«داعش» خلال مسيرة عام... بين التمدد والانهيار

تفسير بأطروحتين متناقضتين

عناصر من «داعش» على أطراف مدينة كركوك العراقية (غيتي)
عناصر من «داعش» على أطراف مدينة كركوك العراقية (غيتي)
TT

«داعش» خلال مسيرة عام... بين التمدد والانهيار

عناصر من «داعش» على أطراف مدينة كركوك العراقية (غيتي)
عناصر من «داعش» على أطراف مدينة كركوك العراقية (غيتي)

بدأت القوات العراقية، الخميس 30 ربيع الأول 1438ه 29 ديسمبر (كانون الأول) 2016م، مرحلتها الثانية لتحرير الموصل التي أجلت عدة مرات لأسباب لوجيستيكية ومناخية. وتأتي هذه العملية واسعة النطاق في الوقت الذي شهد فيه التحالف العسكري الإسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية لمحاربة الإرهاب انضمام سلطنة عُمان لتكون الدولة الـ41 المشكلة لهذا التكتل التاريخي. وتأتي هذا الجهود الإقليمية والدولية للقضاء على الإرهاب في العراق وسوريا وغيرهما، في زمن أصبح فيه النقاش العلمي البحثي المتخصص في التنظيمات الإرهابية المتطرفة منقسمًا على نفسه، من حيث تقييم حجم الانتصار الدولي على الحركات الإرهابية، وخصوصًا تنظيم داعش.
صحيح أن هناك شبه إجماع من طرف مراكز البحث والخبراء على حصول تقدم نوعي في محاربة الإرهاب، وأن تنظيم داعش الإرهابي المتطرف تلقى ضربات موجعة، وهزائم متتالية أضعفت قدرته على الإمساك بأرض «خلافته» المزعومة. فإن الاختلاف بين المتخصصين والباحثين في مسار «داعش» يتركز حول نوعية وأثر الهزائم في تشكيل وتحديد مستقبل هذا التنظيم الذي يقوده «أبو بكر البغدادي». وهو ما يفسر انتشار أطروحتين شبه متناقضتين من حيث التفسير واستعمال المؤشرات والأحداث التي وقعت عام 2016، الشيء الذي يسمح علميًا بالحديث عن أطروحة التراجع والانهيار، وأطروحة التكيف وإعادة الانتشار. ومن الخبراء الذين يدافعون عن هذا الطرح، الأميركية لويس ماكفيت مديرة الأبحاث في مركز أبحاث دراسات الحرب، المتخصصة في متابعة تنظيمات مثل «القاعدة» و«داعش» بسوريا والعراق، وسبق للكونغرس الأميركي أن استضافها للإدلاء بشهادتها البحثية أمامه في موضوع الإرهاب.
أما الأطروحة الثانية التي تتبنى مقولة الانهيار، فهي تنطلق من الوقائع العملية لعامي 2015 و2016، معتمدة على مؤشرات دامغة تثبت تراجع ونكوص قوة هذا التنظيم. وأبرز ما تستدل به هذه الأطروحة على تحول «دولة الخلافة» المزعومة، من واقع يتمدد جغرافيًا، إلى واقع ينحسر ويفقد الأرض والقيادات العسكرية والإعلامية، والدينية.

* أطروحة التكيف
وإعادة الانتشار
تنطلق هذه الأطروحة من القدرة الذاتية للخط والعقيدة الآيديولوجية الداعشية على الصمود وإعادة الانبعاث بشكل متوالٍ ومتجدد. وتعتبر أن هذا الجانب هو روح تنظيم البغدادي الذي يجعله محافظًا على «تقديس» مطلب الخلافة، رغم تحوله إلى مربّع الدفاع. ومن هنا تدعونا هذه الأطروحة إلى الانتباه والأخذ بالحسبان أن «داعش» عدو مرن ويمتلك قدرة فائقة على التحرك والتكيف، الشيء الذي يعني أن الهزائم العسكرية التي جعلت التنظيم اليوم في موقف دفاعي، لا تؤشر على الضعف التنظيمي، ذلك أن استراتيجية «داعش» تشمل التوسع في أفريقيا ومناطق أخرى. وهذا التوسع لن يتأثر كثيرًا بالهزيمة المؤقتة في العراق وسوريا، لأن استراتيجية الانبعاث والتجدد، تجعل من القوة القتالية لـ«داعش» تهديدًا عنيفًا لمنطقة جغرافية واسعة توفر صراعاتها الطائفية والدينية الأرضية الخصبة للتعبئة، وكذلك للهروب من الهزيمة الكاملة لتنظيم البغدادي وآيديولوجيته القتالية.
وانسجامًا مع هذه الأطروحة، يدافع عالم السياسة الفرنسي أوليفييه روا (Olivier Roy)، الأستاذ الجامعي في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، عن الانتشار المخيف لـ«داعش» آيديولوجيًا مما يمكن التنظيم من التجنيد عن بعد، وخلق مناطق غير آمنة في عدة دول أوروبية. ولقد ساعده في ذلك ما راكمه من خبرة بحثية كبيرة، جعلت منه أكبر متخصص فرنسي في الحركات الإرهابية. وهو ينطلق من صلابة وانتشار البعد العقدي القتالي وتغلغله في صفوف الجيل الثالث للشباب المسلم المولود والمتعلم بالغرب.
ومن هذا المنطلق يسجل روا التقدم الداعشي في كسب العقول رغم ما يظهر من تراجع جغرافي لـ«دولته» المزعومة. ولذلك ينبه روا لدور تنظيم البغدادي في تثبيت ونشر الراديكالية الدينية، معتبرًا أن أوروبا وليس العالم العربي فقط تعيش ظاهرة جديدة ولدت مع «داعش»، وهي ظاهرة «أسلمة الراديكالية»، وتحويل الجيل الجديد من الشباب بالغرب إلى حامل قوي للعقيدة القتالية العالمية الداعشية.
هذا الانتشار السريع والشبكي لم يستطع تنظيم القاعدة تحقيقه في السابق. لأن آيديولوجية البغدادي تتمركز - وفق زعمه حول «الخلافة» وتجعل القتال تحت رايتها هو السبيل الوحيد لتحقيق الحلم العقدي. وربما هذا ما يفسر تحول الشباب المسلم بالغرب من عالم الجريمة إلى راديكاليين «إسلاميين» قادرين على شن هجمات في أماكن عدة وبطرق لم تكن معروفة زمن «القاعدة»، ومن ذلك هجوم برلين يوم 19 ديسمبر 2016 بالشاحنة الذي أسفر عن 12 قتيلاً وعشرات الجرحى. وقبله مجزرة نيس بجنوب فرنسا يوم 14 يوليو (تموز) 2016، واعتداء بالفأس قرب فورتزبورغ بوسط ألمانيا بتاريخ يوليو، واعتداء آنسباخ (ألمانيا أيضًا) يوم 24 يوليو، وذبح كاهن بمنطقة النورماندي الفرنسية في 26 يوليو.
ويبدو أن هذا الانتشار، الذي استقطب عددًا كبيرًا من المقاتلين وصل بحسب دراسة نشرتها «مجموعة سوفان» الأميركية إلى ما بين 27 ألفًا و31 ألفًا من نحو 86 دولة آسيوية وأفريقية وأوروبية، أنتج بدوره سياسة إعادة الانتشار، التي تعني نقل «داعش» للمعركة خارج سوريا والعراق، وفق تصور ومنهج يضمن له شن هجمات قوية في مختلف بقاع العالم، والظهور بمظهر التنظيم الشبكي القوي رغم فقدانه الأرض. وهذا ما يعزز من تشبث الشباب المقاتلين بالتنظيم الإرهابي في سوريا والعراق، كما شجع على تمدد ظاهرة «الذئاب المنفردة» في الغرب.
من جهة أخرى، حقق «داعش» تمددًا تنظيميًا وآيديولوجيًا في أفريقيا الشمالية بكل من ليبيا ومصر، وفي دول جنوب الصحراء، في مالي والنيجر ونيجيريا وتشاد، والصومال، حيث استقطب التنظيم شخصيات دعوية وعسكرية مهمة، من «حركة الشباب» الصومالية قررت الانضمام لفرع تنظيم البغدادي بشكل جماعي. ووصل هذا التوسع ليشمل الجارة كينيا، في تطور آخر للتنظيم يمزج بين الآيديولوجية الدينية والانتماء العرقي والقبلي مما يسهل جلب التمويل والتجنيد، ويهدد ببناء شبكة أفريقية لـ«داعش».

* أطروحة الانهيار
بعكس التوجه السابق، ترى أطروحة التراجع والانهيار أن «داعش» لا يتراجع فحسب، بل هو في طريقه إلى الانقراض. فهو من جهة لم يعد قادرًا على الإمساك بالأرض التي سيطر عليها خلال السنوات القليلة الماضية، وتراجعت موارده الطبيعية والمالية، كما استنزفت موارده البشرية، إذ قتل أهم رجاله الإعلاميين والعسكريين، وبعض الدعويين. ومن جهة ثانية، لم يعد يحظى التنظيم بتلك الصورة الإيجابية لدى شباب العالم العربي والغربي، ذلك أن كشف وحشية ممارساته غيّر من قناعات الرأي العام الشعبي تجاهه، وهذا في الوقت الذي شدد فيه التحالف الدولي من إجراءاته العسكرية، وتبنى سياسة محكمة من التنسيق الأمني، وهو ما عرقل وصول المجندين من «داعش»، عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحات القتال في العراق وسوريا.
ومن الباحثين الذين يدافعون عن هذه الأطروحة، دانيال ميلتون من مركز مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأميركية - وست بوينت. فميلتون يعتبر أن هذه الحقائق جعلت «داعش» «يعاني كثيرًا من أجل الحفاظ على صورة دولة تعمل».. وفي الوقت نفسه استقطاب الأنصار والمتطوعين الجدد.
أكثر من ذلك، تدعونا هذه الأطروحة للرجوع للمسار التاريخي لـ«داعش» من يوم ولادته الرسمي بتاريخ 9 - 4 - 2013 وسيطرته على مدينة الرقّة، بشمال وسط سوريا، خلال صيف 2013، واعتبار هذه المدينة السورية عاصمة لـ«خلافته» المزعومة، وصولاً إلى سيطرة التنظيم على مدينة الموصل الاستراتيجية في شمال العراق 2014 وهو ما جعل من «داعش» أقوى وأغنى تنظيم إرهابي في العالم.
غير أن شعار «خلافة» البغدادي المزعومة الذي يدعي أنها «باقية وتتمدد» سرعان ما تلقى ضربات متوالية شلت من قدرته على التوسع والانتشار، وذلك منذ بدأ التحالف الدولي الذي أعلن عام 2014، في تطوير عمله وتنسيق عملياته. ومن هنا تعتمد أطروحة التراجع والانهيار على تاريخ فارق في المواجهة الدولية مع هذا التنظيم الإرهابي المتطرف وتعتبر استرجاع مدينة عين العرب (كوباني) التي بدأ «داعش» في 14 - 9 - 2014 هجومه للسيطرة عليها، تحولاً جوهريًا في مسار التنظيم. ذلك أن القدرة القتالية التي أبدتها الميليشيات الكردية - بدعم أميركي - داخل المدينة الصغيرة الحدودية (مع تركيا)، أظهرت لأول مرة منذ ظهور التنظيم أن هناك قوة محلية قادرة على الوقوف أمام قوة «داعش»، إذا ما حصلت على مساندة فعالة من طرف التحالف الدولي.
وعليه، فإن تحرير عين العرب بتاريخ 26 - 1 - 2015، أسقط أسطورة التنظيم الذي لا يقهر، وخلق جوًا جديدًا يعتمد على الطيف البشري المحلي لمواجهة «داعش»، في كلّ من سوريا والعراق، بتنسيق وتعاون مع التحالف الدولي ضد الإرهاب. وهذا المسار أنتج تراجعًا وانكسارات لصورة تنظيم البغدادي ومشروعه طيلة عامي 2015 و2016م، وأبرزها: تحرير مدينتي تل أبيض السورية والفلوجة العراقية، وكذلك تحرير البيشمركة لمدينة سنجار بشمال العراق في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015.
وفي هذا السياق، تدافع أطروحة انهيار «داعش» عن «مزاعمها»، بمؤشرات عام 2016، وتجعل منها حقائق دامغة، لا يكتنفها اللبس. فخلال العام المنتهي فقدت «خلافة البغدادي» المزعومة، مدينتها «المقدسة» دابق. وهي اليوم على وشك فقدان الموصل بشكل تام بعد المرحلة الثانية من معركة تحريرها التي انطلقت يوم الخميس قبل أيام. ويأتي هذا التراجع ليؤكد هزائم «داعش» في مدينة الرمادي، عاصمة محافظة العراق بغرب العراق، وقاعدة القيارة الاستراتيجية (جنوب الموصل) وغيرها من المناطق بالعراق.
وفي الجانب السوري، أمكن تحرير مساحات ومدن وقرى قريبة من مدينة الرقة، عاصمة «داعش» هناك، وذلك بعدما تم تحرير مجينتي جرابلس ومنبج السوريتين الشماليتين. ويبدو أن الاستراتيجية الدولية نجحت في حشر التنظيم الإرهابي في الزاوية، خصوصًا بعد التقدم الذي حصل على أطراف مدينة الباب السورية، ونجاحات محاصرة الرقة، حيث سيطرت الميليشيات الكردية بدعم أميركي على نحو 140 قرية في سعيهم للوصول إلى حدود «عاصمة» البغدادي.
* مؤشرات تخدم الأطروحتين
عمومًا يمكن القول إن الأطروحتين تجدان من الناحية العلمية كثيرًا من المؤشرات التي تدل على صوابية طرحهما. غير أنه يمكن القول استنادًا لخبرة البحث العلمي وما راكمه الخبراء ومؤسسات ومراكز البحث في الظاهرة الإرهابية، أن قضية تراجع «داعش» وتمدده، لا يمكن عزلها عن السياق العام للآيديولوجية الدينية القتالية. ومن هنا، فإن الهزائم المؤقتة للتنظيم لا تعني بالضرورة الهزيمة الاستراتيجية لـ«الروح العقدية القتالية». وهذا حتمًا يعني تجدد التنظيم وانبعاثه بأسماء متجددة في زمن ممتد ينطلق من بؤرة عقدية موحدة للفكرة والتنظيم. ومن ثم، يجعل من الهزيمة انكفاءً مؤقتًا، ومجرد موجة من موجات إعادة تركيب «توحش» جديد في بنية تنطلق من الصراع الديني الطائفي والعرقي، الذي أصبح العراق وسوريا - للأسف - خزانًا له يسهل استثماره، سواءً من طرف القوى الدولية الكبرى أوالحركات الإرهابية المتعددة.. و«داعش» واحد منها.

* أستاذ العلوم السياسية جامعة محمد الخامس



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».