أيام في جيبوتي (2 - 3) : جيبوتي تسعى إلى دبي «اقتصاديًا» وشرم الشيخ «سياحيًا»

فتحت الباب لدخول استثمارات بمليارات الدولارات

ميناء جيبوتي البحري يغص بمئات الآلاف من الحاويات التي تنتظر النقل إلى وسط أفريقيا («الشرق الأوسط»)
ميناء جيبوتي البحري يغص بمئات الآلاف من الحاويات التي تنتظر النقل إلى وسط أفريقيا («الشرق الأوسط»)
TT

أيام في جيبوتي (2 - 3) : جيبوتي تسعى إلى دبي «اقتصاديًا» وشرم الشيخ «سياحيًا»

ميناء جيبوتي البحري يغص بمئات الآلاف من الحاويات التي تنتظر النقل إلى وسط أفريقيا («الشرق الأوسط»)
ميناء جيبوتي البحري يغص بمئات الآلاف من الحاويات التي تنتظر النقل إلى وسط أفريقيا («الشرق الأوسط»)

«ما نقوم به في جيبوتي، في الحقيقة، يهدف إلى تحويل بلدنا، خلال السنوات المقبلة، إلى شرم الشيخ سياحيا، ودبي اقتصاديا». هكذا يقول وزير السياحة المكلف أيضا بوزارة التجارة في جيبوتي، علي داود عبدو.
يطل مكتب عبدو على الشارع الرئيسي في قلب العاصمة، ومن هنا إلى مكتب وزير الإعلام والاتصالات، عبدي يوسف سجيه، عبر عدة شوارع، تبدو حركة السيارات والناس أكبر مما كانت عليه في الماضي؛ فقد فتحت عدة بنوك وشركات أجنبية أبوابها، ومن المتوقع أن تستقطب البلاد مزيدا من الاستثمارات. يقول الوزير سجيه، وهو يشير بيده إلى الجهة الأخرى: «سوف تبدأ شركة هندية في إقامة مركز ضخم للاتصالات والإنتاج الدرامي».
ولا يخلو بهو فندق من فنادق جيبوتي من جلسة لمجموعة من المستثمرين الطامحين سواء كانوا من أبناء جيبوتي أو من جنسيات أخرى جاءوا إلى هنا لاغتنام الفرص الجديدة.
رأسمال البلاد الكبير كما يقول المسؤولون، هو الأمن والهدوء وسط محيط تكثر فيه النزاعات. ويوضح أحمد محمد، السوداني الجنسية، الذي يدير شركة «شرق أفريقيا للمواشي والتجارة العامة»، انطلاقا من جيبوتي، أن «جيبوتي ستكون سنغافورة أفريقيا خلال المرحلة المقبلة. نعمل على هذا الأمل. والفرص كثيرة».
تنقسم جيبوتي إلى ثلاث شرائح رئيسية؛ الفقراء والطبقة الوسطى والأثرياء. وكل شريحة تضم وافدين من جنسيات مختلفة؛ من إثيوبيا، والصومال، واليمن، والسودان، وغيرها. خليط من اللغات والثقافات التي تمكنت من التعايش سويا طيلة عشرات السنين. في الأسواق الشعبية مثل سوق الدبداب، الذي يقع فيه مسجد الشيخ حمودي أقدم مساجد جيبوتي، تبث موجات الراديو الأخبار والأغاني باللغات الصومالية والعفرية والفرنسية والعربية. وكلٌ يضع مؤشر الراديو على لغته.
ووسط هذا اللغط ينادي الباعة على الملابس الجديدة القادمة من الخليج ومصر وعلى أنواع الهواتف المستوردة من الصين وعلى أجولة التوابل والقات الواردة من إثيوبيا. ومن بين هؤلاء الباعة الفقراء شبان، مثل خالد، ممن جرى تسجيل أسمائهم ضمن ألفي عامل سوف يتم ضمهم للعمل في ميناء دورالي البحري بعد الانتهاء من توسيعه. وخالد (27 عاما) تزوج مبكرا مثل غالبية الطبقة الفقيرة في جيبوتي ولديه ستة أطفال.
وفي الفنادق المتوسطة والكبيرة حيث يقيم الأجانب، تغص المقاهي والكافيتريات الملحقة بها، برجال الطبقة الوسطى من جيبوتي ومن البلاد المجاورة. هؤلاء يحاولون تطوير أعمالهم في الموانئ وفي الحظائر الجمركية لمواكبة النمو الاقتصادي، الذي وصل إلى 6 في المائة، مع العمل على فتح مسارات مع الدول الأخرى سواء في الداخل الأفريقي أو في منطقة الشرق الأوسط والخليج، مثل السوداني، مدير شركة «شرق أفريقيا للمواشي والتجارة العامة»، قائلا إنه يسعى لفتح أسواق جديدة لتصدير المواشي في المنطقة.
أما الطبقة الثرية التي تسهم بشكل كبير في ضخ العملات الأجنبية في البلاد، فتتكون من مستثمرين كبار يعكفون على بناء مراكز تجارية وترفيهية مجمعة، ويطمحون في اقتناص فرص جديدة في الموانئ التي يجري بناؤها على سواحل جيبوتي وفي اثنين من المطارات الدولية الجاري تأسيسها. من بين هؤلاء صينيون وهنود وأوروبيون.
ويقيم معظمهم في فنادق الخمس نجوم باهظة التكلفة مقارنة بنظيراتها في دول أخرى؛ إذ يبلغ سعر الغرفة في مثل هذه الفنادق نحو 220 دولارا لليلة. ويقول علي أحمد تبيع، مدير ورئيس شركة «لافياثان»، ومقرها المنطقة الحرة: «نعمل على تقديم الخدمات للشركات الأخرى التي تسعى لفتح مشروعات في إثيوبيا ودول قريبة انطلاقا من جيبوتي».
لك الخيار في شرب فنجان قهوة في المقاهي التي يديرها وافدون سنغاليون وإثيوبيون ويمنيون، والمبنية بالبوص والقماش على الشاطئ بسعر لا يزيد على خمسين فرنكا، أي نحو ربع دولار، أو الانتقال إلى الشارع الآخر، مثل شارع بلاتوه دي سربون، حيث يبلغ سعر فنجان القهوة خمسة آلاف فرنك. ويؤدي هذا الشارع إلى منطقة السفارات الغربية ومقار المنظمات الدولية والفنادق الفخمة المطلة على الضفة المقابلة من البحر، التي يقيم فيها رجال الأعمال الكبار.
ويقول الوزير علي داود عبدو: «توجد مشروعات كثيرة تريد الدولة أن تستثمر فيها ضمن رؤية جيبوتي لعام 2035، ومنها ما يرتكز على قطاع السياحة بشكل أساسي، وبخاصة أن السياحة شهدت نموا متزايدا بداية من عام 2000؛ حيث بلغ عدد السياح 72385 سائحا في السنة، مشيرا إلى أن هناك مشروعات سياحية كثيرة في الطريق، في منطقة بحيرة لاك عسل، وقابة بيه، وفوريدي بيه، وغيرها من المناطق الواعدة».
ويضيف قائلا: «كما تعرفون جيبوتي تقع في منطقة استراتيجية... ومقارنة ببعض دول الإقليم المضطربة فإن رأسمال جيبوتي هو الأمن والاستقرار، والحكومة لديها مشروع لاستثمار هذا الأمن لجذب الاستثمارات سواء كانت غربية أو خليجية أو من أي دولة عربية أخرى».
وينتظر أن تشهد محافظة «أُبخ» مشروعات ضخمة، وبخاصة في مجال السياحة وإصلاح السفن، مع إقامة مطار لنقل السياح ورجال الأعمال مباشرة إلى المحافظة دون الحاجة للمرور بالعاصمة. وتقع «أبخ» على البحر في مواجهة باب المندب، وتوجد بالقرب منها سبع جزر تصلح للغوص.
ويؤكد الوزير أن رؤية بلاده أن تتحول إلى «دبي صغيرة في مجال الاستثمارات» و«شرم الشيخ أو إندونيسيا في مجال السياحة»، مشيرا إلى أن جيبوتي تقع على ثاني أهم طرق التجارة العالمية، والحكومة أدركت هذه النقطة، ولهذا سوف تفتتح قريبا كثيرا من الموانئ البحرية مثل ميناء تاجورة وميناء عسل. و«هناك أكثر من سبعة موانئ بالإضافة إلى ميناء جيبوتي، وكل هذه الموانئ سوف تخدم مجموعة دول الإيغاد والكوميسا، إضافة إلى التجارة الدولية».
ولم يعد المطار الحالي قادرا على استيعاب التطورات الاقتصادية والتنموية في البلاد. وسيؤدي افتتاح مطارين جديدين إلى نقلة مختلفة في مسار التطور في جيبوتي، كما يؤكد المسؤولون هنا.
وتقوم بتشييد المطارين شركة صينية. ويقع المطار الأول، واسمه مطار «حسن غوليد»، وهو اسم أول رئيس لجيبوتي، على بعد نحو 25 كيلومترا جنوب غربي العاصمة، وسيتم افتتاحه خلال عام 2018 وتبلغ مساحته نحو 50 كيلومترا مربعا، وسيكون في إمكانه استيعاب نحو 1.5 مليون مسافر سنويا، وسيستقبل الطائرات الكبيرة من نوع إيه 380.
بينما يجري بناء المطار الثاني في محافظة «أُبخ» (شمال العاصمة بنحو 300 كيلومتر)، تحت اسم مطار «أحمد ديني أحمد»، وهو رئيس سابق لكل من الجمعية الوطنية (البرلمان) ومجلس الوزراء، بطاقة استيعابية لنحو 350 ألف مسافر سنويا، على أن يتضاعف العدد بحلول عام 2021 إلى أكثر من 700 ألف مسافر.
قبل نحو سبع سنوات كان يوجد في جيبوتي بنكان فقط، أما اليوم فأصبح فيها ما لا يقل عن 12 بنكا ما بين محلي وأفريقي ودولي، من بينها بنوك صينية وماليزية ويمنية. ويوضح الوزير، علي داود عبدو، أن «العملة الجيبوتية (الفرنك) مستقرة أمام الدولار ولم تتغير قيمتها منذ عام 1977؛ ولهذا يوجد جذب للاستثمارات الأجنبية والعربية، واستقرار العملة المحلية يشجع المستثمر ويعطيه أمل، بينما تعويم العملة يمكن أن يخيف المستثمر أو يجعله مترددا».
ويقول الوزير: «بشكل عام يعد مناخ الاستثمار في جيبوتي جيدا، وقوانين الاستثمار مشجعة وهناك إعفاءات ضريبية تعطى للمستثمر العربي دون غيره؛ ولهذا نريد أن نجذب المستثمرين العرب الذين يريدون الاستثمار في بلد عربي وبخاصة من الخليج».
ومن بين المشروعات التي يجري العمل عليها في الوقت الراهن، قطاع السكك الحديدية والاتصالات والنقل الجوي؛ حيث تعتزم البلاد بناء مطار دولي جديد بسعة أكبر من المطار الحالي، وكذلك إقامة مطار دولي آخر في محافظة أبخ شمالا.
من جانبه، يقول وزير الإعلام والاتصالات إن بلاده تسعى منذ عدة سنوات لجعل الإعلام والاتصالات تواكب التطور الجاري في جيبوتي، مشيرا إلى وجود مساع من أجل فتح المجال لتأسيس صحف محلية، خصوصا بالأقاليم، مع تطوير الإعلام المرئي والمسموع أيضا.
ويكشف الوزير النقاب عن أنه جرى مؤخرا فتح المجال لعدة شركات محلية ودولية لهذا الغرض. ويقول: «ستقوم شركة هندية بإقامة مركز عبارة عن (مبنى ذكي كبير) لإنتاج الأفلام والأعمال الدرامية إضافة لخدمات الاتصالات المتطورة».
وأصبحت تمر من جيبوتي ثمانية كوابل بحرية عالمية، وتتجه إلى العمق الأفريقي ثم إلى أوروبا عبر مصر والأردن والشرق الأوسط والمحيط الهندي وصولا إلى آسيا أيضا. ويضيف الوزير عبدي يوسف سجيه: «آخر كابل ألياف ضوئية حديث سيمر من جيبوتي وتم إطلاقه مؤخرا ويصل إلى كينيا وتنزانيا والصومال وغيرها في أفريقيا وهذا يخدم الاتصالات والإنترنت... نحن بمثابة الحلقة لأفريقيا والمنطقة».
وتحاول الدولة أن تزيد من مساحة اللغة العربية في وسائل الإعلام، ويتحدث جانب كبير من الطبقة العليا في البلاد بالفرنسية لأسباب تتعلق بالتعليم في حقبة الاحتلال الفرنسي للبلاد، بينما تنتشر على المستوى الشعبي وعلى نطاق واسع اللغات المحلية، الصومالية والعفرية، إلى جانب اللغة العربية التي يتحدث بها أكثر من 30 في المائة من عدد السكان، الذي يقل قليلا عن مليون نسمة.
وتعود أصول الوزير الجيبوتي، سجيه، إلى القبيلة الصومالية، وكان جده شاعرا مشهورا في جيبوتي. وبالإضافة إلى اللغة الصومالية، يتحدث الوزير الفرنسية والإنجليزية، وتعلم اللغة العربية على فترات قصيرة، ويضيف قائلا إن «كل الناس في جيبوتي يفهمون اللغة العربية، لكنهم نادرا ما يتكلمون بها».
وتمتلك جيبوتي حدودا قارية وبحرية، وتبلغ حدودها الشمالية مع إريتريا نحو 520 كيلومترا، وتحدها من الغرب والجنوب إثيوبيا، ومن الجنوب أيضا الصومال، وتمتد شواطئها إلى نحو 370 كيلومترا، من رأس دويرة شمالا، إلى قرية لوعدا جنوبا، وتقدر مساحتها بـ23 ألف كيلومتر مربع، وفي الجنوب الشرقي تقع محافظة «علي - صبيح»، وفي الوسط محافظة «عرتا»، وفي الجنوب الغربي محافظتا «دخل» و«تاجورة»، بينما تقع محافظة أبخ في الشمال الغربي؛ وكل محافظة يقطنها من 30 ألفا إلى 40 ألف نسمة، أما باقي السكان فهم من البدو الرحل الذين يسكنون البوادي، ويرتكز باقي السكان، أي نحو 400 ألف نسمة، في العاصمة.
وبالتزامن مع برامج للرعاية الاجتماعية موجهة إلى الطبقات الدنيا أطلقتها الحكومة تحت رعاية رئيس الدولة إسماعيل عمر غيلة، يولي الرئيس غيلة أيضا اهتماما ملحوظا بالفاعلين في القطاع الخاص الجيبوتي، سواء كانوا من القطاع المحلي أو الأجنبي، بهدف الاستفادة من التعاون بين الجانبين في تطوير مجال التجارة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والحرف اليدوية والسياحة، بما يعود بالنفع على القطاع المحلي الجيبوتي.
وفي هذا الصدد، جرى كذلك إطلاق آلية مؤسسية مختصة بالتشاور بين القطاع العام والخاص، وتحظى باهتمام أعضاء من الحكومة والبرلمان وممثلين من المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية، وذلك من أجل البحث عن حلول للعقبات التي تعرقل النمو في البلاد، والعمل على تسهيل تنفيذ المقترحات المبتكرة لصالح الشركات المحلية. وفي المقهى الملحق بفندق مينليك، وهو اسم يعود لملك أفريقي قوي من الزمن الماضي، بدأ عدد من رجال الأعمال المحليين والأجانب يتوافد لشرب قهوة الصباح وبحث المشروعات الجديدة. ويقول عيسى موسى وهو رجل أعمال جيبوتي، استحوذ على جانب من المشروعات الجديدة لتطوير المساكن الشعبية في العاصمة، وفقا للخطة التي وضعها رئيس الدولة، إن الاستثمار في بناء المساكن وتطوير البنية التحتية أصبح مثيرا لشهية كثير من المستثمرين العرب. ومن جانبه يضيف تبيع، مدير ورئيس شركة لافياثان، مستبشرا: «حصلنا مؤخرا على عقود بتسلم مئات الحاويات في الميناء لنقلها إلى إثيوبيا».
ويشترك مع مدير شركة «شرق أفريقيا للمواشي والتجارة العامة»، السوداني الجنسية، رجال أعمال مصريون ويمنيون وسودانيون. وتبدو الحركة الدائبة في جيبوتي أكبر من إمكانات الموانئ البحرية والمطارات؛ ولهذا ترحب الدولة ورجال الأعمال بكل من يأتي للعمل هنا، ومن أبرز هؤلاء الصينيون الذين يقومون بتوسيع عدد من الموانئ وشق الطرق وخطوط السكك الحديدية.
وارتفعت كمية الواردات التي تصل إلى ميناء جيبوتي بنسبة تصل إلى 300 في المائة خلال السنوات العشر الأخيرة. ويصل إلى جيبوتي سنويا نحو 3 ملايين حاوية، معظمها خاص بدول تقع في وسط أفريقيا.
ويقول أحد رجال الأعمال: «أحيانا تنتظر السفينة لمدة عشرين يوما من أجل دخول الميناء لتفريغ شحنتها... ولهذا دخل الصينيون لبناء موانئ جديدة لاستيعاب احتياجات 300 مليون نسمة في المنطقة».



غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.