متحف الفن الإسلامي ودار الكتب يحتفلان بمرور 113 عامًا على تأسيسهما

يتأهبان للافتتاح الرسمي بعد أن نفثا غبار الإرهاب عن مقتنياتهما

مبنى المتحف  الذي أتم عامه الـ113 بعد الترميم - بهو القاعات الفاطمية - قاعة الفن العثماني - قاعة العصر الأموي والعباسي والطولوني
مبنى المتحف الذي أتم عامه الـ113 بعد الترميم - بهو القاعات الفاطمية - قاعة الفن العثماني - قاعة العصر الأموي والعباسي والطولوني
TT

متحف الفن الإسلامي ودار الكتب يحتفلان بمرور 113 عامًا على تأسيسهما

مبنى المتحف  الذي أتم عامه الـ113 بعد الترميم - بهو القاعات الفاطمية - قاعة الفن العثماني - قاعة العصر الأموي والعباسي والطولوني
مبنى المتحف الذي أتم عامه الـ113 بعد الترميم - بهو القاعات الفاطمية - قاعة الفن العثماني - قاعة العصر الأموي والعباسي والطولوني

شهدت القاهرة، أمس الخميس، احتفالية مزدوجة بمرور 113 عاما على افتتاح درة المتاحف الإسلامية في العالم، متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، وافتتاح دار الكتب المصرية التي تشغل الطابق الثاني منه في 28 من ديسمبر (كانون الأول) عام 1903.
بدأت الاحتفالية بمعرض للصور التي توثق حالة مبنى المتحف عقب التفجير الإرهابي الذي تعرض له في 24 يناير (كانون الثاني) 2014، إثر عربة مفخخة دمرت واجهته وصالات وقاعات العرض وبعض المقتنيات الأثرية، بعد أن بلغت تكلفة ترميمه 57 مليون جنيه، حيث تمت إعادة ترميم 164 قطعة أثرية تضررت من التفجير، في حين تعرضت 10 قطع أثرية للتهشم بالكامل، ولم تتضرر محتويات المخازن التي يصل عددها إلى 97000 قطعة.
ثم استعرض الدكتور أحمد الشوكي، المشرف العام على متحف الفن الإسلامي، تاريخ المتحف ومراحل تطوره انتهاء بالتطوير الأخير، وما تم فيه من إنجازات وترميم. وقال الشوكي: «قيمة هذا المتحف تعود لكونه يمثل بانوراما فريدة من نوعها للعصور الإسلامية كافة، بتراثها وفنونها من أعمال فنية يبلغ عددها 102 ألف قطعة أثرية نادرة، تمثل الحضارة الإسلامية منذ فجر الإسلام وحتى نهاية العصر العثماني». مضيفا: «تلك القطع تعكس اهتمام الحضارة الإسلامية بالفنون، وقد تم جمعها من جزيرة العرب وتركيا وبلاد فارس والمغرب والهند والصين، وهي تتنوع في خاماتها بين الخشب والجص والمعادن والخزف والزجاج والمنسوجات».
ويقبع المبنى الحالي للمتحف العريق في ميدان باب الخلق الشهير بوسط القاهرة التاريخية. وشيد المبنى الحالي عام 1902 ليكون ثاني مبنى شيد بالخرسانة المسلحة بعد المتحف المصري، وافتتحه الخديو عباس حلمي الثاني في 28 ديسمبر 1903. لكن فكرة إنشاء المبنى وجمع المقتنيات الثمينة بدأت في عصر الخديو إسماعيل، وفي عهد الخديو توفيق قام «فرانتز باشا» بجمع التحف الأثرية الإسلامية في الإيوان الشرقي من جامع الحاكم بأمر الله. وفي عام 1881 صدر مرسوم خديوي بتشكيل لجنة لحفظ الآثار العربية. وبعد أن ضاق الإيوان بمقتنياته من التحف، استقر الرأي على بناء المبنى الحالي في ميدان باب الخلق تحت اسم «دار الآثار العربية»، ووضع حجر الأساس عام 1899، وانتهى البناء عام 1902، ثم نقلت التحف إليه.
وحضر حفل افتتاح المبنى اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني، كما حضر رياض باشا رئيس مجلس النظار وعدد من أعضاء مجلس شورى القوانين، والإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية، والشيخ حسونة النواوي شيخ الجامع الأزهر آنذاك، وعدد كبير من الأعيان وعدد من أصحاب الصحف والصحافيين، ورئيس وأعضاء لجنة حفظ الآثار العربية.
شيدت واجهة المتحف على طراز المباني المملوكية المنتشرة بأرجاء القاهرة، ولا سيما في استخدام الحجر المشهر، وفي عام 1952 تم تغيير اسمه من «دار الآثار العربية» إلى «متحف الفن الإسلامي»، وذلك لأن الفن الإسلامي يشمل جميع أقاليم العالم الإسلامي العربية وغير العربية، تحت رعاية الخلفاء والحكام المسلمين على امتداد الإمبراطورية الإسلامية.
وينقسم المتحف تبعًا للعصور والعناصر الفنية والطرز، من الأموي والعباسي والأيوبي والمملوكي والعثماني، إلى 10 أقسام تبعًا للعناصر الفنية، وهي: «المعادن، والعملات، والأخشاب، والنسيج والسجاد، والزجاج، والزخرف، والحلي، والسلاح، والأحجار، والرخام». ومن بين أهم مقتنياته «دينار من الذهب» ترجع أهميته إلى كونه أقدم دينار إسلامي، عليه شعار «الببر» الذي يرمز للسلطان بيبرس البندقداري. ومن ضمن المخطوطات النادرة في المتحف مصحف نادر من العصر المملوكي، وآخر من العصر الأموي مكتوب على رق الغزال. كما يحتفظ متحف الفن الإسلامي بمجموعات متميزة من الخشب الأموي المزخرف بطرق التطعيم والتلوين والزخرفة بأشرطة من الجلد والحفر، وأفاريز خشبية من مسجد عمرو بن العاص تعود إلى عام 212 هجرية، وأخشاب من العصر العباسي والعصر الطولوني الذي يتميز بزخارفه التي تسمى «طراز سامراء» وهو الذي انتشر في العراق.
وحول تاريخ دار الكتب المصرية وتطورها وقيمتها التاريخية والثقافية، تحدثت الدكتورة عايدة عبد الغني، المشرفة العامة على دار الكتب المصرية بباب الخلق، قائلة: «تُعد دار الكتب أول مكتبة وطنية في العالم العربي، نشأت بمبادرة من علي باشا مبارك، ناظر المعارف في عصر الخديو إسماعيل، بقرار سنة 1286هـ - 1870م، بتأسيس الكتبخانة الخديوية المصرية في الطابق الأرضي بسراي الأمير مصطفى فاضل، شقيق الخديو إسماعيل، بدرب الجماميز».
ومع ازدياد نمو المكتبة وضيق المكان بمقتنياته، وضع حجر أساس مبنى جديد للكتبخانة الخديوية (المتحف الإسلامي الآن) وفتح المبنى للزوار في أول سنة 1904.
ولفتت إلى أن دار الكتب «تضم مجموعة قيمة من أندر المقتنيات التراثية وأثمنها، وتُعد من أعظم ما خَلّفته الثقافة الإسلامية والعربية، من أهمها: مخطوطات نادرة في الدين والطب والفلك والأدب واللغة، مكتوبة باللغات: العربية، والتركية، والفارسية. ومصاحف شريفة تتميّز بجودة الخط، وبراعة الزخرفة، وجمال النقوش المُحلاة بالذهب. وبرديات عربية. ووثائق. و(فَرَمانات) بالعربية وبالتركية. ومجموعة من المسكوكات والعملات ذات القيمة الأثرية المهمة، تضم: عملات ذهبية وفضية ونحاسية وبرونزية سُكّت في عصور مختلفة. إضافة إلى مجموعة قيمة من: لوحات الخط العربي، والخرائط النادرة، وأوائل المطبوعات والدوريات».
تضم الدار ما يربو على 57 ألف مخطوط تعد من أنفس المجموعات على مستوى العالم قاطبة، بتنوع موضوعاتها وخطوطها المنسوبة ومخطوطاتها المؤرخة. كما تضم مجموعة نفيسة من أوراق البردي العربية، من بينها مجموعة عُثر عليها في «كوم أشقاو» بالصعيد يبلغ مجموعها ثلاثة آلاف بردية، تتعلق بعقود زواج وبيع وإيجار واستبدال وكشوف وسجلات وحسابات خاصة بالضرائب أو دفع صداق، وغيرها من الموضوعات. وأقدم البرديات يعود لسنة 87هـ (705م) ولم ينشر منها إلا 444 بردية. كما تمتلك الدار مجموعة طيبة من النقود العربية يعود أقدمها إلى سنة 77هـ (696م).
وقد استمرت دار الكتب في أداء وظيفتها وتقديم خدماتها للباحثين والقراء حتى 1971، حينما نقلت إلى مبنى آخر بكورنيش النيل، لترميم وتطوير المبنى التاريخي القديم بباب الخلق، لتكون منارة للثقافة والتنوير على أحدث النظم العالمية، ومتخصصة في الدراسات الشرقية، وأُعيد افتتاحها بعد عملية التطوير في 25 فبراير (شباط) 2007.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)