استأنف التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب استهدافه قيادات متشددة في الشمال السوري، عبر ضربات مركزة بطائرات مسيّرة (درون)، أسفرت أمس عن مقتل 5 قيادات من تنظيمي «فتح الشام» (النصرة سابقًا) و«الحزب الإسلامي التركستاني»، في إدلب.
ويشير استهداف القياديين في «فتح الشام» وقيادي في «الحزب الإسلامي التركستاني» لأول مرة في سوريا، إلى رخاوة القبضة الأمنية حول تلك التنظيمات، ووجود محاولة حثيثة لتفكيك تلك التنظيمات عبر اغتيال قادتها، في وقت يعتبر من الصعب فصل المتشددين عن المعتدلين في الشمال السوري.
وقال مصدر بارز في المعارضة السورية مطلع على حركة الجماعات المتشددة لـ«الشرق الأوسط»، إن الاغتيال الأخير «غير بعيد عن الاتفاق الروسي - التركي لاستهداف المتشددين»، متوقعًا «أن تتصاعد العمليات ضد فتح الشام وحلفائها»، موضحًا أن لتركيا «مصلحة كبيرة في تفكيك تنظيم القاعدة تمهيدًا لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار»، في ظل «عزلة النصرة، وفقدانها سبل حماية نفسها في مناطق حصرية لها، وعجزها عن ضرب المعتدلين في الشمال السوري».
وقضى قياديان اثنان على الأقل جراء استهدافهما على الطريق الواصل بين منطقة سرمدا وباب الهوى في ريف إدلب الشمالي، بحسب ما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، مشيرًا إلى مقتل قيادي في الحزب الإسلامي التركستاني يعد من القياديين «المتطرفين» العشرة الأوائل في سوريا وأحد القادة الأربعة الأبرز في «الحزب الإسلامي التركستاني»، إضافة إلى مقتل قيادي في تنظيم القاعدة، في ضربات استهدفت سيارة كانا يستقلانها. كما أشار المرصد إلى مقتل 3 عناصر من جبهة فتح الشام، جراء ضربات جوية استهدفت سيارتهم على الطريق الواصل بين سرمدا وحزانو بالريف الشمالي لإدلب، حيث أسفر القصف عن تفحم الجثث وتدمير السيارة.
وقال مدير «المرصد السوري» رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، إن الترجيحات «تشير إلى مقتلهم بطائرات تابعة للتحالف الدولي»، لافتًا إلى أن القيادي القتيل في تنظيم «التركستاني» وهو أبو عمر التركستاني، و«يعتبر بمقام زعيم النصرة أبو محمد الجولاني»، مؤكدًا أن التنظيمات المتشددة في الشمال «باتت مخترقة على نطاق واسع في محافظة إدلب من قبل بعض الفصائل المتضررة من المتطرفين، والتي تريد أن تكون معتدلة».
تفكيك التنظيمات المتشددة وعزلها العمليتان الأخيرتان، هما الأحدث في سلسلة الملاحقة التي يتعرض لها المتشددون. وتشير وقائع ملاحقة المتشددين المرتبطين بجناح «القاعدة» المعولم، الذي يطمح لتنفيذ أهداف في دول عالمية، إلى أن الولايات المتحدة تكفلت بهذا الدور في العالم، وفي سوريا أيضًا. ويقول الخبير في حركة الجماعات المتشددة د. حسن أبو هنية لـ«الشرق الأوسط»، إن الطائرات المسيرة (درون) أدخلتها الولايات المتحدة في الخدمة لملاحقة المتشددين في 2008 أواخر ولاية الرئيس الأسبق جورج بوش الابن. واستكمل الرئيس الأميركي باراك أوباما هذه الاستراتيجية التي «حققت نجاحات باهرة في باكستان وأفغانستان»، مشيرًا إلى أن عمليات الاغتيال تلك «فككت جماعات القاعدة بعد استهداف قاداتها في البلدين، كذلك في اليمن». ويرى أن هذه الاستراتيجية «تنجح في ملاحقة بعض الحركات التي تعاني ضغطًا وتفككًا، لكنها لا تثمر في حالات التنظيمات القوية مثل تنظيم داعش الذي لم يؤثر اغتيال نحو 50 من قادته على هيكل التنظيم».
وفي حالة «جبهة النصرة»، يقول أبو هنية إن الضربات الجوية الأميركية «كانت فاعلة في تفكيك مجموعة خراسان حيث استهدفت قائد المجموعة الفضلي، واستمرت وصولا إلى اغتيال أبو الأفغان وغيره، لكنه يشير إلى أنه «لا يمكن الاعتماد عليها كاستراتيجية وحيدة من غير أن تترافق مع عمليات ميدانية، بالنظر إلى أنها جزء من الاستراتيجية ولها تأثير فاعل على المجموعات الصغيرة».
ويصف أبو هنية الملاحقة عبر طائرات مسيرة، بأنها «جزء من عملية قطع رؤوس التنظيمات المتطرفة»، وبالتالي، «يتم اختيار الأهداف وفق قائمة بالقياديين المعروفين وشخصيات محددة يتم اختيارها وتعتمد على المعلومة الأساسية على الأرض». ويوضح أنه في سوريا، «قضت تلك العمليات على المجموعات المعولمة، من خراسان إلى الشخصيات ذات التوجهات العالمية». وبذلك، «تنجح الاستراتيجية عبر محاولة دفع التنظيمات للتشكيك ببعضها، أو فرز نفسها عن المجموعات الأخرى»، واصفًا العمليات بأنها «قتل مستهدف وليس عشوائيًا، من شأنه أن يخلق ديناميكية لفرز المعتدلين عن المتشددين، فضلاً عن ديناميكية تفكيك المجموعات المتشددة».
وتعتبر عملية فرز المتشددين عن المعتدلين، من المعضلات الأساسية في مكافحة «النصرة» والتنظيمات المرتبطة بتنظيم القاعدة في الشمال السوري. ويبدو أن عملية الملاحقة لـ«رؤوس تلك التنظيمات» تنصب في جهود «تفكيك التنظيمات المتشددة وفرزها». وتؤكد الواقعة الأخيرة هذه الاستراتيجية، بالنظر إلى أن أبو عمر التركستاني «كان المرشح لتسلم مجلس الشورى في الشمال السوري في حال اندماج الفصائل المتشددة»، كما قال مصدر عسكري معارض في الشمال لـ«الشرق الأوسط»، مشيرًا إلى أنه «يعتبر من المعادين لأنقرة، ويوازي بالأهمية القائد العسكري للحزب التركستاني المعروف باسم الشيخ حسن أبو محمد التركستاني».
وساهمت تلك العمليات في محاولات عزل المتشددين عن المعتدلين ومنع الاختلاط. وتشير المصادر إلى «إجراءات أمنية تتخذها تلك المجموعات في هذا الوقت»، أهمها «تبديل مقرات الإقامة، واللوذ في مربعات أمنية خاصة يمنع دخولها على المدنيين، واختيار العناصر الأجنبية لتنفيذ مهام المرافقة والحراسة، ومنع قادة الصف الأول من الظهور، أو التواصل مع الناس».
ملاحقة المتشددين عبر «درون» ومقتل أحد العشرة الأخطر في الشمال السوري
أبو هنية: دور أميركي... وجزء من تفكيك التنظيمات المتطرفة
ملاحقة المتشددين عبر «درون» ومقتل أحد العشرة الأخطر في الشمال السوري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة