قلق أوروبي بسبب تكتيكات «داعش» الجديدة

خبير أميركي: التنظيم يحاول صرف الانتباه عن تراجع سيطرته بدعوة أتباعه لتنفيذ هجمات في الخارج

إجراءات أمنية في شوارع مولنبيك بالعاصمة بروكسل عقب هجمات مارس الماضي («الشرق الأوسط»)
إجراءات أمنية في شوارع مولنبيك بالعاصمة بروكسل عقب هجمات مارس الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

قلق أوروبي بسبب تكتيكات «داعش» الجديدة

إجراءات أمنية في شوارع مولنبيك بالعاصمة بروكسل عقب هجمات مارس الماضي («الشرق الأوسط»)
إجراءات أمنية في شوارع مولنبيك بالعاصمة بروكسل عقب هجمات مارس الماضي («الشرق الأوسط»)

حذر مسؤول أمني أوروبي كبير من اختلاف مواقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في التعاطي مع ملف العائدين من مناطق الصراعات مثل سوريا والعراق، بعد أن شاركوا في صفوف الجماعات المتشددة وبخاصة تنظيم داعش، كما عاد المسؤول الأوروبي لتكرار تصريحاته التي تتعلق بضعف مستوى تبادل المعلومات الأمنية بين الأجهزة المعنية في أوروبا. وأعرب المنسق الأوروبي لشؤون محاربة الإرهاب جيل دوكيرشوف أمس، عن قلقه بسبب ضعف مستوى التعاون القائم بين الدول الأعضاء في الاتحاد بهذا الشأن. وفي مداخلة أمام وزراء داخلية الدول الأعضاء في بروكسل، أشار دوكيرشوف إلى أن الدول الأعضاء لم تصل بعد إلى مقاربة مشتركة من أجل محاربة الإرهاب بشكل جماعي، حتى بشأن بعض القضايا الأولية. واعتبر دوكيرشوف أن الدول الأعضاء في الاتحاد لا تسير كلها بنفس الاتجاه، ولا بنفس السرعة، كما أنها لا تتمتع بنفس الرؤية، قائلا إنه «يجب تطوير مقاربة شاملة على مستوى الدول الـ28».
كما اقترح المسؤول الأمني الأوروبي في تقريره الحالي، توسيع مجال تبادل المعلومات والمعطيات، وعدم حصرها بين الدول الأعضاء، مؤكدًا على ضرورة تبادل المعلومات الاستخبارية مع دول مثل تركيا، والأردن، ولبنان، وتبادل المعطيات والمعلومات مع الدول المجاورة مباشرة لمناطق الصراع في مجال محاربة الإرهاب.
واختتم وزراء الداخلية والعدل في الاتحاد الأوروبي أمس اجتماعاتهم في بروكسل التي استغرقت يومين.
وقالت مصادر مقربة من الاجتماعات رفضت الكشف عن نفسها، في تصريحات «لـ«الشرق الأوسط»» أمس، إن دوكيرشوف قدم تقريرا ركز فيه على ملف عودة المقاتلين الأوروبيين من مناطق الصراعات وبخاصة من سوريا والعراق، وما يمكن أن يشكله من خطر على أوروبا، كما تناول أيضا سبل مكافحة التشدد والتعاون مع شرطة الإنترنت لمواجهة نشر الفكر المتشدد على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتحدث التقرير عن وجود ما بين 2000 و2500 «إرهابي» أوروبي في ساحات القتال بسوريا والعراق، معتبرًا أن ذلك يشكل تهديدًا أمنيًا لدول الاتحاد الأوروبي في حال عودتهم. وبحسب التقرير الذي أعده دوكيرشوف، فإن «الأرقام الأحدث تشير إلى أنه من إجمالي المقاتلين الأجانب الأوروبيين، هناك نحو 15 إلى 20 في المائة قُتلوا، و30 إلى 35 في المائة عادوا إلى بلدانهم، و50 في المائة لا يزالون في سوريا والعراق». والتقرير يتضمن إجراءات للتصدي للتهديد المحتمل الذي يشكّله «الإرهابيون» العائدون إلى دولهم الأوروبية. وأضاف التقرير: «إن هناك أيضًا مجموعة كبيرة من المقاتلين الأجانب، في صفوف تنظيم داعش في ليبيا، الذين يمكن أن يحاولوا استخدام جنسياتهم أو روابطهم الأسرية للعودة إلى أوروبا». ولفت التقرير إلى أن «من يعودون يبقون على اتصال بـ(داعش) في مناطق النزاع بواسطة حسابات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي». ويأتي ذلك بعد أن حذرت واحدة من أهم وكالات إنفاذ القانون في أوروبا، من أن مزيدًا من هجمات «داعش» ستأتي في المستقبل القريب. ويقول الخبراء إن هذا هو نوع الضرر الذي يريد أن يحققه «داعش»: عدد كبير من الضحايا، في أعقاب هجوم باريس، ومذبحة في الشوارع عندما قتل عنصر بـ«داعش» المدنيين الأبرياء في مدينة نيس. الآن، واحدة من أهم وكالات إنفاذ القانون في أوروبا تحذر من أن مزيدًا من هذه الهجمات ستأتي من «داعش» في المستقبل القريب. ووفقا لمصادر إعلامية غربية، يحذر تقرير جديد من وكالة الأمن الأوروبية «يوروبول»: «من المتوقع أن تزداد الهجمات في دول الاتحاد الأوروبي، سواء من قبل جماعات أو أفراد». ولكن القلق الآن ليس فقط من الهجمات، بل من تكتيكات جديدة وأدوات الرعب التي قد يستخدمها التنظيم لخلق الفوضى. أصبح «داعش» خبيرًا في استخدام المركبات المفخخة في العراق وسوريا، والتي يقول التقرير إنه من الممكن أن يستخدمها قريبًا في أوروبا.
من جهته قال بيتر بيرغن، محلل «سي إن إن» لشؤون الأمن القومي: «ذهب الآلاف من الأوروبيين ليتدربوا من قبل (داعش) وعاد عدد منهم». وأضاف بيرغن في حديث لـ«سي إن إن»، أن «داعش» يحاول صرف الانتباه عن أراضيه المتضائلة بدعوة أتباعه لتنفيذ هجمات في الخارج. وعلمت «سي إن إن» أن هزائم المعارك الميدانية قد يكون لها دور في التخفيف من حملة التنظيم الدعائية. ويقول الخبراء إن فيديوهاتهم الدعائية تباطأت وتحولت من عرض مواجهات درامية وتقطيع رؤوس، مثل الملقب بـ«سفاح «داعش»» والذي ظهر في فيديو وهو يقول: «هذا السكين سيصبح كابوسكم»، إلى فيديوهات مثل المقطع الأخير في الموصل، والذي يُظهر الرهينة البريطاني جون كانتيل الذي يُفترض أنه أرغم على تصوير المشهد، وهو يعرض الجسور المتضررة وغيرها من الدمار.
وأوضح بيتر بيرغن - وهو مؤلف أكثر من كتاب عن هجمات سبتمبر (أيلول) و«داعش» وأول صحافي غربي التقى بن لادن في جبال تورا بورا في أفغانستان - أن «حكومة أميركا قتلت كثيرًا من المروجين لـ(داعش). وكمية الدعاية التي يصدرها التنظيم الإرهابي، انخفضت إلى حد كبير، ونحن نشهد انهيارًا كبيرًا لجهوده الترويجية». ولا يزال «داعش» يحاول زرع مخالبه في أعماق وعينا.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟