أيام قليلة في بانكوك تنقل السائح إلى «أرض الابتسامات»

قد يظن السائح للوهلة الأولى عند وصوله إلى مطار بانكوك ورؤيته تلك الابتسامة المرسومة على وجوه التايلانديين وطريقة الترحيب التي يستقبلون بها زائرهم أنها لا تعدو كونها بعض التقاليد التي تطبع هذا البلد، لكنه لن يحتاج إلى أكثر من ساعات قليلة حتى يدرك تمامًا أن عبارة «أرض الابتسامات» التي تعلو جدران المطار هي خير توصيف لبانكوك وأهلها الضاحكين دائمًا.
سبر أغوار العاصمة بانكوك التي تعكس صورة الثقافة التايلاندية المطعمة بالثقافة الصينية يحتاج إلى ما لا يقل عن أسبوع، لكن 3 أيام من الممكن أن تكون كافية لسائح اختار أن يقضي إجازة قصيرة لاكتشاف أسرار هذا «العالم» المتناقض في تفاصيله، لا سيما في صخب المدينة وضجيجها الذي ينعكس راحة وسلامًا داخليًا في نفوس زائريها.
التنقل في شوارع بانكوك التي يزيد عدد سكانها على 8 ملايين نسمة، بزحمتها «المحببة»، كفيل برسم المشهد التايلاندي الذي يتفاوت بين حياة الفقراء والبائعين المنتشرين على جوانب الطرقات باختلاف أنواع بضائعهم، بما فيها الطعام السريع، وبين تلك الفنادق ذات الخمس نجوم والمباني الشاهقة التي تعكس تطور هذا البلد الاقتصادي والتجاري. ويأتي تصدر بانكوك كوجهة أولى سياحيًا في العالم لعام 2016 ليؤكد مدى الاهتمام الذي توليه السلطات التايلاندية لقطاع السياحة والاتفاقات التي تعقدها مع الحكومات والمؤسسات في عدد من الدول، كان آخرها مع شركة «فلاي دبي» التي بدأت تسيير رحلات مباشرة من وإلى بانكوك، بمعدل رحلتين يوميًا، وهو ما من شأنه أن يساعد في زيادة السياحة، ليس فقط من الإمارات، إنما من مختلف الدول العربية. كذلك تحرص السفارات التايلاندية على تسهيل الحصول على تأشيرة الدخول.
وضع جدول سياحي لاكتشاف هذا البلد الآسيوي ليس بالأمر الصعب في ظل تنوع وتعدد الخيارات التي تجمع بين مختلف الاهتمامات. من السياحة الترفيهية والثقافية إلى العلاجية والتسوق سيجد كل سائح مبتغاه. لكن تبقى بعض الأماكن التي لا بد لزائر بانكوك أن يكتشفها، وهي مرتبطة بشكل وثيق بالثقافة والتاريخ التايلانديين، أبرزها المتعلقة بالديانة البوذية التي يعتنقها أكثر من 90 في المائة من الشعب التايلاندي. وللمزارات البوذية موقعها في عدد من المناطق في بانكوك، وهي ترتبط بكثير من المعتقدات لديهم، بما فيها «مفهوم سانوك»، الذي يهدف بشكل أساسي إلى التذكير بأن كل شيء في هذه الحياة يتبدل ويتغير، والمهم هو الاستمتاع في كل لحظة يعيشها الإنسان.
ومن أبرز أماكن الجذب السياحي في بانكوك، هو «معبد وات آرون» أو «معبد الفجر»، هذا البرج الذي يبلغ ارتفاعه 70 مترًا بهندسته المعمارية الفريدة وبتصميمه وزخرفته المميزين، يمكن الوصول إليه عبر ما يعرف بـ«التاكسي النهري»، الذي ينقل السائح إلى أماكن سياحية متعددة في رحلة واحدة. ولزيارة هذا المعبد عند شروق أو غروب الشمس وقعها المختلف، حيث تنعكس عليه أشعة الشمس محولة إياه إلى قطعة ذهبية لامعة.
كذلك، يتميز «معبد بوذا الذهبي» الذي بُني عام 1832 بأنه يحتوي على أكبر تمثال من الذّهب الذي يزن 5 أطنان ونصف الطن وبطول نحو 5 أمتار. وهو قريب من الحي الصيني الأقدم على الضفة الغربية من نهر «تشاو فرايا» ويسمح للسائح باكتشاف الصين من بانكوك، حيث الشوارع والطرقات ترتدي الطابع الصيني من كل النواحي، التسوق والمطاعم وحتى الفنادق، ويمكنه أن يختار لهذه الغاية التنقل على «التوك توك»، وهو التاكسي الشعبي في بانكوك، حيث يقوم بدور المرشد السياحي في هذا الحي الذي يحتاج اكتشافه إلى ساعات عدّة مشيًا على الأقدام.
كذلك، يعد «وات فو»، أي معبد بوذا المتكئ، أكبر وأقدم معبد بوذي في المدينة، بحيث تبلغ مساحته أكثر من 80 ألف متر مربع، ويضم نحو ألف تمثال، من بينها تمثال بوذا المتكئ المغطى بطبقة ذهبية ومصنوع من مادة الإسمنت، الذي يبلغ ارتفاعه 15 مترًا وطوله 43 مترًا.
القصر الكبير أو قصر ملوك تايلاند محطة سياحية أساسية في بانكوك، لكونه من أبرز معالم المدينة التاريخية الذي شيد في القرن السابع عشر، ويمتد على مساحة شاسعة. وأهمية هذا الصرح الذي يشهد يوميًا توافد آلاف الزائرين السياح إليه يعكسها الإبداع في هندسته الداخلية والخارجية المبهرة، وهو يستخدم الآن للمناسبات الاحتفالية الكبرى، مثل التتويج وغيرها من احتفالات وطنية في تايلاند.
وللرحلة النهرية عبر القوارب متعتها الخاصة في بانكوك، حيث يشق القارب طريقه في جولة على نهر «تشاو فرايا» يكشف من خلالها سحر المدينة الصاخبة ليلاً ونهارًا ومعالمها، في مشهد رائع وفريد من نوعه، كما تمتد على ضفاف النهر المطاعم باختلاف أنواعها التي تحترف تقديم أفضل الأطباق التايلاندية، بحيث يتسنى أيضًا للزائر الاستمتاع بعشاء على وقع عروض رقص فلكلوري وموسيقى تراثية تحرص معظم المطاعم على تقديمها.
مع العلم أن تذوق الأطباق التايلاندية يبقى أمرًا أساسيًا لا بد منه في أي زيارة إلى تايلاند، لا سيما البحرية منها على اختلاف أنواعها، إضافة إلى الأرز الذي يدخل في معظم الأطباق ويطبخ بطرق متعددة، وتحديدًا ما يعرف بـ«أرز الياسمين» بمذاقه المميز الذي يزرع فقط في تايلاند. كما يتميز المطبخ بتعدد نكهاته التي قد تضاف إلى الأطباق منفردة أحيانًا أو تدمج فيما بينها أحيانًا أخرى، وهي، المالحة والحامضة والحلوة والحارة.
وللتسوق عنوان بل عناوين في بانكوك. من الأسواق الشعبية المنتشرة في مختلف مناطق بانكوك التي تزخر بكل البضائع ذات النوعية المتوسطة بأسعار متدنية قابلة للتفاوض أيضًا، ولا سيما المقلدة منها لماركات عالمية، إلى تلك الراقية والأصلية الموجودة بدورها في أكبر المحلات والمتاجر، التي تعتبر أيضًا أسعارها مقبولة مقارنة مع بلدان أخرى، لا سيما أيضًا إذا كانت تخضع لحسومات. ومن أبرز الأسواق ما يعرف بـ«آسياتيك» أو السوق الليلية الواقعة على ضفة النهر، وتضم أكثر من 1500 محل تجاري و40 مطعمًا. هذه السوق تفتح أبوابها من الساعة الخامسة بعد الظهر حتى منتصف الليل، ويسمح للسائح بالاستفادة من كامل يومه من خلال التسوق وتذوق الأطباق التايلاندية على اختلاف أنواعها.
أما السوق الأهم من التي تبقى وجهة لا بد منها لأي زائر في بانكوك إن لطبيعتها المختلفة أو لناحية البضاعة التي تعرض فيها، فهي السوق العائمة المعروفة بـ«سوق دامنوين سادواك». وتبقى ميزة هذه السوق في طريقة بيع البضائع، التي ترتكز بشكل أساسي على الخضار والفاكهة، وذلك عبر عرضها على القوارب الملونة في النهر.
وفي السوق الواقعة على بعد نحو 100 كيلومتر غرب العاصمة التايلاندية، تحترف النساء التايلانديات بزيهن التقليدي وقبعاتهن المصنوعة من القش ترويج وبيع بضاعتهن الطازجة التي تنتجها المزارع الخاصة بعائلاتهن.
أما إذا اختار السائح زيارة بانكوك في شهر أبريل (نيسان)، فإضافة إلى استمتاعه بالطقس المعتدل في هذه الفترة من السنة، سيتسنى له التعرف عن قرب على احتفالات «سونكران» أو «رأس السنة التايلاندية»، التي تصادف بين 13 و15 من هذا الشهر، والاستمتاع بطقوس هذه المناسبة التي يتقدم تقويمها البوذي بـ543 سنة على التقويم الميلادي، فعلى سبيل المثال، وفي حين يحتفل العالم بعام 2017 الميلادي بعد أسابيع قليلة، سيحتفل التايلانديون بعد أشهر بعام 2559. وترتكز طقوس هذه المناسبة على «رش المياه»، بحيث سيكون كل من يمر في الشارع عرضة لأن يبتل بالمياه التي يحملها المحتفلون في أوعية لرشها على الناس في أجواء مليئة بالفرح والضحك.
مع العلم أن أفضل أشهر السنة لزيارة بانكوك، هي من ديسمبر (كانون الأول) لغاية شهر مايو (أيار)، حيث يكون الطقس معتدلاً ومنخفض الرطوبة.
ولن تكتمل رحلة بانكوك من دون أن يدلل السائح نفسه في مراكز التدليك المتخصصة، لكن ورغم انتشارها الكبير في شوارع المدينة، فإن اختيارها كذلك لا بد أن يكون دقيقًا. ويتنافس هنا عدد من الفنادق، منها فندق ومنتجع Anantara على تقديم هذه الخدمة بطريقة احترافية وفي «أجواء تايلاندية» على وقع موسيقى تمنح الجسم راحة نفسية وجسدية كاملة وطاقة تدوم لأيام طويلة.