اتفاق وقف النار يربك مشروع إيران بربط سوريا والعراق

نظام الأسد يحاول امتصاص غضب طهران باستئناف العمليات العسكرية قرب دمشق

سورية تشتري الخضار من بائع متجول في أحد شوارع حلب أمس (أ ف ب)
سورية تشتري الخضار من بائع متجول في أحد شوارع حلب أمس (أ ف ب)
TT

اتفاق وقف النار يربك مشروع إيران بربط سوريا والعراق

سورية تشتري الخضار من بائع متجول في أحد شوارع حلب أمس (أ ف ب)
سورية تشتري الخضار من بائع متجول في أحد شوارع حلب أمس (أ ف ب)

ألقى الاتفاق الروسي التركي لوقف إطلاق النار في سوريا، بثقله على الدور الإيراني الذي أظهر ارتباكًا واضحًا، باعتبار أن هذا الاتفاق «فرمل» الاندفاعة العسكرية الإيرانية، بعد ما حققته في معركة حلب، وقلّص نفوذها في سوريا، وهو ما استدعى زيارة عاجلة لوزير الخارجية السوري وليد المعلم، إلى العاصمة الإيرانية طهران أمس السبت، حيث التقى نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وبحث معه مضمون الاتفاق الذي غيّب البلدين عن محادثاته، وانعكاساته على النظام السوري وعلى الدور الإيراني في آن.
الموقف الإيراني المرحب بالاتفاق في العلن، لا يبدو مطابقًا للواقع، بدليل الخروقات التي تحصل في نقاط اشتباك كثيرة، وهو ما أشار إليه عضو الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، نصر الحريري، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «نظام الأسد والإيرانيين لا يريدون أي فرصة لنجاح مبادرة سياسية أو إنسانية»، معتبرًا أنه «اتفاق سياسي يجرد النظام والإيرانيين من سلاح استهداف المدنيين الذي يمتهنونه منذ خمسة أعوام». وقال: «إيران تعرف أن نجاح أي مفاوضات سيهيّئ الأرضية لمرحلة سياسية جديدة، وهو يعني الانتقال السياسي الذي لن يكون لصالحهم أيًا كان شكله»، مشددًا على أن «ما تقوم به إيران في سوريا، ليس بطلب من النظام كما تزعم، إنما خدمة لمشروعها الإمبراطوري الطائفي في المنطقة». ولفت الحريري إلى أن «الحرس الثوري أعلن اليوم (أمس) أن العمليات في سوريا ستتواصل، وهذا قد يضع الاتفاق في مهب الريح».
ويخضع هذا الاتفاق إلى مزيد من القراءات والتحليلات في البعدين السياسي والعسكري، حيث أوضح الباحث الاستراتيجي اللبناني الدكتور سامي نادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الاتفاق انطوى على مفارقتين أقلقت الإيرانيين إلى حدّ كبير: الأولى أن الاتفاق أنجز برعاية روسيا وتركيا فقط، بخلاف مفاوضات موسكو التي شارك فيها الإيراني إلى جانب الروسي والتركي، أما المفارقة الثانية فهي كلام وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الذي شدد على غياب أي دور للأسد في مستقبل سوريا، ودعوته إيران إلى الضغط على جماعاتها المسلحة لاحترام وقف النار، وفي إشارة واضحة إلى ما يسمى «حزب الله».
وأدى الاتفاق إلى «قلب الواقع في سوريا رأسًا على عقب، وضيّع على الإيرانيين مكاسب عسكرية مهمّة كانت في متناولهم»، كما يقول الباحث الاستراتيجي سامي نادر، الذي لفت إلى أنه «بعد معركة حلب صدر كلام إيراني يقول إن المعركة ستتواصل رغم ما تحقق في حلب، وهذا يتعارض مع نية الروس وقف العمليات العسكرية عند هذا الحد»، معتبرًا أن «روسيا استثمرت ما يمكن استثماره في العمليات العسكرية، وحان وقت قطاف ثماره في السياسة لتبقى الورقة السورية في يدها، وهي تحاول أن تفاوض الإدارة الأميركية الجديدة بالملف السوري، بوصفها راعية للسلام وليست طرفًا في الحرب»، مشيرًا إلى أن إيران «منزعجة إلى حد كبير، فهي لم تحقق مشروعها بعد، القائم على وصل العراق بسوريا، واستكمال الهلال الشيعي الذي تحارب لأجله منذ سنوات».
ولم يجد نصر الحريري في زيارة وليد المعلم إلى طهران محاولة لتهدئة المخاوف الإيرانية، وقال: «مهمة المعلم في طهران، هي بحث المرحلة المقبلة، ومواجهة العملية السياسية وإجهاضها». وأضاف: «إذا كان الروسي هو الضامن لوقف النار، لماذا الخروقات في مناطق متعددة؟ وما أسباب الهجوم على قرى وادي بردى حيث لا وجود لـ(داعش) أو (جبهة النصرة) هناك؟»، معتبرًا أن «مصداقية روسيا باتت على المحك، وهي أمام امتحان المجتمع الدولي لتعهداتها».
ووضع سامي نادر زيارة المعلم لطهران «في إطار تسويق بعض الاستثناءات لاحتواء الامتعاض الإيراني من اتفاق الهدنة، ومحاولة إيجاد نقاط أمنية مشتركة قريبة من دمشق، يمكن مواصلة العمليات العسكرية فيها، مثل وادي بردى والغوطة الشرقية». وأضاف: «من الواضح أن «شمال سوريا بات شبه خالٍ من النفوذ الإيراني، إذ إن المنطقة الشمالية الغربية، بدءًا من حلب إلى اللاذقية باتت قاعدة عسكرية للروس، وفي الوسط أنشأت تركيا منطقتها الآمنة بحدود خمسة كيلومترات، أما في الشرق فهناك النفوذ الكردي المدعوم أميركيًا، وبالتالي باتت إيران تبحث عن دور غير موجود هناك».
وشدد سامي نادر على أن «استعادة تنظيم داعش لمدينة تدمر، أقنع الروس بأن الحرب ستكون طويلة، وأن الاستمرار فيها يعني غرقها في المستنقع الكبير، وخصوصا أن جرح أفغانستان لا يزال ماثلاً أمامها»، لافتًا إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «يحاول إزالة مأساة الطائرة العسكرية (التي سقطت في البحر الأسود الأسبوع الماضي)، التي قتل فيها عشرات الضباط والعسكريين، من أذهان المجتمع الروسي». ورأى الباحث الاستراتيجي أن روسيا «التقطت الفرصة المتاحة في مرحلة الانتقال داخل الإدارة الأميركية، وتخبط إدارة أوباما التي أفقدت واشنطن أوراقًا مهمة في سوريا، لذلك يحاول بوتين مفاوضة ترامب سياسيا».



فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.