عام 2017 في لبنان يبدأ من دون جريدة «السفير»

ساد الوجوم الوسط الصحافي اللبناني، بعد أن أصبح خبر توقف جريدة «السفير» مؤكدًا، ويبدو أنه لا رجعة عنه، على الأقل، في المدى المنظور. وتوجهت الصحيفة بكلمة إلى قرائها جاء فيها:
«وكان لا بد أن تنتهي الرحلة في قلب الصعب، فالأزمة الخطيرة التي تهدد الصحافة في العالم أجمع، وفي الوطن العربي عمومًا، تعصف بالصحف المحلية، محدودة الموارد وضيقة السوق... وهي أزمة تمتد من أرقام التوزيع إلى الدخل الإعلاني (وهو الأساس) إلى إقفال الأسواق العربية عمومًا في وجه الصحافة اللبنانية». الخبر كان قد أبلغ به صحافيو «السفير» يوم الخميس في اجتماع دعا إليه الناشر طلال سلمان، أعلم خلاله الجميع أن سياسة تقليص أعداد المحررين لم تعد تجدي، وأن النهاية باتت محتومة.
لن تحتفظ السفير حتى بموقعها الإلكتروني، فيما ينتظر 120 موظفًا، يعملون حاليًا في الجريدة وينضمون في نهاية السنة إلى عشرات الصحافيين قبلهم الذين غادروا «السفير» وغيرها من الصحف تحت ضربات الأزمات المالية الوجودية، أن تحفظ حقوقهم، وتصلهم مستحقاتهم التي يمكن أن تخفف شيئا من أعبائهم.
وكانت «السفير» قد تعرضت لهزة أولى في شهر مارس (آذار) الماضي، أبلغ خلالها الموظفون عن الوضع المالي الصعب الذي تمر به جريدتهم، وانتهت تلك الأزمة بمغادرة أكثر من 15 موظفًا، لكن بدت الأمور تسير بصعوبة. ويقول أحد الصحافيين، الذي رفض ذكر اسمه: «كان الناشر طلال سلمان عصبيًا جدًا في السنتين الأخيرتين... وهو متعلق بالجريدة وتحديدًا بنسختها الورقية التي رعاها طوال 42 سنة وارتبط اسمه بها، وكان يتمنى أن تبقى، لكن يبدو أن الأمر دونه صعوبات».
الذين غادروا السفير في السنتين الماضيتين، يفضلون عدم التحدث بأسماء مكشوفة كي لا يبدو في الأمر تشفّ، والذين تلقوا الصدمة الأخيرة، يحاولون التزام الصمت بانتظار أن يتبين كيف ستتعامل الإدارة مع ملفاتهم. ابن الناشر طلال سلمان أحمد، لم يجب على الاتصالات المتكررة، لاستيضاحه حول القرار الذي لا يعني موظفي «السفير» وحدهم، إنما لبنان كله، الذي يرى أنه يفقد صحفه، واحدة بعد أخرى. بلغت الصحف اللبنانية عصرها الذهبي خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وصلت طباعة أحد أعداد جريدة «النهار» في ذلك الوقت إلى ما يناهز مائة ألف نسخة، وقاربتها «السفير» في الرقم. كانت الصحف مع «تلفزيون لبنان» وبعض الإذاعات، هي المصدر الوحيد للأخبار. الآن تشير المعلومات إلى أن مبيع كل الصحف اللبنانية قد لا يتجاوز 10 آلاف نسخة. يبدو بحسب أحد المطلعين من داخل المؤسسة أن جريدة «السفير» لم تكن تتجاوز طباعتها في الفترة الأخيرة 4 آلاف نسخة، مع خسارة كبيرة في كل عدد لم تعد تغطيها الإعلانات التي انخفضت إلى حد كبير. دراسة أجرتها «السفير» منذ أربع سنوات، بينت أن العدد الواحد من الجريدة كلفته 4 آلاف ليرة، في حين مردوده على الجريدة نفسها لم يكن يتجاوز 650 ليرة. كل الاعتماد على الإعلانات التي لم تعد تجد في الصحف ما يغريها. يتحدث بعض الصحافيين في «السفير» عن فضيلة الناشر طلال سلمان الذي بقي يدفع رواتب موظفيه دون انقطاع، رغم الأزمة التي تعصف بأوضاع الجريدة، في وقت يرون فيه زملاءهم في الصحف الأخرى يعملون برواتب مؤجلة الدفع منذ أشهر طويلة. قالت «السفير»، أمس، في كلمتها لقرائها مسترجعة مسيرتها: «لقد اجتهدنا ما وسعنا الاجتهاد، وبذلنا من عرق التعب، وأحيانًا من الدم، فضلاً عن مطاردتنا بالتفجيرات، وصمدنا للاجتياح الإسرائيلي وللإقفال الظالم، بالقهر أو باستغلال القضاء لأغراض لا تتصل بدوره أو برسالته..». وأكملت الكلمة بالقول: «كان لا بد، في نهاية الأمر، أن نجلس إلى الزملاء في أسرة التحرير، الذين أعطوا من جهدهم وسهرهم واقتحامهم الصعاب وتأدية الرسالة المهنية بأمانة... وهكذا كان القرار بأن نكمل أيامنا الأخيرة، حتى أوائل يناير (كانون الثاني) المقبل في خدمة القارئ وستكون لنا عودة في رسالة الوداع بعد حين».
في انتظار الكلمة الوداعية التي ستخطها الجريدة لقرائها في اليوم الأخير من سنة 2016، ثمة 120 موظفًا بينهم عشرات الصحافيين، في غالبيتهم من أصحاب الخبرة والباع الطويل، منهم من لم يعرف غير «السفير» منبرًا حتى صارت بيته وأهله، سينضمون إلى زملاء لهم غادروا الصحافة إلى مهن مقاربة في دور نشر أو مراكز أبحاث، وغيرهم لا يزالون يبحثون عن فرصة. الصحف اللبنانية مهددة بالإغلاق واحدة بعد أخرى، ونعي «السفير» وغياب «صوت من لا صوت لهم» قد لا يكون سوى مقدمة.