«حزب الله النيجيري» ميليشيا مسلحة تواجه الفشل

رغم جهود إيران وتخطيطها الاستراتيجي

عناصر من حزب الله النيجيري ترفع أعلاما مؤيدة لحزب الله («الشرق الاوسط})
عناصر من حزب الله النيجيري ترفع أعلاما مؤيدة لحزب الله («الشرق الاوسط})
TT

«حزب الله النيجيري» ميليشيا مسلحة تواجه الفشل

عناصر من حزب الله النيجيري ترفع أعلاما مؤيدة لحزب الله («الشرق الاوسط})
عناصر من حزب الله النيجيري ترفع أعلاما مؤيدة لحزب الله («الشرق الاوسط})

عاد التوتر من جديد لمدينة كادونا إحدى ولايات شمال نيجيريا التي تعيش بها الأقلية الشيعية. ويأتي هذا الصدام الأخير الذي شهدته الأيام القليلة الماضية بين «الحركة الإسلامية في نيجيريا» وقوات الجيش، في مسار تاريخي من توترات لا تخلو من استعمال للسلاح بين أنصار الشيخ الشيعي إبراهيم الزكزاكي والسلطات النيجيرية.
كما يأتي هذا الحدث في سياق رأي المحكمة العليا النيجيرية الأخير في سبتمبر (أيلول) 2016، الخاص بمحاكمة زعيم التنظيم والتهم الموجهة إليه، خصوصا تلك المتعلقة بالمشاركة والتحريض على الاضطرابات والمواجهات المسلحة الواقعة بشمال نيجيريا عام 2015.
يبدو أن العنف المتبادل أصبح مسلكا راسخا للعلاقة بين الدولة وما يطلق عليه إيرانيًا اسم «حزب الله النيجيري»، خصوصا بعد التحول الجوهري الذي أحدثه الزكزاكي في حركته منذ 2011، حين ظهرت بوادر حقيقية لتشكل جناح عسكري شيعي تحت غطاء دعوي طائفي ومذهبي موالٍ لإيران داخل نيجيريا، ودخل التنظيم في سلسلة من التدريبات، وفتح ورشات سرية لصناعة السلاح الخفيف.
في مثل هذه الأيام من السنة الماضية، ديسمبر (كانون الأول) 2015، ظهرت على السطح في نيجيريا من جديد توترات ووقع اشتباك بين الجيش والتنظيم الشيعي المعروف بـ«الحركة الإسلامية النيجيرية»، على أثر منع أعضاء الجماعة موكب قائد الجيش من المرور، مما أدى لاشتباكات مسلحة بين الطرفين. وهو ما أعاد للأذهان تلك المواجهة التي حصلت بين الجيش وأنصار الزكزاكي عام 2014، وقتل فيها ثلاثة أفراد في محيط مدينة زاريا، بشمال البلاد.
وظلَّت السلطات النيجيرية منذ بداية الثمانينات من القرن العشرين، تتعامل مع هذا المكون الديني بترك الحرية الكاملة له للتحرك والنشاط الدعوي والاجتماعي والتجاري. غير أن اكتشاف وكالة الاستخبارات والجيش عام 2013 مستودع أسلحة هربها «حزب الله» اللبناني إلى شمال نيجيريا في مركز حركة إبراهيم يعقوب الزكزاكي غير من طبيعة تعامل الولاية، وكذلك السلطة المركزية مع «حزب الله النيجيري». خصوصًا أنه تبين أن المجموعة التي سهلت وخزنت السلاح تضم شيعة لبنانيين يمارسون التجارة، ويرتبط بهم بعض أتباع الشيخ الشيعي.
ولكن حتى قبل هذه العملية سبق للسلطات النيجيرية أن كشفت فوق أراضيها، خلال أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2010م عملية نقل أسلحة من إيران في طريقها إلى غامبيا. وردًا على هذا السلوك الإيراني بادرت نيجيريا وغامبيا إلى قطع علاقاتهما الدبلوماسية مع إيران وطرد دبلوماسييها. وفي هذا السياق كشفت تقارير دولية أن نشاط طهران في مجال تهريب السلاح ازداد منذ عام 2006 وأنه يركز أساسا على المنظمات والميليشيات، فمن بين 14 حالة كشف فيها عن وجود أسلحة إيرانية بين عامي 2006 و2012، نجد فقط 4 حالات تخص الحكومات، وعشر حالات للحركات والميليشيات المسلحة ومن بينها، تنظيم إبراهيم الزكزاكي.
ويبدو أن العلاقة بين التنظيم الشيعي النيجيري وإيران لم تعد علاقة ولاء وارتباط بولاية الفقيه والمذهب الجعفري فحسب، بل باتت تتعدى الجانب العقدي المعنوي، لترتبط بالرؤية الإيرانية الجديدة القائمة على الدخول إلى مناطق الصراع الدولي عبر وكلاء - أو عملاء - ترتبط مصالحهم الوجودية بالسياسة الخارجية وبالمصالح الاستراتيجية الإيرانية. ولهذا فطهران تعول كثيرا على «حزب الله النيجيري»، وعلى المنظمات الشيعية المماثلة الأخرى، لبناء نفوذ سياسي وعسكري وديني يخدم مصالحها في منطقة غرب القارة الأفريقية. وبالنسبة لنيجيريا بالذات، ضمان مصالحها في دولة مهمة لسوق الطاقة العالمية ومنافسة لإيران في هذا المجال، كما يضمن لها ذلك مصالحها الاقتصادية والتجارية التي دعمتها سلطات طهران باتفاقيات ثنائية متعددة ومتنوعة.
من جهة أخرى، تسعى إيران وراء تثبيت التشيع المسلح بنيجيريا إلى بناء شبكة مسلحة بالقارة السمراء تسهل الأنشطة غير القانونية عبر البحر مع أميركا اللاتينية، وفي وقت نفسه تضمن حواضن اجتماعية في دولة لها وزن قاري وإقليمي كبير، مع تعدد للعرقيات والمذاهب، ما يسهل التدخل الخارجي السريع في النسيج المجتمعي. ومن ثم، يجعل الأقلية الشيعية النيجيرية جزءا من خزانها البشري في الصراعات الأفريقية والحروب الكثيرة التي تخوضها طهران راهنًا في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان، وهو ما تسميها طهران «حروب الدفاع عن أهل البيت وعتباتهم المقدسة».
وفي هذا الإطار يمكن فهم الطريقة الدبلوماسية الرسمية التي تعاملت بها السلطات الإيرانية عام 2015 مع الزكزاكي (الأب الروحي لشيعة نيجيريا)، إذ كرمته الحكومة في حفل رسمي حضره كبار الشخصيات بالذكرى الـ36 للثورة الإيرانية، كما حظي بلقاءات مع شخصيات سياسية وعسكرية ودينية.
ويذكر أن الزكزاكي قام بأول زيارة لإيران عام 1980، للاحتفال بالثورة، وعندما رجع قام بتنظيم أول مظاهرة في مدينة زاريا لدعم الثورة. ولكن مع تكرار ممارسة التنظيم الشيعي للعنف تعرض قائده للسجن عدة مرات، كما تبين حسب تقارير رسمية أن هذا التنظيم كان وراء اغتيال بعض علماء السنّة بشمال نيجيريا، خصوصًا في كانو وسوكوتو. كما وجهت أصابع الاتهام للجماعة بالتدريب وتهريب السلاح، غير أنها ترفض هذه الاتهامات.
وفي هذا السياق، أدت المواجهة المسلحة بين تنظيم الزكزاكي والجيش النيجيري عام 2015 إلى مقتل العشرات، من بينهم قيادات الصف الأول من تنظيم «الحركة الإسلامية النيجيرية». وهذا المفصل اعتُبر أقوى ضربة قوية وجهت للتنظيم منذ تأسيسه بداية ثمانينات القرن العشرين. من جانب آخر، عملت السلطات المحلية على حل التنظيم واعتبرته تنظيمًا غير قانوني، ومهدّدًا للسلم الاجتماعي، إذ أصدرت حكومة ولاية كادونا بيانًا أعلنت فيه «الحركة الإسلامية في نيجيريا» (IMN)، تنظيمًا غير قانوني، وبُرِّر القرار بارتباطه بحفظ الأمن والسلم في الولاية.
وأوضح أن ذلك يتماشى مع الحقوق والواجبات في القانون النيجيري ودستورها خصوصًا المادة 45، التي أشار البيان إلى أنه «بشكل قاطع للمحافظ الصلاحيات لاتخاذ مثل هذه التدابير والإجراءات التي يراها ضرورية لتعزيز وحماية: السلامة العامة، والنظام العام، والآداب العامة أو الصحة العامة، أو الحقوق والحريات لجميع الأشخاص في ولاية كادونا».
ومن جهتها، اعتبرت اللجنة القضائية المكلفة التحقيق بأحداث مدينة زاريا أن «الحركة الإسلامية النيجيرية» غير مسجلة بشكل قانوني لدى السلطة بالولاية، وأن «لديها جناحا عسكريا وأن أعضاءها لا يعترفون أو يحترمون قوانين الدولة والسلطات المشكلة قانونيا لتحمّل مسؤولية تأمين وإدارة الدولة».
ولذلك يمكن اعتبار المواجهات الأخيرة بين الأمن النيجيري والحركة بمناسبة عاشوراء محاولة جديدة من التنظيم لفرض وجوده على الساحتين الاجتماعية والإعلامية، غير أن الجيش قام خلال المواجهات بإحراق «المركز الإسلامي» المسمى حسينية «بقيّة الله»، في مدينة زاريا. كذلك اعتقل الأمن الشيخ آدم أحمد، مسؤول مركز الجماعة في مدينة جوس المجاورة.
ولكن ما زالت الحركة الشيعية تنظم مظاهرات منددة بالحكومة المحلية والمركزية وتدعو إلى الثورة عليهما وإقامة «دولة إسلامية في شمال البلاد» تأسيًا بالنموذج الإيراني. كما أنها تصدر جريدة «الميزان» اليومية بلغة الهوسا - وهي اللغة المحلية وأوسع لغات نيجيريا انتشارًا - منذ نحو عقدين، وتشرف عليها شخصيات شيعية مشهورة بشمال نيجيريا، وتعتبر هذه الصحيفة الدرع الإعلامي لنشر الآيديولوجية الشيعية وسط شعب الهوسا، وربطه بإيران عبر ما تنقله الجريدة من أخبار إيرانية. أما جريدة «المجاهد» فهي موجَّهة أساسًا للنخبة، والطلاب بالجامعات.
وجدير بالذكر أن شخصيات إيرانية دينية وسياسية هذه الأيام قادت الدعوة في وسائل الإعلام لإطلاق سراح إبراهيم يعقوب الزكزاكي، الأب الروحي للتنظيم «حزب الله النيجيري»، دفاعًا عن حليف استطاع خلق حاضنة اجتماعية في بلد مهم استراتيجيا لإيران. ذلك أن نيجيريا التي يقرب عدد سكانها من 200 مليون نسمة، وتضم 3 ملايين شيعي فقط، اعتبرتها إيران تجربة عملية لخلق فصيل ميليشياوي شيعي مسلح، وعملت طهران على رعاية هذه التجربة، لنشرها في غرب أفريقيا. لكن مسار التاريخ عكس اتجاه سفينة إيران بالمنطقة، وشكل عام 2015 نكسة كبيرة لـ«حزب الله النيجيري»، وللتشيع الإيراني المسلح في أفريقيا.
ويبدو فعلاً أن ما لم تكسبه طهران بسلاح الشيعة الأفارقة قد لا تكسبه بالدعاية الإعلامية، واللعب على وتر المظلومية للشيعة في نيجيريا.
* أستاذ علوم سياسية
- جامعة محمد الخامس



2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.