«حزب الله النيجيري» ميليشيا مسلحة تواجه الفشل

رغم جهود إيران وتخطيطها الاستراتيجي

عناصر من حزب الله النيجيري ترفع أعلاما مؤيدة لحزب الله («الشرق الاوسط})
عناصر من حزب الله النيجيري ترفع أعلاما مؤيدة لحزب الله («الشرق الاوسط})
TT

«حزب الله النيجيري» ميليشيا مسلحة تواجه الفشل

عناصر من حزب الله النيجيري ترفع أعلاما مؤيدة لحزب الله («الشرق الاوسط})
عناصر من حزب الله النيجيري ترفع أعلاما مؤيدة لحزب الله («الشرق الاوسط})

عاد التوتر من جديد لمدينة كادونا إحدى ولايات شمال نيجيريا التي تعيش بها الأقلية الشيعية. ويأتي هذا الصدام الأخير الذي شهدته الأيام القليلة الماضية بين «الحركة الإسلامية في نيجيريا» وقوات الجيش، في مسار تاريخي من توترات لا تخلو من استعمال للسلاح بين أنصار الشيخ الشيعي إبراهيم الزكزاكي والسلطات النيجيرية.
كما يأتي هذا الحدث في سياق رأي المحكمة العليا النيجيرية الأخير في سبتمبر (أيلول) 2016، الخاص بمحاكمة زعيم التنظيم والتهم الموجهة إليه، خصوصا تلك المتعلقة بالمشاركة والتحريض على الاضطرابات والمواجهات المسلحة الواقعة بشمال نيجيريا عام 2015.
يبدو أن العنف المتبادل أصبح مسلكا راسخا للعلاقة بين الدولة وما يطلق عليه إيرانيًا اسم «حزب الله النيجيري»، خصوصا بعد التحول الجوهري الذي أحدثه الزكزاكي في حركته منذ 2011، حين ظهرت بوادر حقيقية لتشكل جناح عسكري شيعي تحت غطاء دعوي طائفي ومذهبي موالٍ لإيران داخل نيجيريا، ودخل التنظيم في سلسلة من التدريبات، وفتح ورشات سرية لصناعة السلاح الخفيف.
في مثل هذه الأيام من السنة الماضية، ديسمبر (كانون الأول) 2015، ظهرت على السطح في نيجيريا من جديد توترات ووقع اشتباك بين الجيش والتنظيم الشيعي المعروف بـ«الحركة الإسلامية النيجيرية»، على أثر منع أعضاء الجماعة موكب قائد الجيش من المرور، مما أدى لاشتباكات مسلحة بين الطرفين. وهو ما أعاد للأذهان تلك المواجهة التي حصلت بين الجيش وأنصار الزكزاكي عام 2014، وقتل فيها ثلاثة أفراد في محيط مدينة زاريا، بشمال البلاد.
وظلَّت السلطات النيجيرية منذ بداية الثمانينات من القرن العشرين، تتعامل مع هذا المكون الديني بترك الحرية الكاملة له للتحرك والنشاط الدعوي والاجتماعي والتجاري. غير أن اكتشاف وكالة الاستخبارات والجيش عام 2013 مستودع أسلحة هربها «حزب الله» اللبناني إلى شمال نيجيريا في مركز حركة إبراهيم يعقوب الزكزاكي غير من طبيعة تعامل الولاية، وكذلك السلطة المركزية مع «حزب الله النيجيري». خصوصًا أنه تبين أن المجموعة التي سهلت وخزنت السلاح تضم شيعة لبنانيين يمارسون التجارة، ويرتبط بهم بعض أتباع الشيخ الشيعي.
ولكن حتى قبل هذه العملية سبق للسلطات النيجيرية أن كشفت فوق أراضيها، خلال أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2010م عملية نقل أسلحة من إيران في طريقها إلى غامبيا. وردًا على هذا السلوك الإيراني بادرت نيجيريا وغامبيا إلى قطع علاقاتهما الدبلوماسية مع إيران وطرد دبلوماسييها. وفي هذا السياق كشفت تقارير دولية أن نشاط طهران في مجال تهريب السلاح ازداد منذ عام 2006 وأنه يركز أساسا على المنظمات والميليشيات، فمن بين 14 حالة كشف فيها عن وجود أسلحة إيرانية بين عامي 2006 و2012، نجد فقط 4 حالات تخص الحكومات، وعشر حالات للحركات والميليشيات المسلحة ومن بينها، تنظيم إبراهيم الزكزاكي.
ويبدو أن العلاقة بين التنظيم الشيعي النيجيري وإيران لم تعد علاقة ولاء وارتباط بولاية الفقيه والمذهب الجعفري فحسب، بل باتت تتعدى الجانب العقدي المعنوي، لترتبط بالرؤية الإيرانية الجديدة القائمة على الدخول إلى مناطق الصراع الدولي عبر وكلاء - أو عملاء - ترتبط مصالحهم الوجودية بالسياسة الخارجية وبالمصالح الاستراتيجية الإيرانية. ولهذا فطهران تعول كثيرا على «حزب الله النيجيري»، وعلى المنظمات الشيعية المماثلة الأخرى، لبناء نفوذ سياسي وعسكري وديني يخدم مصالحها في منطقة غرب القارة الأفريقية. وبالنسبة لنيجيريا بالذات، ضمان مصالحها في دولة مهمة لسوق الطاقة العالمية ومنافسة لإيران في هذا المجال، كما يضمن لها ذلك مصالحها الاقتصادية والتجارية التي دعمتها سلطات طهران باتفاقيات ثنائية متعددة ومتنوعة.
من جهة أخرى، تسعى إيران وراء تثبيت التشيع المسلح بنيجيريا إلى بناء شبكة مسلحة بالقارة السمراء تسهل الأنشطة غير القانونية عبر البحر مع أميركا اللاتينية، وفي وقت نفسه تضمن حواضن اجتماعية في دولة لها وزن قاري وإقليمي كبير، مع تعدد للعرقيات والمذاهب، ما يسهل التدخل الخارجي السريع في النسيج المجتمعي. ومن ثم، يجعل الأقلية الشيعية النيجيرية جزءا من خزانها البشري في الصراعات الأفريقية والحروب الكثيرة التي تخوضها طهران راهنًا في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان، وهو ما تسميها طهران «حروب الدفاع عن أهل البيت وعتباتهم المقدسة».
وفي هذا الإطار يمكن فهم الطريقة الدبلوماسية الرسمية التي تعاملت بها السلطات الإيرانية عام 2015 مع الزكزاكي (الأب الروحي لشيعة نيجيريا)، إذ كرمته الحكومة في حفل رسمي حضره كبار الشخصيات بالذكرى الـ36 للثورة الإيرانية، كما حظي بلقاءات مع شخصيات سياسية وعسكرية ودينية.
ويذكر أن الزكزاكي قام بأول زيارة لإيران عام 1980، للاحتفال بالثورة، وعندما رجع قام بتنظيم أول مظاهرة في مدينة زاريا لدعم الثورة. ولكن مع تكرار ممارسة التنظيم الشيعي للعنف تعرض قائده للسجن عدة مرات، كما تبين حسب تقارير رسمية أن هذا التنظيم كان وراء اغتيال بعض علماء السنّة بشمال نيجيريا، خصوصًا في كانو وسوكوتو. كما وجهت أصابع الاتهام للجماعة بالتدريب وتهريب السلاح، غير أنها ترفض هذه الاتهامات.
وفي هذا السياق، أدت المواجهة المسلحة بين تنظيم الزكزاكي والجيش النيجيري عام 2015 إلى مقتل العشرات، من بينهم قيادات الصف الأول من تنظيم «الحركة الإسلامية النيجيرية». وهذا المفصل اعتُبر أقوى ضربة قوية وجهت للتنظيم منذ تأسيسه بداية ثمانينات القرن العشرين. من جانب آخر، عملت السلطات المحلية على حل التنظيم واعتبرته تنظيمًا غير قانوني، ومهدّدًا للسلم الاجتماعي، إذ أصدرت حكومة ولاية كادونا بيانًا أعلنت فيه «الحركة الإسلامية في نيجيريا» (IMN)، تنظيمًا غير قانوني، وبُرِّر القرار بارتباطه بحفظ الأمن والسلم في الولاية.
وأوضح أن ذلك يتماشى مع الحقوق والواجبات في القانون النيجيري ودستورها خصوصًا المادة 45، التي أشار البيان إلى أنه «بشكل قاطع للمحافظ الصلاحيات لاتخاذ مثل هذه التدابير والإجراءات التي يراها ضرورية لتعزيز وحماية: السلامة العامة، والنظام العام، والآداب العامة أو الصحة العامة، أو الحقوق والحريات لجميع الأشخاص في ولاية كادونا».
ومن جهتها، اعتبرت اللجنة القضائية المكلفة التحقيق بأحداث مدينة زاريا أن «الحركة الإسلامية النيجيرية» غير مسجلة بشكل قانوني لدى السلطة بالولاية، وأن «لديها جناحا عسكريا وأن أعضاءها لا يعترفون أو يحترمون قوانين الدولة والسلطات المشكلة قانونيا لتحمّل مسؤولية تأمين وإدارة الدولة».
ولذلك يمكن اعتبار المواجهات الأخيرة بين الأمن النيجيري والحركة بمناسبة عاشوراء محاولة جديدة من التنظيم لفرض وجوده على الساحتين الاجتماعية والإعلامية، غير أن الجيش قام خلال المواجهات بإحراق «المركز الإسلامي» المسمى حسينية «بقيّة الله»، في مدينة زاريا. كذلك اعتقل الأمن الشيخ آدم أحمد، مسؤول مركز الجماعة في مدينة جوس المجاورة.
ولكن ما زالت الحركة الشيعية تنظم مظاهرات منددة بالحكومة المحلية والمركزية وتدعو إلى الثورة عليهما وإقامة «دولة إسلامية في شمال البلاد» تأسيًا بالنموذج الإيراني. كما أنها تصدر جريدة «الميزان» اليومية بلغة الهوسا - وهي اللغة المحلية وأوسع لغات نيجيريا انتشارًا - منذ نحو عقدين، وتشرف عليها شخصيات شيعية مشهورة بشمال نيجيريا، وتعتبر هذه الصحيفة الدرع الإعلامي لنشر الآيديولوجية الشيعية وسط شعب الهوسا، وربطه بإيران عبر ما تنقله الجريدة من أخبار إيرانية. أما جريدة «المجاهد» فهي موجَّهة أساسًا للنخبة، والطلاب بالجامعات.
وجدير بالذكر أن شخصيات إيرانية دينية وسياسية هذه الأيام قادت الدعوة في وسائل الإعلام لإطلاق سراح إبراهيم يعقوب الزكزاكي، الأب الروحي للتنظيم «حزب الله النيجيري»، دفاعًا عن حليف استطاع خلق حاضنة اجتماعية في بلد مهم استراتيجيا لإيران. ذلك أن نيجيريا التي يقرب عدد سكانها من 200 مليون نسمة، وتضم 3 ملايين شيعي فقط، اعتبرتها إيران تجربة عملية لخلق فصيل ميليشياوي شيعي مسلح، وعملت طهران على رعاية هذه التجربة، لنشرها في غرب أفريقيا. لكن مسار التاريخ عكس اتجاه سفينة إيران بالمنطقة، وشكل عام 2015 نكسة كبيرة لـ«حزب الله النيجيري»، وللتشيع الإيراني المسلح في أفريقيا.
ويبدو فعلاً أن ما لم تكسبه طهران بسلاح الشيعة الأفارقة قد لا تكسبه بالدعاية الإعلامية، واللعب على وتر المظلومية للشيعة في نيجيريا.
* أستاذ علوم سياسية
- جامعة محمد الخامس



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟