البصل.. غذاء بناة الأهرام والأولمبيين الأوائل

ثاني أهم محصول خضراوات بعد الطماطم

البصل.. غذاء بناة الأهرام والأولمبيين الأوائل
TT

البصل.. غذاء بناة الأهرام والأولمبيين الأوائل

البصل.. غذاء بناة الأهرام والأولمبيين الأوائل

اعتمد الإنسان على البصل في غذائه منذ 7 آلاف سنة تقريبًا، وتوجد آثار له منذ العصر البرونزي، بجوار آثار أغذية أخرى، مثل التين والتمر، ولكن من غير المعروف إذا كان البصل في العصور السحيقة يزرع أم أن الإنسان كان يجمعه من مناطق برية. وأول سجل لزراعة البصل يعود إلى ما قبل ألفين سنة قبل الميلاد في مصر القديمة، مع محاصيل مشابهة أخرى، مثل الثوم والكراث. وكان البصل يدخل في غذاء العمال المصريين الذين بنوا الأهرامات، وما زال يعتبر ثاني أهم محصول بين الخضراوات في العالم، بعد الطماطم.
ومما ساعد على انتشار زراعة البصل، واستخدامه كغذاء، سهولة زراعته ونقله وتخزينه. وفي اليونان القديمة، كان الأوليمبيون الأوائل يأكلون كميات كبيرة من البصل قبل السباقات لاعتقادهم أنه يخفف من كثافة الدم، ويساعد على الحركة، كما دهن به المصارعون الرومان أجسامهم لتشديد عضلاتهم.
وفي العصور الوسطى، كان البصل من الأغذية المهمة لدرجة أنه كان يستخدم في دفع الأجور والإيجارات، وفي الهدايا. وقد وصف الأطباء البصل علاجًا لكثير من الحالات والأمراض، من الإمساك إلى العجز الجنسي، ومن الصداع إلى فقدان الشعر. وما زال يوجد نحو 120 استخدامًا للبصل في شتى المجالات. ويعد البصل من المواد المضادة للبكتريا والميكروبات، مثل الثوم الذي يتفوق عليه في هذا المجال.
وفي الصين، يستخدم البصل ضمن مجموعة العلاج الطبيعي لعلاج التهابات الجلد وألم الصدر والكحة وضيق التنفس. وتدعم منظمة الصحة العالمية استخدام البصل في علاج فقدان الشهية، كما تعترف المنظمة بفائدة مشتقات البصل في علاج الكحة ونزلات البرد وضيق التنفس والتهاب الصدر.
وعندما سافر المهاجرون الأوائل إلى أميركا، كان البصل من ضمن الأغذية التي حملوها معهم، وكان الهنود الحمر حينذاك يستخدمون بالفعل أنواعًا من البصل البري الذي كان يجمع ويؤكل نيئًا أو مطبوخًا. وكان البصل من أول المحاصيل التي زرعها المهاجرون الأوائل إلى أميركا.
ومن الأخطاء التي ارتكبها الأطباء وصف البصل لعلاج أمراض الحيوانات، مثل الكلاب والقطط والأبقار، حيث أثبت الطب الحديث أن البصل سام لهذه الحيوانات، ويجب تجنبهم تناوله.
وتتعدد استخدامات البصل في المطبخ الحديث، وأشهر استخدام له هو تقطيعه وقليه في الزيت لكي يدخل في مكونات كثير من الوجبات الساخنة، أو للاستخدام كإضافة إلى بعض الأطعمة، فيما يعرف باسم «التقلية». ويطبخ الفرنسيون شوربة البصل كأحد مكونات المطبخ الفرنسي.
ويمكن طبخ البصل بشتى الطرق، من الخبز في الفرن إلى القلي والشوي والسلق. وفي تركيا، يتم تفريغ البصل وحشوه. ويدخل البصل في كثير من الوجبات الهندية، خصوصًا الكاري، كما يؤكل البصل مخللاً إلى جانب وجبات تقليدية، مثل السمك والبطاطس. أيضًا يتم قلي البصل في شكل حلقات، ويدخل في بعض الوجبات السريعة الأميركية.
وهناك 3 أنواع من البصل المستخدم على المائدة: أولها النوع الأصفر، وهو يدخل في تحضير الشوربة الفرنسية، ويكسبها نكهتها السكرية. وهناك البصل الأحمر الذي يؤكل طازجًا، ويدخل في إعداد السلطات، ويكسبها لونًا مميزًا. أما النوع الثالث، فهو البصل الأبيض، وهو يستخدم في الوجبات المكسيكية، ويكتسب اللون الذهبي بعد قليه. ولكل نوع من أنواع البصل مكوناته المختلفة وطعمه الفريد.
بالإضافة إلى ثمار البصل التي تؤكل بعد نضجها، يمكن أيضًا حصاد البصل قبل نضجه، وتناوله في صيغته الخضراء التي يعرف فيها باسم البصل الأخضر، وهو يدخل في كثير من وجبات الشرق الأوسط، مثل الفلافل، كما أنه يؤكل طازجًا مع الجبن والخبز والفول.
وهناك أنواع من البصل صغيرة الحجم، وهي تستخدم في الغالب في السلطة أو مكونات بعض الوجبات، وأحيانًا يتم تخليلها. ويمكن شراء البصل طازجًا أو مجمدًا أو معلبًا أو محفوظًا أو مقطعًا أو مجففًا أو مطحونًا. ويستخدم مسحوق البصل كأحد التوابل، ويمكن حفظه لفترات طويلة، وهو يأتي في عدد من الألوان والأنواع.
وهناك كثير من الاستخدامات غير الغذائية للبصل، من بينها أن قشره الشفاف يحتوي على طبقة واحدة من الخلايا التي يسهل رؤيتها تحت الميكروسكوب، ولذلك فهو يستخدم في حصص الأحياء لتعليم الطلبة شكل وتكوين الخلايا. ويستخدم عصير البصل أحيانًا لحماية الجلد من لدغات البعوض والحشرات. وجرى استخدام البصل لصقل الزجاج والنحاس، ومنع الحديد من الصدأ، كما أنه يدخل أحيانًا في صناعة الصبغات.
ويتكون البصل بيولوجيًا من الماء بنسبة 89 في المائة، وأربعة في المائة من السكر، وواحد في المائة من البروتين، واثنين في المائة من الألياف، ونسبة ضئيلة من الدهون. وتحتوي كمية 100 غرام من البصل على 40 سعرًا حراريًا. ولذلك، يضيف البصل كثيرًا من النكهة والطعم إلى الأغذية التي يضاف إليها، من دون إضافة كثير من السعرات.
ويعتبر فيتامين «ج» أهم الفيتامينات التي يحتوي البصل عليها. ويحتوي البصل أيضًا على الكالسيوم والماغنيسيوم والفوسفور والبوتاسيوم، وعلى نسب أقل من معادن أخرى، مثل الزنك والحديد.
وتوجد عند بعض الناس حساسية ضد البصل، وتظهر أعراضها فور لمس البصل بحكة في الجلد وصعوبة في التنفس وغزارة العرق وورم في الوجه. والغريب أن معظم هذه الأعراض لا تظهر عند تناول البصل مطبوخًا.
وفي حين أنه يمكن تناول الإنسان للبصل بلا متاعب، إلا أنه سام للكلاب والقطط والقرود وبعض الحيوانات الأخرى، حيث تسبب مادة اسمها «سالفوكسايد» تسمم الحيوانات لعدم قدرتها على هضمها. وتختلف الكمية السامة بحجم الحيوان، وتكفي 5 غرامات من البصل لتسمم قطة مثلاً. ويجب الحرص عند تقديم أغذية مطبوخة للحيوانات تحتوي على البصل.
* دموع البصل
عند تقطيع البصل الطازج، تظهر علامات احتقان ودموع في العينين، وسبب هذا هو غاز مركب من البصل اسمه «سين بروبينثيال أكسيد» الذي يثير أعصاب العين. وينتج البصل هذه الغازات عند تقطيعه كنوع من آلية الدفاع التلقائي من الخلايا التي يتم تقطيعها، وتفرز العين الدموع لكي تخفف من تأثير الغاز، وتمنع التهاب سطح العين.
ويمكن منع التهاب العين في أثناء تقطيع البصل، باستخدام الماء السائل على البصل أو قطعه تحت سطح الماء. ويمكن أيضًا تبريد البصل قبل تقطيعه، أو ترك قاعدته بلا تقطيع لأنها تحتوي على نسبة أعلى من الغازات المثيرة للعين. ويكتسب الطباخون مناعة ضد غازات البصل المثيرة للعين بتكرار تقطيع البصل يوميًا. وتجرى أبحاث حاليًا على استنباط أنواع جديدة من البصل المعدل جينيًا حتى لا يتسبب في إفراز دموع البصل. ويحتاج البصل إلى تربة خصبة رملية جيدة الصرف، ويمكن استخدام الأسمدة الغنية بالفوسفور والبوتاس والنيتروجين من أجل إنتاج محاصيل جيدة من البصل. وينمو البصل في فصل الصيف، حيث يحتاج إلى ساعات طويلة من أشعة الشمس لكي ينضج. وفي المناطق الحارة، يفضل زراعة البصل في الربيع، حيث تكون حرارة الطقس معتدلة.
ويمكن زراعة البصل من البذور أو من الخصلات المكونة من البصل الصغير، ويفضل تخزين البصل المزروع من الخصلات عن البصل المزروع من بذور. ولا يحتاج البصل في أثناء زراعته سوى إلى الري وتنقية التربة من الحشائش. ويمكن جني المحصول بعد 12 إلى 18 أسبوعًا. وبعد جني المحصول، يمكن تخزينه في مكان بارد جيد التهوية.
وهناك كثير من الآفات والأمراض التي تصيب البصل من الجذور إلى الثمار والفروع الخضراء. والحل الوحيد مع معظم النباتات المصابة هو جمعها وعزلها عن المحصول وحرقها. والمحاصيل المزروعة من شتلات البصل، وليس من البذور، هي الأكثر مناعة ضد كثير من الآفات والأمراض.
ولا بد من تخزين البصل في أماكن مظلمة جيدة التهوية خالية من الرطوبة. ويمتص البصل نكهات الفاكهة القريبة من موقع تخزينه، مثل التفاح والكمثرى، كما يمتص الرطوبة من الخضراوات المخزنة معه، ويمكن تخزين البصل لعدة أسابيع في هذا المناخ بلا تدهور في نوعيته. وتتقلد الصين زعامة العالم في إنتاج البصل، بمحصول يصل حجمه إلى 20.5 مليون طن، وفقًا لإحصاءات عام 2012. وتقع مصر في المركز الرابع عالميًا في إنتاج البصل، ويبلغ حجم محصولها 2.2 مليون طن. وقبلها، تأتي الهند في المركز الثاني عالميًا (13.3 مليون طن)، ثم الولايات المتحدة في المركز الثالث (3.3 مليون طن). ويبلغ إجمالي حجم المحصول العالمي من البصل 74.3 مليون طن.
وفي الولايات المتحدة، تم منع التعاقدات الآجلة في أسعار محصول البصل، بعد عمليات تلاعب في بورصة شيكاغو للسلع، وشكوى الفلاحين الأميركيين من تأثير هذه التعاقدات على تأرجح أسعار المحاصيل، وما زال قانون المنع ساريًا.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».