مداخلة من سعدية مفرح تفاجئ الضيف أثناء شهادة شعرية

حدث ما لم يتوقعه أدونيس على «الأثير»

مداخلة من سعدية مفرح تفاجئ الضيف أثناء شهادة شعرية
TT

مداخلة من سعدية مفرح تفاجئ الضيف أثناء شهادة شعرية

مداخلة من سعدية مفرح تفاجئ الضيف أثناء شهادة شعرية

كانت الأمور تسير بشكل هادئ في جلسة الشهادة الشعرية التي عقدها الشاعر أدونيس في مهرجان «أثير» المنعقد في مسقط. وكان الحضور يدلون بمداخلاتهم حول تجربة أدونيس، سواء كانت هذه الآراء عن قناعة من المعجبين به، أو تلك التي بدت بروتوكولية كواجب الاحتفاء بالضيف.
وبينما كان أدونيس مطمئنًا للآراء التي قيلت والتي سوف تقال في جلسة لم يشك في أنها ستكون وادعة، رفعت الشاعرة سعدية مفرح المدعوة للمهرجان يدها تطلب مداخلة. وما لم يكن في حسبان أدونيس والجمهور أن سعدية مفرح فتحت نار الكلام على أدونيس متهمة إياه بالتناقض في مواقفه تجاه حركات الشعوب التحررية، وبأنه توقف شعريًا منذ زمن بعيد بدليل أنه ألقى في افتتاح المهرجان قصيدة له تعود للثمانينات، وكان جديرًا به أن يلقي شيئًا جديدًا، خاصة وأنه شخصية المهرجان المحتفى بها.
بدأت سعدية مفرح حديثها من عبارة كان قالها أدونيس في سياق حديثه عن شهادته الشعرية: «من حسن حظي أن عبارتي ضيقة»، فكان مدخلاً قالت من خلاله سعدية مفرح: «قال أدونيس إنه سعيد لأن عبارته ضيقة، وأتمنى ألا يكون صدره ضيقًا أيضًا عن سماع ما أريد قوله».
ثم انتقدته في مواقفه التي اعتبرتها «متناقضة»: «يعلل أدونيس رفضه مناصرة الشعب السوري في ثورته بأنها انطلقت من مسجد». ثم أضافت: «حسنا يمكننا بسهولة تقبل هذا التعليل في سياق علمانية أدونيس لولا سابقته الشهيرة في تأييد الثورة الإيرانية». واعتبرت مفرح أن الثورة الإيرانية أيضًا «ذات منشأ ديني». واتهمته بأنه لم يكتفِ بالتأييد بل بالغ «لدرجة أنه تخلى عن حداثته الشعرية وكتب قصيدة مديح تقليدية لتلك الثورة».
وانتقلت مفرح إلى محور آخر يتعلق بأفكار أدونيس وكتابه «الثابت والمتحول» قائلة: «على الرغم من أن صاحب الثابت والمتحول بقي ثابتًا على قصيدته (تقصد التي قالها في الثورة الإيرانية) ولم يتحول أو يحِدْ عنها، فإنه لم يجد غضاضة في الأوزار عن الثورة السورية التي اشترك فيها منذ البداية المسلم والمسيحي وغير المؤمن بالأديان، لأنها لم تجد مكانا أو ظرفا تنطلق منه سوى الجامع، متناسيًا قيمة الجامع ووظيفته في البلاد الإسلامية، وهي وظيفة تتعدى تقليديًا الدور الديني، لتجعل منه بؤرة من بؤر الحياة المدنية».
ولم تلقِ مفرح بالاً لأحد الأشخاص الذي حاول مقاطعتها دفاعًا عن أدونيس، فأكملت: «قرأت تقريبا كل مقالات أدونيس في السنوات الأخيرة، وتابعت معظم لقاءاته الصحافية والتلفزيونية، وخصوصًا التي تتناول الشأن السياسي والمجتمعي والفكري، ولكنني لم أعرف حتى الآن ماذا يريد أن يقول لنا بالضبط».
وفي التفاتة موضوعية اعتبرت مفرح أن أدونيس على الصعيد الشعري هو من شعرائها المفضلين، لكنها استدركت: «لكنني أتحدث عن أفكار وآراء ونظريات يحلو للشاعر الكبير غالبا أن ينشغل بها ويشغل قراء معه فيها».
بدوره رد أدونيس على المداخلة بأنه لم يكتب سوى ثلاث مقالات عن الثورة الإيرانية، منها مقال انتقد فيه ما أسماه «الفقيه العسكري»، طالبًا من سعدية مفرح توخي الموضوعية، لكنه تجاهل الإجابة على كثير من النقاط التي أثارتها مفرح في مداخلتها التي لم تنته ردود الأفعال حولها عقب انتهاء الجلسة بين مؤيد ومعارض.



«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية
TT

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ حول منظومتها، لتقوم بطرح أسئلة تُفند بها ذلك الخطاب بداية من سؤالها: «هل تحتاج الأمومة إلى كتاب؟»، الذي تُبادر به القارئ عبر مقدمة تسعى فيها لتجريد كلمة «أمومة» من حمولاتها «المِثالية» المرتبطة بالغريزة والدور الاجتماعي والثقافي المُلتصق بهذا المفهوم، ورصد تفاعل الأدبين العربي والعالمي بتجلياتهما الواسعة مع الأمومة كفِعل وممارسة، وسؤال قبل كل شيء.

صدر الكتاب أخيراً عن دار «تنمية» للنشر بالقاهرة، وفيه تُفرد أبو النجا أمام القارئ خريطة رحلتها البحثية لتحري مفهوم الأمومة العابرة للحدود، كما تشاركه اعترافها بأنها كانت في حاجة إلى «جرأة» لإخراج هذا الكتاب للنور، الذي قادها «لاقتحام جبل من المقدسات، وليس أقدس من الأمومة في مجتمعاتنا ولو شكلاً فقط»، كما تقول، وتستقر أبو النجا على منهجية قراءة نصوص «مُتجاورة» تتقاطع مع الأمومة، لكاتبات ينتمين إلى أزمنة وجغرافيات مُتراوحة، ومُتباعدة حتى في شكل الكتابة وسياقها الداخلي، لاستقراء مفهوم الأمومة وخطابها كممارسة عابرة للحدود، ومحاولة فهم تأثير حزمة السياسات باختلافها كالاستعمارية، والقبلية، والعولمة، والنيوليبرالية، وغيرها.

فِعل التئام

يفتح اختيار شيرين أبو النجا للنصوص الأدبية التي تستعين بها في كتابها، في سياق القراءة المُتجاورة، مسرحاً موازياً يتسع للتحاوُر بين شخصيات النصوص التي اختارتها وتنتمي لأرضيات تاريخية ونفسية مُتشعبة، كما ترصد ردود أفعال بطلاتها وكاتباتها حِيال خبرات الأمومة المُتشابهة رغم تباعد الحدود بينها، لتخرج في كتابها بنص بحثي إبداعي موازِ يُعمّق خبرة النصوص التي حاورت فيها سؤال الأمومة.

يضع الكتاب عبر 242 صفحة، النصوص المُختارة في مواجهة المتن الثقافي الراسخ والنمطي لمنظومة الأمومة، تقول الكاتبة: «الأمومة مُتعددة، لكنها أحادية كمؤسسة تفرضها السلطة بمساعدة خطاب مجتمعي»، وتتوقف أبو النجا عند كتاب «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها»، صدر عام 2017 للشاعرة والكاتبة المصرية إيمان مرسال بوصفه «الحجر الذي حرّك الأفكار الساكنة المستكينة لفكرة ثابتة عن الأمومة»، على حد تعبير أبو النجا.

تتحاور الكاتبة مع منطق «الأشباح» وتتأمل كيف تتحوّل الأمومة إلى شبح يُهدد الذات سواء على المستوى النفسي أو مستوى الكتابة، تقول: «في حياة أي امرأة هناك كثير من الأشباح، قد لا تتعرف عليها، وقد تُقرر أن تتجاهلها، وقد تتعايش معها. لكن الكتابة لا تملك رفاهية غض الطرف عن هذه الأشباح»، ومن رحِم تلك الرؤية كانت الكتابة فعل مواجهة مع تلك «الشبحية»، ومحاولة تفسير الصراع الكامن بين الذات والآخر، باعتبار الكتابة فعلاً يحتاج إلى ذات حاضرة، فيما الأمومة تسلب تلك الذات فتصير أقرب لذات منشطرة تبحث عن «التئام» ما، ويُجاور الكتاب بين كتاب إيمان مرسال، وبين كتاب التركية إليف شافاق «حليب أسود: الكتابة والأمومة والحريم»، إذ ترصد أبو النجا كيف قامت الكاتبتان بتنحّية كل من الشِعر والسرد الروائي جانباً، في محاولة للتعبير عن ضغط سؤال الأمومة وفهم جوهرها بعيداً عن السياق الراسخ لها في المتن الثقافي العام كدور وغريزة.

تقاطعات الورطة

ترصد أبو النجا موقع النصوص التي اختارتها ثقافياً، بما يعكسه من خصائص تاريخية وسياسية ومُجتمعية، المؤثرة بالضرورة على وضع الأمومة في هذا الإطار، فطرحت مقاربةً بين نص المُستعمِر والمُستعمَر، مثلما طرحت بمجاورة نصين لسيمون دو بوفوار المنتمية لفرنسا الاستعمارية، وآخر لفاطمة الرنتيسي المنتمية للمغرب المُستعمرة، اللتين تشير الكاتبة إلى أن كلتيهما ما كان من الممكن أن تحتلا الموقع الذي نعرفه اليوم عنهما دون أن تعبرا الحدود المفروضة عليهما فكرياً ونفسياً ومجتمعياً.

كما تضع كتاب «عن المرأة المولودة» للأمريكية إدريان ريتش، صدر عام 1976، في إطار السياق الاجتماعي والقانوني والسياسي الذي حرّض آنذاك على انتقاد الرؤى الثابتة حول تقسيم الأدوار بين الجنسين وبين ما يجب أن تكون عليه الأم النموذجية، ما أنعش حركة تحرير النساء التي خرجت من عباءة الأحزاب اليسارية والحركات الطلابية آنذاك، وتشير إلى أن هذا الكتاب أطلق على الأمومة اسم «مؤسسة» بما يجابه أطراف المؤسسة الذكورية التي ترسم بدقة أدوار النساء في العائلة وصورهن، وصاغت ريتش هذا الكتاب بشكل جعله يصلح للقراءة والتأمل في بيئات مُغايرة زمنياً وجغرافياً، ويخلق الكتاب تقاطعات بين رؤية ريتش مع تجربة شعرية لافتة بعنوان «وبيننا حديقة» للشاعرتين المصريتين سارة عابدين ومروة أبو ضيف، الذي حسب تعبير شيرين أبو النجا، يمثل «حجراً ضخماً تم إلقاؤه في مياه راكدة تعمل على تعتيم أي مشاعر مختلفة عن السائد في بحر المُقدسات»، والذات التي تجد نفسها في ورطة الأمومة، والتضاؤل في مواجهة فعل الأمومة ودورها. تجمع شيرين أبو النجا بين النص الأميركي والديوان المصري اللذين يفصل بينهما نحو 40 عاماً، لتخرج بنص موازِ يُعادل مشاعر الأم (الكاتبة) وانسحاقها أمام صراع بين القدرة والعجز، والهوية وانسحاقها، لتقول إنه مهما تعددت الأسئلة واشتد الصراع واختلفت تجلياته الخطابية انسحبت الكاتبات الثلاث إلى حقيقة «تآكل الذات»، وابتلاع الأمومة للمساحة النفسية، أو بتعبير الشاعرة سارة عابدين في الديوان بقولها: «حروف اسمي تتساقط كل يوم/ لأزحف أنا إلى هامش يتضاءل/ جوار متن الأمومة الشرس».

في الكتاب تبرز نماذج «الأم» المُتعددة ضمن ثيمات متفرقة، فتضعنا الناقدة أمام نموذج «الأم الأبوية» التي تظهر في شكلها الصادم في أعمال المصرية نوال السعداوي والكاريبية جامايكا كينكد التي تطرح الكاتبة قراءة تجاورية لعمليهما، وتتوقف عند «الأم الهاربة» بقراءة تربط بين رواية «استغماية» للمصرية كاميليا حسين، وسيرة غيرية عن الناقدة الأمريكية سوزان سونتاغ، وهناك «الأم المُقاومة» في فصل كرسته لقراءة تفاعل النص الأدبي الفلسطيني مع صورة الأم، طارحة تساؤلات حول مدى التعامل معها كرمز للأرض والمقاومة، فيما تُشارك شيرين أبو النجا مع القارئ تزامن انتهائها من هذا الكتاب مع «طوفان الأقصى» وضرب إسرائيل لغزة، في لحظة مفصلية تفرض سؤالها التاريخي: ماذا عن الأم الفلسطينية؟ أمهات الحروب؟ الأمهات المنسيات؟