من حلب إلى برلين... الإرهاب يوحد العالم الذي لا يتحد

رسالته واحدة دائمة في الأعياد الغربية

عناصر من فرق الانقاذ عقب هجوم حادث الدهس في العاصمة برلين الذي راح  ضحيته 12 قتيلا وعشرات الجرحى قبل أيام من أفول العام الماضي («الشرق الأوسط»)
عناصر من فرق الانقاذ عقب هجوم حادث الدهس في العاصمة برلين الذي راح ضحيته 12 قتيلا وعشرات الجرحى قبل أيام من أفول العام الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

من حلب إلى برلين... الإرهاب يوحد العالم الذي لا يتحد

عناصر من فرق الانقاذ عقب هجوم حادث الدهس في العاصمة برلين الذي راح  ضحيته 12 قتيلا وعشرات الجرحى قبل أيام من أفول العام الماضي («الشرق الأوسط»)
عناصر من فرق الانقاذ عقب هجوم حادث الدهس في العاصمة برلين الذي راح ضحيته 12 قتيلا وعشرات الجرحى قبل أيام من أفول العام الماضي («الشرق الأوسط»)

رغم أن الإرهاب يوحد العالم لكنه لا يتحد، أو على الأقل كما ينبغي أن يتحد. العالم هنا عالم من له الغلبة والقوة والتأثير، فظاهرة الإرهاب والتطرف العنيف أشبه بعنكبوت ينسج خيوطه على خارطة الأزمات والمآسي، ويبرر ببقائها آيديولوجيته، وما إن يتراجع في مكان أو يخفف وطأته في مكان، حتى يعود في مكان آخر، مصرًا على الحضور والاستنزاف والإنهاك انطلاقًا من بؤر تمكينه المستمرة وسط هذه الأزمات، وفي منطقة الشرق الأوسط، تحديدها وفوضاها، وتنازعها طائفيًا بين راديكالية سنية تمثلها «جماعات» و«إمارات» وراديكالية الولي الفقيه التي يمثلها نظام ودولة يبايعها ويتحرك بأوامرها آلاف المقاتلين في كل مكان كذلك.
هي رسالة واحدة يرسلها الإرهاب مع احتفالات الميلاد (الكريسماس) ورأس السنة، إلى العالم أجمع، من ألمانيا إلى تركيا وفرنسا مرورًا بجنوب شرقي آسيا والولايات المتحدة الأميركية...
إذ يهدد تنظيم داعش الإرهابي المتطرف كل القارات، وهو رغم ورطته في العراق وسوريا يريد توصيل رسالة للعالم تختصر بكلمات «لا شيء يمكن أن يقتلعنا»، وذلك عبر توجيه ضربات في كل مكان. وحقًا، منذ توالي هزائم التنظيم وانتشار الهجمات الإرهابية في كل اتجاه، نجد نفس الرسالة تتكرر كل عام، من تفجيرات باريس نهاية العام الماضي التي خلفت 130 قتيلاً، وعمليتين في لبنان أسفرتا عن 43 قتيلاً في تفجير مزدوج ببيروت، ومسافة أسبوعين هي ما تفصل بين هذا وذاك لتتحطم الطائرة الروسية في سيناء ويقتل فيها 224 شخصًا.
إثارة الكريسماس ورأس السنة الميلادية وقربها، التي تستنفر مختلف الأجهزة الأمنية في الغرب والشرق كله الآن، تظل رغم ضخامتها عمليات استنزافية تستهدف توصيل الرسالة، ولكن تظل المعارك الحقيقية للإرهاب في بؤر الأزمات وضد دول المنطقة - باستثناء إيران. وحتى عمليات الإرهاب عبر «الذئاب المنفردة» والخلايا الفردية تهدف إلى تخفيف الضغط وتأكيد الحضور على مواطن التركيز الرئيسية في المنطقة.
وشهد العالم العربي - خلال العقد الأخير فقط - ما لا يقل عن 78 في المائة من عمليات الإرهاب حول العالم، وخصوصًا تلك الكبرى التي يزيد عدد ضحاياها على 500 قتيل، لكونه يمثل فضاء للتمكين في التصور الإرهابي. وفي المقابل، لم تشهد الدول الغربية وغيرها أكثر من 21 في المائة من مجموع هذه العمليات منذ عامي 2000 و2003، لكون الغرب فضاءً للاستنزاف والإنهاك والحضور الإعلامي بشكل رئيسي، وليس هدفًا للتمكين في الأصل. إنه العدو البعيد للإرهاب بينما تظل الأنظمة الوطنية العربية هي العدو القريب والهدف الأقرب.
مثل هذا التحديد، في فهم أهداف وغايات الإرهاب، وكذلك تمثلاته وتنوعها، قد يساعد في صياغة عالمية واضحة وحاسمة في التعاطي مع معضلة الإرهاب وظاهرته العنكبوتية، بعيدًا عن محاولة دؤوبة من مصادر وأطراف للأزمة - شأن نظامي إيران وسوريا - توظيفه دائمًا في التبرير لإرهاب مضاد له.
بعض أصوات الخطاب «القومي» العربي كانت من أكثر الأصوات تبشيرًا بما يسمى «الربيع العربي» وثوراته عام 2011، إلا أنها رغم شجبها وإدانتها لجرائم نظام بشار الأسد، ووصف نظامه بـ«جمهورية الصمت والخوف» قبل اندلاع الثورات، فإنها استثنت الشعب السوري من حقه دون سواه في التغيير والإصلاح، بل ومنحت الأسد حصانة شعار «المقاومة» ومارست دعاية انغلاقية اختزلت سوريا - الشعب والنظام والدولة - في شخص حاكمها.
لم ينتبه بعض هؤلاء للخطاب ولا الأداء الذي عضّد من استمراره وبقائه، وخصوصًا تأجيج المشاعر الطائفية والاستعانة بميليشيات طائفية موالية له والدعم الإيراني التوسعي في سوريا، والراديكالية المتعصبة الزاعقة التي يفاخر بها قادة وعناصر الحرس الثوري الإيراني في كل لحظة، وعقب كل معركة. وأخطر من كل ذلك التشتيت الذي يمارسه خطابها، في اتهام الولايات المتحدة تارة، واتهام العالم العربي والخليج وتركيا تارة أخرى في المؤامرة على نظام الأسد، وغير ذلك من أدوات تشتيت وتضبيب، لا تتجاهل فقط الحل السياسي وممكناته ومرجعياته، بل تتجاهل أيضًا، وبشكل واضح مآسي سوريا ومآلاتها مع الأسد طيلة السنوات الخمس الماضية.
عقب إسقاط مدينة حلب، جاءت تصريحات الحرس الثوري الإيراني معبرة عن فكرتي «التوسع والتدخل الإيراني» ولمزيد من الأزمات للمنطقة، وعن النزعة الميليشياوية الرسمية لهذا النظام. إذ ذكر العميد مسعود جزائري، مساعد رئيس هيئة أركان القوات المسلحة في تصريح لوكالة «تسنيم» - التابعة لجهاز استخبارات الحرس الثوري - يوم الأحد 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أن تجربة الحرب والتدخل في سوريا «لن تقف عند حلب، بل ستتوسع في بؤر أخرى»، وأنها «دفاع مقدس عن إيران»!
وكرّر الجنرال حسين سلامي، نائب القائد العام للحرس الثوري، اتهامات «معتادة» للولايات المتحدة بتنفيذ «خطة تقسيم سوريا وإسقاط النظام فيها، انطلاقًا من أحلام الشرق الأوسط الكبير الأميركي، لكنها واجهت الفشل عبر انتصارنا والجيش السوري»، حسب زعمه.
وأيضًا، صرح العميد سعيد قاآني، نائب قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري، بأنه «سيتم تحديد مصير الحرب السورية خلال العام الحالي، وأن هذه الحرب مستمرة لأنها حرب تتعلق بالمصير والوجود»، كما أن «عمليات الحرس الثوري مستمرة هناك ولن تتوقف الحرب ضد الجماعات الإرهابية». وأردف أن لدى إيران ضباطًا وشبابًا في سوريا «خاضوا الحرب لأول مرة في حياتهم بها، لكنهم أصبحوا اليوم مثل قادة الحرب الإيرانية - العراقية قادرين على إدارة عدة عمليات عسكرية».
أما مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية، الدكتور علي أكبر ولايتي، فقال وفق وكالة «مهر» الإيرانية الرسمية للأنباء: «انتصارنا في حلب هو بداية لسلسلة انتصاراتنا المقبلة في المنطقة، ونحن نجحنا على مدار 5 سنوات من حربنا في سوريا في إثبات هويتنا وتحقيق أهدافنا. كما أن انتصارنا هذا يأتي ضمن كثير من الانتصارات التي حققناها في الفترة الماضية، من بينها انتصارنا في الموصل». وجدد مستشار قائد الثورة الإسلامية للشؤون الدولية انتقاده واتهامه للولايات المتحدة بتواطئها وتهريب الإرهابيين - حسب زعمه بعد هزيمتهم في حلب!
ومن ناحية أخرى، صرح علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان الإيراني، متباهيًا: «إننا نحتفل الآن بانتصارنا الكبير في حلب الذي كان نتيجة لانتصاراتنا في العراق واليمن ولبنان، كما نهنئ أنفسنا بهذا الانتصار الكبير».
هذا المنطق الإيراني التأزيمي والفوضوي والميليشياوي التوسعي يمثل الوجه الآخر لثنائية الإرهاب الطائفي، ولكن يبدو أن العالم لا ينتبه للوجهين معًا.
إن الإرهاب الذي استعاد تدمر في نفس يوم تنفيذه جريمة الكنيسة البطرسية في القاهرة وتتمدد عملياته التفجيرية والتقتيلية لقلب أوروبا ومدنها وساحاتها، كما شاهدنا في برلين وبروكسل وباريس ونيس، تلتمس مكافحته والقضاء عليه حلاً ماسًا وضروريًا تقضي على بؤر تمكينه ومبرراته، كما يحتاج المساواة بين كل أطرافه ومجرميه الذي يقتلون باسم الخليفة أو المرشد ووقف سيل التدخلات المتحيزة لطرف على طرف التي تزيد الفوضى وتستجلب نصرات مضادة، ولا يكفي تألمنا من نتائجه واستعادته الحياة بين يوم وآخر.
وفي حين يستهدف الإرهاب في المنطقة العربية - الأكثر معاناة من ويلاته وعملياته التمكين وإقامة «ولايته» كما فعل في الرقة سابقًا أو الموصل، تظل باقي عملياته في سائر العالم استنزافًا وإنهاكًا وحضورًا يثبط عزائم العالم عن التدخل أو التشويش أو الحسم في مناطقه أهداف تمكينه الرئيسة.
لقد صعدت مخايل نصر الأسد وحلفائه في حلب، التي أعلنت في الأسبوع الأول من ديسمبر الماضي، وراجت معه دعايات أن «الاستقرار ودحر الإرهاب مشروط ببقائه». وهذا رغم مآسيه التي أدانتها المنظمات الدولية والإنسانية في العالم أجمع، وكان آخرها إدانة منظمة المؤتمر الإسلامي و53 دولة إسلامية له الخميس 22 ديسمبر.
هذا النظام وداعموه لم ينتصروا على «داعش» الذي استعاد مدينة تدمر الأثرية بعد ساعات من تسليمه حلب! بل إن ما حدث هو تمكينه من الاستفراد بالفصائل المعتدلة التي رفضت التوحّد مع «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقًا) رغم ضغوط قوى خارجية عليها، وكان إعلانه بعد دقائق من إجلاء عشرات آلاف من المدنيين منها والمعارضة المعتدلة من آخر جيب فيها.
نعم. لم تتحقق أي من مخايل هذا النصر الكبير لنظام دمشق، الذي حاول ترويجها إقليميًا وعالميًا، إذ ما إن بدأ الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر حتى أعلن «داعش» استعادته السيطرة على مدينة تدمر في 11 ديسمبر، وفي اليوم نفسه كان تفجير الكنيسة البطرسية المصرية استهدافًا ومحاولة لضرب الوحدة الوطنية المصرية، التي زادت صلابة. وامتدت عملياته من مصر والصومال، وفي 20 ديسمبر كانت تفجيرات برلين، ولا يزال يصعد في كل مكان مخلفًا وراءه ضحاياه وقتلاه وآلامه.
في هذا المشهد الديسمبري العنيف الذي يستعيد فيه الإرهاب حيويته وخطورته ويسمع العالم صوته، هاجس قلق يخترق احتفالات الكريسماس، طُرحت أسئلة جديدة بعضها يخص سلاحه الجديد في استخدام الشاحنات، الذي سبق أن استخدمه في نيس في فرنسا هذا العام أيضًا، إلى مراجعة السياسات الألمانية والأوروبية عمومًا تجاه المهاجرين وازدياد الغضب ضدهم. وهذا فضلاً عن تبريراته وشرعنته للأصوات اليمينية المتطرفة التي توظف الخوف منه لترويج شعاراتها، ويبدو حضورها صاعدًا من نجاح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى صعود مارين لوبان وعودة النازية الجديدة في ألمانيا وصعودها من جديد.
رغم كل هذه التداعيات والنتائج فإن مراجعة التصورات الدولية للإرهاب، وإدراك تنوعاته وروافده وتبريراته وخطابه عن قرب دون تيه وتفسيرات لا علاقة لها بخطابه، كاتهام التراث تارة أو اتهام المؤسسة الدينية أو اتهام بعض دعاة وأدعياء التجديد الديني نفسه، تظل أمورًا مهمة في سبيل مكافحة وأد يموت بعدها أو يحتضر على الأقل.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.