هوليوود ليبرالية ضد السلاح... وأفلامها جمهورية تروّج له

366 فيلمًا تعرض أسلحة بأيدي رجال ونساء يجيدون القتال

كلينت إيستوود يدافع عن الجيران في «غران تورينو» - آل باتشينو ضد الجميع في «الوجه المشوّه» - روبرت دينيرو في «تاكسي درايفر»
كلينت إيستوود يدافع عن الجيران في «غران تورينو» - آل باتشينو ضد الجميع في «الوجه المشوّه» - روبرت دينيرو في «تاكسي درايفر»
TT

هوليوود ليبرالية ضد السلاح... وأفلامها جمهورية تروّج له

كلينت إيستوود يدافع عن الجيران في «غران تورينو» - آل باتشينو ضد الجميع في «الوجه المشوّه» - روبرت دينيرو في «تاكسي درايفر»
كلينت إيستوود يدافع عن الجيران في «غران تورينو» - آل باتشينو ضد الجميع في «الوجه المشوّه» - روبرت دينيرو في «تاكسي درايفر»

من بين أكثر من 440 فيلمًا تم عرضها في الصالات الأميركية خلال العام الماضي، هناك 366 فيلمًا تحتوي مشاهدها على عرض سلاح ناري بأيدي رجال ونساء يجيدون القتال. أما باقي الأفلام فهي كوميدية ورسوم متحركة ودراميات عاطفية - بالطبع - موسيقية مثل «لا لا لاند».
وكان يمكن إضافة الأفلام الفانتازية التي تقع في عوالم موازية أو في أزمنة غابرة لولا أن السيوف فيها تقوم بمهام الأسلحة النارية بدورها، وهو الحال أيضًا بالنسبة إلى فيلم حديث سيعرض في الشهر المقبل عنوانه «الجدار العظيم» (الفيلم الصيني زانغ ييمو الأميركي الأول)، حيث يقوم مات دامون بإطلاق السهام واستخدام السيوف خلال أحداث تقع في زمن بعيد مضى.
ومن المثير أن يكون المخرج الياباني الراحل أول من ضمّن في أفلام الساموراي ملاحظاته حول خطر الأسلحة النارية. إشارة لم تثر انتباه الكثير ممن كتب عن أعماله حتى الآن. في «الساموراي السبعة» (1954)، و«ظل المحارب» (1980)، و«ران» (1985) مشاهد حول كيف تقضي رصاصات البنادق على الفروسية والبطولة التقليديتين. أبطال يواجهون أعداءهم بالسيوف، لكن الأعداء متمكنون من بنادق تجعلهم آمنين وقادرين على قتل الفرسان من بعيد، وعلى نحو غير بعيد أيضًا، مما ورد في فيلم ستيفن سبيلبرغ المعروف «غزاة تابوت العهد المفقود» (1981).
شعور بالذنب
فيلم «مس سلون» لجون مادن، الذي يعرض حاليًا في أكثر من مكان، يتقصّد الحديث عن موضوع بيع السلاح الناري الذي شهد - منذ عقود - سجالات حامية بين مؤيدي السماح لأي كان اقتناء السلاح، وذلك تبعًا لمادة واضحة نص عليها الدستور الأميركي، وبين معارضين يدعون لتغيير هذه المادة أو استبدالها، مشيرين إلى تزايد أحداث العنف في الولايات المتحدة، وعلاقة ذلك بانتشار السلاح الفردي من كل أنواعه الصغيرة منها والكبيرة.
في الغالب أن «مس سلون» (الذي يخلو من مشهد إطلاق نار) سوف لن يحدث أي تغيير لصالح القضية التي يتبناها (مناهضة الوضع الحالي). وهذا مصير أفلام أخرى تداولت الموضوع سابقًا أبرزها فيلم مايكل مور «بولينغ لأجل كولومباين» (2002) الذي بنى حجّته القوية على الحادث الإرهابي الذي وقع في بلدة كولومباين بولاية كولورادو، ربيع سنة 1999، عندما اقتحم شابان أميركيان تدربا في معسكرات يمينية كلية البلدة، وأطلقا النار عشوائيًا، فقتلا 13 شخصًا، وجرحا 21 شخصًا آخرين معظمهم من الطلاب.
فيلم مور، الذي نال أوسكار أفضل فيلم تسجيلي في السنة التالية لإنتاجه - علاوة عن نحو 40 جائزة أخرى أغلبها من مؤسسات نقدية -، لم يغيّر الوضع مطلقًا. أثار الكثير من الإعجاب، وفتح نقاشات في الصحف، لكن دوره انتهى عند هذا الحد.
الانتشار الحالي للأفلام التي تظهر أبطالاً وأشرارًا يتقاتلون بالأسلحة النارية ليس جديدًا في صلبه، لكن الجديد فيه هو استمراره رغم خطورة الأوضاع الأمنية السائدة في كل مكان.
من بعد الهجوم الإرهابي على نيويورك سنة 2001 توخّت مؤسسات اجتماعية وتربوية من هوليوود أن تخفف من نارها قليلاً وتفرض حدًا للعنف الذي تحمله أفلامها المختلفة. وفي الحقيقة ساد العامين التاليين شعور بالذنب لدى بعض المنتجين؛ دفعهم لتخفيف مشاهد القتل والعنف في أفلامهم. لكنها كانت صيحة محدودة التأثير بدورها، ولم تتوقف حتى خلال تلك الفترة.
على العكس، دفع موضوع الإرهاب والأمن القومي هوليوود لإنتاج المزيد من الأفلام التي تدور حول هذا الموضوع لكن ليس من زاوية بحثه ونقاشه، بل من زاوية الاستفادة منه وتوظيفه في أفلام مسدسات وقتال أكثر.
حسب مجلة «ذا إيكونيميست» فإن عدد أفلام الأكشن تضاعف ثلاث مرّات في غضون السنوات الخمس والعشرين الأخيرة عما كان عليه قبلها. وفي مقال نشرته مجلة «ذا هوليوود ريبورتر» قبل أيام لاحظت أن الأفلام الرائجة التي تم فيها استخدام الأسلحة النارية ما بين 2010 و2015 كانت أعلى بنسبة 51 في المائة عما كانت عليه قبل ذلك التاريخ.
وكانت مؤسسة «غالوب» المعروفة أجرت إحصاء قبل نحو عشر سنوات حول السبب الذي من أجله يهيم الأميركيون حبًا بالأسلحة يقوده الخوف من الآخر الذي يدفع المواطنين إلى استحواذ السلاح من باب الدفاع عن النفس. ولا تساعد الأحوال الأمنية في المدن الكبيرة (أو حتى الأصغر منها) في إقناع الكثيرين بالإقلاع عن هذا المبدأ وهم يشعرون بأنهم محاطون، أكثر من أي وقت مضى بالمخاطر.
ضمن هذا الوضع، فإن آخر ما نشر من استطلاعات يُشير إلى أن عدد الجرائم المرتكبة في مدينة لوس أنجليس وحدها ارتفع إلى 5398 حادث سرقة مسلحة (بزيادة نحو 16 في المائة عن العام الأسبق)، و8215 حادث هجوم مسلح (بزيادة 19 في المائة عن العام الأسبق). وحسب «ذا لوس أنجليس تايمز» فإن شرطة المدينة جمعت أكثر من 300 قطعة سلاح في الأشهر الأخيرة من العام الماضي في غاراتها، ومن خلال حملاتها الأمنية.
رومانسية
هوليوود معنية بكل هذا على نحو كبير. إذا ما كان هناك 366 فيلمًا يصوّر مشاهد قتل بالأسلحة النارية فإن هناك 366 حالة ماثلة على الشاشات متوفرة في خدمة أولئك الذين يشعرون بأن السلاح قوّة لا غنى عنها. ليس أن كل من يخرج من أحد هذه الأفلام يتوقف عند أقرب دكان بيع سلاح ليتزوّد بمسدس «سميث آند واسون» أو بـ«ماغنوم» أو رشاش «أوزي»، لكن هذه الأفلام تترك من الإثارة في النفوس ما يجعل البعض يحب اقتناء سلاح مماثل لما شاهده بيد بروس ويليس، أو كيانو ريفز، أو نيكولاس كايج أو سواهم.
أحد المدافعين عن حقوق حمل السلاح يكشف في حديث له عن أن هوليوود، ذات الغالبية الليبرالية، هي «أفضل دعاية لترويج حمل السلاح في العالم». لكن الخطأ هو من يعتقد أن هذا الترويج حديث الشأن، أو أنه ينتمي فقط لفترة ما بعد المتغيرات الأمنية التي شملت الولايات المتحدة في السنوات العشرين الماضية.
المسدس في يد البطل أمر شبه محتم في السينما الأميركية. إنه الفرد الذي قد ينتمي إلى السُلطة الرسمية أو قد يعمل بمحاذاتها، أو - في حالات أخرى - هو الشرير الذي يقرر العمل لصالح القانون، إما تكفيرًا عن ذنوبه أو طمعًا في عفو موعود به. وفي حالات كثيرة الشرير هو البطل، وصولاً إلى لحظة نهايته على الشاشة، ومن دون أن يرتبط بمصالحة القانون أو تغيير منهجه في الحياة.
وعبر تاريخ طويل، هناك رومانسية قوية تربط المسدس والبطل تزين معالم صورة ذهنية لا تقاوم. آل باتشينو في «الوجه المشوّه» (Scarface)، إخراج برايان دي بالما (1983) رئيس عصابة مخدرات لاتينية بالغ العنف، وقاتل لا يتردد في مواجهة أعدائه من العصابات الأخرى أو من رجال القانون. المشهد المحتفى به في ذلك الفيلم لـ«آل باتشينو» وهو يرفع رشاشه لإبادة رجال البوليس دخل التاريخ في هذا المصنّف من مشاهد العنف.
وفي «العراب» (1972) كنا شاهدناه وهو أقل إخوته ميلاً للاحتذاء بحياتهم المرتبطة بالمافيا، وأبعدهم عن الاشتراك في العنف المحيط، لكنه يقرر أن السلاح هو الحل انتقامًا لمن حاول قتل والده، ومشهد المطعم الشهير عندما يوجه مسدسًا كان تم ترتيب تسليمه إليه صوب رجل العصابة آل ليتييري ورجل القانون الفاسد سترلينغ هايدن، هو التحوّل الرمزي من الطيبة والسذاجة إلى الرجولة والقوة.
وكان روبرت دي نيرو قد أمّ هذا التحول في الفترة ذاتها عندما لعب بطولة «تاكسي درايفر» لمارتن سكورسيزي (1967)، فهو سائق تاكسي يرقب ويرصد ويتحوّل بعد ذلك من مراقب لأحوال البيئة الأخلاقية إلى قاضٍ وجلاد. يحلق رأسه على طريقة الموهوك ويقتني سلاحًا وينطلق لتصحيح أوضاع المدينة الفاسدة. في ذلك دعوة لطرح حل للمواجهة يشبه، نوعًا، ما أقدم عليه لاحقًا مايكل دوغلاس في «سقوط» لجووَل شوماكر (1993)، فهذا بدوره لم يعد يطيق فوضى المدينة فيتسلح ويأخذ بقتل الناس.
في الوقت الذي يدرك فيه معظم المشاهدين أن هذا الفعل هو إرهاب فعلي، فإن البعض قد يستثمره كلجوء إليه كحل وحيد لإصلاح الحال. هذا يشبه ما أقدم عليه كلينت إيستوود في «غران تورينو» (2009) فقد وجد أنه بات محاطًا في حيّه بأفواج المهاجرين وذوي الأصول المكسيكية والآسيوية والملونين. وفي حين يتبنى مساعدة عائلة كورية انتقلت للسكن بجانبه - وذلك بعد امتعاض من جانبه - يقرر أن الوقت آن لتنظيف الحي من آخرين يهددون تلك العائلة المسالمة.
هذا التناقض المقصود به مراجعة مسائل صميمية تبدّت مرّة ثانية في فيلمه «قناص أميركي» (2014) عن هوس ذلك الجندي الأميركي (برادلي كوبر في الدور) بالقتل مستخدمًا بندقية قنص فتفتك بعشرات العراقيين. لكن المخرج إيستوود لم يشأ تقديم هذه الحالة كبطولة، بل حرص في البداية على تصوير ولع الأميركي بالسلاح منذ الصغر، وختم في النهاية بمشهد تأبين بطله الذي مات بالرصاص كما عاش بالرصاص.
إيستوود قبل ذلك لم يكن واردًا خلال تحليل أساليب العنف عندما قاد بطولات سلسلة «ديرتي هاري». في أولها، سنة 1971 (إخراج دون سيغال) نراه سعيدًا باللجوء - كرجل قانون - إلى مسدسه الماغنوم سائلاً ضحاياه Do you feel lucky‪,‬ punk‪?‬. مرتان ألقى السؤال. في مطلع الفيلم وكان الجواب نفيًا فعفا إيستوود عن قتل ضحيته، وفي النهاية حين تراءى جواب المجرم بالإيجاب أطلق عليه إيستوود رصاصة الرحمة.
العبارة الواردة ربطت بقوّة ما بين الإثارة الناتجة عن القتل، وتلك الموسيقى الطريفة التي تصاحبه على شكل كلمات لا تُنسى. المستفيد هو المسدس الذي قتل به؛ إذ كان خير دعاية لفترة طويلة. والأمثلة لا تنتهي. لا تلك التي ستملأ كتابًا إذا ما حاولنا استعراضها عبر حقب التاريخ، ومنذ أن شاهدنا، سنة 1903 لإدوين أس. بورتر.
في نهاية ذلك الفيلم المبكر حول استخدام العنف، يوجه الشريف (ممثل اسمه A‪.‬C‪.‬ Abadie) مسدسه إلى الكاميرا مباشرة ويطلق النار على المشاهدين.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».