عملية الكرك نقلة مهمة في المواجهة بين الأردن والإرهاب الراديكالي

الأواصر العائلية والعشائرية عامل جديد في المعادلة

قوات أمن أردنية خارج بوابات قلعة الكرك بعد الهجوم الإرهابي الدامي في النصف الثاني من الشهر الماضي («الشرق الأوسط»)
قوات أمن أردنية خارج بوابات قلعة الكرك بعد الهجوم الإرهابي الدامي في النصف الثاني من الشهر الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

عملية الكرك نقلة مهمة في المواجهة بين الأردن والإرهاب الراديكالي

قوات أمن أردنية خارج بوابات قلعة الكرك بعد الهجوم الإرهابي الدامي في النصف الثاني من الشهر الماضي («الشرق الأوسط»)
قوات أمن أردنية خارج بوابات قلعة الكرك بعد الهجوم الإرهابي الدامي في النصف الثاني من الشهر الماضي («الشرق الأوسط»)

مع الأحداث الأخيرة التي وقعت في مدينة الكرك الأردنية، دخلت المواجهة بين تنظيم داعش الإرهابي المتطرف والمملكة الأردنية الهاشمية مرحلة جديدة مع استهداف مباشر للمؤسسات الأردنية، وإمكانية الاستفادة من المجندين المحتملين الذين قد يتحولون إلى قنابل موقوتة في يد التنظيم. فالمواجهات بين المسلحين خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) المنصرم، أودت بحياة 10 أشخاص 7 منهم من رجال الأمن الأردنيين وإصابة 34 آخرين. ولقد بدأت أعمال العنف حين سمع أحد مالكي المباني الواقعة في بلدة القطرانة، بجنوب الأردن، صوت انفجار صادرا عن إحدى الشقق السكنية التي يملكها. وعلى الإثر اتصل بالشرطة للإبلاغ عن اشتباهه برائحة متفجرات وحريق. وبعدها انطلقت المواجهات بين الشرطة والمسلحين الذين فروا باتجاه قلعة الكرك التاريخية التي تعرف بأنها موقع سياحي يعج بالسياح، وأخذوا يطلقون النار باتجاه الشرطة كما المدنيين.
يشير الباحث مروان شحادة، الخبير في الحركات الإسلامية والراديكالية، أن العملية الإرهابية التي شهدتها مدينة الكرك، الواقعة إلى الجنوب من العاصمة الأردنية عمّان، خلال ديسمبر (كانون الأول) المنصرم، واستهداف أحد المراكز الحكومية بالذات «تعد من أخطر التحولات السياسية التي اعتمدها داعش في الأردن حتى الآن». ذلك أن هذا الهجوم الذي يأتي في أعقاب المواجهات الأخيرة التي حصلت خلال شهر يونيو (حزيران) الفائت على موقع الرقبان على الحدود السورية، حيث قضى ثلاثة من حراس الحدود في تفجير انتحاري تبناه في حينه تنظيم داعش. ولقد أظهر شريط مصوّر للحادثة شاحنة تبعها انفجار ضخم هز المكان. وبعد أسبوعين من ذلك وصل أحد الرجال الذي حدّدت هويته لاحقًا بمحمود المشارف، إلى حاجز للمخابرات في مخيم البقعة الفلسطيني وراح يطلق النار موديًا بحياة خمسة موظفين قبل أن يلوذ بالفرار، ليجري اعتقاله في وقت لاحق.
للعلم، كان ثمة اختلاف كبير بين الهجومين. ففي حين اعتبر محمود المشارف «ذئبًا منفردًا» ولو كان له ماضٍ إجرامي، شكل هجوم الرقبان على الحدود السورية هجومًا مدروسا تكتيكيا على بلد عربي يلعب دورًا أساسيا في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش.
وبالعودة إلى شهر مارس (آذار) الماضي خلف هجوم خطر على مدينة إربد، كبرى مدن شمال الأردن القريبة من الحدود السورية، أسئلة كثيرة بعد مواجهات غير مسبوقة دامت ساعات طويلة بين قوات الأمن وخلايا نائمة تابعة لـ«داعش» ارتبط اسمها بتهريب المخدرات. وأدت هذه المواجهات يومذاك إلى قتل سبعة إرهابيين ورجل أمن واحد وتم وضع اليد على الكثير من الأسلحة والمتفجرات. ولقد أعلنت السلطات الأردنية في حينه أنها أحبطت مخطط خلايا إرهابية مرتبطة بـ«داعش» كانت ستستهدف مواقع للمدنيين والعسكريين.
* فتّش عن «داعش»
ومن الواضح الآن تمامًا إذن أن جميع هذه الهجمات يقف جزئيا وراءها تنظيم داعش، وهو يحاول من خلالها نقل نشاطه إلى الخارج بينما يواجه حربا شرسة تشن عليه في الداخل، كما يسعى هذا التنظيم المتطرف في الوقت عينه إلى بعث رسائل لإثبات قوته ورفع معنويات مناصريه في الحرب الحالية. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن لهذه الهجمات دلالات تشير إلى نقل المواجهات نحو اتجاهات جديدة.
أحداث الكرك تشير فعلاً إلى أن تنظيم داعش بات الآن في وضع «حرب مفتوحة» مع سلطات المملكة الأردنية الهاشمية، وبالتالي، يعتبر أي عنصر في الجيش أو الأمن الأردني عدوًا له.
وهذا ما يذهب إليه الباحث شحادة عندما يقول شارحًا «تشير عملية الكرك إلى تحول المعركة مع الدولة الأردنية التي كانت في الماضي معركة تصريحات وانتقلت اليوم إلى معركة ميدانية».
لقد نجحت المملكة الأردنية بتوقيف عدد من مقاتلي «داعش» منها خلية «أبو قتيبة المجالي» التي كان هدفها تجنيد الشباب للقتال في سوريا والعراق، ويعتبر «أبو قتيبة» من أبناء إحدى أكبر عشائر الأردن، وهو مرتبط بعملية الكرك. إضافة إلى حازم أبو رمان، الذي كان يقاتل مع «داعش»، والذي رغم إعلان وفاته يرجح أنه دخل خلسة إلى الأردن ونجح في تنفيذ العملية. أضف إلى أن مستوى المقاتلين في معركة الكرك تميز بمستوى تدريب عالٍ جدا.
وفي الوقت الذي عانت الأردن طويلا من الجماعات الراديكالية، نرى اليوم أعدادا متزايدة من المناصرين لآيديولوجيا الدواعش الذين ينفذون عملياتهم معتمدين نموذج عمل «الذئب المنفرد» ونموذج «الخلايا النائمة»، مبتعدين أكثر فأكثر عن مراكز العمل القتالي التقليدي.
وفي هذا السياق عزا الباحث شحادة الانجذاب نحو «داعش» إلى عناصر عدة، أبرزها خطاب «داعش» الدموي، فهذا التنظيم – وفق شحادة – يمثل الجماعة الوحيدة بين الجماعات الإسلاموية الشعارات التي أعلنت «الخلافة» (المزعومة)، وطبقت ما تعتبره «الشريعة» بالنسبة لشريحة الشباب المستهدفين لها، ومفهوم «الخلافة» جاذب للشباب الملتزم «وهو يمثل حلمهم النهائي الذي يسعون لتحقيقه».
فضلا عن ذلك، فإن الحوادث التي وقعت في الكرك إنما تسلط الضوء أيضا على أهمية العلاقات العائلية ضمن الشبكات الإرهابية، الأمر الذي بدا واضحًا ضمن الشبكات الإرهابية اللبنانية الأسترالية التي كانت تربطها روابط عائلية. وهنا يقول محمد أبو رمان، الخبير الأردني في الحركات الإرهابية: «إن هناك نموًا ملحوظًا لهذه الظاهرة خلال الأعوام الماضية في الأردن، وعناصر القرابة والنسب والصداقة سيكون لها تأثير كبير في عملية التجنيد».
ويلاحظ أبو رمان أنه «ليس بعيدًا عن علاقة القرابة أو النسب بين القتلى الإرهابيين من خلية الكرك، نجد قصة شقيقين آخرين قُتلا في العراق وسوريا وهما يقاتلان في صفوف داعش». الأول، كان طالب هندسة وخطيب مسجد لم يكمل دراسته الجامعية، وقتل في عملية انتحارية في العراق بداية العام 2013 (وهو من مواليد العام 1989). والثاني شقيقه الأصغر (مواليد العام 1991) أنهى التمريض في جامعة مؤتة الجناح المدني، وكان أيضًا خطيبًا متطوعًا في مسجد، وقُتل في حزيران من العام الماضي (2015) في سوريا، ونعاه «داعش» وأفردت مجلة «دابق» موضوعًا كاملاً عنه، لانتقاله من التشدد التقليدي إلى الراديكالية القتالية. وقام التنظيم لاحقا بإعلان غزوة حملت اسمه، في إشارة لمكانته في «داعش»؛ إذ أصبح أميرا للتنظيم في إحدى المدن السورية.
وحسب الخبير أيضًا «نجد أنّ بعض القتلى في الكرك تربطهم صلة قرابة بآخرين انتقلوا إلى داعش، وقُتل أحدهم خلال عملية انتحارية هناك. وثمة آخر ما يزال يقوم بدور فاعل مع التنظيم، وله موقع مهم فيه. وهناك أحد أبناء المدينة يدعى (أبو غادة)، الذي يعتبر من الأعضاء البارزين في المجلس العسكري في داعش، أي في القيادة».
ومن ثم، يعتبر محمد أبو رمان أن دور الشبكات العائلية والصداقات ليس ظاهرًا في الكرك فحسب، بل يبرز بوضوح أيضًا في مدينتي السلط ومعان الأردنيتين أيضًا، ويمكن بسهولة ملاحظته عند تتبّع صفحات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، أُسّست لنعي من يُقتلون من أبناء المدينتين في العراق وسوريا وتنطبق هذه الظاهرة نفسها على المدن مثل عمّان وإربد والزرقاء والرصيفة.
وأخيرا، لا بد من النظر في هذه الاتجاهات من ناحية مكافحة الإرهاب بما أنها تؤمن معلومات مهمة حول تطور ساحة التشدد في الأردن وقد تمهد الطريق إلى إمكانية مكافحتها. وبغض النظر عن ذلك، يبدو أن الأردن على شفير تصعيد خطر مع «داعش».



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.