قالت مصادر تركية رسمية لـ«الشرق الأوسط» إن ثمة أجواء إيجابية طغت على المحادثات الثلاثية التي جرت في موسكو حول الأزمة السورية، مشيرة إلى أن الأطراف المشاركة كانت مقتنعة بشكل واضح بضرورة التوصل إلى حل للأزمة، وبأن التصلب في المواقف لا يفيد في هذا المجال، مشيرة إلى أن نتائج اجتماعات موسكو «سوف تنعكس إيجابا على حل الأزمة السورية».
وأشارت المصادر إلى أن أهم ما تم التوصل إليه في هذا المجال هو وضع خريطة طريق للحل السياسي للأزمة تبدأ بوقف إطلاق نار شامل على جميع الأراضي السورية، من دون أن يعني ذلك أن يترك أمر محاربة الإرهاب جانبا، مشددة على أنه سيتم استهداف جميع الفصائل الإرهابية التي قد تعيق وقف إطلاق النار، ومشيرة إلى أن الاجتماع لم يخرج بتصنيف للجماعات الإرهابية، لكنها أكدت في المقابل أن تركيا ستواصل استهداف الجماعات الإرهابية في الشمال السوري كتنظيمي داعش وحزب العمال الكردستاني، في إشارة إلى المقاتلين الأكراد السوريين، كما أوضح أنه تم إبلاغ الإيرانيين بأن الجماعات الشيعية التي لن تلتزم بوقف النار سيتم استهدافها أيضا.
وفي حين قالت المصادر إن مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد لم يطرح على طاولة الاجتماع، فإنها أشارت إلى أن الكلام الروسي عن مرحلة انتقالية مدتها سنتين، قد يترك المجال مفتوحا أمام الأخذ والرد في هذا الموضوع. وأكدت المصادر أن تركيا دعت لمشاركة السعودية في المرحلة المقبلة من المفاوضات، ورأت أن دخول الرياض سيعزز الموقف التركي في عملية التفاوض.
وفي المقابل، لم تخفف التصريحات الأميركية التي تلت الاجتماع الثلاثي الذي عُقد في موسكو، أول من أمس، وضم إلى الطرف الروسي الطرفين الإيراني والتركي، من وقع تغييب واشنطن عن محادثات على هذا المستوى انتهت إلى جملة تفاهمات لحل الأزمة السورية. فبحسب عدد من المراقبين، وحتى مصادر أميركية، فإن «الولايات المتحدة جعلت نفسها غير ذات تأثير على الوضع في سوريا»، ما عزز الدور الروسي في المنطقة.
وكالولايات المتحدة الأميركية، لم تتعاط المعارضة السياسية السورية بارتياح مع ما صدر عن الاجتماع الثلاثي، خصوصا أنه تم بالتزامن مع ما قالت إنها «عملية تهجير قسري لأهالي حلب من مدينتهم»، مؤكدة تمسكها بمظلة الأمم المتحدة وبيان جنيف1 أساسا لأي مفاوضات مقبلة مع طرف النظام.
في المقابل، رحب المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، بالبيان المشترك الذي تلا اللقاء الثلاثي بين إيران وتركيا وروسيا، واعتبره «خطوة مهمة للدفع باتجاه استئناف المفاوضات بين الأطراف السورية في 8 فبراير (شباط) المقبل». وكان وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران اجتمعوا، الثلاثاء، في موسكو لبحث الأزمة السورية وسبل التسوية السياسية وأصدروا عقب اللقاء بيانا مشتركا، اتفقوا فيه على عدة نقاط، أبرزها استبعاد الحلول العسكرية والاعتراف بأهمية توسيع نظام وقف إطلاق النار، وإمكانية وصول المساعدات الإنسانية وحرية تنقل السكان المدنيين على أراضي سوريا.
وشدّد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات السورية، رياض نعسان آغا، على أهمية أن «تترافق أي عملية لوقف إطلاق النار مع تأمين حماية المدنيين، خصوصا في ظل ما يحصل في مدينة حلب من عملية تهجير قسري ترتقي لجريمة حرب»، متسائلا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا تم تجاهل مصير المدنيين المهجرين من حلب وأولئك الذين يتم تجميعهم في إدلب حيث بلغ عدد السكان اليوم 3 ملايين في إعلان موسكو؟»، محذرا من «هولوكوست» قد تُرتكب بحقهم.
وأشار آغا إلى أن الأطراف الـ3، موسكو وأنقرة وطهران، لم تتفق بعد على كامل تفاصيل العملية السياسية في سوريا وعلى رأسها مستقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد، مشددا على «رفض المعارضة السير بمفاوضات مع هذا النظام خارج مظلة الأمم المتحدة وبيان جنيف 1».
ونفى آغا أن تكون المعارضة قد تلقت أي دعوة للمشاركة في محادثات مقبلة في جنيف أو الآستانة، لافتا إلى أن ما يعنيهم بشكل خاص «تحديد مرجعية أي مفاوضات وأهدافها».
من جهته، رجّح رياض طبارة، السفير اللبناني السابق في واشنطن، أن يكون هدف موسكو من الاجتماع الذي عُقد الثلاثاء «مساعدة الأمم المتحدة في وضع خطوط عريضة تساهم بحل الأزمة السورية باعتبار الدول المجتمعة هي المعنية بشكل مباشر بالمسألة»، مستبعدا أن تسعى روسيا لـ«استبعاد الأمم المتحدة عن العملية السياسية في سوريا». وأشار طبارة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «اللافت في الاجتماع الذي عُقد في روسيا هو استبعاد واشنطن عنه، ما يثبت انسحاب الإدارة الأميركية السابقة من منطقة الشرق الأوسط، وهو ما فتح الباب العريض أمام موسكو للإمساك بزمام الأمور».
وقال دينيس روس، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي عمل في السابق مستشارا بشأن إيران والشرق الأوسط لدى حكومات جمهورية وديمقراطية أميركية، إن الولايات المتحدة جعلت نفسها «غير ذات تأثير» على الوضع في سوريا. وأضاف روس في حديث لوكالة «رويترز»: «لا تجد المعارضة مبررا يذكر للتجاوب معنا ومع الأسد. يعلم الروس والإيرانيون أننا لن نفعل شيئا لزيادة التكلفة عليهم جراء هجومهم على حلب ومدن سورية أخرى». واعتبر أن «روسيا تحركت لتجعل من نفسها وسيطا بعدما غيرت ميزان القوى على الأرض دون أن تأبه للعواقب على المدنيين».
ورفض المتحدث باسم وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، التلميحات إلى أن غياب أميركا عن الاجتماع يشير إلى تغير في النفوذ. وقال كيربي: «لا يرى الوزير كيري ذلك أنه تجاهل على الإطلاق... يعتبره جهدا آخر متعدد الأطراف لمحاولة التوصل إلى سلام دائم في سوريا ويرحب بأي تقدم نحو ذلك». وأكد المتحدث أن الطرف الأميركي «ليس قلقا من ماهية المكان الذي ستجري فيه المشاورات، بل، بالدرجة الأولى، من ضرورة إقناع حكومة دمشق ومعارضيها بالجلوس حول طاولة المفاوضات». وقال كيربي: «لا نزال مقتنعين بأن هذا الأمر يجب تطبيقه تحت إشراف أممي، وإن ستيفان دي ميستورا وفريقه هم الوسطاء المناسبون لإدارة هذه المشاورات».
وأقر مسؤول أميركي بأن غياب الولايات المتحدة عن محادثات الإجلاء من شرق حلب كانت طريقة روسيا لإظهار أن موسكو - وليس واشنطن - هي من يتحكم في الأمور.
من جهتها، اعتبرت الحكومة الألمانية «تصور التوصل لحل سلمي مع الرئيس بشار الأسد، أصبح أقل مما كان عليه قبل أحداث مدينة حلب».
وقال مارتين شيفر، المتحدث باسم الخارجية الألمانية، الأربعاء، إنه لم يعد من المتصور بشكل سليم كيفية التوصل إلى سلام دائم بالنسبة لسوريا مع الأسد بعد الأحداث المفزعة في حلب وفي ظل «كارثة إنسانية لم يشهد العالم مثلها منذ أجيال»، وتابع شيفر: «يبدو أن هناك داخل القيادة السورية اعتقادا بأن السيطرة على حلب هي اللبنة قبل الأخيرة في الانتصار»، ولفت إلى أن «من يعتقد ذلك، فهو يخدع نفسه».
مصادر تركية لـ «الشرق الأوسط»: اجتماعات موسكو ستنعكس إيجابًا على الأزمة السورية
«إعلان موسكو» يثبّت تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط... والمعارضة السورية غير مرتاحة
مصادر تركية لـ «الشرق الأوسط»: اجتماعات موسكو ستنعكس إيجابًا على الأزمة السورية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة