«حزب الله النيجيري» ميليشيا مسلحة تواجه الفشل

رغم جهود إيران وتخطيطها الاستراتيجي

عناصر من حزب الله النيجيري ترفع أعلاما مؤيدة لحزب الله («الشرق الاوسط})
عناصر من حزب الله النيجيري ترفع أعلاما مؤيدة لحزب الله («الشرق الاوسط})
TT

«حزب الله النيجيري» ميليشيا مسلحة تواجه الفشل

عناصر من حزب الله النيجيري ترفع أعلاما مؤيدة لحزب الله («الشرق الاوسط})
عناصر من حزب الله النيجيري ترفع أعلاما مؤيدة لحزب الله («الشرق الاوسط})

عاد التوتر من جديد لمدينة كادونا إحدى ولايات شمال نيجيريا التي تعيش بها الأقلية الشيعية. ويأتي هذا الصدام الأخير الذي شهدته الأيام القليلة الماضية بين «الحركة الإسلامية في نيجيريا» وقوات الجيش، في مسار تاريخي من توترات لا تخلو من استعمال للسلاح بين أنصار الشيخ الشيعي إبراهيم الزكزاكي والسلطات النيجيرية.
كما يأتي هذا الحدث في سياق رأي المحكمة العليا النيجيرية الأخير في سبتمبر (أيلول) 2016، الخاص بمحاكمة زعيم التنظيم والتهم الموجهة إليه، خصوصا تلك المتعلقة بالمشاركة والتحريض على الاضطرابات والمواجهات المسلحة الواقعة بشمال نيجيريا عام 2015.
يبدو أن العنف المتبادل أصبح مسلكا راسخا للعلاقة بين الدولة وما يطلق عليه إيرانيًا اسم «حزب الله النيجيري»، خصوصا بعد التحول الجوهري الذي أحدثه الزكزاكي في حركته منذ 2011، حين ظهرت بوادر حقيقية لتشكل جناح عسكري شيعي تحت غطاء دعوي طائفي ومذهبي موالٍ لإيران داخل نيجيريا، ودخل التنظيم في سلسلة من التدريبات، وفتح ورشات سرية لصناعة السلاح الخفيف.
في مثل هذه الأيام من السنة الماضية، ديسمبر (كانون الأول) 2015، ظهرت على السطح في نيجيريا من جديد توترات ووقع اشتباك بين الجيش والتنظيم الشيعي المعروف بـ«الحركة الإسلامية النيجيرية»، على أثر منع أعضاء الجماعة موكب قائد الجيش من المرور، مما أدى لاشتباكات مسلحة بين الطرفين. وهو ما أعاد للأذهان تلك المواجهة التي حصلت بين الجيش وأنصار الزكزاكي عام 2014، وقتل فيها ثلاثة أفراد في محيط مدينة زاريا، بشمال البلاد.
وظلَّت السلطات النيجيرية منذ بداية الثمانينات من القرن العشرين، تتعامل مع هذا المكون الديني بترك الحرية الكاملة له للتحرك والنشاط الدعوي والاجتماعي والتجاري. غير أن اكتشاف وكالة الاستخبارات والجيش عام 2013 مستودع أسلحة هربها «حزب الله» اللبناني إلى شمال نيجيريا في مركز حركة إبراهيم يعقوب الزكزاكي غير من طبيعة تعامل الولاية، وكذلك السلطة المركزية مع «حزب الله النيجيري». خصوصًا أنه تبين أن المجموعة التي سهلت وخزنت السلاح تضم شيعة لبنانيين يمارسون التجارة، ويرتبط بهم بعض أتباع الشيخ الشيعي.
ولكن حتى قبل هذه العملية سبق للسلطات النيجيرية أن كشفت فوق أراضيها، خلال أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2010م عملية نقل أسلحة من إيران في طريقها إلى غامبيا. وردًا على هذا السلوك الإيراني بادرت نيجيريا وغامبيا إلى قطع علاقاتهما الدبلوماسية مع إيران وطرد دبلوماسييها. وفي هذا السياق كشفت تقارير دولية أن نشاط طهران في مجال تهريب السلاح ازداد منذ عام 2006 وأنه يركز أساسا على المنظمات والميليشيات، فمن بين 14 حالة كشف فيها عن وجود أسلحة إيرانية بين عامي 2006 و2012، نجد فقط 4 حالات تخص الحكومات، وعشر حالات للحركات والميليشيات المسلحة ومن بينها، تنظيم إبراهيم الزكزاكي.
ويبدو أن العلاقة بين التنظيم الشيعي النيجيري وإيران لم تعد علاقة ولاء وارتباط بولاية الفقيه والمذهب الجعفري فحسب، بل باتت تتعدى الجانب العقدي المعنوي، لترتبط بالرؤية الإيرانية الجديدة القائمة على الدخول إلى مناطق الصراع الدولي عبر وكلاء - أو عملاء - ترتبط مصالحهم الوجودية بالسياسة الخارجية وبالمصالح الاستراتيجية الإيرانية. ولهذا فطهران تعول كثيرا على «حزب الله النيجيري»، وعلى المنظمات الشيعية المماثلة الأخرى، لبناء نفوذ سياسي وعسكري وديني يخدم مصالحها في منطقة غرب القارة الأفريقية. وبالنسبة لنيجيريا بالذات، ضمان مصالحها في دولة مهمة لسوق الطاقة العالمية ومنافسة لإيران في هذا المجال، كما يضمن لها ذلك مصالحها الاقتصادية والتجارية التي دعمتها سلطات طهران باتفاقيات ثنائية متعددة ومتنوعة.
من جهة أخرى، تسعى إيران وراء تثبيت التشيع المسلح بنيجيريا إلى بناء شبكة مسلحة بالقارة السمراء تسهل الأنشطة غير القانونية عبر البحر مع أميركا اللاتينية، وفي وقت نفسه تضمن حواضن اجتماعية في دولة لها وزن قاري وإقليمي كبير، مع تعدد للعرقيات والمذاهب، ما يسهل التدخل الخارجي السريع في النسيج المجتمعي. ومن ثم، يجعل الأقلية الشيعية النيجيرية جزءا من خزانها البشري في الصراعات الأفريقية والحروب الكثيرة التي تخوضها طهران راهنًا في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان، وهو ما تسميها طهران «حروب الدفاع عن أهل البيت وعتباتهم المقدسة».
وفي هذا الإطار يمكن فهم الطريقة الدبلوماسية الرسمية التي تعاملت بها السلطات الإيرانية عام 2015 مع الزكزاكي (الأب الروحي لشيعة نيجيريا)، إذ كرمته الحكومة في حفل رسمي حضره كبار الشخصيات بالذكرى الـ36 للثورة الإيرانية، كما حظي بلقاءات مع شخصيات سياسية وعسكرية ودينية.
ويذكر أن الزكزاكي قام بأول زيارة لإيران عام 1980، للاحتفال بالثورة، وعندما رجع قام بتنظيم أول مظاهرة في مدينة زاريا لدعم الثورة. ولكن مع تكرار ممارسة التنظيم الشيعي للعنف تعرض قائده للسجن عدة مرات، كما تبين حسب تقارير رسمية أن هذا التنظيم كان وراء اغتيال بعض علماء السنّة بشمال نيجيريا، خصوصًا في كانو وسوكوتو. كما وجهت أصابع الاتهام للجماعة بالتدريب وتهريب السلاح، غير أنها ترفض هذه الاتهامات.
وفي هذا السياق، أدت المواجهة المسلحة بين تنظيم الزكزاكي والجيش النيجيري عام 2015 إلى مقتل العشرات، من بينهم قيادات الصف الأول من تنظيم «الحركة الإسلامية النيجيرية». وهذا المفصل اعتُبر أقوى ضربة قوية وجهت للتنظيم منذ تأسيسه بداية ثمانينات القرن العشرين. من جانب آخر، عملت السلطات المحلية على حل التنظيم واعتبرته تنظيمًا غير قانوني، ومهدّدًا للسلم الاجتماعي، إذ أصدرت حكومة ولاية كادونا بيانًا أعلنت فيه «الحركة الإسلامية في نيجيريا» (IMN)، تنظيمًا غير قانوني، وبُرِّر القرار بارتباطه بحفظ الأمن والسلم في الولاية.
وأوضح أن ذلك يتماشى مع الحقوق والواجبات في القانون النيجيري ودستورها خصوصًا المادة 45، التي أشار البيان إلى أنه «بشكل قاطع للمحافظ الصلاحيات لاتخاذ مثل هذه التدابير والإجراءات التي يراها ضرورية لتعزيز وحماية: السلامة العامة، والنظام العام، والآداب العامة أو الصحة العامة، أو الحقوق والحريات لجميع الأشخاص في ولاية كادونا».
ومن جهتها، اعتبرت اللجنة القضائية المكلفة التحقيق بأحداث مدينة زاريا أن «الحركة الإسلامية النيجيرية» غير مسجلة بشكل قانوني لدى السلطة بالولاية، وأن «لديها جناحا عسكريا وأن أعضاءها لا يعترفون أو يحترمون قوانين الدولة والسلطات المشكلة قانونيا لتحمّل مسؤولية تأمين وإدارة الدولة».
ولذلك يمكن اعتبار المواجهات الأخيرة بين الأمن النيجيري والحركة بمناسبة عاشوراء محاولة جديدة من التنظيم لفرض وجوده على الساحتين الاجتماعية والإعلامية، غير أن الجيش قام خلال المواجهات بإحراق «المركز الإسلامي» المسمى حسينية «بقيّة الله»، في مدينة زاريا. كذلك اعتقل الأمن الشيخ آدم أحمد، مسؤول مركز الجماعة في مدينة جوس المجاورة.
ولكن ما زالت الحركة الشيعية تنظم مظاهرات منددة بالحكومة المحلية والمركزية وتدعو إلى الثورة عليهما وإقامة «دولة إسلامية في شمال البلاد» تأسيًا بالنموذج الإيراني. كما أنها تصدر جريدة «الميزان» اليومية بلغة الهوسا - وهي اللغة المحلية وأوسع لغات نيجيريا انتشارًا - منذ نحو عقدين، وتشرف عليها شخصيات شيعية مشهورة بشمال نيجيريا، وتعتبر هذه الصحيفة الدرع الإعلامي لنشر الآيديولوجية الشيعية وسط شعب الهوسا، وربطه بإيران عبر ما تنقله الجريدة من أخبار إيرانية. أما جريدة «المجاهد» فهي موجَّهة أساسًا للنخبة، والطلاب بالجامعات.
وجدير بالذكر أن شخصيات إيرانية دينية وسياسية هذه الأيام قادت الدعوة في وسائل الإعلام لإطلاق سراح إبراهيم يعقوب الزكزاكي، الأب الروحي للتنظيم «حزب الله النيجيري»، دفاعًا عن حليف استطاع خلق حاضنة اجتماعية في بلد مهم استراتيجيا لإيران. ذلك أن نيجيريا التي يقرب عدد سكانها من 200 مليون نسمة، وتضم 3 ملايين شيعي فقط، اعتبرتها إيران تجربة عملية لخلق فصيل ميليشياوي شيعي مسلح، وعملت طهران على رعاية هذه التجربة، لنشرها في غرب أفريقيا. لكن مسار التاريخ عكس اتجاه سفينة إيران بالمنطقة، وشكل عام 2015 نكسة كبيرة لـ«حزب الله النيجيري»، وللتشيع الإيراني المسلح في أفريقيا.
ويبدو فعلاً أن ما لم تكسبه طهران بسلاح الشيعة الأفارقة قد لا تكسبه بالدعاية الإعلامية، واللعب على وتر المظلومية للشيعة في نيجيريا.
* أستاذ علوم سياسية
- جامعة محمد الخامس



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.