كيف ستنتهي اندماجات الفصائل «الإسلاموية» وانشقاقاتها؟

تطورات حلب سرّعت المسار

عناصر من «جيش الفتح» تستخدم داخل روسية الصنع من طراز «تي 55» حصلوا عليها من قوات النظام (أ.ف.ب)
عناصر من «جيش الفتح» تستخدم داخل روسية الصنع من طراز «تي 55» حصلوا عليها من قوات النظام (أ.ف.ب)
TT

كيف ستنتهي اندماجات الفصائل «الإسلاموية» وانشقاقاتها؟

عناصر من «جيش الفتح» تستخدم داخل روسية الصنع من طراز «تي 55» حصلوا عليها من قوات النظام (أ.ف.ب)
عناصر من «جيش الفتح» تستخدم داخل روسية الصنع من طراز «تي 55» حصلوا عليها من قوات النظام (أ.ف.ب)

تشهد الساحة السورية تقلبات كثيرة في أوساط الجماعات المسلحة ذات التوجهات الإسلامية بعد إسقاط مدينة حلب وفي خضم تعدد مشاريع الاندماج بين مختلف الفصائل - ولا سيما الراديكالية منها. إذ يرى متابعون يرصدون الجماعات الإسلامية والحقائق على الأرض أن تمكين نظام بشار الأسد، بدعم من حلفائه، من السيطرة على حلب التي تُعد إحدى أكبر مدينتين في سوريا وعاصمتها الاقتصادية، لا بد أن يعني أن الصراع في سوريا المستمر منذ قرابة 6 سنوات يتجه نحو مرحلة جديدة عنوانها اندماجات وارتباطات جديدة على الجماعات التي ترفع شعارات إسلامية و«جهادية».
بدأت الانقسامات على ساحة التنظيمات المسلحة «الإسلاموية» أو ذات الشعارات الإسلامية، وبالتحديد على مستوى «جبهة فتح الشام» منذ الصيف الماضي، عندما أعلنت «جبهة النصرة» حينذاك فك ارتباطها بـ«القاعدة».
وقد حددت المنظمة الوليدة - في ذلك الوقت - رؤيتها العقائدية والسياسية والعسكرية، بحيث أعلنت: «نستمد عقيدتنا ومنهجنا وفقهنا من الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، ومن سار على دربهم من الأئمة والعلماء الربانيين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم». وشدد البيان على «دفع العدو الصائل على الدين وعلى حرمات المسلمين»، مؤكدًا أن هدف الجبهة هو تحكيم الشريعة «وإقامة دين الله في الأرض»، إلى جانب رفع الظلم عن «كل المظلومين». كذلك أكد البيان على «نبذ الفرقة والاختلاف»، داعيًا إلى «جمع الكلمة والائتلاف»، ومشددًا على وجوب الاجتماع تحت راية واحدة، «لتكون كلمة الله هي العليا».
لم يحظ فك الارتباط هذا بدعم عدد من المقاتلين والقياديين من بينهم الكوادر المؤسِّسة للجبهة داخل الجناح الأكثر تشددًا في التيار الراديكالي، مثل الأردنيين عماد الطوباسي المعروف بـ«أبو جليبيب الأردني»، وبلال خريسات المعروف بـ«أبو خديجة الشرعي» اللذين أعلنا انشقاقهما عن «جبهة فتح الشام»، فضلاً عن القائد العسكري للجبهة سمير حجازي الملقب بـ«أبو همام الشامي». ولقد عبّر التيار الأردني عن رفضه الشديد لفك الارتباط هذا.
إلا أن فك الارتباط ليس السبب الوحيد لانقسام صفوف هذه التنظيمات، ذلك أن تسارع الأحداث مع إسقاط حلب وتراشق الاتهامات لعبا دورًا أيضًا، أضف إلى ذلك المشاريع الجديدة كمفاوضات التوحّد بين «جبهة فتح الشام» وفصائل أخرى في الشمال السوري، وهي مشاريع لا شك أثرت أنها على قرار انفصال الجناح الأكثر تشددًا في الجبهة. من الواضح إذن أن تزامن هذه الانشقاقات، أو الإعلان عنها في الوقت الحالي، إنما هو تعبير واضح عن رفض أصحابها مساعي التوحد أو التشارك في كيان سياسي وتنظيمي موحد، يجمع «جبهة فتح الشام» بفصائل من المعارضة، وهي مساعٍ تكتسبُ حتى الآن زخمًا كبيرًا. وبحسب موقع «السورية نت» (Alsouria.net) بدأت فكرة الانشقاق، مع مشروع اندماج يضم كلاً من «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقًا)، وحركة نور الدين الزنكيّ، والحزب الإسلامي التركستانيّ، وجبهة أنصار الدين، وأجناد الشام، ولواء الحقّ، كما كانت حركة «أحرار الشام» الإسلامية تجري مباحثات مع الفصائل الثورية الأخرى للوصول إلى صيغة اندماج مع مشروع الاندماج الأول.
وفي هذا السياق، ذكر مصدر مسؤول في «جيش الفتح» لـ«السورية نت» - طالبًا عدم الكشف عن اسمه، أن «أحرار الشام التقت مع فتح الشام بحضور الزنكي، وأجناد الشام، واتفقوا بعد مشاورات على أن يرأس أبو عمار العمر، القائد الجديد لأحرار الشام التشكيل المزمع تشكيله، وكان مقترحًا أن يُطلق عليه اسم الهيئة الإسلامية السورية، على أن يكون أبو محمد الجولاني القائد الحالي لفتح الشام قائدًا عسكريًا، وتوفيق شهاب الدين القائد الحالي لحركة الزنكي رئيسًا لمجلس الشورى».
وأضاف المصدر ذاته أنه «تم وضع أسماء الفصائل المتوقع دخولها وهي 14 فصيلاً عسكريًا في الشمال السوريّ، إضافة إلى تشكيل لجنة شرعية مبدئية مكونة من أبو محمد عطون المسؤول الشرعي في فتح الشام، وأبو الصادق الحموي المسؤول الشرعي في أحرار الشام، إضافة إلى الشيخ أبي الحارث المصري وهو مستقل».
يقول المتحدث باسم «جبهة فتح الشام» على التلغرام: «لقد حان الوقت اليوم أن تصدر ساحة الشام عن كيان واحد يمثلها سياسيًا وعسكريًا، يشارك فيه جميع المسلمين من أبناء البلد ومن إخواننا المهاجرين، إذ إن المرحلة المقبلة تعد لنا جميعًا ولن تفرق بين أسود وأبيض. وبعد أن قطعنا شوطًا كبيرًا نحو تحقيق أمل أهل الشام، بدأت أقلام الشياطين تخوف الفصائل من أن مشروع الاندماج ستبتلعه الجبهة وتقوده، وينشرون الأكاذيب والأباطيل ليصدوا عن الواجب الشرعي بالاندماج والتوحد. وإننا ننكر هذا الكلام، فليس المشروع مشروع بيعة للجبهة، بل مشروع تكاملي يترأس مفاصله كل الجماعات، كل بما تميز به وبرز، ونؤكد أنه ليس مشروع محاصصة كذلك فضمن الجناح الواحد ستلتقي كفاءات الفصائل أجمع وسيقدم الأكفأ وصاحب التجربة».
غير أن هذا المشروع أدى إلى انقسامات داخل حركة «أحرار الشام». وقد تبعه مشروع آخر دائمًا حسب «السورية نت» قضى بالاندماج مع فصائل أخرى، وتضمنت مسودة المشروع تشكيل مجلس شورى من قادة الفصائل، وقيادة عسكرية مشتركة، ومجلس سياسي موحّد، إضافة إلى توحيد الإدارة المدنية والقضاء والحواجز وغيرها، قبل أن تنضمّ فصائل جديدة للمشروع كـ«جيش النصر وتجمع فاستقم جيش الإسلام، وصقور الشام، وفيلق الشام، وأهل الشام، والجبهة الشامية، وجيش المجاهدين، وشهداء الإسلام (من داريا)».
ولكن على الرغم من تعدد هذه الأجندات والمشاريع الانفصالية، فإن الخسائر الميدانية الأخيرة قد تعكر المشهد العام. فوفقًا لموقع «سيريان أوبزرفر» (Syrian Observer)، قد يشكل «الصقور» - أي المتشددين - المنفصلون عن جبهة «فتح الشام» أو (تنظيم جفش) منظمة جديدة تدعى «طالبان الشام». هذا المشروع الذي حسب المصدر ذاته حظي بدعم رمز أردني متشدد بارز هو «أبو محمد المقدسي»، المرشد السابق لزعيم تنظيم القاعدة «أبو مصعب الزرقاوي». وفي السياق ذاته، اعتبر الخبير في الحركات الإسلامية مروان شحادة أن قرار هؤلاء «الصقور» تعليق مشاركتهم في «جفش» لا يبدو أنه يحظى بتأييد المرجعيات، مثل «أبو محمد المقدسي»، الذي اعتبر أن قرار هؤلاء القادة بالانفصال عن الجبهة، يعتبر قرارًا خاطئًا، وأن «المقدسي» طالب المستقيلين، أو من ينوون الاستقالة من «جبهة فتح الشام» بالتراجع عن هذا القرار من منطلق معارضته «تشتيت الساحة الجهادية»، وفق المصدر.
في المقابل، لا يبدو واضحًا حتى الآن أي مستقبل يُقبل عليه المستقيلون، بالنظر إلى قلة عددهم وعدم توفر دعم قوي لهم، يؤهلهم لتشكيل فصيل مستقل. غير أن بعض المصادر تعتبر أن المتشددين ضمن «جبهة فتح الشام» يمكنهم أن يتوحدوا مع العناصر الفارة من تنظيم داعش المتطرف، الذين يبدو أنهم يتغلغلون الآن في الشمال السوري. وبالفعل، ذكرت مواقع معارضة أن 5 قياديين على الأقل من قيادات «داعش» توجهوا إلى محافظة إدلب، إلا أن هذه المعلومات نفاها الشيخ حسن الدغيم، معتبرًا أنه «ليست من معلومات أكيدة حتى الآن عن مكان وجودهم». ولكن أحد عناصر «داعش» الفارين، الذي يُعتقد أنه توجه إلى إدلب ويعرف باسم «أبو ثائر التونسي» - وهو قيادي عسكري سابق في «جبهة النصرة» - يقال إنه الآن موجود مع 4 «أمراء» من التنظيم بينهم بلال شاويش، الذي هو أيضًا عضو سابق في «جبهة النصرة» التحق بصفوف داعش خلال عام 2014.
كلمة أخيرة. وفي الوقت الراهن يبدو أن ساحة الفصائل المقاتلة في سوريا تواجه تغيرات جذرية في كثير من الاتجاهات، والوقت هو وحده كفيل بإظهار أي من القوى سينتصر في النهاية.



2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.