عام من المفاوضات الصعبة لحل الأزمة الليبية

تعارض في توجهات الخصوم... لكن كوبلر متفائل

أحد عناصر القوات الليبية الموالية لحكومة السراج يطلق قذيفة على عناصر من «داعش» في سرت في 2 أغسطس الماضي (رويترز) - قناص ليبي يستهدف عناصر من «داعش» في سرت في 21 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب) - أحد عناصر القوات الليبية الموالية لحكومة السراج يطلق النار على مقاتلي «داعش» في سرت في 21 يوليو الماضي (رويترز)
أحد عناصر القوات الليبية الموالية لحكومة السراج يطلق قذيفة على عناصر من «داعش» في سرت في 2 أغسطس الماضي (رويترز) - قناص ليبي يستهدف عناصر من «داعش» في سرت في 21 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب) - أحد عناصر القوات الليبية الموالية لحكومة السراج يطلق النار على مقاتلي «داعش» في سرت في 21 يوليو الماضي (رويترز)
TT

عام من المفاوضات الصعبة لحل الأزمة الليبية

أحد عناصر القوات الليبية الموالية لحكومة السراج يطلق قذيفة على عناصر من «داعش» في سرت في 2 أغسطس الماضي (رويترز) - قناص ليبي يستهدف عناصر من «داعش» في سرت في 21 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب) - أحد عناصر القوات الليبية الموالية لحكومة السراج يطلق النار على مقاتلي «داعش» في سرت في 21 يوليو الماضي (رويترز)
أحد عناصر القوات الليبية الموالية لحكومة السراج يطلق قذيفة على عناصر من «داعش» في سرت في 2 أغسطس الماضي (رويترز) - قناص ليبي يستهدف عناصر من «داعش» في سرت في 21 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب) - أحد عناصر القوات الليبية الموالية لحكومة السراج يطلق النار على مقاتلي «داعش» في سرت في 21 يوليو الماضي (رويترز)

في ديسمبر من عام 2015 نقلت شاشات التلفزيون موجات من التصفيق الحار بين عدة أفرقاء ليبيين في بلدة الصخيرات المغربية. إذ جرى هنا توقيع أول اتفاق للتفاهم بين الأخوة الأعداء الذين كانوا يتقاتلون عقب إسقاط نظام معمر القذافي. وكان الهدف إنهاء الانقسام الذي يهدد بتفتيت الدولة بين حكومتين، واحدة في الشرق برئاسة عبد الله الثني، وأخرى في الغرب برئاسة خليفة الغويل. وقرّر اتفاق الصخيرات أن يكون في ليبيا حكومة واحدة فقط اسمها «حكومة الوفاق» برئاسة فايز السرّاج.
بيد أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن. والمحصلة النهائية بعد عام من توقيع الاتفاق الذي كان برعاية الأمم المتحدة، هو زيادة عدد رؤساء الحكومات في ليبيا إلى ثلاثة... أي الثني والغويل والسرّاج. وزاد فوق كل هذا ما يشبه «حكومة الظل» التي سُمّيت محليًا قبل شهرين تحت شعار «التجمع السياسي لنواب مصراتة»، وجرى التعامل مع الأمر على أساس أنه مزحة تضاف إلى المزح المبكية في هذا البلد النفطي، الذي أصبح غالبية سكانه يعانون من شح الأموال وارتفاع أسعار المؤن.
* بداية المشكلة
خلال عام من الشد والجذب والاجتماعات والوساطات، يتضح أن المشكلة الليبية بسيطة ومعقدة في الوقت نفسه. كيف؟
بسيطة، لأن الموضوع كان محددًا منذ البداية. أسقط الناخبون الليبيون غالبية نواب البرلمان السابق الذي كان يهيمن عليه تيار من المتطرفين الدينيين والجهويين. وحدث ذلك في صيف عام 2014، لكن هذا التيار لم يقر بالهزيمة، بل أوعز لنحو عشرين من نوابه الذين فازوا في البرلمان الجديد بمقاطعته، والتشكيك في قانونيته.
وما زاد من بساطة المشكلة وقابليتها للحل منذ بدايتها أن المجتمع الدولي اعترف بنزاهة الانتخابات، وأن البرلمان هو الممثل الوحيد لليبيين. وكان يمكن للدفع في هذا الاتجاه أن ينقذ الليبيين من استمرار الفوضى والاقتتال.
كان يمكن للمجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة والدول الكبرى تعضيد البرلمان ومخرجاته، ومن أهم هذه المخرجات، حكومة الثني، والقوات المسلحة بقيادة الضابط العائد من الماضي، خليفة حفتر.
* عودة النواب الراسبين
هذا لم يحدث. ذلك أنه كان هناك نوع من التراخي على ما يبدو في مؤازرة البرلمان الجديد وأذرعه التنفيذية والعسكرية. ووفقًا للإعلان الدستوري يعد رئيس البرلمان المستشار عقيلة صالح هو رئيس الدولة المؤقت.
واستغل النواب الراسبون في البرلمان السابق ما لديهم من ميليشيات، فطردوا البرلمان الجديد وحكومته من طرابلس، وواصلوا اجتماعاتهم باعتبارهم البرلمان الشرعي. وهنا تدخلت الأمم المتحدة وأرسلت مبعوثها الخاص برناردينيو ليون.
وبدأت المشكلة تتحول من قضية بسيطة تتعلق بشرعية الدولة وتمكين برلمانها الجديد، إلى قضية معقدة وتزداد تعقيدًا بعد مرور عام كامل من الاتفاق السياسي الذي جرى توقيعه في الصخيرات أواخر العام الماضي برعاية مبعوثها الجديد مارتن كوبلر. وسار كوبلر على نفس القضبان التي وضعها ليون؛ أي محاولة إشراك نواب البرلمان السابق (المؤتمر الوطني) في السلطة، سواء ممن فازوا أو ممن خسروا في انتخابات البرلمان الجديد.
ورغم كل شيء سارت الأحوال كما تريد الأمم المتحدة والدول الكبرى. فلا بد من توقيع اتفاق لإنقاذ الدولة من الفشل وإنهاء العنف وحل الميليشيات ومحاربة الجماعات المتطرفة التي تنشط على الساحل الليبي الطويل المواجه لأوروبا.
لقد كانت الأمور تجري على خير ما يرام، رغم امتعاض كثير من القيادات السياسية. وبدأ كل من البرلمان الجديد والبرلمان السابق في تقديم الأسماء المرشحة لرئاسة المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق. ولم يكن من بين الأسماء المطروحة اسم السرّاج الذي يشغل أساسًا عضوية مجلس النواب (البرلمان الجديد).
* الدخول على الخط
ووفقًا لشهادات استقتها «الشرق الأوسط»، على فترات، من كل من إبراهيم عميش رئيس لجنة العدل والمصالحة في البرلمان الجديد، وعوض عبد الصادق نائب رئيس البرلمان السابق، «دخلت على الخط قوى أخرى من خارج هذين البرلمانين تحاول أن تجد لها موضع قدم في الترتيبات الجديدة». وهنا في اللحظات الأخيرة قبيل توقيع اتفاق الصخيرات، قرر كل من البرلمان الجديد والبرلمان السابق سحب مندوبيهما من المفاوضات احتجاجًا على ما بدا أنه تغير غير مقبول في المسار.
وبدأت المشكلة تتعقد أكثر. إذ أغوى الزخم بعض النواب بعدم الانسحاب. وجرى توقيع الاتفاق. ورغم الخلافات العميقة التي كانت موجودة في الكواليس، فإن كاميرات التلفزيون أظهرت الأمر كإنجاز سوف يحوِّل نيران الاحتراب الأهلي إلى جنة من التوافق السياسي. وما إن بدأ رئيس البرلمان الجديد، عقيلة صالح - الداعم لحكومة الثني - ورئيس البرلمان السابق نوري أبو سهمين - الداعم لحكومة الغويل - انتقاد الاتفاق، حتى لوَّحت عدة دول كبرى بعصا العقوبات ضد من وصفتهم بـ«معرقلي الاتفاق السياسي».
وعلى هذا دخل السرّاج ومجلسه الرئاسي إلى طرابلس لكي يحكم منذ أواخر مارس (آذار) الماضي. غير أن الأمر لم يكن بتلك السهولة. إذ كان خصومه ينتظرونه لكي يفشلوا الطبخة كلها. ولم يحظ السرّاج بحماية كاملة من الميليشيات التي تسيطر على العاصمة في الغرب، خصوصًا أن قسمًا كبيرًا منها منحاز للغويل. ولم يحظَ في المقابل بثقة البرلمان الذي يعقد جلساته في الشرق ويؤازر حفتر. ولم يوضع حل لمشكلة من يكون القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية.
* خيار الليبيين
كل هذه القضايا العالقة وضعتها «الشرق الأوسط» أمام المبعوث كوبلر، خلال زيارة قام بها أخيرًا للقاهرة. وسألته: ما الحل؟
كانت الإجابة بسيطة ومعقدة أيضًا. إذ قال المبعوث كوبلر - بكل وضوح - إنه مع ما يريده الليبيون.
لكن توجهات الليبيين يبدو أنها ستدخل عام 2017 وهي أكثر تعارضًا عن ذي قبل، بحسب تحركات كثير من الأطراف. فلقد عقدت اجتماعات في القاهرة وتونس، وفي الداخل الليبي أيضًا بمناسبة مرور عام على توقيع الاتفاق السياسي. ومن بين هذه التوجهات وجود محاولات للتقارب بين حكومة الغويل وحكومة الثني، تؤدي إلى تهميش السرّاج. إلا أن هناك أطرافًا في حكومة الغويل ترفض التعاطي مع المشير حفتر المحسوب على حكومة الثني.
وفي الوقت نفسه، ثمة قبول من جانب البرلمان الجديد (ومن مخرجاته حكومة الثني) للسرّاج بشرط تعديل الاتفاق السياسي والعودة إلى المسودة الرابعة منه، والتي تقضي بأن يكون للسرّاج نائبان فقط بدلاً من ثمانية كما هو الحال الآن. كما يضغط البرلمان نفسه من أجل حماية حفتر من الإقصاء، حيث يصر كثير من النواب على إلغاء المادة الثامنة التي تعطي للسرّاج القول الفصل في اختيار القيادات العسكرية والأمنية.
ومع مشارف العام الجديد، يقول كوبلر، إن كل شيء قابل للنقاش، وإن أهم الإنجازات التي تحققت منذ بداية الحوار بين الأفرقاء الليبيين هو أنه أصبح في الإمكان أن يجلس كل منهم في نفس غرفة المفاوضات التي يجلس فيها خصمه، وهذا أمر جيد يمكن البناء عليه بحثًا عن مستقبل أفضل لليبيين.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.