القادم.



إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.