موسكو تستبعد «الهيئة العليا» عن مفاوضات آستانة وتعد لقاعدة دائمة في طرطوس

بوتين يحث الأسد على وقف شامل لإطلاق النار ... وموسكو ترسل كتيبة شرطة عسكرية إلى حلب

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستمع لشرح من وزير دفاعه سيرغي شويغو في الكرملين أمس (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستمع لشرح من وزير دفاعه سيرغي شويغو في الكرملين أمس (أ.ب)
TT

موسكو تستبعد «الهيئة العليا» عن مفاوضات آستانة وتعد لقاعدة دائمة في طرطوس

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستمع لشرح من وزير دفاعه سيرغي شويغو في الكرملين أمس (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستمع لشرح من وزير دفاعه سيرغي شويغو في الكرملين أمس (أ.ب)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن ما يجب القيام به الآن، بعد الانتهاء من «عملية حلب» هو الانتقال إلى المفاوضات السياسية لتسوية الأزمة السورية. ومن ناحية أخرى، أصدر بوتين مرسومًا بتوقيع «البروتوكول الإضافي» لاتفاقية قاعدة حميميم الجوية مع النظام السوري.
خلال مؤتمره الصحافي السنوي يوم أمس وصف الرئيس الروسي إجلاء المدنيين والمقاتلين من شرق مدينة حلب، عاصمة الشمال السوري، بأنها «أضخم عملية إنسانية في العالم المعاصر»، لافتًا إلى أنها «ما كانت لتتحقق دون النشاط الكبير الذي بذلته القيادة التركية والإيرانية، الرئيس التركي والرئيس الإيراني، وبالمشاركة الأكثر فعالية من جانبنا».
وبعد إشارته إلى ما قال: إنها «الإرادة الطيبة والعمل الذي قام به رئيس (النظام) السوري وطاقمه» في عملية الإجلاء، توقف الرئيس الروسي عند التعاون الثلاثي الروسي - التركي - الإيراني، منوها «ولا ننسى مصالح ومشاركة الدول الإقليمية الأخرى، الأردن والمملكة العربية السعودية، وبالطبع مصر. ولا شك بأنه لم يكن صائبًا حل مسائل كهذه، دون مشاركة لاعب عالمي مثل الولايات المتحدة، لذلك نحن مستعدون للعمل مع الجميع»، حسب قول بوتين، الذي أردف معربا عن قناعته بأن «الواقع العملي والحياة، أظهرا أن الصيغة الثلاثية (روسيا - تركيا - إيران) مطلوبة وسنعمل على تطويرها».
أما بالنسبة لمرحلة «ما بعد حلب»، فإن ما يجب القيام به - وفق ما يرى بوتين - هو، أولاً: «يجب أن يتم توقيع اتفاق حول وقف إطلاق النار على كل الأراضي السورية»، وثانيًا: «بعد وقف إطلاق النار على الفور يجب بدء مفاوضات عملية حول التسوية السياسية»، معيدًا للأذهان الاقتراح الروسي حول أن تكون العاصمة الكازاخية آستانة منصة لتلك المفاوضات، مؤكدًا موافقة الرئيسين التركي والإيراني على هذا الأمر، وعلى أن رئيس النظام السوري بشار الأسد موافق. وتابع أن «الرئيس (الكازاخي نور سلطان) نظرباييف تكرم بالموافقة على تقديم تلك المنصة، وتهيئة الأجواء لمثل ذلك العمل». وختم بوتين حديثه في هذا الشأن معربا عن أمله «في أن نتمكن من وضع هذا كله على المسار العملي».
من جهتها أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، إن كتيبة من الشرطة العسكرية الروسية تم إرسالها إلى حلب لتكون بمثابة قوة حفظ السلام لدعم السلطات المحلية.
إلى ذلك, كشف غينادي غاتيلوف، نائب وزير الخارجية الروسي، عن بعض تفاصيل الترتيبات للمفاوضات التي بادرت روسيا للدعوة إليها بين الأطراف السورية في آستانة. وفي حديثه لوكالة «إنترفاكس» أشار غاتيلوف إلى استبعاد «الهيئة العليا للمفاوضات» عن تلك المفاوضات، التي تقتصر قائمة المشاركين فيها «بصورة خاصة على وفد حكومي وقوى المعارضة الموجودة على الأرض، أي في سوريا»، حسب قول غاتيلوف. ولفت إلى أن «الهيئة العليا للمفاوضات معارضة خارجية»، ولذا فهي غير مدعوة: «أما إلى جنيف فيجب دعوتها»، وفق ما يرى نائب وزير الخارجية الروسي، الذي استطرد موضحًا أن «روسيا تدعو دومًا إلى أن يكون وفد المعارضة ممثلا لكل القوى التي تتمتع بنفوذ فعلي، وقوة واقعية».
وبعد تأكيده أن الاتفاق حول إطلاق مفاوضات في آستانة لا يشكل بديلاً عن جنيف، كان لافتا الفتور الذي أبداه غاتيلوف إزاء المفاوضات في الثامن من فبراير (شباط) بدعوة من المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، إذ أشار نائب وزير الخارجية الروسي إلى أن «موسكو دعت المبعوث الدولي منذ زمن أن يقوم بهذا الأمر، لكنه للأسف، ولأسباب خاصة به، رفض ذلك»، مبديًا استعداد روسيا للمشاركة في مفاوضات جنيف، التي قال: إن «روسيا ليست مشاركا مباشرا فيها، وإنما هي موجودة تقليديا في كواليس المفاوضات»، ومرجحًا أن تكون المشاركة الروسية فيها هذه المرة على مستوى الخبراء.
في شأن متصل أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسومًا بتوقيع «البروتوكول الإضافي» لاتفاقية قاعدة حميميم الجوية مع النظام السوري. ودون عرض أي توضيحات أو تفاصيل حول الهدف الحقيقي من ذلك البروتوكول، والأسباب التي دفعت إلى توقيعه.
جاء في المرسوم، على الموقع الرسمي للكرملين، أن فقرات البروتوكول «تنظم المسائل المتعلقة بنشر المجموعة الجوية الروسية، وممتلكاتها الثابتة والمتنقلة، على الأراضي السورية، والمسائل المتعلقة بضمان عملها». وتزامن هذا القرار مع إصدار بوتين مرسومًا ينص على «توقيع اتفاقية توسيع مساحة قاعدة الدعم التقني البحرية الروسية في ميناء طرطوس ودخول السفن الحربية الروسية إلى المياه الإقليمية والموانئ السورية»، وبالإضافة إلى تطوير البنى التحتية للقاعدة الروسية في طرطوس فإن الاتفاقية التي ينص مرسوم بوتين على توقيعها «تنظم وضع أفراد قاعدة الدعم التقني، ووضع أفراد أسرهم، ووضع العناصر الأمنية المختصة من الجانب الروسي».
وتجدر الإشارة إلى أن موسكو ودمشق لم توقعا حتى الآن الاتفاقية حول قاعدة طرطوس، التي يفترض أن تتحول بموجبها «قاعدة الدعم التقني» الروسية هناك، إلى قاعدة عسكرية متكاملة، تمتلك القدرة على استقبال مختلف أنواع السفن والغواصات، كمقر إقامة دائم على ساحل المتوسط للأساطيل الروسية. وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عن نيتها إقامة قاعدة بحرية دائمة في ميناء طرطوس، وبينما ذكرت مصادر عسكرية أن الاتفاقية ستكون مثل اتفاقية حميميم (لأجل غير مسمى) قال برلمانيون روس حينها إن الاتفاقية ستكون لمدة 49 سنة. ويوم أمس سارع قسطنطين كوساتشيوف، رئيس لجنة الشؤون الدولية في المجلس الفيدرالي إلى التأكيد على أن المصادقة على الاتفاقية بعد توقيعها وعرضها، ستكون على رأس قائمة الأولويات في عمل البرلمان الروسي.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.