روسيا «القوة العالمية»... وقيادة بوتين

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى إزاحته الستار عن نصب الأمير القديس فلاديمير أمام قصر الكرملين في وسط موسكو خلال شهر نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى إزاحته الستار عن نصب الأمير القديس فلاديمير أمام قصر الكرملين في وسط موسكو خلال شهر نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)
TT

روسيا «القوة العالمية»... وقيادة بوتين

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى إزاحته الستار عن نصب الأمير القديس فلاديمير أمام قصر الكرملين في وسط موسكو خلال شهر نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى إزاحته الستار عن نصب الأمير القديس فلاديمير أمام قصر الكرملين في وسط موسكو خلال شهر نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)

برزت روسيا خلال العام الماضي بوصفها «قوة عالمية» بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين الذي تصدر مجموعة لا بأس بها من التصنيفات الدولية، بما في ذلك تصنيف مجلة «فوربز» للشخصيات الأكثر نفوذًا في العالم. وهذا هو العام الرابع على التوالي الذي يتصدر فيه الرئيس الروسي ذلك التصنيف.
المجلة الأميركية اعتبرت أن الرئيس الروسي واصل «تحقيق جميع أهداف بلاده في سوريا، وعلى مسرح الانتخابات الأميركية». وفعلاً، يجمع المراقبون على أن الدور الروسي في الأزمة السورية شكّل المنصة الرئيسية والأهم التي انطلق منها «سيد الكرملين» في الإعلان عن موقع روسيا في السياسة الدولية، وهو يدرك في الوقت ذاته أن استعادة موقع «القوة العالمية» لبلاده سيضعه بشكل أو بآخر في مواجهة مع الولايات المتحدة، ويفرض عليه تحدي الهيمنة الأميركية.
كان بوتين، منذ توليه الحكم عام 2000، قد تبنى موقفًا واضحًا من منظومة العلاقات الدولية التي قامت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، إذ رفض بحزم سياسة «الأحادية القطبية»، فوجه طيلة السنوات الماضية انتقادات حادة اللهجة ضد تفرّد الولايات المتحدة بالقرار الدولي، وبذل في غضون ذلك كل ما من شأنه المساهمة في إعادة بناء تلك المنظومة على أساس الشراكة الندية دوليًا بين موسكو وواشنطن.
في البداية، اقتصرت جهود بوتين في هذا المجال على توجيه انتقادات للسياسات الأميركية، ولعل خطابة أمام مؤتمر الأمن الدولي في ميونيخ عام 2007 كان الأبرز في هذا الشأن؛ حينها شدد بوتين على أن «محاولة إيجاد حلول للمشكلات بصورة أحادية الجانب تسببت بمآس إنسانية جمة». وفي حوار تلفزيوني في صيف عام 2013، أعرب عن يقينه بأن «القيادة الأميركية تدرك تمامًا أنها لن تتمكن وحدها من حل القضايا العالمية الراهنة»، داعيًا تلك القيادة والنخب السياسية الأميركية إلى تغيير نمط تفكيرها. وهذه ليست سوى عينة من تصريحات كثيرة لبوتين انتقد فيها «الهيمنة الأميركية»، وهو يؤكد دومًا انفتاح بلاده على التعاون مع الجميع «على أساس المساواة».
وفي حين كانت روسيا تواصل إدارة علاقاتها مع واشنطن، وسعيها لشغل موقع الشريك في الشأن الدولي، عمدت داخليًا إلى وضع برامج لتحديث السلاح في الجيش الروسي، وتعزيز القوة العسكرية، بالتزامن مع جملة خطوات سياسية - دبلوماسية، نسجت عبرها شبكة علاقات مع دول في الشرق الأوسط.
هذه العناصر سمحت لبوتين في نهاية المطاف أن ينقل تلك السياسة الخارجية إلى موقع متقدم، حين لعبت روسيا دورًا رئيسيًا في التوصل لاتفاق، في منتصف سبتمبر (أيلول) عام 2013، حول تدمير الترسانة الكيميائية للنظام السوري. وحينها، تحركت موسكو لصياغة ذلك الاتفاق، على خلفية إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما نيته إطلاق عملية عسكرية جوية ضد نظام الأسد عقابًا على المجازر التي ارتكبتها قواته مستخدمة السلاح الكيميائي في غوطة دمشق.
وبصرف النظر عن الظروف الدولية والإقليمية التي ولد فيها اتفاق تدمير السلاح الكيميائي السوري، فإن بوتين قد أظهر حرصًا شديدًا في وضع الاتفاقية ضمن سياق «النتائج الملموسة والمؤثرة على الأمن والاستقرار الدوليين التي يمكن تحقيقها عبر العمل الجماعي والشراكة بين موسكو وواشنطن»، مكررًا دعوته إلى بناء علاقة ندية، أو كما يصفها الروس «تقوم على المساواة» بين روسيا والولايات المتحدة.
وفي السياق ذاته، وضع بوتين الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في يوليو (تموز) عام 2014، حول الملف النووي الإيراني. إلا أن مساعي بوتين لتغير نهج السياسة الأميركية، وتحديدًا أن تتعامل واشنطن مع موسكو كشريك في الشأن الدولي، لم تأت بالنتائج المرجوة، فقد كانت روسيا تحقق تقدمًا في مجال لعب دور محوري حاسم في القضايا الدولية الحساسة، وأخذت عبر دورها في الأزمة السورية بصورة رئيسية تحتل الصدارة في الحراك السياسي الدولي، إن كان في المحادثات مع واشنطن أو مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن مواقفها في مجلس الأمن الدولي.
وجاء إعلان بوتين عن العملية العسكرية في سوريا نهاية سبتمبر 2015 ليشكل نقلة نوعية، لجهة الخطوات الروسية الرامية إلى فرض الشراكة بديلاً عن أحادية القطب في السياسة الدولية، ولعب دور «القوة القائدة» في التصدي للتهديد الإرهابي. وكان قد سبق الإعلان عن تلك الخطوة تصريحات انتقد فيها بوتين بشدة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الإرهاب، داعيًا إلى تشكيل تحالف للمهمة ذاتها، لكن تحت سقف الشرعية الدولية وبموجب القوانين، بما في ذلك تلك التي تفرض على دول التحالف التنسيق مع من تقول روسيا إنها «سلطة شرعية في دمشق».
وخلال عام 2016، استغل الرئيس الروسي كل ظرف مناسب ليكرر دعوته بتشكيل ذلك التحالف، مع تركيز على أن ما يقترحه هو «البديل الشرعي» عن تحالف تم تشكيله بقرار دولة واحدة منحت نفسها الحق في اتخاذ القرارات التي تناسبها دون العودة للشرعية الدولية والالتزام بالقوانين والمعايير ذات الصلة. ويرى كثيرون أن من أهداف العملية العسكرية الروسية في سوريا محاولة موسكو «فرض» الشراكة على واشنطن عبر عمل عسكري مشترك في سوريا «ضد الإرهاب»، خصوصًا أن وجود القوات العسكرية للبلدين على مسرح عمليات عسكرية واحد يضيق من خيارات واشنطن. وبالتالي، فإما تتعاون مع القوات الروسية ضمن الحد الأدنى من الرؤية التي عرضها بوتين، أو ترفض التعاون وتواجه تبعات أي حادث تصادم في الأجواء السورية بين المقاتلات التابعة للتحالف الدولي والمقاتلات السورية. إلا أن واشنطن رفضت الفكرة، وطالبت موسكو بالتخلي عن دعمها للنظام السوري كشرط للتعاون العسكري ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا. وانتهى الأمر بتوقيع مذكرة حول ضمانة السلامة لتفادي الحوادث خلال الطلعات الجوية في الأجواء السورية.
إلا أن هذا لم يقلل من أهمية التدخل العسكري الروسي في سوريا، باعتباره البوابة التي ساعدت روسيا على الإعلان عن نفسها قوة دولية جاهزة للتحرك عسكريًا في أي مكان من العالم عندما تتطلب مصالحها ذلك. ومن خلال سوريا كذلك، استعرضت روسيا «عضلاتها العسكرية»، وتعمدت بث مشاهد القصف الصاروخي من بحر قزوين والبحر الأسود باتجاه الأراضي السورية، وحرّكت قاذفاتها الاستراتيجية من نقاط عدة في الأراضي الروسية لتنفيذ مهام في سوريا، فضلاً عن تحريكها قطعها البحرية، ونشر قوة دائمة في المتوسط، وما ترافق مع ذلك من عرض لقدرات تلك القطع في تنفيذ قصف صاروخي، أو طلعات جوية من على متن حاملة الطائرات «الأميرال كوزنيتسوف». وقبل ذلك كله، كانت قد نشرت منظومات «إس - 400» و«إس - 300» الصاروخية على الأراضي السورية، مع ترويج لقدرات تلك المنظومات.
في غضون ذلك، لم تخفِ روسيا حقيقة أنها تستعرض أسلحتها عبر عملياتها في سوريا، وكان الرئيس بوتين قد قال خلال اجتماع في الثامن من يوليو مع لجنة التعاون التقني - العسكري مع الدول الأجنبية، إن «السلاح الروسي يصبح أكثر فعالية، وهذا أمر يمكن التأكد منه، وليس في المعارض فحسب». وفي شهر مايو (أيار)، أشار بوتين خلال اجتماع مع كبار القادة العسكريين إلى أن «العملية في سوريا عرضت مدى فعالية وقوة الأسلحة الروسية». وخلال اجتماع مماثل يوم 22 ديسمبر (كانون الأول)، أضاف أن «استخدام أسلحتنا في سوريا يفتح أفاقًا أمام التعاون التقني - العسكري»، وهو المصطلح الذي يدل على صفقات الأسلحة الروسية للدول الأخرى.



لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.