2016 عام بدأ فيه عباس ترتيب بيته... لكنه لم يحقق الأهم بعد

الرئيس الفلسطيني محمود عباس لدى حضوره قداس ليلة عيد الميلاد بكنيسة سانت كاترين ببيت لحم في ديسمبر الماضي (إ.ب.أ) - انصار حركة فتح يحيّون الرئيس الفلسطيني محمود عباس في ثان يوم للمؤتمر العام للحركة في رام الله نوفمبر الماضي (غيتي) - مؤيدون للقيادي في فتح محمد دحلان يرفعون رايات ولافتات في غزة خلال مظاهرة احتجاجية ضد الرئيس الفلسطيني في ديسمبر الماضي (غيتي)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس لدى حضوره قداس ليلة عيد الميلاد بكنيسة سانت كاترين ببيت لحم في ديسمبر الماضي (إ.ب.أ) - انصار حركة فتح يحيّون الرئيس الفلسطيني محمود عباس في ثان يوم للمؤتمر العام للحركة في رام الله نوفمبر الماضي (غيتي) - مؤيدون للقيادي في فتح محمد دحلان يرفعون رايات ولافتات في غزة خلال مظاهرة احتجاجية ضد الرئيس الفلسطيني في ديسمبر الماضي (غيتي)
TT

2016 عام بدأ فيه عباس ترتيب بيته... لكنه لم يحقق الأهم بعد

الرئيس الفلسطيني محمود عباس لدى حضوره قداس ليلة عيد الميلاد بكنيسة سانت كاترين ببيت لحم في ديسمبر الماضي (إ.ب.أ) - انصار حركة فتح يحيّون الرئيس الفلسطيني محمود عباس في ثان يوم للمؤتمر العام للحركة في رام الله نوفمبر الماضي (غيتي) - مؤيدون للقيادي في فتح محمد دحلان يرفعون رايات ولافتات في غزة خلال مظاهرة احتجاجية ضد الرئيس الفلسطيني في ديسمبر الماضي (غيتي)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس لدى حضوره قداس ليلة عيد الميلاد بكنيسة سانت كاترين ببيت لحم في ديسمبر الماضي (إ.ب.أ) - انصار حركة فتح يحيّون الرئيس الفلسطيني محمود عباس في ثان يوم للمؤتمر العام للحركة في رام الله نوفمبر الماضي (غيتي) - مؤيدون للقيادي في فتح محمد دحلان يرفعون رايات ولافتات في غزة خلال مظاهرة احتجاجية ضد الرئيس الفلسطيني في ديسمبر الماضي (غيتي)

بعد 23 سنة على توقيع «اتفاق أوسلو» الذي كان يفترض أن يأتي بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، يمضي عام آخر من دون أن تأتي هذه الدولة التي تشظت منذ 10 أعوام إلى دولتين، واحدة في الضفة والثانية في غزة. الأولى مقطعة إلى «كانتونات» في حضن إسرائيل، والثانية تحاصرها إسرائيل برًا وبحرًا وجوًا وتحكمها سلطة ثالثة.
لقد أملت السلطة الفلسطينية في 2016 بخطوة صغيرة على الأقل تقرب الفلسطينيين من هذه الدولة، ودعمت بكل ما أوتيت مؤتمر سلام دوليًا كان يفترض أن يقام في باريس، لكنه لم يتحقق من ضمن أشياء أخرى، الدولة مثلا، والعضوية الكاملة في مجلس الأمن، ووقف الاستيطان، والمصالحة كذلك بين حركتي فتح وحماس.
أما الخطوة الأبرز التي أخذتها السلطة ويمكن الإشارة لها، فهي البدء بترتيب البيت الداخلي، بما يضمن انتقالاً سلسًا من حقبة إلى حقبة أخرى إذا ما غادر الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي ناهز 82 سنة منصبه لأي سبب كان.
* ترتيب البيت
قبل شهر واحد على انتهاء العام أبصرت لجنة مركزية جديدة لحركة فتح النور إيذانًا ببدء مرحلة جديدة، من شأنها أن ترسم ملامح شخصية الرئيس القادم، وتسمح بانتقال سلس للسلطة، إذا ما عرفنا أن الانتخابات الفتحاوية التي جاءت بلجنة مركزية جديدة، سبقت انتخابات أخرى مرتقبة في منظمة التحرير الفلسطينية، قد تجرى بداية 2017، من أجل ترسيم لجنة تنفيذية جديدة.
ووفق منطق «فتحاوي» خالص، فإن أي رئيس قادم، بالضرورة يجب أن يكون عضوًا في لجنة مركزية فتح، وعضوًا في تنفيذية منظمة التحرير.
ويريد عباس الذي يسعى إلى تعزيز قبضته على السلطة وفتح، تعيين نائب له لتفويت أي فرصة على أعدائه، داخل حركة فتح - وأبرزهم القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان -، وكذلك خصومه السياسيين وأبرزهم حركة حماس، الانقضاض على الموقع الأهم في سلطة بلا سلطة.
ولقد استشعر عباس الخطر الداهم بعد تدخلات إقليمية من أجل مصالحة مع «العدو اللدود» دحلان، وهي التدخلات التي رفضها عباس، ورد عليها بعقد مؤتمر فتح الذي أخرج دحلان وأنصاره كذلك خارج فتح إلى الأبد، أو على الأقل على المدى المنظور والمتوسط. ويمكن القول إن عباس أخذ الخطوة الأولى فقط في طريق ترتيب البيت، وهو ما أطلق عليه بنفسه «الجهاد الأصغر» بعد انتخاب قيادة جديدة في فتح، بانتظار انتخاب نائب لعباس في فتح، ومن ثم إجراء انتخابات في منظمة التحرير واختيار نائب له في السلطة.
ويرى مراقبون أن اختيار نائب الرئيس داخل حركة فتح، وأمين سر منظمة التحرير سيحدد إلى حد بعيد الاسم المقترح الذي يؤمن به عباس لخلافته. وتبدو هذه معركة أخرى داخلية في ظل وجود أسماء قوية متنافسة، من بينها عضو مركزية فتح المعتقل في السجون الإسرائيلية مروان البرغوثي، ومسؤول المخابرات الفلسطيني ماجد فرج، وعضو اللجنة المركزية لفتح جبريل الرجوب، وأمين سر منظمة التحرير الدكتور صائب عريقات، إضافة إلى آخرين.
* البرغوثي في الصدارة
«الفتحاويون» صوتوا في هذا المؤتمر للأسير البرغوثي على رأس منتخبي اللجنة المركزية الجديدة، بعدما حصل على 930 صوتًا من أصل نحو 1100 صوت، في استفتاء على الحضور الذي يحظى به البرغوثي داخل حركة فتح. وتلا البرغوثي في ترؤس قائمة المنتخبين جبريل الرجوب، وهو مؤسس جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية، ورئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم. وحصل الرجوب على 878 صوتًا. والرجوب يعد أحد «صقور» الحركة والأسماء المرشحة بقوة في فتح ليصبح نائبا لعباس. ومن جهة أخرى، عاد إلى المركزية كذلك أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، والمفاوض السابق والاقتصادي محمد إشتية، ومسؤول الشؤون المدنية حسين الشيخ، ومسؤول العضوية جمال محيسن، ومفوض التعبئة والتنظيم محمود العالول، ورئيس جهاز المخابرات السابق توفيق الطيراوي، ومسؤول ملف المصالحة، عزام الأحمد، وناصر القدوة ابن شقيقة عرفات والمندوب السابق في الأمم المتحدة، والمسؤول عن التواصل مع المجتمع الإسرائيلي محمد المدني، ومسؤول العلاقات الدولية عباس زكي.
* الوجوه الجديدة
ودخل إلى المركزية لأول مرة، الوجوه الجديدة، : وزير التربية والتعليم صبري صيدم وهو ابن أبو صبري صيدم عضو المركزية الذي قضى في الستينات، ومستشار عباس العسكري الحاج إسماعيل جبر، والقيادي الفتحاوي المعروف في غزة أحمد حلس، ورئيس المجلس التشريعي السابق روحي فتوح الذي شغل منصب الرئيس المؤقت بعد وفاة عرفات، وسمير الرفاعي المسؤول الكبير في إقليم سوريا، وامرأة واحدة هي دلال سلامة، النائب السابق في المجلس التشريعي من مخيم بلاطة في نابلس، وجميعهم تلقوا الدعم من عباس.
وتفيد النتائج بهذه الطريقة أن إرادة عباس انتصرت حتى داخل فتح وانتصرت كذلك على التدخلات.
وعمليًا قد ينتهي 2016 مع اختيار نائب لعباس في فتح ويبدأ 2017 مع اختيار نائب له في السلطة، وهو أمر بيد المجلسين الوطني والمركزي للمنظمة، ويكون عباس بذلك أوصل سفينة السلطة لنهاية مرحلة وبداية أخر، متجاوزًا عواصف داخلية ومشكلات، لكنه أبدًا لم يتجاوز الأهم، تحقيق مصالحة وإقامة الدولة.
وعلى الرغم من أن عباس وعد الفلسطينيين بالدولة في 2017، وقال بعد اختيار قيادة فتح الجديدة، إن القيادة الفلسطينية ستعمل على «حشد الجهود ليكون عام 2017 عام إنهاء الاحتلال الإسرائيلي»، فإن ذلك قوبل بتشكك كبير عززته وعود سابقة لم تتحقق.
* المؤتمر الدولي والمصالحة
تحدث عباس أيضًا عن أن الاتصالات مستمرة لعقد مؤتمر دولي للسلام بموجب المبادرة الفرنسية لحل القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967. كما تطرق عباس إلى المصالحة مع حماس، قائلا: «الكرة الآن في ملعب حركة حماس» للقبول بالمبادرات العربية الرامية إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني المستمر منذ منتصف عام 2007. وعمليًا حدد عباس بكلمته تلك أولوياته في العام الجديد، دون أن يتضح إذا ما كان سينجح في أي منها.
إذن، الذي تحقق فقط هو البدء في ترتيب البيت الداخلي لكن الأهم وهو إقامة الدولة وتحقيق مصالحة، ظل وعدًا في الهواء.
الذي لم يتحقق... المصالحة الداخلية. مثل سنوات أخرى سابقة اجتمعت وفود فتح وحماس أكثر من مرة، وأعلنوا في كل مرة أنهم اتفقوا أو أنهم قريبون من الاتفاق على حكومة وحدة وطنية تمهد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال شهور، لكن بقي الوضع على ما هو عليه.
واختلف الوفدان في العاصمة القطرية مجددًا على برنامج الحكومة الفلسطينية وعَقْد المجلس التشريعي وموظفي حكومة حماس السابقة. إذ تريد حماس برنامجًا يقر المقاومة بينما تريد فتح برنامج المنظمة الذي يعترف بالاتفاقات. وتريد حماس أن تعرض الحكومة على «التشريعي» بعد أن يستأنف عمله، بينما تريد فتح إقرارها من الرئيس. وتريد حماس توظيفًا فوريًا لموظفيها السابقين في الحكومة الجديدة بينما ترفض فتح وتعرض توظيفًا جزئيًا بحسب الحاجة.
* المؤتمر الدولي للسلام
انتظر الفلسطينيون أن يعقد المؤتمر قبل نهاية العام، وكان ثمة توقع بأن يعرض في النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) بحسب اتفاق فرنسي فلسطيني، لكن أجلت فرنسا المؤتمر مرة أخرى، بسبب عدم رضا الأميركيين عنه ورفض إسرائيل الكامل له.
وعلى الرغم من إعلان إسرائيل المسبق رفض المؤتمر، يقول الفلسطينيون إن انعقاده مهم لأن رفض إسرائيل الحضور سيجعلها مكشوفة أكثر للعالم ويستوجب اعترافًا فرنسيًا فوريًا بالدولة.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.