اللبنانيون يترقبون إنجازات «حكومة التناقضات» والبيان الوزاري اختبارها الأول

حرب لـ«الشرق الأوسط»: تعكس تطورات حلب وتحمل بذور تفجّرها من الداخل

اللبنانيون يترقبون إنجازات «حكومة التناقضات» والبيان الوزاري اختبارها الأول
TT

اللبنانيون يترقبون إنجازات «حكومة التناقضات» والبيان الوزاري اختبارها الأول

اللبنانيون يترقبون إنجازات «حكومة التناقضات» والبيان الوزاري اختبارها الأول

يعلّق اللبنانيون آمالاً كبيرة على الحكومة الجديدة التي شكّلها الرئيس سعد الحريري، بالتعاون مع رئيس الجمهورية ميشال عون، لانتشال لبنان من أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يرزح البلد تحتها، لكن هذه الحكومة التي تضمّ كل التناقضات السياسية، تحمل بذور التفجير من داخلها، خصوصا أنها معظم وزرائها من أبرز «صقور» فريقي 14 و8 آذار، المتصارعان على الملفات الداخلية والإقليمية، وهو ما حمل وزير الاتصالات في الحكومة المستقيلة بطرس حرب، على وصفها بـ«حكومة التناقضات والصراعات، ولا تعكس صورة فريق العمل المتجانس، بقدر ما تعكس التطورات الخطيرة التي تشهدها مدينة حلب».
وإذا كانت أسباب التعثّر الحكومي أكثر من موجبات النجاح، رأى الوزير حرب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «من المبكر الحكم على أداء هذه الحكومة، بانتظار بيانها والقرارات التي ستتخذها»، قائلا: «أعتقد أنه إذا لم تحصل مساومات عند كل محطة، فإن الحكومة قابلة للانفجار من داخلها، إلا إذا كان كل فريق يحاول أن يدير مصالحه في السلطة، ويبحث عن زيادة عدد نوابه في الانتخابات المقبلة، ويحقق أرباحًا». وأبدى استغرابه لكونها «تضمّ بعض العناصر غير الصالحة وبعض الفاسدين الذين لديهم تجارب فاشلة ولا يوحون بالثقة».
ورغم إعلان ولادتها بتوافق معظم الكتل النيابية، لا يزال فريق رئيس الجمهورية يشدد على أن حكومة العهد الأولى هي التي تولد بعد الانتخابات النيابية المقررة في شهر مايو (أيار) المقبل، وهو ما اعتبره حرب «كلاما سياسيا». وسأل «من شكّل الحكومة أليس رئيس الجمهورية؟». وقال: «لا شكّ أنه بعد الانتخابات البرلمانية يحلم كل فريق بتطوير كتلته وزيادة عدد نوابه، وبالتالي هي تعطي صورة عن قدرة العهد على تشكيل الحكومات ونوعيتها ومدى نجاحها».
ويشكّل البيان الوزاري محطة الاختبار الأولى لكل مكونات الحكومة، حول مقاربتهم للقضايا الخلافية، وأهمها بند «المقاومة» الذي يصرّ «حزب الله» على إدراجه في كل بيان وزاري لإعطاء الشرعية لسلاحه، وملف المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري.
ورغم الحديث عن اتفاق ضمني على أن يكون البيان الوزاري نسخة طبق الأصل عن بيان حكومة الرئيس تمام سلام، شكك بطرس حرب في إمكانية اعتماد نفس البيان، وقال: «استبعد الموافقة على بيان حكومتنا، لأن جزءًا من الحكومة الجديدة على نقيض المحكمة الدولية وهو يرفض الاعتراف بالقرارات الدولية»، مؤكدًا أن «نظرة أفرقاء الحكومة للمشاكل الأساسية متناقضة، إلا إذا حصرت همّها بقانون الانتخابات». ولم يجد حرب تفسيرًا لشكل الحكومة، إلا أنها «أخذت بعين الاعتبار التطورات الكبيرة والخطيرة التي حصلت في مدينة حلب السورية».
بدوره رسم عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش غير متفائلة عن المرحلة المقبلة، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن الحكومة «تجمع أطرافًا متناحرة على المستويات المحلية والإقليمية»، معتبرًا أن «التحدي الأول يبقى حول كيفية إدارة هذه الحكومة». وقال: «إذا اجتازت الحكومة اختبار البيان الوزاري، وتمكنت من إعطاء جرعة إيجابية لإنعاش البلد وصولاً إلى الانتخابات النيابية، تكون الأمور جيدة».
وتحدث علوش عن «مؤشرات سلبية، تفيد بأن البعض في لبنان يحاولون قطف نتائج مجازر حلب، وصرفها بارتكاب مجازر سياسية وتهجير سياسي في لبنان، لذلك فإن الأمور لا تزال غامضة». وقال: «مهمة الرئيس سعد الحريري ليست سهلة، فهناك رموز كثيرة من فريق الممانعة يحاول عرض عضلاته، باعتبار أن خياراته الإقليمية انتصرت»، معتبرًا أن «الحريري يخوض مغامرة كبيرة لإمكانية إنقاذ البلد». وشدد على أن «رئيس الجمهورية (ميشال عون) يعرف أين تكمن مصلحة البلد، وعليه أن يكون مساعدا في إنجاح مهمة الحكومة، إلا إذا وجد أن مصلحة لبنان بمكان آخر».
الموقف الإيجابي الأبرز من تأليف الحكومة، كان للبطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي هنا رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على تشكيل الحكومة الجديدة. وأمل أن «تسود روح التعاون بين أعضاء هذه الحكومة لمواجهة التحديات الكبيرة ولا سيما منها الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والأمنية، ولتأمين مناخ من الاستقرار والطمأنينة للشعب اللبناني». شدد الراعي على «ضرورة تغليب المصلحة الوطنية العليا على كل الاعتبارات الشخصية والفئوية والحزبية»، سائلاً الله تعالى أن «يكلل خطوات الحكومة الجديدة بالخير والنجاح».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.