موضة ملابس نساء «داعش» احتشام بالغ التطرف

الكشف عن العينين من جانب المرأة تحول إلى جريمة تستوجب العقاب

سيدات تحت حكم «داعش» في الرقة (نيويورك تايمز)
سيدات تحت حكم «داعش» في الرقة (نيويورك تايمز)
TT

موضة ملابس نساء «داعش» احتشام بالغ التطرف

سيدات تحت حكم «داعش» في الرقة (نيويورك تايمز)
سيدات تحت حكم «داعش» في الرقة (نيويورك تايمز)

بحلول اللحظة التي أحكم المتطرفون فيها سيطرتهم على كل شيء، لم يعد حتى مسموحًا للنساء بكشف أعينهن، بل وتحول الكشف عن العينين من جانب المرأة إلى جريمة تستوجب العقاب.
كان قانون الملبس قد تم فرضه على النساء داخل الموصل في غضون فترة قصيرة من سيطرة تنظيم داعش على المدينة منذ أكثر من عامين. وجرى تطبيق القانون على نحو تدريجي، حتى جرى محو كل جزء في جسد المرأة، بداية بالوجه، ثم باقي الجسد، بما في ذلك اليدان، اللتان أصبح من الواجب تغطيتهما بقفازات، وكذلك القدمان اللتان أصبح من الواجب تغطيتهما بجورب. وانتهى الأمر بإصدار إعلان عبر مكبرات الصوت يأمر النساء بارتداء غطاء رقيق من القماش الأسود فوق أعينهن.
من ناحيتها، قالت حليمة علي بدر، 39 عامًا، إنها أضافت على مضض كل إضافة جديدة إلى دولاب ملابسها، بداية بالنقاب الذي يغطي الوجه، والعباءة، المعروفة أيضًا باسم الحجاب، وهي عبارة عن رداء واسع فضفاض. ومع ذلك، ظلت عاجزة عن الالتزام الكامل بقانون الملبس الصارم الذي فرضه «داعش» على النساء عندما خرجت ذات يوم من منزلها لزيارة جيران لها.
وعن تلك الحادثة، شرحت بدر أنها «لبست كل شيء، النقاب والعباءة والقفازات والجورب. ارتديت كل شيء، لكن نسيت أن أضع القماش الشفاف على عيني». يذكر أن بدر واحدة من عشرات النساء اللائي يقطن أحياء جرى تحريرها مؤخرًا من المدينة واللائي روين تجاربهن خلال مقابلات جرت معهن من داخل معسكر الخازر للاجئين، على بعد قرابة 45 ميلاً عن الموصل، شمال العراق.
أثناء توجهها إلى منزل الجيران، لم تكن بدر قد قطعت أكثر من بضع خطوات عندما لمحها بعض أفراد «شرطة الحسبة»، وبدأوا في الصراخ باتجاهها. وعن ذلك، قالت: «قالوا: أين زوجك؟ هل يقبل أن يرى وجهك أي شخص؟»، وأجبتهم: «لكنني لا أكشف عن وجهي، لا يظهر من وجهي سوى عيناي!».
جدير بالذكر أن ما يزيد على مليوني شخص كانوا يعيشون بالموصل عندما سقطت في قبضة «داعش» في 10 يونيو (حزيران) 2014. كانت الموصل مدينة محافظة بالفعل، وترتدي غالبية نسائها غطاءً للشعر ويرتدين ملابس ذات أكمام طويلة. إلا أنه مثلما الحال مع أماكن أخرى فرض فيها المسلحون أفكارهم، وأن القواعد التي فرضوها نقلت الاحتشام إلى مستوى بالغ التطرف عصف بحياة أسر الموصل الذين أشاروا إلى أنهم سرعان ما بدأوا يشعرون بالاختناق تحت وطأة قواعد «داعش».
بعد ثلاثة أيام فقط من السيطرة على المدينة، بدأ المسلحون في التنقل من باب لآخر لتوزيع ما وصف بأنه «قانون المدينة»، الذي حددوا في إطاره كيف ينوون حكم المدينة، وذلك تبعًا لما كشفته دراسة أجرتها الباحثة رشا العقيدي، التي تنتمي إلى الموصل، وتعمل حاليًا زميلة لدى مركز المسبار للدراسات والأبحاث في دبي.
ونص «قانون المدينة» الذي بات أشبه بالوثائق على أنه: «بالنسبة للعفيفات، احرصن على ارتداء الجلباب الواسع الفضفاض، وقرن في بيوتكن ولا تغادرنها إلا للضرورة».
على امتداد المنطقة الخاضعة لسيطرة التنظيم، وضعت لوحات لامرأة مغطاة بشكل كامل في ملابس تغطيها من شعر الرأس إلى أخمص القدم. وحددت هذه اللوحات الشكل الجديد الواجب على المرأة في سبع نقاط.
على مدار قرابة شهر على الأقل، لم يجر فرض الالتزام بالقواعد الجديدة للملبس. بعد ذلك في نهاية يوليو (تموز)، جرى توزيع الآلاف من قطع النقاب على المتاجر. وصدر المرسوم الأول من بين عدة مراسيم تالية تأمر النساء بارتداء النقاب وقفازات. وفي الوقت ذاته تقريبًا، بدأ سكان في المدينة في رؤية مركبات تجوب المدينة تحمل شعار «شرطة الحسبة» التابعة لتنظيم داعش، حسبما أشارت العقيدي.
وفي الجهة المقابلة من الجامعة، افتتحوا المقر الرئيسي لهذه الشرطة، الذي عرف باسم «ديوان الحسبة». وعندما كان أفراد «شرطة الحسبة» يلقون القبض على سيدة تخالف قواعد الملبس المعلنة، كانوا يصدرون مذكرة مقابل مصادرة بطاقة هوية زوجها. بعد ذلك، يتعين على الزوج المثول أمام قاض لحضور جلسة استماع. وتبعًا «للجريمة»، كان يجبر على دفع غرامة أو يتعرض هو أو زوجته للجلد، حسبما قاله بعض الفارين مؤخرًا من المدينة.
وعندما اقتحمت «شرطة الحسبة» منزل بدر، طلبوا الحصول على بطاقة هوية زوجها. بعد ذلك، مثل أمامهم وأجبر على دفع غرامة 50 ألف دينار، قرابة 40 دولارا، ما شكل حصة ضخمة من الدخل الشهري للأسرة.
وتقول السيدات إن «شرطة الحسبة» انتشرت في كل مكان تقريبًا بالمدينة. وكان أفراد الشرطة ينتشرون قرب المتاجر والأسواق. ووصفت زينة محمد، 27 عامًا، كيف أنها في إحدى المرات رفعت الغمامة السوداء الرقيقة من على عينيها للحظات فقط، لتتأكد من شكل رداء كريمي اللون كانت تفكر في شرائه، لأنها لم تكن واثقة بلونه بسبب الغمامة. وبمجرد أن فعلت ذلك، سمعت صوتا يصيح ورفعت عينيها لترى ضابطا من «شرطة الحسبة» اقتادها إلى خارج السوق.
وأشارت أخريات إلى أنهن لم يكن على ثقة من المبلغ المتبقي الذي كان يرده إليهن التجار، خوفًا من رفع الغمامة السوداء من على أعينهن.
وكانت «شرطة الحسبة» تعاقب الرجال على قائمة طويلة من المخالفات، منها فرض غرامات، وتنفيذ جلد بحق من لا يلتزم بالطول المناسب للحية، أو من لا يصلي في وقت الصلاة المحدد، أو من بحوزته سجائر أو كحوليات وكثير من الجرائم الأخلاقية الأخرى.
وقد جرى توقيف إحدى السيدات، بسبب وجود تمزق في جوربها يكشف عن لون بشرة كاحلها. وكشفت سكرتيرة كيف أنها كانت تواجه صعوبة في استخدام القلم أثناء ارتدائها قفازات، وعندما حاولت نزع القفازات ذات مرة، ضبطها مسؤولو «الحسبة» وهددوها.
أما وفاء، 39 عامًا، فقد تعرضت للجلد بسبب رفعها النقاب من على وجهها في خضم محاولتها وضع ملعقة ممتلئة بالطعام في فمها أثناء نزهة بالخارج برفقة أطفالها. ورغم أنها كانت داخل مجمع سكني محاط بسور، فإن السور كان منخفضا بدرجة سمحت لأفراد «الحسبة» بالتلصص وضبطها.

* خدمة «نيويورك تايمز»



شحنة الأسلحة الإيرانية المضبوطة تكشف مزاعم التصنيع الحوثية

صواريخ «قادر - نور» يعيد الحوثيون تسميتها بـ«المندب 1» (القوات الحكومية)
صواريخ «قادر - نور» يعيد الحوثيون تسميتها بـ«المندب 1» (القوات الحكومية)
TT

شحنة الأسلحة الإيرانية المضبوطة تكشف مزاعم التصنيع الحوثية

صواريخ «قادر - نور» يعيد الحوثيون تسميتها بـ«المندب 1» (القوات الحكومية)
صواريخ «قادر - نور» يعيد الحوثيون تسميتها بـ«المندب 1» (القوات الحكومية)

مثّل ضبط شحنة الأسلحة الإيرانية المتوجهة إلى الحوثيين قبل أيام تفنيداً لمزاعم الجماعة بشأن قدرتها على تسليح نفسها محلياً، والاكتفاء الذاتي من الصواريخ الباليستية، والأسلحة الفرط صوتية، وحتى البنادق الآلية، وكشفت محتويات الشحنة التي ضبطتها المقاومة الوطنية، الأربعاء الماضي، أن دور الحوثيين يقتصر على إعادة تسمية المنتجات العسكرية الإيرانية.

ومنذ عام 2017، كانت الدول الكبرى تقطع بأن الجماعة الحوثية تحصل على شحنات مهربة من الأسلحة الجوية الإيرانية، ورغم تأكيدات تقارير لجنة خبراء الأمم المتحدة سنوياً، والحكومة اليمنية، باستمرار إيران في إرسال الأسلحة، فإن طهران واصلت الإنكار، في حين تمسكت الجماعة بادعائها امتلاك تقنية صناعة الصواريخ والقوارب والطائرات المسيّرة.

وكانت الأدلة التي قدمتها الحكومة اليمنية ودول التحالف الداعم لها، والتي شملت بقايا القذائف والصواريخ التي أطلقها الحوثيون، تؤكد أن مصدر التسليح الحوثي إيراني الصنع، إلى جانب اعترافات عدد من البحارة الذين أُلقي القبض عليهم متورطين في تهريبها، والتي عززت من تلك التأكيدات، إلا أن الجانبين، الإيراني والحوثي، واصلا الإنكار والنفي.

وقدمت محتويات السفينة التي ضبطتها قوات المقاومة الوطنية التابعة للحكومة اليمنية، أدلة قطعية جديدة على أن كل ما كان يقوله الحوثيون وينكره داعموهم غير صحيح، وما هو إلا محاولة للترويج لقدرات عسكرية غير حقيقية يملكها الحوثيون، وإبعاد أصابع الاتهام عن الحكومة الإيرانية.

جانب من شحنة الأسلحة التي ضُبطت في البحر الأحمر مؤخراً (إعلام حكومي)

ويؤكد العميد وضاح الدبيش، المتحدث الرسمي باسم القوات الحكومية في الساحل الغربي، أن الشحنة المضبوطة هي أكبر وأخطر شحنة مهربة كانت في طريقها إلى الحوثيين عبر البحر الأحمر، وأن محتواها يفضح مجدداً «كذبة» الاكتفاء والتصنيع العسكري التي تتغنى بها الجماعة الحوثية.

وذكر المسؤول اليمني أن ما تم ضبطه لم يكن سوى «ترسانة إيرانية كاملة من الأسلحة المتطورة»، وأن الحديث عن القدرة التصنيعية للحوثيين ليس سوى واجهة دعائية لتغطية عمليات التهريب المنظمة بإشراف «الحرس الثوري» الإيراني، عبر شبكات تهريب بحرية معقدة تمر عبر المياه الإقليمية والدولية.

دعم إيراني سخي

لم يتوقف الدعم الإيراني للحوثيين خلال سنوات الحرب، وتكشف عمليات متعددة لضبط الأسلحة اعتماد الجماعة على شبكات تهريب معقدة تنشط عبر البحر الأحمر، وخليج عدن، وبحر العرب، وتستفيد من ثغرات أمنية على طول هذه المسارات.

صاروخ «قائم 118» الإيراني يعيد الحوثيون تسميته بـ«صقر 4» (إعلام حكومي)

يؤيد عدنان الجبرني، الباحث المتخصص بشؤون الجماعة الحوثية، ما ذهب إليه القائد العسكري اليمني الدبيش، ويجزم بأن هذه هي أهم وأخطر عملية ضبط لشحنة تهريب أسلحة إيرانية للحوثيين، سواء من حيث الكمية أو النوع؛ إذ إن أكبر شحنة ضبطتها القوات اليمنية كانت على متن سفينة «جيهان» في عام 2013، وكانت حمولتها 48 طناً فقط، كما أنها شحنة أسلحة عادية باستثناء صواريخ «سام».

وفي يناير (كانون الثاني) من عام 2013، تم القبض على سفينة إيرانية تسمى «جيهان»، وهي محملة بالأسلحة في طريقها إلى ميناء ميدي، شمال غربي البلاد، الذي يسيطر عليه الحوثيون.

ومن بين الأسلحة التي كانت تحملها السفينة «جيهان»، صواريخ «سام 2» و«سام 3» المضادة للطائرات، وتقدمت الحكومة اليمنية حينها بطلب لمجلس أمن الأمم المتحدة للتحقيق في القضية، في حين نفت الحكومة الإيرانية علاقتها بالأمر.

ويشير الجبرني إلى أحد محتويات الشحنة الجديدة، وهو صاروخ «قائم 118» الإيراني للدفاع الجوي، ويقول إن الجيش الإيراني كشف عنه في فبراير (شباط) من هذا العام، منبهاً إلى تزويد الحوثيين بهذا النوع من الصواريخ منذ العام الماضي؛ أي قبل الإعلان الرسمي عنه، ويسمى لدى الحوثيين «صقر 4» (تقريباً)، وفاعليته جيدة ضد المسيّرات.

الاكتفاء بإعادة التسمية

ينوه الجبرني بأن الشحنة شملت مكونات لمعظم ما يظهر في العروض العسكرية للجماعة الحوثية وعلى قنواتها الفضائية؛ إذ تشمل الشحنة صواريخ «كروز بحرية» يعيد الحوثيون تسميتها بـ«المندب 1 - سجيل»، ونحو خمس منظومات دفاع جوي شبه متكاملة، وعدداً كبيراً من الرؤوس الحربية لصواريخ باليستية حديثة، وحساسات.

جنديان يحملان بعضاً من شحنة أسلحة إيرانية صودرت في خليج عمان (البحرية البريطانية)

كما تحتوي الشحنة على أجهزة توجيه وتتبع للصواريخ التي يسمونها «فرط صوتية»، من نوعية الصواريخ التي أعلنوا عنها في عام 2020، وأجهزة استشعار حرارية، ومناظير متقدمة، وأجزاء حساسة لمنصات إطلاق الصواريخ الباليستية، وقطع خاصة بمنصات الإطلاق، ومحركات للطائرات من دون طيار.

ورأى في ذلك تعبيراً عن «اهتمام إيراني واضح» ببناء قدرات الجماعة، في إشارة إلى أجزاء منظومات دفاع جوي حديثة كانت من بين محتويات الشحنة.

وقال إن المفارقة تكمن في أن إيران نفسها فشلت في استخدام هذه المنظومات أثناء الضربات الإسرائيلية عليها، خصوصاً في الأيام الأولى. وعدّ ذلك انعكاساً لحرص الإيرانيين على أن يشمل دعمهم للحوثيين كل شيء، حتى أدوات حفر الأنفاق والملاجئ في الجبال.

جزء من مكونات شحنة أسلحة للحوثيين أوقفتها قوات يمنية حكومية (إعلام حكومي)

وينشر الباحث الجبرني صورة لصواريخ «كروز بحرية» من عائلة «قادر - نور» الإيرانية، ويقول إنها عندما تصل إلى الحوثيين يقومون بإعادة تسميتها بـ«المندب 1» وكتابة «صنع محلي يمني» عليها.

ويبين أن هذا النوع من الصواريخ أعلنت عنه إيران في عام 2014، وبدأ تهريبه إلى الحوثيين في عام 2017 ضمن شحنات صغيرة، مثل التي أعلنت المقاومة الوطنية ضبطها.

ووفقاً للجبرني، فإن ميزة هذا الصاروخ تكمن في إمكانية إطلاقه من فوق متن سيارة دفع رباعي معدّلة، عبر تثبيت قاعدته الصغيرة نسبياً.