استعراض غنائي راقص يستعيد تحرير باريس من النازية

ضمن العروض التي تقدم بمناسبة فترة أعياد رأس السنة، تلقى الباريسيون مفاجأة جميلة هي عبارة عن استعراض غنائي راقص تجري أحداثه عام 1944، مع نهايات الحرب العالمية الثانية وتحرير باريس من الاحتلال الألماني. ورغم أن هذا الموضوع لا يمت للحاضر بصلة، عدا عن أنه يتناول الفترة الأكثر ظلامًا من التاريخ الفرنسي القريب، فإن النقاد والجمهور استقبلوا العرض بكثير من الحفاوة؛ لأن الفنانين المشاركين فيه هم مجموعة محترفة من المغنين والراقصين الشباب من الجنسين، ممن أجادوا نشر البهجة داخل القاعة.
يشرف على العرض فاليري زيتون، أحد قدامى المدراء في شركة يونيفرسال للإنتاج الموسيقي. وهو قد تركها لكي يتفرغ لتقديم عروض ذات طبيعة خاصة وتحمل حنينًا للماضي. وسبق له أن أنتج استعراضًا جمع بين ثلاثة من «عواجيز» موسيقى الروك الشبابية في فرنسا، وهم توني هاليداي وإيدي ميتشل وجاك دوترون. أما التحدي الجديد الذي يخوضه زيتون فإنه يأخذ المتفرج إلى منطقة النورماندي، وهو الساحل الشمالي لفرنسا حيث أنزل الحلفاء قواتهم التي زحفت باتجاه بالعاصمة لطرد المحتل النازي منها.
يبدو الإخراج قاتمًا، في البداية، ليتناسب مع رهبة الحرب، لكنه يستفيد من التقنيات المسرحية والإضاءة الحديثة ويأتي بالممثلة المتوارية ماريزا بيرونسون لتقوم بدور الرواية التي تربط بين الفصول الغنائية الراقصة. ويستخدم المخرج، أيضًا، تقنية الشاشة الضخمة ليصور الكهوف والخنادق التي اختبأ فيها رجال المقاومة الوطنية ونساؤها أثناء موجات القصف والمعارك الضارية. وكم تأتي المفارقة جميلة ومؤثرة بين تلك المناطق الريفية الغارقة في العتمة وأنين الجرحى، وبين أنوار باريس يوم نزل أهلها إلى الشوارع يحتفلون بالنصر.
على مدى ساعتين، يتابع الجمهور محنة ثلاث شقيقات مع أحد أبناء العم ممن يتمنون الالتحاق بفرق المقاومة الشعبية دون امتلاك الجرأة على ذلك، بالإضافة إلى جنديين، ألماني مغلوب على أمره وأميركي من قوات الإنزال البحري. ورغم المواجهة المفترضة والشرسة بين الطرفين فإن المخرج عرف كيف يلتقط خيط الفرح لكي يقدم استعراضًا يملأ نفوس المشاهدين بالحبور. إنه توق الشباب إلى البقاء على قيد الحياة في زمن الموت والدمار.
لا يخلو الاستعراض من المواقف الخطيرة والحرجة، وليالي الخوف والجوع والحب الممنوع بين شابة فرنسية وجندي ألماني من جيش الاحتلال، وكذلك النزوح الجماعي للقرويين من بيوتهم وأراضيهم طلبًا للسلامة، لكن كل واحد من تلك المشاهد يعقبه عرض موسيقي راقص حي يبدد اليأس والقتامة، بحضور فرقة من العازفين، يرافقهم مغنون جدد من ذوي المواهب الساعية لتأكيد حضورها. وبفضل المستوى الجيد للأغنيات واللوحات الراقصة، عرف استعراض «صيف 1944» نجاحه الذي ساهم فيه مؤلفون موسيقيون من أمثال مكسيم لوفوريستييه وإريك بنزي وكلود لوميل. أما أغنية الختام فقد كانت هدية من المغني القدير شارل أزنافور وتلحين جان جاك غولدمان، وجاءت نموذجًا للفن الشعبي الذي انتشر في تلك الفترة من أوساط القرن الماضي.